توطئة : سوف نبدأ هذه السلسلة من مقالات " افصلوا الشمالية" بتعريف أو بعض التعريفات للألفاظ و المصطلحات التي تستخدم هنا حتى تكون هناك دقة في الدلالة, و يكون الجميع على بينة من مقصدنا. ثم يعقبها ذكر لبعض البديهيات عن الشأن السوداني, و التي ربما يعرفها البعض, و يجهلها البعض الاخر. كما نقوم كذلك بتفنيد بعض المغالطات و الخرافات التي أشاعها و روج لها خطاب ما بعد الإستعمار- الخطاب الشمالي- في الحقل الثقافي و السياسي في السودان كوسيلة لتمرير مصالحه و التعمية على إنتهاكاته. ثم أخيرا سوف نقوم بذكر الأسباب التي دعت الكاتب إلى الدعوة لفصل الشمالية, السرطان الخفي الذي استشرى في جسد السودان منذ القدم, و أرهق السودان و السودانيين كثيرا و لم ينتبهوا إليه. أولا: نقصد بالشمالية, المنطقة الجغرافية و التي تمتد من الجيلي في شمال الخرطوم إلى مدينة وادي حلفا في أقصى شمال السودان. و نقصد بالشماليين مجموعة الأفراد و القبائل الأساسية التي تسكن هذه المنطقة الجغرافية من عرب, أو مستعربين, أو أشباه عرب, أو نوبة الشمال, سواء الذين يوجدون في الشمال الان, أو الذين نزحوا بسبب الجفاف أو القحط, أو الفقر إلى مناطق السودان الأخرى في دارفور, أو كردفان, أو الجزيرة, أو البطانة, أو الخرطوم, أو شرق السودان, مثل قبائل الجعليين, و الشاقية, و بقية تمامة الجرتق, و نوبة الشمال, الغراب الذي توشح بالبياض. كما نقصد بالخطاب الشمالي كل النصوص الشفوية أو التحريرية التي تنتجها هذه المجموعات لتسويق و تبرير مصالحها. بعض الحقائق الأولية : 1.السودان كيان بدوي, يتكون من مجموعات قبلية, سواء في الشمال أو الوسط, أو الغرب أو الشرق. و ما زالت القيم القبلية الرعوية, هي السائدة ة المسيطرة في علاقات السودانيين, سواء على مستى المجتمع أو الدولة. 2. و بسبب أنه كيان بدوي تتحكم فيه القيم الرعوية القبلية, لم يسد استقرار يؤدي إلى عملية تراكم تأريخي طويل, و من ثم انصهار يؤدي إلى تكوين مجتمع مثالي, و ثقافة قومية بالمفهوم الأنثروبولوجي للمجتمع و الثقافة, كما هو سائد في مدن عريقة مثل القاهرة أو دمشق أو بغداد أو طنجة, ..... 3. لم يعرف السودان طوال تأريخه القديم الدولة المركزية الموحدة, و إنما كانت هناك ممالك و مشيخات تحكمها قبائل. و أول سلطة- لا دولة- مركزية عرفها السودان, كان في عهد محمد علي باشا في عام 1821, بينما السودان الحديث, بحدوده الجغرافية الحالية, قد شكله الإنجليز بعد الغزو و ضرب الدولة المهدية في عام 1898. و بالتالي فالسودان الحديث هو مخترع كولونيالي, تشكل وفق الرؤية الكولونيالية, و ليست رؤيتنا نحن. لذلك لا يزايد علينا أحد أهبل مثل حكاني , أو الطيب مصطفي, أو واحد متعالم مثل المدعو حسن مكي, و يحاضرنا و يعطينا دروس مجانية في أن هؤلاء يشبهونننا, و هؤلاء لا يشبهوننا. و قديما قال الدكتور حسن موسى للطيب صالح في إحدى سقطاته, " أن هذا الهامش الذي تتعالم عليه, و تحاول التنظير بالإنابة عنه باعتبارك بروفسور أو مثقف إستثنائي الان عنده مثقفين نجاض بيعرفوا فوكو, و الجابري, و أركون, و بارت, وكرسيتيفا, و هومي بابا, و إسبيفاك, و إدوارد سعيد, علي حرب, و جيمسون, و بالتالي ما محتاجيين لواحد أهبل زيك أو زين حسن مكي يجي يدعي المعرفة عشان يقوم بالتنظير بالإنابة عنهم. 4. ظل السودان منذ استقلاله في عام 1956, و إلى الان يحكمه الشماليون, لأن هذه الفئة تواطأت, و شاركت الاستعمار في القضاء على الدولة المهدية. و من ثم احتضنها الإستعمار بعد ذلك واستوعبها في جهاز الدولة الكولونيالي, ككتبة , و صغار موظفين, و خدم, و من ثم أتاح لها دون غيرها, و بسبب الفقر المدقع لإقليمها, فرص التعليم و الترقي الإجتماعي, و عندما خرج سلمها السلطة في البلد. و هذه ليست حالة سودانية خالصة, و إنما في أغلب, إن لم يكن في كل البلدان التي مرت بالتجربة الاستعمارية في أفريقيا و اسيا. لذلك عندما خرج الاستعمار وجدت هذه الفئة نفسها تستحوذ على وضعية المستعمر, تمتلك جهاز الدولة, و تستحوذ على جل الوظائف الحكومية من ناحية عددية, و تهيمن على جل المؤسسات الحكومية. لذلك ذكر الدكتور منصور خالد أن هذه الفئة ورثت إمتيازات الاستعمار, و لم تتحمل مسئؤلياته. لذلك حافظوا بشكل مرضي على هذه الإمتيازات, و العبد دائما أسوأ من سيده, و التركي و لا المتورك. لذلك هم هنا أصبحوا مثل الجماعة الوظيفية أو الكومبرادور, و لم يصلوا لذلك بسبب تميزهم العرقي, أو جمال أشكالهم. و نواصل في الحلقة القادمة مغالطات خطاب ما بعد الاستعمار.