مع إعلان نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة في المغرب، التي تصدرها حزب العدالة و التنمية الإسلامي، خرج الأمين العام للحزب، الذي أضحى بموجب الدستور رئيسا للحكومة، لكي يقول إن الله و ليس الناخبين هو من اختاره و اختار حزبه لحكم البلاد. و أعلن رئيس الحكومة الإسلامي، عبد الإله بنكيران، أن المهمة الأولى لحكومته هي تنزيل الدستور الجديد، و محاربة الفساد، و استئصال اقتصاد الريع، و إنصاف الفئات المهمشة و المحرومة من المجتمع المغربي، واعدا المعطلين بالتشغيل، و المأجورين برفع الحد الأدنى للأجور إلى 3000 درهم، و بتحقيق معدل نمو يصل إلى 7 بالمائة. لكن، ما أن جلس السيد عبد الإله بنكيران على كرسي رئاسة الحكومة حتى قال إن رفع الحد الأدنى للأجور لن يتم إلا في سنة 2016، أي في نهاية ولاية حكومته. أما المعطلون من حملة الشهادات العليا، و الذين وقعت معهم الحكومة السابقة محضرا يقضي بتوظيفهم في أسلاك الوظيفة العمومية، فقد قال لهم رئيس الحكومة الإسلامي بأن "الرزق عند الله و ليس عند الحكومة". و جاء الرجل أمام البرلمان ليقول أخيرا، و ليس آخرا، بأن "تنزيل الدستور الجديد مسؤولية جلالة الملك". أما أباطرة اقتصاد الريع و الفساد المالي فقد وضع السلاح في مواجهتهم، و قال أمام البرلمان إنه لا يستطيع أن ينزع منهم امتيازاتهم. الخلاصة من كل التصريحات الآنفة للسيد عبد الإله بنكيران أنه لن يفعل شيئا على الإطلاق باستثناء توجيه الهراوات إلى رؤوس المحتجين في الشوارع. و هي النقطة الوحيدة التي كان جريئا فيها أمام البرلمان و أعلن أنه يتحمل مسؤوليته فيها كرئيس للحكومة. أما ما عدا ذلك فمقر رئاسة الحكومة لن يصلح إلا لتمضية الوقت و إعداد تصريحات رئيسة الحكومة التي تحقق فرجة شعبية يعترف له بها الخصوم قبل الأصدقاء. و أنا أستمع إلى تصريحات رئيس الحكومة مباشرة على التلفزة المغربية عادت بي الذاكرة إلى مدرستي الابتدائية في سبعينيات القرن الماضي، الطافحة مغربياً بالقمع و الدماء، و تذكرت كيف كانت الأحاديث النبوية، مكتوبة بخط عربي أنيق، تزين الجدران و تتسلل إلى وعينا و لا وعينا لتملأنا بقيم غاية في النبل و السمو قوامها العمل (العمل عبادة) و الصدق (لعنة الله على الكاذب و لو كان مازحاً) و طلب المعرفة (طلب العلم فريضة على كل مسلم و مسلمة). و تذكرت أيضا كيف كانت دروس التربية الدينية تستغل بشكل كبير سيرة نبي الإسلام كنموذج أخلاقي. و منها تلك الواقعة الشهيرة التي جاء فيها يهودي يلتمس من كبار قريش أن ينصفوه من أبي الحكم بن هشام (أبو جهل) الذي كان قد أخذ منه ماله. و لأنهم كانوا يعلمون مقدار كراهية هذا الأخير للنبي فقد أرشدوا اليهودي المسكين إليه، و قالوا له إنه يقول إنه نبي الله و جاء بالحق، و هو أحب الناس إلى صاحبك فاذهب إليه ليشفع لك عنده. و بالفعل ذهب ذلك اليهودي كما تقول القصة إلى النبي و طلب منه أن ينصفه من أبي الحكم بن هشام. فما كان من النبي إلا أن ذهب معه و طرق باب هذا الأخير و قال له: "أعط للرجل ماله". فارتعدت فرائص صنديد قريش و رد على اليهودي ماله المسلوب. و هو ما لم تستسغه زوجة أبي الحكم بن هشام فقالت: "لقد تواضعت ليتيم أبي طالب". فقال أبو الحكم: "رأيت على جانبيه أسدين غاضبين ما أكاد أقول له لا حتى يهمان بي". لا تهمني، الآن، صحة هذه القصص من عدمها. و لكن بالمقابل يهمني أنها كانت، من حيث هي وسائل بيداغوجية، من بين ما أخرجني وسط آلاف المغاربة للمطالبة بالتغيير تحت هراوات القمع. و كنت في كل وقفة و مسيرة أشعر أن على جانبي آلاف اللبؤات و الأسود الذين يزأرون من أجل الكرامة و الحرية و العدل و المساواة في هذا البلد الجميل. و في نفس الآن كان رئيس الحكومة الحالي، و زعيم المعارضة الإسلامية آنذاك، يجوب المغرب ليلقي الخطب في الناس باسم الله و الرسول، لا ليساند مطالبنا و إنما ليقف ضدها و ليصفنا بأننا مجرد "طبالة و غياطة". و قال كل ما قال من أنه سيرد أموال الشعب المسروقة، و سيصلح القضاء، و سيقول بتنزيل الدستور الجديد، و سيوفر مناصب الشغل للعاطلين، و.... اليوم، لا تكتفي الحكومة الإسلامية فقط بنكث الوعود و إنما هي تعمل على القيام بالعكس تماما مما كانت تنادي به في زمن المعارضة أو "المغارضة". فوزير التعليم العالي في نفس الحكومة يصدر رسالة إلى رؤساء الجامعات المغربية ليقول لهم إن ولوج التعليم الجامعي ينبغي أن يكون وقفا و حكرا على "الطلبة المتفرغين بشكل كامل للدراسة"، أي أنه يمنع ولوج الجامعة عن الموظفين و مأجوري القطاع الخاص. و حتى حينما يساءل من طرف البرلمان يلف و يدور و يقول إنه ليس هناك منع و أن الموظفين و الأجراء يمكنهم ولوج الجامعات شريطة الحصول على إذن مسبق، و حضور جميع الدروس، أي أنهم سيكونون عمليا قد غادروا وظائفهم. و بينما يقضي الدستور بالمناصفة بين الرجال و النساء جاءت التشكيلة الحكومية بامرأة وحيدة. و ظهر بعض أبواق حزب رئيس الحكومة لينادوا ب"يوم وطني للعفة و الحياء"، أي لفرض لباس معين على النساء. و ظهرت جماعات من الملتحين تمارس مهام "شرطة أخلاقية" على النمط السعودي المتخلف، خارج القانون، و تقوم بتعزير المواطنات و المواطنين. و أعلن رئيس الحكومة أنه عاجز عن محاربة اقتصاد الريع و الفساد الإداري و المالي و أنه في حل من "تنزيل الدستور" لأن ذلك "مسؤولية جلالة الملك"، و من توفير مناصب الشغل لحملة الشهادات العليا المعطلين لأن "الرزق عند الله و ليس عند الحكومة". ماذا إذن لو كان نبي الإسلام يعيش بين ظهرانينا، أو بُعث من مرقده فجأة ليكتشف من الذين يتكلمون اليوم باسمه و باسم الله و الإسلام؟ لا أتصور أن رئيس الحكومة سيبدو في نظر النبي أقل و لا أكثر من بائع وهم، أي من مجرد كذاب يستوجب اللعنة حتى لو كان مازحا. و لا أتصور أن وزير التعليم العالي سيكون في نظره أقل و لا أكثر من شخص يمنع عن المسلمين القيام بفريضة طلب العلم. و لا أتصور أن النبي لو رأى ما تفعله حكومة "الإسلاميين" سيحمل سيفا أو حزاما ناسفا أو سيقود سيارة مفخخة. لكني أوشك أن أراه يسير في الشارع، على رأس مسيرة مليونية، ليطالب بإسقاط بنكيران و حكومته لأنها أول من يسيء، في المغرب، إلى الله و الإسلام و نبيه. أما وهذا لن يحدث بالتأكيد، فسيخرج الشعب من جديد، ليسقط القناع عن القناع. لا مفر!