ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    مناوي ووالي البحر الأحمر .. تقديم الخدمات لأهل دارفور الموجودين بالولاية    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مغامرات الاستخبارات السودانية فى الصومال ومحاولة تفجير الباخرة فاينا


سيف اليزل سعد
مغامرات الاستخبارات السودانية فى الصومال ومحاولة تفجير الباخرة فاينا
لماذا سعت الاستخبارات السودانية لتفجير الباخرة فاينا؟
كيف تسربت المعلومات حول تفاصيل العملية الفاشلة؟
من هم ضباط الاستخبارات السودانية الذين نفذوا العملية؟
من هو حلقة الوصل بين ضباط الاستخبارات والقراصنة الصومال؟
اين وكيف تم الاتصال بالوسيط الصومالى للتفاوض مع القراصنة الصومال؟
ما هو دور سفارة السودان فى احدي الدول الأوربية فى تنسيق عملية التفجير؟
كم دفعت الحكومة السودانية لتفجير الباخرة؟
كيف وأين تم تسليم المبلغ للعميل الصومالى؟
كيف تم تسريب جزء من شحنة الأسلحة بتخطيط بين السفارة الإثيوبية فى نايروبى وهرقيسا؟
لماذا تسربت أخبار هذه العملية فى بعض الدوائر الصومالية المحلية؟
ماهى الفدية المالية التى دفعتها حكومة جنوب السودان للقراصنة؟؟
وكيف وعن طريق من تم تسليم هذه الفدية المالية؟
كيف كانت أوضاع الصومال عند تنفيذ العملية؟
هى قصة اغرب من قصص الخيال يرويها احد العارفين والملمين بما يدور فى الصومال ومن أهل الصومال
يرويها وهو يضحك بين الفينة والاخري لغباء المخابرات السودانية ومقدرة القراصنة الصوماليين فى ابتزازهم للحصول على آلاف الدولارات السائبة . اعرف الرجل معرفة جيدة منذ عام 2005 فهو يدير مكتبا تجاريا فى هريقسا (او حرقيسا فى رواية أخري ) وقد ساعدنى كثيرا خلال زياراتى للصومال من فيزا وحجز تذاكر وسكن وترحيل. والرجل ملم ومهتم جدا بقضايا السودان وقد خالط السودانيين خلال دراسته وعمله فى العديد من الدول العربية. هذا التقرير يحاول دارسة وتحليل القضايا الصومالية وتداخلها مع الأزمة السودانية. سوف أحاول من خلاله إلقاء الضوء على الأموال التى انفقتها الحركة الشعبية والحكومة السودانية لتمويل الحرب فى السودان، ولإلقاء الضوء على الدور الإقليمي على الصراع فى السودان. من خلاله سوف أحاول الإجابة على الأسئلة أعلاها وأسئلة أخري حول الدمار والتفتيت التى تعرض ويتعرض لها السودان تحت حكم الانقاذ والحركة الشعبية شريك الانقاذ فى الحكم
قبل ان نبداء فى الإجابة على الأسئلة اعلاه دعونا ننظر للأوضاع فى الصومال لتقديم صورة كاملة لخلفية هذه العملية
المشهد الأول
هريقسا قبلة المخابرات والاستخبارات
هريقسا ، عاصمة ارض الصومال، مدينة صغيرة تقع فى بيئة جافة رغم وقوعها فى وادي منخفض تحيط به التلال من كل جانب. وكانت قد تعرضت لقصف صومالى مركز خلال حكومة سياد بري دمر جميع مساكن المدينة وأرغم أهلها على الفرار الى إثيوبيا والتى تبعد حوالى ساعتين بالسيارة فى طريق ترابى يقطع العديد من الخيران الموسمية. وكانت طائرات سياد بري تنطلق من مطار هريقسا والذي يقع على هضبة مرتفعة تطل على المدينة لتلقى القنابل على رؤوس قبائل الاسحاق والتى تقودها حركة صومالى لاند الوطنية. بعد حرب مريرة نجحة الحركة فى المساهمة فى إنهاء حكم سياد بري وإعلان قيام دولة ارض الصومال فى مايو من عام 1991 وأصبحت هريقسا عاصمة للبلاد. فى حين تواصلت الحروب فى بقية أجزاء الصومال فى بلاد بنط والصومال الجنوبي كانت هريقسا وبربرا وبرعو من المدن الآمنة نسبيا مقارنة بالمدن الأخري . ولقد تابعت طيلة السنوات الماضية التطور الإيجابي فى الاستقرار الامنى فى هذا الجزء من الصومال. اذكر ان حركة الأجانب من امثالى كانت مقيدة ومحدودة بزمن وحراسة عسكرية إلزامية حفاظا على سمعة ارض الصومال كواحدة من الوسائل لانتزاع اعتراف من المجتمع الدولى بأرض الصومال كدولة مستقلة. لذلك أصبحت هريقسا مدينة مهمة بعد نايروبى لمتابعة الشأن الصومالى بكل أبعاده السياسية والعسكرية والأمنية والتجارية والدولية والإقليمية
الزائر لهرقيسا لن يمر دون ان يقع بصره على النصب التذكاري الذي يقع فى وسط المدينة لمجسم حقيقى لطائرة عسكرية تم إسقاطها إبان الحرب من طراز ميج 27. ولن يغيب عنه النهضة المعمارية التى تشهدها المدينة والتى تمولها أموال الصوماليين بالشتات فى الخليج وأمريكا وأوروبا . ولتمويل هذه النهضة المعمارية والحركة التجارية انشاء الصوماليون مؤسسات مالية خاصة بهم بعد انهيار النظام المصرفى الصومالى خلال فترة الحرب. ولا تستغربوا من إطلاق اسم "الحوالة" على هذه المؤسسات المالية فهى تعنى الحوالة التى كانت موجودة فى السودان خلال العهد الذهبي للبريد السودانى. واحدة من انجح هذه المؤسسات المالية الصومالية شركة تسمى "دهب شيل " مقرها فى بريطانيا ولها مكاتب فى دبى وفى هريقسا . وللشركة ايضا تواجد فى مدن عديدة فى السودان ومكتب رئسي فى السوق العربى وآخر فى جوبا . تقوم هذه الحوالات بتحويل الأموال بسرعة وكفاءة عالية مما جعلها هدفا لوكالة المخابرات الأمريكية فى حربها ضد ما يسمى بالرهاب. وكان على راس هذه الحوالات شركة تسمى البركات والتى وضعت فى القائمة المحظورة ضمن خمسة شركات صومالية اتهمت بتمويل العمليات والنشاطات الإرهابية . لم يشمل الحظر دهب شيل والتى صارت مؤسسة مهمة لتوصيل الدولار ليد المواطن الصومالى حتى اصبح الدولار وكأنه العملة الوطنية للبلد. فخلال زياراتى المتكررة لأرض الصومال لم أبدل للعملة المحلية الا مرتين. المرة الأولى حين صدم احد السائقين نعجة فى الطريق بالخطأ وحكم عليه بدفع غرامة قدرها ثمانين دولارا من قبل شيوخ الحلة . لم يكن معى سوى أوراق مالية من فئة المائة دولار فدفعنا مائة دولار وبدلا من ان يدفعوا لنا الباقى عشرين دولارا دفعوا لنا ما يعادلها بالعملة المحلية عبارة عن نص جوال من العملة الورقية المحلية . اما المرة الثانية فهو التحويل المفروض من الحكومة الصومالية وقدره خمسون دولارا فى مطار هريقسا بالسعر الرسمى لتمويل خزينة الدولة الفقيرة. المفارقة ان معظم العملة الصعبة التى يجمعها الصوماليون فى دول الشتات ويرسلونها الى أهلهم فى الصومال تستقر فى جيوب تجار القات فى اثيوبيا وكينيا. فقد زاد استهلاك القات بصورة كبيرة فى جميع أنحاء الصومال بسبب الحرب والفقر وارتفاع نسبة العطالة. وتجارة القات ماهى الا تجارة مخدرات منظمة تتم تحت سمع وبصر السلطات أيا كان نوعها فى الصومال او كينيا او اثيوبيا . وهى تمثل مصدر دخل مهم للحكومة الصومالية عن طريق الضرائب المباشرة على القات من تجار الجملة حتى تجار القطاعي . وقد وجد النساء مصدر دخل مهم من خلال بيع القات فى صناديق خضراء مكتوب عليها رقم يشير للتصريح من السلطات المحلية . والقات هو آفة الشعب الصومالى. زاد من انتشارها الحرب وانهيار المؤسسات الحكومية و تدهور الخدمات الأساسية فى مجال الصحة والتعليم
كأية مدينة أخري فى شرق أفريقا توجد فى هريقسا مناطق يقصدها الأجانب والسواح والخبراء من خارج البلاد. واحدة من هذه الأماكن يشبه احد الفنادق فى مدينة جوبا عاصمة جنوب السودان،، فالفندق عبارة عن نقطة اجتماع لعملاء الموساد، ام اي فايف والسي اي إيه وغيرهم من عملاء المخابرات فى العالم. مدينة هريقسا مدينة صغيرة لا يتعدي حجمها محلية امبدة فى امدرمان. وتخلو من أماكن الترفيه والمنتزهات والمقاهي والمسارح ودور السينما. يوجد بها فندقان هما قبلة الترفيه لسكان المدينة من الأثرياء والساسة والوزراء وموظفو المنظمات الدولية. الفندق الأول هو فندق امبسادور ويقع على بعد خطوات من مخرج مطار حرقيسا اما الفندق الثانى فهو فندق مانسور او (منصور) ويقع فى الجزء الشمالى الغربى من المدينة بعيدا عن المطار. ليس هناك فندق اخر فى المدينة تتوافر فيه مواصفات السلامة التى تجذب الأجانب غير هذان الفندقان. هنا يلتقى عملاء المخابرات من دول العالم وفى واحد من هذين الفندقين تمت الصفقة الفاشلة بين ضباط الاستخبارات السودانية ووسيط القراصنة الصوماليين فى محاولة لتفجير شحنة الباخرة فاينا
المشهد الثانى
القراصنة الصوماليين ،، دفاعا عن الساحل ام مهنة مربحة؟
ترتبط القرصنة البحرية بالتاريخ القديم كظاهرة سادت وبادت الا ان ظهورها فى بدايات القرن الواحد وعشرين اثار العديد من علامات التعجب والاستغراب. ما زاد من حدة الدهشة هى ظهورها من جديد فى واحد من اهم المعابر المائية التجارية قبالة الساحل الصومالى فى المحيط الهندي وبحر العرب عند مدخل باب المندب . لقد شكلت القرصنة الصومالية تهديدا مباشرا للتجارة الدولية ساهم فى زيادة الأسعار وتكاليف النقل وإجراءات السلامة والتأمين. داخليا شكلت القرصنة الصومالية ثقافة جديدة فى مفهوم العديد من سكان السواحل الصومالية . فهى ينظر لها بانهاعملا "رجولى" بطولى ووطنى دفاعا عن المياه الصومالية ضد قوارب الصيد الضخمة التى وجدت فى سواحل الصومال صيدا سمكياً رخيصا بسبب غياب سلطة الدولة على حدودها ومياهها الإقليمية . اخرون ينظرون لها بانها قوة عسكرية غير نظامية لحماية سواحل الصومال من السفن التى استباحتها كسلة مهملات لتفريغ حمولتها من النفايات الكيميائية والنووية دون رقابة او دفع سعر فى المقابل . الغالبية العظمى من الصوماليين الذين التقيتهم دافعوا عن القرصنة الصومالية كوسيلة مشروعة للدفاع عن سواحل الصومال بعد تفشي الأمراض الغير مستوطنة على سكان السواحل مثل السرطان وأمراض جلدية غريبة يعتقد ان لها علاقة بالتلوث البيئ بسبب دفن النفايات فى الساحل الهامل. والى ازدياد حدة الفقر وسط المجتمعات التى تعتمد على صيد السمك بسبب أساليب الصيد غير المشروع الذي تمارسه دول كبري
فى الساحل الصومالى ضايقت الصياد الصومالى فى عيشته
ولكن الشاهد ان القراصنة الصوماليون سرعان ما اكتشفوا ان عملية القرصنة هى أقصر طريق للثروة وعمل بطولى مربح. فازدادت عملية القرصنة والسطو على كل البواخر التى تقع فى طريق القراصنة قبالة الساحل الصومالى. وتدفقت الدولارات من أموال الفدية على قري الصيد الفقيرة فى بلاد بنط. وظهرت بوادر الثراء على القراصنة وتزوجوا مثنى وثلاث ورباع . ففى عام 2009 وصل عدد البواخر المختطفة قبالة الساحل الصومالى الى ثلاثمائة باخرة اضطرت لدفع فدية مالية تتراوح بين المليون الى ثلاثة ملايين دولار للباخرة الواحدة. لقد ادخل القراصنة الصومال الرعب فى تجارة الملاحة البحرية حتى صارت هذه البقعة البحرية أخطر من مثلث برمودا. وتحاشت البواخر الإبحار قرب الساحل الصومالى خوفا من الوقوع فى يد القراصنة ولكن لاحقتهم قوارب القراصنة الى حدود موريشيوس ومدغشقر وسواحل سلطنة عمان
ومع نمو نشاط القراصنة والبواخر المختطفة ظهرت الحوجة لشبكة اتصالات لإدارة المساومة مع مالكى الباخرة المختطفة حول مقدار الفدية وكيفية التسليم. ومن غير الصوماليين بالشتات والذين تربطهم صلة رحم أسرية وقبلية للعب هذا الدور بحكم اجادتهم للغة الانجليزية وسهولة قنوات الاتصال مع مالكى الباخرة بالخارج. وبل وسهولة تحويل الأموال المستلمة واستثمارها فى الخارج. واحد من أبطال هذه القصة ودورهم فى لعب دور الوسيط بين المخابرات السودانية والقراصنة الصوماليين يقيم بمدينة الضباب، ناتى له لاحقا والدور الذي لعبه فى محاولة التفجير
تسليم الفدية المالية يتوسط فيه الصوماليون بالشتات ويتم فى نيروبى، جيبوتي ، أديس أبابا او هريقسا ويتم ترحيل الأموال فى طائرات صغيرة خاصة تهبط فى مدارج ترابية فى المدن الصومالية الصغيرة مثل بايدوا، جالكايو وبوساسو. وقد تخصصت شركات يديرها عملاء ومرتزقة فى توصيل هذه الأموال تحت غطاء شركات أمنية تتخذ من نايروبى مقرا لها. ولعنا نذكر الطائرة التى تم حجزها فى مطار مقديشو وهى محملة بملايين الدولارات عبارة عن فدية فى طريقها لمجموعة من القراصنة. هناك اتهامات تشير لتعاون بعض السياسيين فى الصومال فى التوسط بين القراصنة وأصحاب البواخر للوصول الى تسوية مالية تفرج عن الباخرة وشحنتها وطاقمها. وهو اتهام لاتجافيه الحقيقة كثيرا نسبة لأوضاع الصومال وضعف الأجهزة الأمنية والقانونية فيه. وهو أقصر الطرق للتفاوض مع القراصنة من خلال شكل السلطة الموجودة فى المنطقة وعلاقتها القبلية والأسرية مع القراصنة . اما اموال القرصنة فقد تم استثمار جزء كبير منها فى نايروبى ، ليس فى تمويل نشاطات اقتصادية فى ضاحية ايستلى، بل فى شراء مباني فى وسط سوق نايروبى. فى عام 2011 تم شراء أكثر من خمسة وعشرين مبنى فى وسط سوق نايروبى بواسطة تجار صوماليون وأموال صومالية مما دعى الحكومة لإصدار قرار بوقف بيع مبانى لوقف الهجمة الصومالية على ملكية سوق نايروبى
هاجم القراصنة اية باخرة تقع فى طريقهم
استولوا على ناقلات نفط عربية وأجنبية
استولوا على مراكب صيد عربية وأجنبية
حجزوا أفراد على متن قوارب ويخوت خاصة
احتجزوا بواخر تحمل مواد ومعونات إنسانية للجوعي فى الصومال
احتجزوا بواخر تحمل بضائع مختلفة
ولكن ما وقع فى يد القراصنة فى 25 سبتمبر من عام 2008 كان شيئا مختلفة
كانت آلة عسكرية متكاملة
لقد وقعت الباخرة فاينا بكل ما حملت وأصبحت رهينة فى يد القراصنة الصومال
المشهد الثالث
شحنة الباخرة والنزاع حول الملكية او التفجير
عندما وقعت فاينا فى اسر القراصنة كان اول سؤال تبادر للزهن ماذا كان فى جوف الباخرة من بضاعة ؟ ماهى وجهتها ومن يملك هذه البضاعة؟ دعونا نحاول الإجابة على السؤال الأول
تقول التقارير ان شحنة الباخرة كانت هى الشحنة الثالثة والأخيرة من جملة مائة دبابة وأسلحة خفيفة. عندما تم استولى القراصنة على الباخرة كانت تحمل 33 دبابة روسية الصنع وأسلحة خفيفة مضادة للدبابات وصواريخ تطلق من راجمات الصواريخ. تصرف القراصنة فى محتوى الشحنة حسب ما تحمله زوارقهم لبيعه فى سوق السلاح فى الصومال ونهبوا العديد من أجزاء الدبابات مثل أجهزة الاتصالات وباعوها عن طريق سماسرة السلاح كما سوف نوضح لاحقا. انكر طاقم الباخرة معرفتهم بمحتوي الشحنة . مع سقوط الباخرة تم الكشف عن أكبر عملية تهريب للأسلحة فى منطقة القرن الافريقى الا ان العملاء والدول المعنية بالشحنة وجدوا نفسهم فى موقف حرج. الشاهد يقول ان كينيا والاستخبارات العسكرية الكينية كان واحدا من اهم العملاء والوسطاء لتوصيل الشحنة لوجهتها النهائية . وقد تم استقبال الشحنة الأولى والشحنة الثانية فى مخازن تابعة للجيش الكينى. لذلك كانت كينيا اول من دافع عن ملكية الشحنة بصفتها طفل الغرب المدلل فى الغرب وبصفتها العميل والوسيط لجنوب السودان. أصرت كينيا على ملكيتها للشحنة وسجنت احد الوسطاء الذي اعلن من اول وهلة ان الشحنة تملكها الحركة الشعبية لتحرير السودان. أتى الخبر اليقين حول ملكية الشحنة من الأوراق والوثائق التى وجدها القراصنة فى حوزة كابتن الباخرة.تقول الوثائق ان جوبا كانت المحطة الاخيرة للدبابات وبقية الأسلحة والذخائر. ما تقوله المصادر فى الصومال ان أصحاب الشحنة الحقيقيين هم احدي الحركات الدارفورية. ولكن لم اجد من يؤكد هذه الحقيقة والادعاء سوي ان هناك قادة من هذه الحركات قد أجروا العديد من الاتصالات ببعض الدوائر الصومالية للتدخل فى الإفراج عن الباخرة مقابل فدية مالية. وقد تم ذكر بعض الأسماء من قادة الحركات الرافورية
عندما سمعت حكومة السودان بتدخل شريكها فى الحكم ، الحركة الشعبية ، فى موضوع ملكية الأسلحة حاولت الحصول على معلومات إضافية عن هذا الموضوع. احدي الطرق التى سلكتها الاستخبارات السودانية هى تقصى الحقائق من مافيا السلاح الروسية فى اكرانيا عن طريق رجال أعمال سودانيين لهم تعامل سابق مع المافيا الروسية فى مجال السلاح. ماطلعت به الحكومة السودانية من معلومات مؤكدة هى ان الشحنة تخص الحركة الشعبية لتحرير السودان. عندها صدرت أوامر بإرسال ثلاث من ضباط الأمن والاستخبارات العسكرية الى ارض الصومال بالتنسيق مع السفارة السودانية فى لندن فى مهمة سرية هدفها تفجير الباخرة فاينا بكامل شحنتها
المشهد الرابع
التفاوض مع القراصنة
بطريقة ما نجحت السفارة السودانية فى لندن بتجنيد مواطن بريطاني من أصول صومالية ليكون حلقة الوصل بين القراصنة والمخابرات الصومالية. تكفلت المخابرات السودانية بدفع تذاكر سفر له للحضور الى هريقسا لإقناع القراصنة بتفجير الباخرة مقابل مبلغ تسعة ملايين دولار. كان يمكن ان اكتب الاسم الكامل لهذا العميل ومواصفاته بالكامل والتى لن تغفلها العين من الوهلة الأولى ، واحتفظ له بصورة حديثة جدا. لكن لأسباب كثيرة احتفظ بهذه المعلومة للرجوع لها فى المستقبل لإضافة معلومات جديدة حول هذه العملية الفاشلة. لكنى استطيع ان أقول ان الرجل عمل وزيرا فى حكومة سياد بري فى فترة من الفترات. تقول المصادر ان حضور الوسيط والمفاوض الصومالى، لا أريد تسميته بالعميل، لأرض الصومال كانت مفاجئة لأهله وعشيرته بعد فراق وهجرة دامت عشرات السنيين. كان يحاول عدم مقابلتهم فى بداية الأمر وأوضح لهم انا أتى لأرض الصومال بطلب من رئيس دولة ارض الصومال السابق طاهر ريالى للتفاكر حول مشاركته فى طاقم الحكومة.
تقول المصادر ان ثلاث من ضباط المخابرات السودانية وصلوا مطار حرقيسا من رحلة أقلعت من مطار جيبوتي بجوازات دبلوماسية. آثار دخولهم بجوازات دبلوماسية العديد من الشبهات فتم وضعهم تحت مراقبة مخابرات دولة ارض الصومال والمخابرات الإثيوبية . معروفا ان ليست هناك اسرار فى المجتمع الصومالى. وهو مجتمع شفهى يعتمد على نقل الرسالة بواسطة الكلام وليس الكتابة . فغالبية الشعب الصومالى شعب تسود فيه الأمية بنسبة عالية. لذلك فهم يستخدمون التليفونات بكفاءة عالية للنقل الرسائل وحتى إرسال الأموال يتم عن طريق الموبايل . وكما أسلفنا سابقا ان هريقسا مدينة صغيرة من الصعوبة الاختباء فيها. من واقع هذه الثقافة، ثقافة نقل المعلومة فى المجتمع الصومالى، فانا لاحتاج للإعلان لذيارتى عند وصولى الصومال. فلا تمضى سويعات وإلا تبداء المكالمات الهاتفية تنهال على جهاز الموبايل. حتى ان بعض المكالمات تأتى مباشرة لتلفون الغرفة فى الفندق الذي أقيم فيه
اتخذ الضباط الثلاثة فندق المنصور مقرا لهم وكانوا تحت المراقبة والرقابة من اليوم الأول . احد الذين تابعوا حركة هؤلاء الضباط وصفها بالقليلة والحريصة جدا. فهم لم يتركوا الفندق الا فى مرات تعد على أصابع اليد ولاماكن عامة. تجنبوا الحديث والاختلاط مع اي شخص اخر سوي الوسيط الصومالى. حتى ان اللقاء مع هذا الوسيط كان يتم بالغمز واللمز فى غرف الفندق وليس فى بهو الفندق. المعلومات التى تسربت من لقاء الوسيط مع الضباط تسربت من أهل وعشيرية الوسيط فقد تم الاستعانة بهم للتحاور مع القراصنة
تقول المصادر انه تم الاتفاق على ان يقوم الوسيط بإقناع القراصنة بتفجير الباخرة مقابل تسعة مليون دولار. طالب الوسيط بمبلغ مئاتى الف دولار تم تسليمها له كعربون اول للسفر ومقابلة القراصنة. تكاليف الوسيط الصومالى لتفجير الباخرة الصومالية المتفق عليها كانت مليون ومائتين الف دولار امريكى
غادر الضباط الثلاثة بنفس الطريقة التى أتوا بها بعد ان تحققوا من سفر الوسيط إلى "لاس قريى" مكان الباخرة . المختطفة. لم تكن مهمة إقناع القراصنة بالمهمة السهلة. فهم ينحدرون من قبيلة اشتهرت الدهاء والمكر والمراوغة انها قبيلة الورسينقلى. ولكنها معروفة ايضا وسط الصوماليين بانهم يفضلون العمل فى التجارة وفى الثراء وان الكثيرين منهم متعلمون ومثقفون. نجح الوسيط الصومالى فى مقابلة القراصنة وقدم لهم "طلب او رجاء" حكومة السودان بتفجير الباخرة فاينا بما حملت من أسلحة مقابل تسعة مليون دولارا تدفع نقدا. وافق القراصنة على الطلب فهدفهم هو الحصول على المال ولكن كانت هناك مشكلة وهى ان الوسيط لم يكن يحمل معه سوي بضعة الآف من الدولارات والقراصنة عايزين دفع كاش وفى الحال لكى يتخارجوا من هذه العملية وهذه الورطة. وجد القراصنة فرصة بالضغط على أصحاب الشحنة ، حكومة جنوب السودان، باستخدام العرض المجزي من حكومة السودان وهددوا بتفجير الباخرة إذا لم يتم دفع المبلغ الذى يريدونه وكان تهديدا حقيقا تناولته وكالات الأخبار العالمية ان القراصنة هددوا بتفجير الباخرة. كانت هناك أزمة ثقة بين الضباط الثلاثة، الوسيط والقراصنة. رجع الوسيط الى هريقسا لمقابلة الضباط الثلاثة للمرة الثانية للتشاور حول الخطوة التانية فى عملية تفجير الباخرة فاينا. تخوف الضباط من تسليم تسعة ملايين دولار دون وجود ضمانات بتفجير الباخرة ورفض القراصنة التفجير دون الحصول على المبلغ كاملاً. طلب الوسيط المزيد من الوقت للتأثير على القراصنة عن طريق ضمانات تقدم لهم من أقاربهم وبدأت مهمة جديدة للتعرف على اقرب الأهالي للقراصنة. كلفة هذه العملية كانت 100 الف دولار أخري دفعها الضباط كاش وغادروا الى جيبوتي عن طريق مطار هرقيسا. سافر الوسيط مرة أخري الى بلاد بنط الى لاس قريى ومعه رهط من أقارب القراصنة المقربين لكى يقنعوهم بمصداقية وتعهد حكومة السودان بدفع مبلغ تسعة مليون دولار بعد تفجير الباخرة وتدمير شحنتها العسكرية. بالطبع رفض القراصنة طلب هؤلاء الاجاويد لأنهم لم يأتوا بما طلبوه وهو التسعة ملايين دولار. وصل الضباط الثلاثة للمرة الثالثة الى هرقيسا لمعرفة ماتم فى الموضوع ولكنهم فى هذه المرة لم يتمكنوا من الالتقاء بالوسيط الصومالى، فقد اختفى تماماً ولم ياتى لمقابلتهم طيلة تواجدهم فى هرقيسا. . انتظروه أسبوعا ولكنه لم ياتى فاضطروا لمغادرة هرقيسا
لقد فشلت العملية
وفشلت المهمة
الجزء الثانى
المشهد الأول
اثيوبيا: دخلت نملة اخدت حبة وخرجت
العداء الصومالى- الاثيوبى عداءً تاريخيا مستفحلا ويعتبر الوجود الاثيوبى فى الصومال مهماً للغاية لحماية المصالح الاثيوبية. فبعد استقلال اريتريا عن اثيوبيا واستمرارية العداوة بينهما بدأت اثيوبيا فى فرض حصار قوى على الاريتريين والى قفل الحدود الشمالية مع الجارة العدوة. هذا على الرغم من وجود مصالح مشتركة بين البلدين ، منها ماهو اقتصادي و منها ما هو سياسي واجتماعى. هذا الحصار شاهدته الأسبوع الماضى عند توقفى فى اديس أبابا وبصحبتى زميل سويدي من أصول اريترية. كان الرجل متخوفاً من منعه من الدخول لانه من مواليد مدينة أسمرة كما مكتوب على جواز سفره. وهذا ما حدث، فقد منعته سلطات الهجرة الاثيوبية من الدخول دون توضيح أسباب حتى. كانت السواحل الاريترية ومنفذ عصب من اهم المنافذ البحرية لأثيوبيا فقدته بعد استقلال اريتريا وسوء العلاقات بين البلدين. بعدها اتجهت اثيوبيا للاهتمام بالمنافذ البحرية التى تقع جنوب اريتريا على البحر الأحمر ، بحر العرب والمحيط الهندي وبالتحديد ميناء جيبوتي ،ميناء بربرة فى ارض الصومال،ميناء بوساسو فى بلاد بنط، وميناء موقديشو فى جنوب الصومال. بالنسبة لميناء جيبوتي فليس هناك بجديد . فقد كانت تستخدمه اثيوبيا حتى قبل انفصال اريتريا وفق علاقات واتفاقية معروفة بين البلدين. هذا غير تقارب علاقات اثيوبيا مع الدول الغربية خاصة الولايات المتحدة التى تتخذ من جيبوتي قاعدة عسكرية لها. الجديد هو إعلان ارض الصومال انفصالها عن بقية الصومال فى عام 1991 وبالتالي ميلاد حليف جديد مهم لأثيوبيا. اهمية ارض الصومال بالنسبة لأثيوبيا يمكن تلخيصها فى تصريح رئيس وزراء اثيوبيا دسيلينجى الشهر الماضى امام البرلمان الإثيوبي عندما قال"دولة ارض الصومال صديق وحليف استراتيجي لأثيوبيا. لذلك سوف نسخر كل إمكانيتنا للدفاع وحماية ارض الصومال. نحن جاهزون لمد يدنا لمساعدة إخوتنا فى ارض الصومال متى ما حتاجوا لها" المصدر صحيفة صوملاند صن الإليكترونية . لقد خذل العالم دولة ارض الصومال ورفض الاعتراف بها كدولة مستقلة على الرغم من إجراء استفتاء حول قرار الانفصال. ولقد شعر مواطنوا ارض الصومال بالخيبة أكثر عندما تم رفض طلبهم بالاعتراف بهم كدولة مستقلة وقبول طلب جنوب السودان بعد نتيجة الاستفتاء. هنا امدح مقدرة أهل ارض الصومال مواصلة الطريق فى بناء دولتهم بصورة سلمية وديمقراطية وحضارية. فقد تداولو السلطة فيما بينهم من خلال انتخابات ديمقراطية على مستوي الدولة وعلى المستوي الحكم الإقليمي . ولقد وجدوا فى علاقاتهم مع اثيوبيا فرصة طيبة لتسيير أمور شؤون دولتهم الوليدة غير المعترف بها شرعيا
وبالفعل مدت اثيوبيا يدها لمساعدة ارض الصومال ووقفت معهالحماية أراضيها من تهديد دولة جنوب الصومال وفى خلافها الحدودي مع جارتها فى الجنوب بلاد بنط. واحدة من هذه المساعدات هى تسير رحلات جوية للخطوط الاثيوبية بين هرقيسا وأديس أبابا بمعدل رحلتين فى اليوم بطائرات البومباردير او داش ايت. لكن ولدهشتى كنت قد خرجت هذه المرة من مطار بربرة بطائرة بوينج 737 -700. وعندما تسالت لماذا هذا التغيير اتتنى الإجابة سريعا من مسؤول الخطوط الاثيوبية ان تعداد الركاب فى ازدياد. المعلومة المؤكدة هى انا صافى أرباح الخطوط الاثيوبية من هذا الخط بلغت 38 مليون دولار العام الماضى. كذلك تقدم الحكومة الاثيوبية مساعدات لوجستية كثيرة جدا لحكومة دولة الصومال منها ماهو دبلوماسي ومنها ما يختص بالسياسة الخارجية لدولة ارض الصومال. اثيوبيا هى الدولة الوحيدة التى لها سفارة فى حرقيسا. وكان ان تعرضت هذه السفارة لهجوم انتحاري إدي لتفجير المكتب ووفاة بعض أعضاء البعثة الاثيوبية. وفى المقابل سمحت ارض الصومال لأثيوبيا باستخدام ميناء بربرة وتقديم تسهيلات عديدة من بينها ادخال سلاح عبر منافذ ومطارات دولة ارض الصومال. لكن ما حدث من تسريب لأسلحة من الباخرة فاينا بواسطة اثيوبيا اغضب حكومة دولة ارض الصومال فاضطرت لطرد السفير الاثيوبى من أراضيها احتجاجا على عدم احترام هيبتها
عندما وصلت حركة اتحاد المحاكم الإسلامية لموقديشو مركز السلطة والقوي فى الصومال، شكل وجودهم تهديدا مباشرا للحكومة الاثيوبية فى اديس أبابا . ليس فقط بإعلان الشريعة الإسلامية من منظور صومالى بل وبتهديد مباشر لحكومة اديس ابابا. أحكمت حركة الشباب سيطرتها الكاملة على دولة جنوب الصومال خلال فترة وجيزة. وهددت المصالح الاثيوبية والكينية تهديدا مباشراً بمنع استهلاك القات والوقف الفوري لاستيراد القات من هاتين الدولتين. كان هذا القرار يعنى ماديا خسارة اثيوبيا مبلغ نصف مليون دولار يوميا و مثله لكينيا من تصدير القات للصومال. فى ليلة الكريسماس من عام 2006 قررت حكومة ملس زناوي غزو الصومال بحجة حماية اثيوبيا وسيادتها من تهديدات المحاكم الإسلامية . ومثلما لن ينسى الصوماليون هزيمتهم فى حرب الاوجادين فإنهم ايضا لن ينسوا دخول الجيش الاثيوبى لموقديشو واحتلاله لها لمدة ثلاثة أعوام . عندما اختطفت الباخرة فاينا كانت اثيوبيا تسيطر على مقاليد الحكم فى الصومال. وكان الأمر بالطبع يعنيها فالباخرة كانت محملة بعتاد عسكري كبير وهى بحاجة للسلاح لمواجهة حركة المحاكم الاسلامية. لقد سربت اثيوبيا جزء من عتاد فاينا لكن جزاء كبيرا من هذا السلاح كان "فشنك" بسبب دهاء ومكر القراصنة
المشهد الثانى
اثيوبيا تشتري من فاينا بالقطاعى
تمثل نقاط التفتيش المنتشرة فى الطرق البرية فى الصومال سلطة قائمة بذاتها الا فى دولة ارض الصومال فهى تقع تحت سلطة الدولة. اما فى جنوب ووسط الصومال فهى تقع تحت سيطرة مجموعات قبلية فى إطار حدود منطقتها الجغرافية او تحت سيطرة أمراء الحرب او عصابات إجرامية . نقطة التفتيش عبارة عن حبل مربوط بين عودين بعرض الشارع يحرسه مجموعة من الأفراد يحملون أسلحة كالاشنيكوف وملابس غير عسكرية ، فى الغالب قرقاب صومالى " معويز" وقميص ويمضغون القات الذي يتحصلون عليه مجانا من العربات التى تنقله يوميا وهى تعبر هذه النقاط. عدد نقاط التفتيش بين مدينة بربرة وهرقيسا خمس نقاط فى طريق يبلغ طوله 160 كيلومترا. أكبر هذه النقاط هى نقطة التفتيش الى تقع خارج مدينة هريقسا على الجهة الشرقية من المدينة. عند هذه النقطة تم اكتشاف عملية تهريب سلاح كانت فى طريقها لمنزل السفير الاثيوبى فى هرقيسا وتم اكتشافها بمحض الصدفة
تقول المصادر ان الاستخبارات الاثيوبية فى نايروبى تعرفت على احد وسطاء القراصنة والذي عرض عليهم بيع سلاح مضاد للدبابات مقابل مبلغ من المال يتم تسليمه لوسيط القراصنة فى دفعتين. الأولى عند تسليم وشحن السلاح والثانية عند وصول السلاح الى منزل السفير الاثيوبى فى هرقيسا. أوكلت مهمة تنفيذ شحن وترحيل السلاح الى ابن أخت الوسيط الصومالى وشخص اخر من أقاربهم . اما الشحنة ذات نفسها فقد كانت عبارة عن عشرون قاذفة للصواريخ التى تحمل على الكتف وعدد ستة صناديق من القذائف الصاروخية. وبالتحديد قاذفات الآر بى جيى -29 المعدلة. وهو سلاح ذو قوة عالية يستطيع أحداث فجوة كبيرة فى جسم الدبابة يؤدي الى شل حركتها وربما تدميرها بالكامل. وهو نفس السلاح الذي لعب دورا كبيرا فى إبادة فرقة عسكرية كاملة من فرق الجيش الإسرائيلي السبعة التى اجتاحت جنوب لبنان إبان حرباها ضد حزب الله. كان ذلك بشهادة قائد الجيش الإسرائيلي منتقدا الدور الروسى فى تزويد حزب الله بهذا النوع من السلاح. تم إخفاء السلاح جيدا تحت مجموعة من البضائع من فواكه وفحم حتى لا يتم كشفها فى نقاط التفتيش خلال رحلة الشاحنة الى هرقيسا. لم تواجه الشاحنة مشكلة على الإطلاق وهى تعبر العشرات من نقاط التفتيش فى بلاد بنط وأرض الصومال. وحتى ان واجهت مشكلة فسوف يتم حلها ببضع من الدولارات. وصلت الشاحنة لنقطة تفتيش هرقيسا والذي كان مزدحما بسبب وصول عدد كبير من الشاحنات عند حوالى الساعة الرابعة عصرا . كان ذلك بتاريخ 12 يناير 2009 ح سب ما تقوله المصادر
صادف ان كان هناك ضابط من قيادات جيش ارض الصومال فى طريقه الى مدينة بربرة . كان يستقل عربة تابعة للجيش وتصادف ان كان بجانبه جهاز لكشف المواد التفجرة. وتصادف ايضا ان كام الجهاز فى وضع التشغيل وبجانبه فى المقعد الإمامى. الغريب فى ارض الصومال هو ان الحركة فيه على الجهة اليمين ولكن فى كل أنواع السيارات والشاحنات الموجودة فى ارض الصومال تقع عجلة القيادة فى الجهة اليمنى ايضا. هذا الوضع ساعد فى ان يكون جهاز الكشف عن المتفجرات قريبا جدا من الشاحنة المحملة بالسلاح والتى هى فى انتظار دورها فى عبور نقطة التفتيش والتى تكون مزدحمة بالشاحنات فى هذا الوقت. وكانت سرعة سيارة الضابط لا تتعدي العشرون كيلومترا فى الساعة. عندما مرت عربة الضابط بجانب الشاحنة المحملة بالسلاح صدرت من الجهاز صفارة شدت انتباه الضباط وكأنها تقول ان هناك مواد متفجرة فى مكان ما فى نقطة التفتيش هذه. استدار الضابط راجعا ولكن لم يصدر صوتا من الجهاز. وبالفعل لم يصدر صوتا من الجهاز والذي كان فى وضع يقع خارج مجاله الذي يسمح له بالتعرف على المواد المتفجرة. غغمم الضابط لنفسه وظن بانه واهما او ان بالجهاز عطلا جعله يصدر هذا الصوت فاستدار ايضا راجعا مرة أخري لمواصلة رحلته الى بربرة. وعند محذاته للشاحنة صدرت صفارة المتفجرات مرة أخري . عندها ضغط على الفرملة وأوقف السيارة لكن يحاول ان يتعرف على سبب الصفارة وتحديد المكان والذي من المحتمل ان تكون فيه متفجرات وإلا ماذا دعى هذا الجهاز للصفير؟ . التفت شمالا ووقع بصره على الشاحنة المحملة بالفواكه وشوالات الفحم والشاحنة التى أمامها وخلفها.
أوقف السيارة على جانب الطريق وحمل جهاز الكشف عن المخدرات فى يده ثم عبر الشارع قاصدا تلك الشحنات الثلاث. لم يصدر الجاهز صفيرا بالطبع عند الشاحنة التى تقع فى الخلف ولكن اصدر صفارة واضحة عندما وضع بجانب الشاحنة المحملة بالسلاح. خلص الضابط الى نتيجية بديهية ، ان الشاحنة بها مواد متفجرة . وإمعانا فى التأكيد او لكشف شاحنة أخري قام الضابط وبسرية كبيرة بالمرور على جميع الشحنات فى الصف والتى كانت تنتظر دورها فى عبور نقطة التفتيش. اخرج الضابط تلفونه وأجري اتصالا طلب فيه المساعدة فى متابعة شاحنة تحمل مواد متفجرة. تم إجراء اللازم وقامت السلطات الأمنية بمتابعة الشاحنة والتى مرت من نقطة التفتيش دون صعوبة. أوقفت السلطات الأمنية الشاحنة قبل وصولها لمركز المدينة. وعندما سؤال السائق وابن أخت والوسيط عن وجهة الشحنة وملكياتها أجاب بانها تخص السفارة الاثيوبية فى حرقيسا. . ألقى القبض على السائق وابن أخت الوسيط وتم حجز الشاحنة فى مكاتب الأمن . عند حصر محتويات الشاحنة من الأسلحة اتضح ان ثلاث أرباع قذائف الآر بى جيى عبارة عن قذائف "فشنك" فقد أفرغت تماماً من المواد المتفجرة . تم إخطار مكتب الرئيس والخارجية فى مساء نفس اليوم وفى صباح اليوم التالى تم استدعاء السفير الاثيوبى لمكتب الخارجية لاستيضاحه حول موضوع شحنة الأسلحة . لم ينكر السفير موضوع الأسلحة فلاثيوبيا كلمة مسموعة لدي حكومة ارض الصومال وهى تقدم الكثير من الدعم لمساعدة حليفها ارض الصومال وهى التى أعلنت مرارا وتكرار انها سوف تدافع عن ارض الصومال. والدليل ان جيشها يتواجد فى الصومال وفى مقديشو لحماية امن اثيوبيا ومن جاه الملوك حماية أرض الصومال. لكن هذا لم يمنع حكومة ارض الصومال من توجيه صوت لوم لحكومة اثيوبيا. ادخال أسلحة لمدينة هرقيسا بهذه الطريقة كان مثيرا للشكوك لدي حكومة ارض الصومال وقد تخوفت من احتمال التخطيط لانقلاب عسكري بمساعدة اثيوبيا. فقد سمحت لأثيوبيا بإدخال أسلحة عن طريق ميناء بربرة عدة مرات دون حوجة للتهريب او التسريب فلماذا هذه العملية وبهذه الطريقة؟ طالبت ارض الصومال اثيوبيا بسحب سفيرها فورا واحتجزت شحنة الأسلحة كما طالبت بتوضيح واعتذار من دولة اثيوبيا. الغريب فى الأمر ان دولة ارض الصومال برات ابن أخت وسيط القراصنة من التهمة وبقى فى الحبس حوالى ثلاثة اشهر لحين تقصى الحقائق حول هذه العملية ثم تم الإفراج عنه. تقول المصادر التى التقت هذا الوسيط عدة مرات انه كان ناغما جدا على الحكومة الاثيوبية لانها لم تسلمه ماتفقوا علية من عمولة مالية بعد وصول تسليم هذه الشحنة لأثيوبيا حتى بعد ان تم كشف العملية بالصدفة بواسطة الأجهزة الأمنية لأرض الصومال
اول ما فعله ابن أخت الوسيط بعد الإفراج عنه هو الاتصال بخاله الوسيط الأكبر فى نايروبى وقدم له شرحا كاملا بالتفاصيل لكل ماحدث . اتفقوا على خطة ترغم الحكومة الاثيوبية بدفع ما تبقى من عمولة فقد تم توصيل الشحنة الى هرقيسا ولم تنفى اثيوبيا ضلوعها فى العملية. يعنى لازم يدفعوا لازم يدفعوا
الخطة كانت مشابهة لحادثة تمت فى مطار الخرطوم فى عام 1991 على ما اذكر أدت الى اختطاف السفير السودانى فى موقديشو . فقد أوقفت السلطات الأمنية صوماليا فى مطار الخرطوم وبحوزته مبالغ مالية ضخمة من الدولارات الأمريكية . وبدون وجه حق تحفظت على أمواله وسجنته وارجعته للبلد الذي أتى منه، كينيا. يعنى شالوا حقو عديل كده. تكبد الصومالى مشاق السفر ورجع الى الصومال من كينيا وهو مصمم على استرداد دولاراته من السلطات الأمنية السودانية. بمجرد وصوله قام باختطاف السفير السودانى فى موقديشو وطالب الحكومة السودانية باسترجاع أمواله التى نهبوها فى مطار الخرطوم خلال 72 ساعة. فاضطرت الحكومة السودانية صاغرة باسترجاع اموال الصومالى التى نهبها بعض موظفوا السلطات الأمنية وتم إخلاء طرف السفير وإغلاق السفارة
ما فعله ابن أخت الوسيط هو الاتصال بالسفارة الاثيوبية فى نايروبى ومطالبتهم ببقية العمولة. رفضت السفارة الدفع ونكرت الموضوع كله. بعدها بأسبوع قام ابن أخت الوسيط بخطف خمسة ضباط من الجيش الاثيوبى المرابط فى إقليم هيران فى جنوب الصومال واحتجزهم كرهائن . لم يبقى للأثيوبيين خيارا سوي الدفع للإفراج عن الضباط المحتجزين فقد استلموا الشحنة حتى ولو كانت فشنك. المعلومات التى أدلى بها القراصنة بعد إخلاء سبيل الباخرة أنهم افرغوا محتويات القذائف من المواد المتفجرة لاستخدامها فى تلبية طلب السودان بتفجير الباخرة وشحنتها
المشهد الثالث
البائع والسمسار والمشتري
لقد كان الهم الأكبر للحركة الشعبية لتحرير السودان هى كيفية بناء جيش نظامى قوي لدولة جنوب السودان الوليدة وتحويل الجيش الشعبى من جيش متمرد على سلطة الشمال الى جيش نظامى فى إطار دولة جديدة يتضمن أيضاً بناء قوة لسلاح الجو وسلاح البحرية (نيلية). لذلك بلغت منصرفات الحركة الشعبية للاستثمار فى بناء قوة دفاعية وهجومية جديدة، بلغ حوالى 917 مليون دولار فى عام 2008. كانت طلبية الدبابات ضمن هذه المنصرفات. فى مطلع عام 2011 دشنت حكومة جنوب السودان اول قوة جوية لسلاح الجو بحصولها على طائرات مروحية من طراز ام اي 17 روسية الصنع
الموقع الجغرافي المتميز لكينيا وتنزانيا على المحيط الهندي يجعلهما من أكثر الدول اهمية فى ترحيل السلاح الى مناطق النزاع فى دول البحيرات العظمى وشرق الكونغو وجنوب السودان. نفس الدور تلعبه يوغندا خاصة فى جنوب السودان رواندا وشرق الكونجو. وجميع هذه الدول الثلاثة هى دول صديقة للحركة الشعبية قدمت لها الكثير خلال مسيرتها النضالية ضد حكومات الشمال. وقد حاولت حكومة الانقاذ قطع إمدادات الحركة الشعبية من السلاح عبر هذه الدول بطرق شتى. اذكر منها زيارة وفد كبير برئاسة الشيخ حسن الترابى وعلى عثمان محمد طه فى 2001 لإقناع هذه الدول بمنع دخول أسلحة للحركة مقابل إمدادات بترولية وعلاقات تجارية ومنح دراسية. لكينيا ويوغندا خبرة طويلة فى لعب دور الوسيط ومنفذ مهم لترحيل السلاح الى الحركة الشعبية ليس فقط بحكم الموقع الجغرافي ولكن بحكم المصالح الاستراتيجية التى تربط هاتين الدولتين بدولة جنوب السودان كحديقة خلفية للتجارة وسوق عمل وموارد طبيعية. انه لسوء الطالع ان تقع شحنة الدبابات الاخيرة فى يد القراصنة الصومال لتوكد متانة علاقة الحركة الشعبية بسوق الأسلحة عن طريق الوساطة الكينية ولتكشف أبعاد أخري فى تشابك العلاقات الدولية فى الشأن السودانى
عندما وصل خبر حجز الباخرة فاينا لدولة جنوب السودان وكينيا وعم الخبر وانتشر فى وكالة الإعلام سارعت كينيا معلنة ملكيتها لشحنة الدبابات وبقية الأسلحة المحجوزة فى بطن الباخرة. لكن أندرو موانجورا من برنامج البحرية لشرق أفريقيا نفى ان تكون الشحنة من ملكية كينيا واكد ان أصحابها الحقيقون هم دولة جنوب السودان. تعرض موانجورا فيما بعد لضغوط من الحكومية الكينية والتهديد والسجن مقابل ما أدلى به من معلومات حول ملكية الجنوب للدبابات . شاءت الأقدار ان يلعب موانجورا دورا مهما فى التفاوض مع القراصنة وإطلاق سراح الشحنة فيما بعد. اما القراصنة فقد كانوا يعلمون من هو المالك الحقيقى للشحنة من خلال بوليسية الشحن التى وقعت فى ايديهم بعد اسر قبطان وبحارة الباخرة فاينا. الخبر اليقين أتى من موقع البى البى سي بعد نشره وثيقة توضح ملكية وزارة الدفاع لدولة جنوب السودان لشحنة الباخرة. رغما عن ذلك واصلت كينيا فى إصرارها ودولة جنوب السودان فى نكرانها
لم يكن هناك ما يدعو الحركة الشعبية لنكران ملكيته للشحنة سوي سببان. الأول هو ما نصت عليه اتفاقية السلام الشامل على عدم دخول أسلحة لمناطق النزاع والثانى انها شريك فى الحكم لدولة الشمال وان اكتشاف الصفقة قد ينعكس سلباً على العلاقات بينهما قبل ان تتسلح الحركة الشعبية لمواجهة احتمالات ردة حكومة البشير عن الاتفاقية. والحق يقال ان الحركة الشعبية نجحت فى ادخال شحنات عديدة لجنوب السودان وبسرية تامة دون علم شريكها الشمالى خلال فترة حكم الشراكة بعد اتفاقية نيفاشا. ولكن كما أسلفنا شاءت الأقدار ان تقع الشحنة الاخيرة فى يد القراصنة الصومال لتكشف جزء كبيراً من خفايا الكيفية التى يتم بها ادخال السلاح لمناطق النزاع فى هذا الجزء من القارة الأفريقية . اما الصفقة فى حد ذاتها فهى مخالفة واضحة لاتفاقية الامم المتحدة لحظر استيراد السلاح لثلاثة عشر دولة من ضمنها السودان والمختصة بإقليم دارفور. وهى أيضاً مخالفة صريحة للحظر المفروض من الاتحاد الأوروبي والذي يشمل تسعة عشر دولة من بينها السودان. وبموجب هذه الاتفاقية حجزت قبرص فى 22 يونيو 2010 سفينة محملة بعتاد عسكري يعتقد انها كانت فى طريقها لميناء بورسودان
حجز الباخرة فاينا بواسطة القراصنة لم يسبب حرجا لدولة جنوب السودان وكينيا فقط بل أوقع أيضاً الدولة المصدرة أوكرانيا فى حرج كبير ادي الى تعقيد عملية التفاوض مع القراصنة. فسياسة أوكرانيا تنطلق من مبدأ التخلص من الفائض الكبير من الأسلحة التى ورثتها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي . وتنطلق ايضا من حق اية دولة شراء أسلحة أوكرانية مالم تقع هذه الدولة تحت طائلة الحظر من الامم المتحدة. نائب رئيس البرلمان الأوكراني ميخايلو شيشتوف يذهب الى ابعد من ذلك. ففى رأيه ان المبادئ العامة لسياسة صادرات السلاح الأوكراني فى ظل الأوضاع الاقتصادية، السائدة فى ذلك الوقت، يجب ان تملاء خزينة الدولة بالدولارات. ففى نظره يستوجب على أوكرانيا تصدير السلاح الى اية دولة لها الرغبة فى الشراء والمقدرة على الدفع. لقد وجدت أوكرانيا ضالتها فى دولة جنوب السودان بواسطة السمسار كينيا. يقول تقرير صادر من معهد استوكهولم للسلام ان كينيا كانت أكبر دولة فى القارة الأفريقية مستوردة او زبونة للسلاح الأوكراني بما يعادل 5 بالمائة من صادرات أوكرانيا للسلاح فى الفترة من عام 2005 و 2009. ليس هناك غرابة فى ذلك. ولكن الطامة الكبري، حسب التقرير، ان كل ما استوردته كينيا فى تلك الفترة كان مستقره دولة جنوب السودان. هذه المعلومة أكدها ووثقها تقرير رفعته مجموعة تسمى مجموعة كل المجموعة (ان صحت الترجمة) برئاسة البارونة كينوك والذي تم رفعه للاتحاد الأوروبي فى 21 مارس2011 ليؤكد على دور كينيا كوسيط فى شراء وترحيل السلاح لدولة جنوب السودان. لقد وجدت صفقة الدبابات هذه صدي واسعا عالميا وإقليميا . تأثيرها الاقليمى وفى إطار دول الجوار كان الأكبر . وادت الى سباق خفى فى اقتناء الأسلحة الأوكرانية . فقد وقعت اثيوبيا على صفقة مع أوكرانيا بتاريخ 9 يونيو 2010 تقضى بتزويد اثيوبيا بمائتي دبابة تى 72 بمبلغ 100 مليون دولار. اما دولة تشاد فقد جاءت فى المرتبة الثانية بعد كينيا لتبلغ وارداتها من السلاح الأوكراني 4 بالمائة من مختلف أنواع العتاد العسكري. ان سنحت لنا الفرصة الزمنية سوف نقدم تفاصيل هذه العتاد العسكري
ماحدث بعد ذلك معروف وموثق حول الكيفية التى تمت بها ترحيل الدبابات من ميناء مومبسا بالقطار الى قاعدة كاهاوا العسكرية خارج مدينة نايروبى. ثم ترحيل هذه الدبابات بالشاحنات الى جنوب السودان . بعدها استدل الستار على اية محاولة لتقصى اثر الدبابات من مصادر كينية او جنوب سودانية. لكن هناك شواهد عديدة أكدت ملكية جنوب السودان لهذه الدبابات واستخدامها فى النزاع الدائر داخل جنوب السودان ومع دولة السودان وهذه هى الشواهد
فى ديسمبر 2010 أدلى سيرهى بوندرشوك، مدير مكتب صادرات السلاح الأوكراني ، بتصريحات عقب اجتماع له مع مسؤولين أمريكان انه تلقى معلومات مؤكدة مفادها ان الدبابات تى 72 التى كانت محتجزة فى فاينا تتواجد فى جنوب السودان . عندها نفى بوندرشوك مسؤولية أوكرانيا فى تسريب الدبابات الى دولة جنوب وانه غير مسؤول عن تصرف دولة كينيا التى استلمت الشحنة
نشرت وكالة رويتر فى 24 ابريل 2012 صورة للجيش الشعبى وهو يحمل دبابة تى 72 على ظهر شاحنة فى هالوب فى ولاية الوحدة. وقبلها نشر تقرير صادر من منظمة سويسرية تعنى بمتابعة موضوع الأسلحة صورة فى نفس الولاية. التقطت الصورة فى يونيو 2011 وتم عرضها فى تقرير تم نشره فى ابريل 2012
شاركة هذه الدبابات فى العملية العسكرية لاجتياح هجليج ووقعت تحت نيران مدفعية القوات المسلحة خلال عملية استعادت هجليج والمناوشات التى حدثت بعد دخول القوات المسلحة لمنطقة هجليج. فقد تم تدمير دبابة تى 72 تدميرا كاملا تابعة للجيش الشعبى بتاريخ الرابع من مايو 2012 بنيران دبابة صينية الصنع من طراز 96. هذا الحدث هللت له مصانع السلاح الصينية وروجت له فى حملة إعلامية لترويج منتجاتها من هذا النوع من الدبابات كبديل رخيص وذو كفاءة عالية مقارنة بالدبابات الروسية
اتهمت منظمة العفو الدولية دولة جنوب السودان باستخدام دبابات تى 72 ضد مدنيين فى حربها ضد المجموعات المتمردة فى الجنوب. ونشرت صورة لدبابة تى 72 فى مدينة مايوم - والتى تبعد حوالى 100 كيلومتر من الحدود الجنوبية لجنوب كردفان - بتاريخ 28 مايو 2012 فى تقرير لها حول دور الأسلحة فى تأجيج الصراع فى مايوم فى ولاية الوحدة. وقد تم نشر التقرير فى قناة الجزيرة القسم الانجليزي وقناة العربية. وقد وجه التقرير اتهام صريح باستخدام الدبابات الأوكرانية فى المعارك الدائرة فى مايوم
ختاما هذه محاولة لإلقاء الضوء على قضايا فى اعتقادي انها مهمة لانها ساهمت مساهمة مباشرة فى دمار السودان وجنوب السودان وفى إهدار موارد الشعبين فى حرب خاسرة لا تودي الى لمزيد من الدمار. حاولت تقصى الحقائق بصورة موضوعية من عدة مصادر منها ماهو مكتوب ومنشور ومنها ما تلقيته من مصادر أخري بشواهد يكمن التحقق منها ان كان هناك شك فى مصداقيتها. وهى قابلة للنقاش والتصحيح لوضع الحقائق كما هى والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.