الكسل، حالة ايجابية. هذه النتيجة ليست من (عندياتي) وإنما هى من أحد أشهر أصحاب الإمبراطوريات المدهشة في هذا العالم: بيل غيتس! (امبراطور مايكروسفت) .. هذه الإمبراطورية الدقيقة والعملاقة ذات ( الويندوز) المفتوعة) على الدنيا، كان قبل سنوات قد أدهش أساتذة وطلاب جامعة ( أوستن) في تكساس، وحشد من الإقتصاديين، ورجال الأعمال، وأصحاب الثراء، وهو يحاضر عن فن بناء الإمبراطوريات المالية، وعن اقتصادياتها، وفنون الإدارة، والتوظيف. ابتسم غيت، وهو يقول: عادة اختار الكسول، لتأدية أصعب الأعمال! ارتفعت حواجب. ارتسمت علامات تعجب واستفهام. سرت همهمات، واحتلت ابتسامات أمكنتها اللآئقة في الكثير من الوجوه، وكان غيتس، لا يزال يوزع عينيه، بين الحضور، وفي فمه تتسع الإبتسامة! استند بيديه الإثنتين، على طاولة الحديث: لا. لا تستغربوا.. الكسول عادة ينجز العمل بأبسط الطرق، وبسهولة! تلك فلسفة ثالث أغنى أغنياء العالم، في فن التشغيل.. وهى شهادة عالية، من رجل خبر بناء الإمبراطوريات المالية، وخبرته.. شهادة بعتز بها أي كسول، في هذه الدنيا.. الكسل أنواع. هنالك كسل العقل، وهنالك كسل الجسد، وهنالك كسل الروح، وربما يقول من هو أنشط مني فهما، ان هنالك غير هذه الأنواع الثلاثة، أنواع! مهما يكن، بيل غيتس تحدث إجمالا عن الكسل، ولم يدخل في التفاصيل، ربما لأنه يمتاز بهذه الصفة، وهو لو لم يكن كذلك، لما استطاع أن يبني واحدة من أعظم الإمبراطوريات المالية في العالم، بأسهل الطرق! الحضور الكثيف، الذ ي كانت قد استبدت به ضحكات وهمهمات- وغيتس يتحدث عن سبب اختياره للكسول لانجاز الاعمال الصعبة- لم يسأل (الإمبراطور) عن أي نوع من الكسالى يخنار: كسول العقل أم الجسد ام الروح ، أم من يمتلك هذه الانواع الثلاثة جميعا، أم من يمتلك غيرها.. لا. لم يسأل أي أحد من الحضور، ربما لأن أي أحد من ذاك الحضور، يتمتع أساسا بصفة الكسل! قلسفة بيل غيتس، قد تتفق أنت معه فيها، وقد لا تتفق ، لكن غيتس الذى ألقى كلمته ومضى إلى شأن آخر، لا يعنيه اتفاقك أو اختلافك.. مايعنيه أنك لو كنت أنت كسولا، لاختارك أنت- أيها الكسول- لإنجاز الأعمال الصعبة.. هذا بالطبع ، لو كنت أنت أحد موظفيه، في الإمبراطورية التي لا تغلق أبوابها إطلاقا! الحديث عن الكسالى، ذو شجون، وأنا من قبيل من الناس متبايني الملامح والسحن، فطس الانوف، جُعد الشعر، يسبغ عليهم الخليجيون، صفة الكسل، ويتندرون عليهم بهذه الصفة، وينكتون تنكيتا! (اسباغ) صفة الكسل، علينا نحن السودانيين، ليست من بنات أفكار الخليجيين، إنها من بنات أفكار غيرنا نحن من الوافدين، إلى هذه المنطقة من العالم. هذه المنطقة التي يطيب فيها الرزق، وتستطيب فيها الحياة، ويتزاحم فيها الوافدون، من كل أرجاء الدنيا، على الوظائف التي كلما ضاقت اتسعت، وهذه المنطقة من طفرة إلى طفرة، وهى في كل يوم جديد من حال إلى حال! التزاحم على الوظائف، قد يكون شريفا، وقد يكون لا,, قد يكون ( سيدا) وقد يكون بطرق ملتوية، ومن هذه الطرق التقليل من شأن الآخرين، وقدراتهم العملية، ومهاراتهم.. بل والتشكيك في شهاداتهم، أو في نزاهتهم، أو في طهارتهم الاخلاقية.. كل هذا يحدث بالتندر، والتنكيت، والمزاح، لكن يبقى القصد- في النهاية- هو القصد: سد أبواب العمل في وجوههم، لتفتح في وجوه غيرهم! إنه القتال من أجل الرزق، ولكنه القتال الذي لا شرف فيه، ولا خلق، ولا أمانة، ولا نبل، ولا نزاهة، ولا، ولا، لا. في خضم (هالشكل) من القتال، أطلق من أطلق من الوافدين صفة الكسل على السودانيين، في شكل نكتة.. نكات، وراجت، وتوالت غيرها إلى يوم الناس هذا يا (عُصمان).. و(عُصمان) كانت تربد ملامحه في البداية، يكفهر وجهه، يستبد به الغضب، ثم صار يضحك من شر البلية، ثم صار يضحك أخيرا، على من ضحك أولا، ومن يضحك أولا يبكي- عادة- في النهاية! هل السودانيون كسالى؟ أنظر إليهم ياصاح: إنهم مثل غيرهم من خلق الله، يصحون مع الديك يطلبون الرزق، في البرد وتحت المطر، وفي الحر الذي يلوي ذنب الضب. أنظر إليهم ، إنهم يصنعون الدبابة، والطائرة بدون طيار، والسيارات أمجاد.. أمجاد ياعرب أمجاد.. أنظر إليهم، إنهم ينحنون إلى الأرض، يبذرون البذرة في ملايين الهكتارات، حتى انحنت ظهووهم. انهم يحفرون الترع، ويشيدون السدود العملاقة، ويردون على أوكامبو بالحلاقيم تلك التي من فصيل ( الساوند سيستم) الر الرد بالسد السد. أنظر إليهم إنهم ظلوا يتقاتلون بشراسة-شمالا وجنوبا- منذ ماقيل الاستقلال، وحين أطفأوا النيران بين الشمال والحنوب، هبوا يتقاتلون قتال الجن في دارفور، التي هى وحدها بمساحة فرنسا وبلجيكا... يتقاتلون وما زالوا، وما انفكوا، ومابرحوا ولم تفلح كل قوات الامم وإفريقيا في أطفاء نيرانهم المدلهمة. أنظر إليهم- ياصاح- إنهم يصلون الخمس وزيادة، يحجون البيت، ينحرون، يكرمون الضيف، يحمدون رب الناس في كل الاوقات، يتزوجون يتناسلون، يتكاثرون، يضربون غرائب ابل الغربة إلى فجاج الدنيا أطباء ومهندسين وإعلاميين وأساتذة جامعات وفنيين وعمالة ماهرة، وأخرى على باب الله، طاهرة اليد واللسان، تفيض خلقا ، وبساطة، ومروءة! هل السودانيون كسالى؟ أجل.. إنهم لكذلك.. وفي ظني أن بيل غيت ماتوصل إلى فلسقته في فن التشغيل، إلا عبر سوداني: ضحك غبتس من واحدة من النكات التي تسبغ الكسل على السودانيين، ونادى على( عصمان) يا ( أسمان كم هيا) وحين جاءه عثمان، امره أن ينجز عملا، أرهق غيره في ( الإمبراطورية)، ليرى (أوسمان) كيف يكب ( الجرسة)!. لدهشة غيتس، أن (أوسمان) أنجز العمل بكل سهولة.. دون أي نوع من التعب، ودون أن (يتجرس)! التمعت الفكرة في ذهن بيل.. قال قولته المشهورة في ذهنه أولا.. وقالها ثانيا، في جامعة( اوستن) والحضور الكثيف يرفع حواجبه.. وبين القولين، كان غيتس ينادي- باستمرار- على (أوسمان) يا أوسمان.. يا أوسمان.. يامستر(أوسمان) كلما فشل الآخرون في انجاز عمل صعب، ومتعب! يديك العافية يا (أوسمان) ( ماقصرت والله.. ماقصرت)!