سئل مرة محمود محمد طه في محاضرة عامة له، هل تصوم رمضان؟ فقال إني آكل في نهار رمضان ولكني لا أشبع. وسئل هل تحج ؟ فقال:" إني أطوف حول قلبي ". وسئل إن كان يصلي: فقال إنه يصلي صلاة الأصالة. فما هي صلاة الأصالة ؟ يفرق محمود طه بين نوعين من الصلاة: الأولى، وهي صلاة التقليد، والثانية وهي صلاة الأصالة. أما صلاة التقليد فهي تلك التي يقلد فيها المؤمنون رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ، ودليلها: " صلوا كما رأيتموني أصلي". وأما صلاة الأصالة فهي تلك التي يؤديها المسلمون ابتداءً من القرن العشرين. " وفي صلاة الأصالة لا يوجد تقليد وإنما يوجد تأسٍ بالرسول وبمقاصده في التشريع ". (راجع: محمود محمد طه، رسالة الصلاة، الخرطوم، 1972 م، ص 77). هل أنكر الرجل الصلاة؟! وفي اعتقاد محمود فإن الصحابة لم يصِلوا إلى درجة الإسلام، وإنما وصلوا فقط إلى درجة الإيمان، لأنهم خوطبوا بالآية:" اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون"، فقالوا: يا رسول الله أينا يستطيع أن يتق الله حق تقاته؟ فنزل في حقهم:" فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيراً لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ". وهكذا كان الصحابة في درجة بدائية من درجات التدين، وبقي على الإنسان المعاصر أن ينخلع عن تلك الدرجة الأولية إلى درجات أعلى، وأن ينخلع من صلاة الحركات إلى صلاة الأصالة! والصلاة عند الجمهوريين هي وسيلة وليست غاية، وهم يشددون على مسألة الخشوع والحضور في الصلاة، حتى تؤدي دورها في الترقي والوصول، ولذلك فهم يعتقدون ببطلان الصلاة التي لا يصاحبها الخشوع. وأما هذه الصلاة المعروفة، فهي تسقط عن المؤمنين، متى وصلوا إلى درجة المسلمين. لأن كل فرد منهم يجد حينئذٍ شريعته الفردية الخاصة، التي يأخذها استقلالاً عن الله تعالى. ما معنى توقيت الصلاة وإذا احتججت أمام الجمهوريين بالآية التي تقول:" إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً " أجابوك بتفسيرهم الخاص لها من قول محمود محمد طه:" فاسمع إذن: المقصود بالصلاة هنا الصلاة الشرعية، وكتاباً موقوتاً يعني فرضاً له أوقات يؤدى فيها، وهو على المؤمنين مرحلة أمة البعث الأول، وهي الأمة التي تعيش في أخريات أيامها. وقد ندبت لتواصل سير ترقيها وتطورها إلى أمة المسلمين ". (راجع: المصدر السابق، ص 105 - 106). وأما إذا ترقى المؤمن:" حتى بلغ حق اليقين، وسكن قلبه، وأطمأنت نفسه فأسلمت، طالعه المعنى البعيد لكلمة (موقوتاً)، وذلك المعنى في حقه، هو أن الصلاة الشرعية فرض له وقت ينتهي فيه، وذلك حين يرتفع السالك إلى مرتبة الأصالة، ويخاطب بالإستقلال عن التقليد، فهو حينئذ لا تسقط عنه الصلاة، وإنما يسقط عنه التقليد". (راجع: المصدر السابق، ص 97 – 98). ومثل هذه النصوص يحفظونها حفظاً، وكان لهم ولع شديد باستعراضها في المنتديات. ما هي صلاة الأصالة المزعومة؟ وهكذا أصبحت الصلاة ، وسيلة للوصول إلى مرتبة الأصالة (وهي مرتبة الاتحاد مع الله)، نعوذ بالله العظيم من هذا! ومتى ما تحققت هذه الغاية، بطلت مهمتها، وانتهى دورها، وأصبحت للمرء صلاة خاصة به، لم يشرحها لنا محمود، ولكنه قال إن الرسول، صلى الله عليه وسلم، كان يؤديها باعتباره المسلم الوحيد في ذلك العصر. وبالطبع فلم يحفظ لنا أي من كتب السنة صلاة بهذا الوصف، وكل ما عرفناه أن قيام الليل كان فرضاً على الرسول، صلى الله عليه وسلم، ولكنه كان صلاة يؤديها مثل الصلوات الأخرى، ولم تعرف كيفية مخالفة لتلك الصلاة. وهكذا فترك الصلاة عند محمود دليل على مرتبة الوصول والاتحاد مع الله، تعالى الله علواً كبيراً عما يقول الكافرون.