ما قاله الدكتور لوكا بيونق وزير رئاسة مجلس الوزراء الذي تقدم بإستقالته مؤخرا: بأن الهجوم علي الجيش السوداني المتواجد في أبيي بدأ بسبب تصرف أحمق من عسكري يتبع للجيش الشعبي أطلق النار من غير قصد وبشكل غير مبرمج . يذكرني هذا القول بالتصريحات الصحفية التي أدلي بها وزير الدفاع الوطني الفريق عبد الرحيم محمد حسين وهو يرد علي ما عرف وقتها بحرب الوثائق من جانب الحركة الشعبية والتي قادها وزير السلام بالحركة الشعبية فاقان أموم وكان مضمون الوثائق حول مستقبل العلاقة بين الشمال والجنوب والتآمر علي الجنوب من قبل حكومة المؤتمر الوطني في الشمال كما زعمت تلك الوثائق لدرجة القضاء علي دولة الجنوب الوليدة . قال وزير الدفاع وهو يفند تلك الوثائق إنها وثائق مفبركة والذي قام بالفبركة هو رقيب بليد يعمل باستخبارات الجيش السوداني وتم شراء ذاك الرقيب الموصوم بالغباء من قبل الحركة الشعبية لينفذ ذاك العمل البليد والسذج كما وصفه وزير الدفاع في مؤتمر صحفي عقده خصيصا لهذا الأمر. ومعلوم الأثر السئ الذي أحدثته وثائق فاقان والتي لم ترد علي موقع وكلكس المهتم بنشر الوثائق السرية ومنها من له صلة بالسودان . ولولا حكمة الأمريكيين وتعاملهم مع الثائق التي جاء بها فاقان أموم ورؤيتهم في ان لا تحمل اكثر مما يجب حتي لا تكون سببا في صراع جديد بين الشمال والجنوب لوصلت الحال لماء هو اسوا من ابيي اليوم والتي إستفحل امرها وتطورت فيها الأوضاع إلي حرب ضروس فقد الجانبان فيها آلاف القتلي والنازحين هذا غير الحديث عن نهب وسلب تشهده منطقة ابيي . والسبب كما قال الدكتور لوكا بيونق هو تصرف فردي من قبل جندي متهور وهذا الجندي لا يعرفه احد ولم يقدم لمحاكمة عسكرية أو مدنية ولا يعرف من اعطاه الأوامر بإطلاق النار لأن الجنود في الجويش النظامية لا يتصرفون من تلقاء انفسهم و لا يمكن لجندي ان يدخل إبرة في خيط كما يقول المثل من دون ان يتلقي امرا بهذا الإدخال ولو كان الأمر متعلق بوثائق سرية ناهيك عن إطلاق نار بهذه الكثافة وموت لجنود ابرياء في حالة إنسحاب من مواقعهم وفي حماية الأممالمتحدة وعلي متن سياراتها . والذي حدث في أبيي أدي إلي ما ادي إليه من رد فعل من جان القوات المسلحة إنتهي بدخول المنطقة وهو عمل في ظاهره تضخيم ورد فعل غير مناسب إذا حسبنا الأمر علي طريقة الدكتور لوكا بيونق بأن ما حدث في أبيي في أوله عملا فرديا ولكن هذا التصرف الفردي يعني الكثير ويعطي الجيش السوداني مبررا قويا بالتدخل أكثر من لو أن ذاك الهجوم قد وقع نتيجة قرار من قبل الحركة الشعبية التي إعتذرت لقوات اليونمس بالمنطقة وبالإمكان أن تعتذر للقوات المسلحة السودانية وينتهي الأمر . ولكن في حالة الجندي المتهور الطائش والذي يطلق النار من غير حساب تكون المحاسبة والمعاقبة مختلفة تماما لعدة اسباب أهمها : كم من شاكلة هذا الجندي الطائش المتهور والذي لا يقدر الأمور أو لعبت بعقله الخمر في صفوف الجيش الشعبي لتحرير السودان وكم من الناس يستطيع مثل هذا الجندي إن وجد ان يقتل ويشرد من الجنود الشماليين المتواجدين في المنطقة و هم قلة حسب الإتفاق وهل جاء هذا الجندي من خارج المنطقة أم هو ضمن القوة المسموح ببقائها في ابيي حسب اتفاقة أبيي نفسها وكيف لا تعرف الحركة الشعبية مثل هذا الجندي وهي التي احالت آلاف الجنود للتقاعد من صفوفها ولعدة اسباب من بينها سؤ السلوك وعدم الإنضباط وكيف لم تتعرف إستخبارات الجيش الشمالي علي هذا الفرد المتهور وتضع حدا لتهوره ؟ إن الأمر جد خطير طالما أن شئون أبيي تدار علي هذا النحو بأن تقع مثل هذه الجريمة النكراء من قتل للعسكريين وتشريد للمدنيين وزعزعة لإستقرارالمنطقة بكاملها ويتم تسجيل بلاغ ضد مجهول أو مخبول وفي نهاية المطاف يشطب هذا البلاغ لعدم كفاية الأدلة . إن ابيي في خطر داهم وحقيقي طالما أن الجيش السوداني لا يدري حتي اليوم هل يبقي في المنطقة أم ينسحب منها وذلك لأن بقاء الجيش ليس امرا سياديا صرفا كما هو الحال في دارفور أو أي بقعة في السودان كما كان الحال قبل توقبع إتفاقية نيفاشا . فالبقاء هناك ليس بإعلان من طرف واحد بأن ابيي شمالية مثلما تحدث السيد ريئس الجمهورية في خطابه بالفولة وإبان الحملة الإنتخابية لمرشح المؤتمر الوطني مولانا أحمد هارون لولاية جنوب كردفان ولا بقرار من المجلس الوطني الذي يقرر في مالا يعلم والأوضاع في ابيي مرهونه بالكامل لقرارمحكمة لاهي وإتفاق كادوقلي الذي يخرقه المؤتمر الوطني مرات وتخرقه الحركة الشعبية ألف مرة ولكنه باق ما دامت هناك منطقة إسمها ابيي وهناك مجتمع دولي يراقب الأوضاع في ابيي ولا يذكر إسمها إلا مقترنا بانها منطقة غنية بالنفط . وما ذا تفعل القوات المسلحة بعد أن دخلت ابيي حتي بحر العرب وما صاحب ذلك من حل لإدارية أبيي بقرار جمهوري هل تحكم القوات المسلحة ابيي حكما عسكريا أم تشكل فيها إدارة مدنية تحت إشرافها .إذا ذهبنا مع المنطق الذي يقول بأن القوات المسلحة لم تفعل شئ اكثر من كونها سيطرت علي حدود 1956م بين الشمال والجنوب ((ونحن نتمني أن تسيطر قواتنا علي حدود السودان من حلفا غلي نمولي ))لو كان بالمراد واليمين مطلوق وقد حذرنا من قبل بأن محصلة كل ما يحدث هو كبح جماح قواتنا المسلحة وليس إطلاق يدها كما يزعم البعض وأهم قسم اقسم عليه ضباط القوات المسلحة الذين تخرجوا من الكلية الحربية هو حماية البلاد برا وبحرا وجوا بكامل ترابها بلا إستثاء ولم يكن الجنوب الذي سوف يذهب كليا في التاسع من يوليو القادم مسثنا من هذا القسم . غير ان ما هو اهم واخطر من هذا كله هو الأوضاع الإنسانية في المنطقة وليس هناك رؤية ثاقبة لمعاجة هذه الأوضاع المتكررة السؤ خاصة وقد ظل اهالي ابيي يتعرضون لحالات متكررة من النزوح وعدم الإستقرار منذ أن هاجمت الحركة الشعبية مدينة ابيي تحت إصراربعض أبناء أبيي في الحركة الشعبية وما شهدته مدينة ابيي قبل عدة سنوات من حرق للمتاجر والمنازل ونزوح للمدنيين من المنطقة وهو يتكرر اليوم وينزر بشر مستطير علي أهل أبيي وهم مواطنون من كل أرجاء السودان إجتمعوا هناك لأسباب متعدة منها التجارة وغيرها . أما اهل أبيي من دينكا نقوك والمسيرية يدفعون الثمن اغلي و أفدح والسبب في نظري يعود لهاتين القبيلتين التين عجزت قيادتمها عن تحقيق التعايش في ما بينها وبقيتا رهن الإستقطاب السياسي بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان كما بقيتا رهن الإستقاطاب والتجاذب الإثني بين الشمال والجنوب وهم اي القبيلين تعلنان في كل المحافل أنهما اهل و بينهما روابط من الدم وصلة الرحم والتعايش ولكن للاسف فإن مثقفي هاتين القبيلتين لم يعززا ما كان بينها من روابط وصلات قديمة يتحدث عنها الناس وهي علاقة متينة بين الناظر بابو نمر ناظر عموم قبيلة المسيرية والناظر دينق مجوك ناظر قبيلة الدينكا نقوك وقد فشل المثقفون في التواصل وربط مصير المنطقة بأهلها لتكون المنطقة جنوبية شمالية بحكم التعايش والوجود السكاني أما الجغرافيا السياسية فلتترك لملائكة الرحمة وملائكة العذاب إذا كانت هناك جنة في الشمال أو نار في الجنوب أو العكس.والجنة في نظري هي ابيي نفسها ولذا يود كل فريق من الفريقين الدخول إليها وطالما هي جنة اولي بها أهلها من المسيرية ودينكا نقوك وجحا اولي بلحم تورو كما يقول المثل وطالما أن أبيي هي جنة الله في أرضه فلتحرسها ملائكة عظام من الجنود والمواطنين ولا يترك مصيرها لجندي متهور يحيلها بين عشية وضحاها إلي خراب ويبدل أمنها خوفا وقد ظلت قضايا السودان طيلة العهود السابقة تدار علي طريقة الجندي المتهور والرقيب البليد وآن الأوان أن يدار السودان بالعقل والحكمة والرحمة بدلا من التعذيب والقتل المجاني الذي لا يعرف الرحمة . ومن لا يرحم لا يرحم .