منصات حرة كنا فتية صغار .. نعشق اللعب وسط اشجار النخيل .. وكنا نرهق اهلنا فهم كانوا فى حالة بحث دائم عن مكان تواجدنا .. كنا نذهب للإستحمام فى النيل رغم التهديدات ورغم ما سنواجهه من عقاب لكن كنا نصر على الذهاب للنيل متخفين .. وكان لنا عشق إصطياد القمري .. ووضع الشرك الذي كنا نشتريه من صديقنا ( سمير ) كان ماهراً فى صناعة ( الشرك الأصلي ) .. وأحياناً كثيرة كنا نصعد النخل لجلب صغار القمري .. وكان أجود انواع القمري مايعرف ب ( القمري الدباس ) لحمه شهي ووزنه يقارب وزن الحمام .. كنا نطارد الثعالب ونتابع ظهور التماسيح على السطح الماء وكنا نعرف بقرب أحدهم برائحته النفاذة .. حينها كنا نهرب بعيداً عن النهر ونحن نصيح بوجود تمساح فى المكان .. كانت أيام جميلة قضيناها هناك فى تلك القرية الشمالية فى أرض السكوت .. وذات يوم كان معي صديق عزيز ونحن نمارس هواياتنا اليومية قادتنا أقدامنا لمنزل مهجور حيث يعشش هناك الهدهد أعجبتنا قصة أصطياد صغار الهدهد من أعشاشاها وهي دائماً ما تضع صغارها فى جحور لتحميها .. أخذنا صغار الهدهد وعدنا أدراجنا وعدنا اليوم التالي نبحث عن صغار الهدهد ذو الشكل الجميل وحينها رأينا تجمهر هدهدي من حولنا فهم عرفوا مقصدنا وعرفوا أننا سناخذ صغارهم لم نهتم بهم ولم نعرهم إهتمام رغم صراخهم وإستنجادهم لنا بتركهم فى حالهم .. المهم .. صعد صديقي تلة صغيرة محاولاً الوصول لجحر الهدهد لجلب الصغار بعد أن إكتشفنا مكانها .. إنفلت صديقي وسقط فى وسط كومة شوك وأصبح يصرخ متالماً ولم يستطيع الحركة فكلما حاول الحركة تنال منه طعناك الشوك فأصبح يبكي وهو لا يستطيع الخروج من هذا المازق فكلما ممدت يدي لإخراجه صرخ من شدة الألم .. فى النهاية بعد جهد وعذاب إستطاع الخروج من كومة الشوك تلك .. نظرت لصاحبي وقلت له أنظر لوالدة الهدهد .. إنها تنظر إلينا وماحدث لنا ماهو إلا بسبب دعواتها لنا .. فتركنا صغار الهدهد وعدنا ادراجنا هرباً من لعنة أمهات الهداهد الصغيرة التى قتلناها .. ومنذ ذلك اليوم حرمنا إصطياد الهدهد وعدنا لنصب شباكنا للقماري .. رغم صغر سننا عرفنا ذلك الخطا الذى كنا نرتكبه فالهدهد طائر وديع وشكله جميل وصوته عذب ولم نكن نصطاده للاكل وإنما لنلعب به .. ونقتله .. دون قصد .. ولكن عرفنا الخطأ الذى كنا نرتكبه .. بعد تلك السقطة التى نالها صديقي بسبب لعنة الهدهد .. !! ولنتأمل جميعاً مايحدث لنا اليوم فى بلادنا من سقطات .. وغلاء وتدهور إقتصادي .. وفشل تلو فشل فى كل مناحي الحياة .. لنتامل ونبحث عن السبب الأساسي وراء كل هذه المشاكل التى تحدث فى السودان .. غرباً وشرقاً وجنوباً وشمالاً ووسطاً .. كل بقعة من سوداننا مشتعلة حرباً وتوتراً وقصفاً .. لماذا ؟ .. علينا أن نبحث عن الخطأ الذي إرتكبناه والذى مانزال نرتكبه .. فى حق الوطن .. حتى نتجنب هذه اللعنات المشابهه للعنات الهدهد الصغير .. على كل من أخذ شيئاً لا يخصه وكل من إعتدى على حق الغير وكل من إغتصب ماليس له .. التراجع فوراً عن هذا المسلك والإعتراف .. بالخطأ .. ورد الحقوق .. وإحترام القانون .. وإعادة الحريات وإعطاء كل ذو حق حقه .. حينها فقط سنجنب البلاد والعباد ( لعنات الهدهد المظلوم ) .. ولكم ودي .. الجريدة