كتب الألمعي ضياء الدين بلال يقول إن أمام وزير الإعلام الجديد الأستاذ غازي الصادق وقتا طويلا حتى يعلم بنفسه جيدا إذ لا يكاد يعرفه أحد! ذلك أن جُلَّ من عرفوه، في المجال العام، إنما عرفوه يوم أذيع اسمه وزيرا للإعلام! وأومأ بلال إلى أنه فزع من أن تصبح وزارة الإعلام مباءة للعقاب، يرمى إليها بكل مغضوب عليه من السياسيين النافذين. أو أن تمسي مثابة للثواب، تزف إليها أطياف الطفيليات المتناميات المتسلقات في مسارات العمل السياسي القومي ومجالا رحبا للترضيات. وقد وجه بلالا حسنُ خلقه المهذب إلى أن يبرئ نفسه، كما أسارع فأبرئ نفسي على إثره، من شبهة الطعن في هوية وزير الإعلام الجديد، أو التشكيك في خلفيته، أو الغضِّ من قدره وكفاءته. إذ لم نعرف عنه، ولم يعرف أكثر الناس عنه شيئا، كما قلنا في مطلع هذا المقال. ولكن كما ينكر الناس عادة تعيين شخص لا صلة له بمسائل الصحة والتطبيب وزيرا للصحة والتطبيب، فربما جاز للمثقفين عموما، وللإعلاميين خصوصا، أن ينكروا تعيين شخص لا باع له في الثقافة والإعلام، ولم يروا له من قبل نصا مكتوبا، أو يسمعوا له تصريحا مسموعا .. وزيرا للإعلام. فوزارة الإعلام تحتاج إلى وزير بكفاءات شتى تجمع بين الثقافة والقدرات الخطابية والكتابية والمهارات السياسية والدبلوماسية. ومن لا يملك هذه الكفاءات مجتمعات أحرى به أن يعين وزيرا للتموين أو الثروة الحيوانية أو التعدين. والحق الذي لا مرية فيه أن بلالا أخطأ خطأ بينا عندما قال:" ثمة إحساس بدا يتنامى لدي في الفترة الأخيرة، وهو أن الحكومة لا تعطي الإعلام حقه المستحق من الاهتمام". وإحساس بلال هذا خاطئ ومتأخر إن كان قد تنامى لديه في الآونة الأخيرة - فقط - ورجح لديه إهمال الحكومة للإعلام. فتخلف الجانب الإعلامي في الإنقاذ أمر معلوم من أمورها ومنذ يومها الأول بالضرورة. فالإنقاذ كانت وما زالت فاشلة في معترك الإعلام بكل جدارة وبكل امتياز. ويخيل إلي أن أهل الإنقاذ قرروا منذ انبلاج ثورتهم أن معركتهم مع الإعلام معركة خاسرة لا محالة، وأنهم لا يملكون لها عُدَدا كافية، وحسبوا أنهم لا قبل لهم بالتصدي لخصومهم اللد العتاة الأشداء على هذا الصعيد. ولم يناقش أحد من أهل الإنقاذ أهمية العمل الإعلامي الراقي في إنفاذ جهاد الطلب وجهاد الدفع معا. أقصد بجهاد الطلب جهاد نشر الدعوة والمثابرة على إعلام الدنيا أجمع بالمزايا الإيجابية المتوفرة للمشروع الحضاري الإسلامي الذي يتوفرون على إنجازه. وأقصد بجهاد الدفع الجهاد الواجب الذي يوجه لمناجزة أعداء المشروع الحضاري الإسلامي، وأكثرهم العناصر الصحفية العلمانية العدائية الخبيثة المتطرفة الكريهة المتوطنة كالأدواء والأوباء في أجهزة الإعلام الخارجي منها والمحلي. وقد جهل أهل الإنقاذ أن مهمة الإعلام المعادي لهم لا تنحصر في تشويه سمعة الإنقاذ والسودان وحسب، وإنما أخذت تتخطى ذلك لاستعداء العالم على السودان، وتنهمك في رسم رسم خارطة الطريق السالك للتعدي عليه. وقد أصبح الإعلام حديثا أحد أهم وحدات التأثير في المجال الدولي. وقديما كانت الدول القومية وحدها هي الوحدات الفاعلة في مجال العلاقات الدولية والمؤثرة في الأحداث الكبرى التي تؤثر بدورها في ميزان القوى هي الدول القومية. وظلت الدول القومية هي المؤثر الوحيد في مجال العلاقات الدولية منذ تشكل الدول القومية عقب صلح وستفاليا في سنة 1648م واستمر الأمر كذلك حتى خمسينيات القرن المنصرم. ثم جاءت الشركات عابرة القارات، كإيكسون، وشل، وموبيل أويل، وغيرها لتمارس بعض التأثير. ثم جاءت وحدات تأثير أخرى عاتية مارست تأثيرا كبيرا بحيث أصبحت تجر الدول القومية نفسها للتأثير السياسي. ومن هذه الوحدات ما تمثل في المؤسسات الإعلامية الضخمة مثل (سي إن إن) و(فوكس نيوز) ومنها ما تمثل في شكل أفراد مثل المذيعتين الأمريكيتين باربرا والترز وكريستيانا أمانبور! وقد فهم أصحاب المشروعات السياسية الكبرى هذا الأمر وفقهوه حق الفقه ومنهم أصحاب المشروع الإستيطاني الإسرائيلي فاتجهوا للسيطرة بشكل أخطبوطي على الإعلام العالمي. وهو الأمر الذي ظهرت بعض ملامحه مع التحقيقات التي يتعرض لها حاليا الصهيوني الضليع روبرت مردوخ. ولست أذكر أين قرأت قديما أنه ما من وزير أو مسؤول سياسي إسرائيلي كبير إلا وكان في طور من أطوار حياته المتقدمة صحفيا! ولكني أذكر أنه ورد في مذكرات الرئيس الإسرائيلي الأول ديفيد بن غوريون أنه أمر المثقفين اليهود ألا يكفوا عن الكتابة عن دولة إسرائيل، فإن لم يجدوا شيئا يحمدوها بها فليبحثوا عن شيئ يذمونها به. فالمهم هو أن يظل إسم إسرائيل مذكورا على الدوام حتى يرسخ في الأذهان! فإلى هذا الحد المرهف بلغ إحساس قادة الدول المعادية للمشروع الإسلامي باستخدام الإعلام. أما أمة (إقرأ) وأمة البيان فقد تبلد إحساسها بأهمية القراءة والبيان. وفي هذا السياق نشاطر الأستاذ ضياء ملاحظته عن مهارة دولة الحشرة الشعبية في استخدامها لسلاح الإعلام أيام استيلائها على هجليج وأيام دحرها عنها. وقد أعانتها على إثمها وبغيها في الأرض بغير الحق قناة (العبرية) التي أذكر أنها بثت تقريرا قالت فيه إن الجيش السوداني قصف مدن الجنوب وأن طائراته ما تنفك تغير عليها ولكن يصعب تصويرها إذ يغطيها السحاب! وبالطبع فنحن لا نشيد بهذا الإعلام الفاجر الكذاب ولكن ندعو لمقاومته بالحق والجد والمهارة اللازمة التي نرجو أن يكون لوزير الإعلام الجديد منها نصاب. وفي النهاية نرجو من الأستاذ بلال أن يواصل الطرق على أسماع الإنقاذيين وأن يثابر على دمغ أدمغتتهم حتى يعوا عنه ويعقلوا عنه أهمية قدر الإعلام. أما نحن فقد واصلنا الطرق كثيرا على هذا الحائط الصخري الصفيق الذي حجب الأحلام والأسماع ولم نسمع بعدُ صدىً. ولذا قررنا أن نؤذن خارج (مالطا) الإنقاذ!