المريخ يواصل تدريباته وتجدد إصابة كردمان    مركز الملك سلمان للإغاثة يدشن تسليم الدفعة الثانية من الأجهزة الطبية    مشاد ترحب بموافقة مجلس الأمن على مناقشة عدوان الإمارات وحلفائها على السودان    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    شمس الدين كباشي يصل الفاو    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    المريخ يتدرب بالصالة    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    المؤسس.. وقرار اكتشاف واستخراج الثروة المعدنية    القلق سيد الموقف..قطر تكشف موقفها تجاه السودان    البيان الختامي لملتقى البركل لتحالف حماية دارفور    الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    السودان..مساعد البرهان في غرف العمليات    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    تجارة المعاداة للسامية    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    سوق العبيد الرقمية!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تهافت خطاب "الهامش" عند الدكتور حيدر إبراهيم على: "ترامبية" بنكهة سودانية! .. بقلم: محمد عثمان (دريج)
نشر في سودانيل يوم 28 - 06 - 2017

ما كنا نظن يوما ان ينزلق قلم الدكتور حيدر إبراهيم على إلى درك تهافت الخطاب وإنعطاب الرؤية وضيق افق التحليل؛ وهو صاحب المساهمات الراتبة والموثقة والمعروفة فى الشأن السودانى ومؤسس مركزا بمثابة منارة لدراساتها. جاء كل ذلك فى مقاله الموسوم "خلافات الحركة الشعبية : حرب الهامش ضد الهامش وتهافت شعار السودان الجديد" المنشور فى المنابر الالكترونية بتاريخ 22يونيو 2017. و قد تبعه بعد ذلك بمقال اشبه بالبيانات العسكرية و كأنه "يتوعد" فيه بعض أصحاب ردود الافعال لمقاله الكارثة ممن اسماهم ب"أدعياء معارضة المشروع الاسلاموى" واصفا مواقفهم بالبذاءة والركاكة والوقاحة والشتم‘ إلخ. لكننا نحاول هنا التركيز على فضح بعض مكامن التهافت فى كتابه "خلافات الحركة الشعبية..." بصفة أساسية.
بنى دكتور حيدر مقاله الكارثة على خلفية الصراع الحالى داخل اروقة الحركة الشعبية-شمال على مستوى القيادة و ما نتج عن ذلك من سيل من الاتهامات المتبادلة بين الفرقاء و بيانات فصل، إلخ. هذا الصراع هو جزء لا يتجزأ من الشأن العام السودانى و جزء لا يتجزأ عن مجمل ازمات الدولة السودانية تلك المحفورة بعنف ضمن بنيات الدولة أو التى يعايشها الجميع فى الوقت الراهن، و بالتالى يجب التصدى لهذا الصراع من كافة القوى السودانية و مقابلته بالنقد الحاسم، و نقد تجربة حمل السلاح و جدواه و فشله كنهج لإصلاح الحال المائل؛ إلخ، و لذا ما كنا نرى فى كتابة الدكتور امراً مستغرب ان هو إلتزم التعبير عن خيبة امله فى الصراع المسلح و قدم بعد ذلك بدائل اخرى محتملة و خريطة طريق مغايرة لمعالجة قضايا السودان الملحة تُجنّبنا الاقتال والعنف غير المجديين والتى إن استمرت بالصورة التى هى الآن عليها فلا محالة ان تقود إلى تمزيق و بل تذرير السودان إلى أغبرة وابخرة سياسية. ولكن خلافا لمثل هذا التوقع ينزلق خطاب الدكتور حيدر وفى لمح البصر نحو إصدار مقولات وثوقية و قاطعة لم تنهض أو تتأسس على اية توضيحات أو مدخرات نظرية او معرفية أو منهجية بيّنة بل تأتى صادمة كأنها وحى من قوى غير مرئية. فعلى سبيل المثال، يقرر هو: "لقد اثبت صراع الحركة الشعبية أن فرضية جدل المركز والهامش وهم كبير" هكذا يحدد من أوّل وهلة دون ان يذكرعلى نحو نظرى متكامل مصدر "الوهم الكبير" فى نظرية صراع المركز و الهامش و الذى اشار إليه هو بال"الجدلية" و هل الوهم المزعوم يكمن فى فرضية الجدل ام فى فرضية "وجود" صياغة خطابية/معرفية يُدلل لها ب "المركز/الهامش"؛ و بالطبع لا يمكننا أن نخمن مقاصد الخطاب الحيدرى و الذى يبدو انه فى لهاثه المتهافت لم يتوقف و لو للحظة للتمييزبين هاتين الوضعيتين، و يبدو ان الامر عنده لا يتعلق بالمعرفة و التعليم او التعلّم بقدر الرغبة الجامحة فى إصدار الادانات القطعية غير القائمة على اية اسس عقلانية من اجل تجييش غاضبين فى محاولة لتدشين وضعية يمكن تسميتها ب "الترامبية السودانية" (بالنسة إلى دونالد ترامب الرئيس الحالى للولايات المتحدة الامريكية). و فى حقيقة الامر لا يمكن قراءة خطاب دكتور حيدرفى "خلافات الحركة..." إلا عبر هذه المنحدر الخطير!! (و بالطبع فقد بدأ خطاب التجييش الترامبى يُؤتى اكله، الشيئ الذى يمكن جسه من كم الاصوات التى إحتفلت بأطروحة الخطاب بالدرجة التى ذهب البعض إلى القول بأنه كان ينتظر مثل هذا الخطاب منذ اكثر من خمسين سنة ( أنظر إلى تعليقات الراكوبة حول المقال المذكور)).
و بعودة اخرى إلى قضية "الوهم الكبير" فى مقال دكتور حيدر لا يسعنا إلاّ ان نسأل الدكتور عن سبب وصف تلك الوضيعة غير المعرفة ب"وهم كبير" وعدم الاكتفاء بوصفها ب"الوهم" و حسب. فهل "الوهم الكبير" يجعل من الشيئ اكثر "وهماً"، و إذا كان ذلك كذلك فما هى دلالات هذا الفرق على مستوى إنتاج معرفة بتلك الوضعية. نحن نعتقد ان الدالة "كبير" فى هذا السياق ليست سوى ضرب من ضروب "التبذير الكتابى او اللغوى" المقصود به "نفخ" الخطاب حتى يحقق تاثيره المطلوب فى التجييش المجانى للترامبية السودانية و هى احد الحيل التى وردت كثيراً فى اضابير الخطاب الحيدرى!
لم يتوقف إنزلاق الخطاب الحيدرى إلى هذا الحد و لكنه تعدى ذلك إلى حقول سحيقة تُشيئ بأرومة عنصرية و إنعطاب فى الرؤية. نقول ينزلق الخطاب الحيدرى نحو/إلى القول: " فنحن أمام الهامش النوباوي وهو يحارب الهامش الدينكاوي أو الجنوبي وليس الجلابة أو تحالف الهمباتة الخيالي". نعم هنا يتحدث الدكتور عن هامش نوباوى و هامش دينكاوى... معرّف هكذا بالاف و اللام ليلغى بذلك و إلى الابد (كما يفعل آلهة الموت تماماً) اى إحتمال لوجود "نوباوى" أو دينكاوى" أو "جنوبى" أو حتى جلابى خارج حقل لعبة الموت التى يحاول الخطاب الحيدرى فى إستماتة التجييش لها و رفدها بتبذيراته اللغوية؛ وبكلام أخرى فإن السودان فى رؤية الخطاب المعطوبة إنما يتكون من كتل صماء موسومة بتلك الاثنيات يسهل معها وصم مجموعات كاملة منتشرة افقيا و رأسيا (أى فى الجغرافيا و التاريخ) بما يقوم به الافراد سوءاً ان تم إدماجهم فى معسكرات تلك الكتل قسرياً اوتم ذلك إختياراً و لذا لا يتورع الخطاب عن إدانة "الهامش"؛ كل الهامش؛ بسلوك فرد من افراده كما فعل مع "قضية الطريق الغربى" حيث وصف المتهم فى الامر ب" شخص من قلب الهامش وليس جلابيا أو من اولاد البحر ". هذا المنحى فى رأينا لا يمكن وصفه إلا بالموقف العنصرى المقيت و الذى يُسهّل وبل يقود إلى إرتكاب فظائع فى حق الشعوب كالمجازر الجماعية أو التصفيات العرقية/العنصرية، إلخ! إلا فإين حرب المركز على الهامش اليومى و الماثل للعيان من الخطاب الحيدرى الذى يحشد له النظام آليات الدولة التدميرية و الايدولوجية‘ أين كل هذا من الخطاب الحيدرى؟
و لان التناقض فى الطرح هو احد اوجه تهافت الخطاب فنجده بعض ان تهكّم على "حرب الهامش الإثنى ضد الهامش الإثنى الآخر" يقرر الخطاب الحيدرى هكذا فجأة إن الصراع فى السودان " ليس اثنيا ولا جهويا بل هو صراغ اقتصادي-اجتماعي قد يلبس احيانا أقنعة ثقافية وناتج عن غياب مزمن لأي رؤية سياسية وغياب أي استراتيجية لتنمية مستقلة شاملة وعادلة ". فهل قرر الدكتور ان الاقتتال "المتخيّل" بين المجموعات "الإثنية" المذكور آنفاً ليس صراعا؟ ام انه لا يعتبر تلك المجموعات جزء من السودان الذى يتميز صراعه ب"إقتصادى-اجتماعى"؟ اليس من الممكن ان يكون الاقتتال بين الكتل الإثنية فى خطاب الدكتور و بنفس منطقه "قد لبس قناعاً ثقافيا/إثنياً؟ وإلى ماذا تعود مسألة الغياب "المزمن" لأى رؤية سياسية.. و إسترايجية لتنمية مستقلة شاملة و عادلة" فى خطاب الدكتور؟ (الله وحده تعلم! او كما قال..)! فعلى ما يبدو فإن الخطاب الحيدرى ليس معني فى المقام الاوّل بإنتاج معرفة و لكنه فقط مهوم بالتجييش فى مسرح لعبة الموت الإثنى ضمن الترامبية السودانية!
لم ينتهى التناقض فى خطاب الدكتور إلى هنا و لكنه إستمر كما هو الحال فى قوله " فعملية تخليف الجنوب والغرب لم تتم لأنهم فور أو دينكا ولكن لان الحكومة الوطنية الأولي بعد الاستقلال رفعت شعار:" تحرير لا تعمير. وتبنت كل الحكومات المنتخبة سياسة اللاتنمية"؛ أوليس هذا هو جوهر نظرية "الهامش و المركز" ام ان الخطاب الحيدرى يتحدث الآن عن وضعية أخرى لم يفصح عنها؟ لا نعتقد ذلك، لكنه فقط تهافت الخطاب هو الذى يوحى بذلك. ثم لماذا ترك الخطاب الحيدرى الدالة " حكومات وطنية" دون تفكيك و كأنها مرجعيات/وضعيات محايدة و مغلوبة على امرها؟ ثم أليس هناك إختلاف كبير ما بين الشعار والفعل. فحتى لو صدقنا ان "الحكومات الوطنية قد رفعت شعار "تحرير لا تعمير" فهل إلتزمت به اما انها "تحت_تحت كما يقولون" قامت بالاستمرار فى تنمية مناطق بعينها تخدم مصالحها الطبقية و الاجتماعية و الثقافية بينما جهلت وبل تجاهلت مناطق اخرى لانها لا تمثلها ثقافيا او طبقياً او لأنها حاولت التخلص من او التنكر لاى وشائج "دموية" تربطها بتلك المناطق فى عملية اقل ما يمكن وصفها بانها نموذج ساطع ل"قتل الام (Matricide)" و هو الامر الذى لا يسع هذا المكان الخوض فيه الآن. أوليست هذه هى الوضعية التى حاول الهامش مقاومتها بإستمرار حتى قبل "الاستقلال الصورى" للدولة الكولونيالية من اجل المساواة و العدالة؟ ثم كيف يفسر الدكتور حقيقة ان جميع الاقاليم و المناطق المهمشة هى تلك التى تقطنها الاقليات من غير العناصر النيلية الشمالية؟ أى صدفة أو مصادفة تلك التى ادت إلى إخراج هذه الوضعية؟ هذه اسئلة لابد من الاجابة عليها قبل الانخراط فى إلقاء الكلام على عواهنه و اصدار الاحكام القطعية على نحو متهافت و متناقض كما هو الحال فى الخطاب الحيدرى الماثل!
و لانه من سمات خطاب التهافت هو التبذير اللغوى و نفخ الخطاب على النحو الذى أبنا سابقا يقرر الخطاب الحيدرى ان"أكبر عملية فساد اضرت بالهامش قام بها شخص من قلب الهامش وليس جلابيا أو من اولاد البحر( فضيحة طريق الانقاذ الغربي) وقبل ذلك قام وزير المالية في عهد الحاكم دريج بتحويل كوتة السكر الخاصة بدارفور لمصلحته الخاصة وهو من ابناء الفاشر وشيد من ريع السكر عمارة في الصافية بحري." لنضع جانباً مسألة هذه الانتقائية المُخلّة و الرخيصة الممثلة فى القفز اللاهث عبر العصور لإيجاد "ادلة تدعم خطاب التهافت؛ لنضع ذلك جانباً و نسائل الخطاب عن اين إختفت اطروحة التحليل الاقتصادى الاجتماعى للصراع فى السودان هكذا فجأة؟ ام ان ذلك لا يعدو عن كونه "تحسين خطاب" و حسب. فإن كان الخطاب يتحدث عن إتهام القطب الاسلامى "على الحاج" فإن الدكتور حيدر هو اول العارفين بانه لم يتم إنتخاب الشخص المعنى من قبل هذا البناء الاسطورى الذى يسميه هو "هامش" ولم يفصح عن كنهه على نحو دقيق. نقول لم ينتخب الهامش (على الحاج) ليمثله و ليتحمل مسئؤلية اعماله من بعد ذلك. لقد إختار على الحاج بمحض "إرادته" التى تخوله له حقه كمواطن سودانى و بحكم إنتمائه الطبقى و تراتبياته الاجتماعية و الثقافية الاخرى الانضمام إلى طبقة محددة و القيام بافعال محددة ليس من ضمنها أية مزاعم إقليمية أو جهوية و لذا يجب ان يترك الحكم فى تلك الانتماءات و الافعال للمسيرة تاريخ الدولة السودانية و للقضاء العادل و المستقل للبت فيها معالجتها و الحكم بشأنها، و على الحاج آخرون و أخريات إنما يختارون الانضمان للتكوينات السياسية و الثقافية الخ بحكم الانتماءات الطبقية و ليس لان فى "دمائهم الهامشية" ما تلزمهم بذلك، و هم بذلك لا يختلفون عن بقية عناصر شعوب السودان الاخرى إلا إذا ارتأى الدكتور غير ذلك. إذن ما هى تلك "الجينات الهامشية" التى تدفع بعناصر الهامش ليفسدوا على النحو المذكور فى المقال؟
ثم يا دكتور كيف تقرر ان عمليتى "طريق الانقاذ الغربى" و "سكر دريج؟؟؟" اكبر عمليتى فساد فى تاريخ الهامش؟ أليس هذا مثال آخرللتبذير اللغوى و نفخ الخطاب؟ فإذا كانت هناك عملية يُمكن وصفها ب"اكبر" عملية فساد فإنها بالتأكيد تتمثل فى نهب الدولة السودانية بواسطة النخب النيلية-الشمالية و فشلها فى إستعياب جميع مكونات شعوب السودان فى عمليات السودنة و إفساح المجال للمشاركة العادلة و الرشيدة فى خيرات هذه "الزريبة الكولونيالية" السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و الفكرية و الدينية و اللغوية ‘ الخ إلخ و ذلك عن طريق إحتكار الدولة و خيراتها لقطاعات بعينها و نفى و سحل و قتل و إغتصاب و إبادة عناصر اخرى ذنبها الوحيد يمكن فى أخرويتها و مطالبتها بحقها العادل فى الحياة و الوجود؛ و إذا كانت هناك عملية فساد تستحق ان يطلق عليها صفة "اكبر" فهى بالتأكيد لن تتعدى عمليات الابادة اليومية التى يعيشها الهامش ليس فى الثمانينات و لكن الان وعلى مرأى و مسمع من الجميع تلك الإبادة التى تُرتكب بواسطة المليشيات الحكومية سيئة السمعة و قواتها الخاصة و قواتها الامنية و مروحياتها ‘ الخ ألخ؛ فكيف تفكرون يا دكتور؟
لكن الانحدار السحيق و المتهافت فى خطاب الدكتور ومنحاه "الترامبى" يتجلى كما النصب الاسطورى فى سعيه الرخيص و غير المسئول و ذلك فى محاولته ربط عناصر الهامش بإنجاح إنقلاب 1989و بالتعذيب و فى الحرب ضمن "القوات المسلحة السودانية" (و هذه الاخيرة أخفاها خطاب الدكتور لدواعى التجييش) و الاجهزة النظامية الاخرى و ذلك فى قوله: "وقد كان ابناء الهامش هم الذين ساهموا بفعالية في نجاح انقلاب الاسلامويين الحالي وتقلدوا ارفع المناصب في البداية وجاهدوا في الجنوب ضد هامش غير مسلم، وكانت أغلب عناصر جهاز الأمن وبيوت الاشباح من أبناء الهامش في مطلع التسعينبات ثم حمل بعضهم السلاح ضد النظام الذي مكنوه."
بالطبع لا يختلف إثنان حول مشاركة اعداد كبيرة من أبناء و بنات دارفور، على وجه الخصوص، ولكن مثلهم و مثل الآخرين من جميع قطاعات شعوب و أقاليم السودان الاخرى فى الحركة الاسلامية منذ فجرها و ساهم البعض منهم و لا يزل فى تمكين الاسلاميين كما أنهم قد شكلوا أيضاً اكثر من 70% من مجمل القوات المسلحة على مستوياتها الدنيا و عمل البعض فى الاجهزة الامنية البغيضة و المشاركة فى عمليات التعذيب المهينة و الكريهة ‘الخ إلخ... لكن علام يندهش الدكتور من هذا الموقف؟ أهل لانه يعتقد ان هؤلاء ليسوا سوى مرتزقة جاءت من دول مجاورة للقيام بكل هذه الاعمال؟ نحن نعتقد ان عناصر "الهامش" لا تختلف عن بقية عناصر المجتمع السودانى (و إذا كان فى جعبة الدكتور ما يثبت عكس ذلك فليتحفنا به) و بالتالى يحق لها كبقية العناصر المكونة للدولة حق إختيار الوجهة التى يريدونها لحياتهم ان تسير فقط عليهم ان يتحملون بعد ذلك نتائج إختياراتهم. كان الاحرى بإستاذ علم الاجتماع ان يقدم لنا تفسيراً للاسباب و العوامل التى تدفع بعناصر "الهامش" للإنخراط فى و القيام بتلك الافعال كما حاول ان يقوم بذلك على نحو ممتاز "الدكتور شريف حرير" فى تحفته الموسومة "عنصرية فى قناع إسلامى..." كان حرى بالدكتور حيدر ان يقدم لنا مثل ذلك التفسير لا ان يؤذى حواسنا بتلك الادانات الجوفاء و الرخيصة فى لعبة موت الكتل الهامشية التى يجيّش لها! و من الناحية الاخرى فلعل اصدق ترجمة لمقولة "جوّع كلبك يتبعك" هو هذه الوضعية التى اجبرت بعض عناصر من الهامش للإنخراط فى الاجهزة الامنية من اجل الحصول على إمتيازات و دخل مادى حُرم الهامش منه بسبب سياسات المركز الذى فضل إبقاء الهامش فى ظلام التخلف حتى يستخدمه فى عمليات التجييش و العمالة الرخصية و أداء الوظائف الوضيعة كالتعذيب‘ إلخ. هذه محاولة متواضعة للمساهمة فى تفسير وضع الهامش الذى تجاهله الدكتورعن عمد او خفى عنه!
ثم يا دكتور أليست كل "مساهمة" أو "مشاركة" تستدعى وجود اطراف اخرى؟ إذن ما الطرف والاطراف الاخرى التى ساهم و شارك معها عناصر الهامش فى الحرب فى الجنوب أو فى تعذيب المعتقلين فى المعتقلات أو فى إختلاس المال العام؟ ما الذى وضع سياسة الحرب ضد الجنوب و بقية حروب السودان الاخرى و برر لها ثم إستغل الاوضاع المتردية لإنسان الهامش من اجل تجنيده وقوداً لهذه الحروب العبثية؟ لماذا فضلت عدم الافصاح عن تلك الاطراف الاخرى و تحميلها المسئولية إن لم تكن كاملة فعلى الاقل مناصفة كما تفعل الآن مع إنسان الهامش؟ هل لان ذلك بسبب تهافت خطابك و إنتقائيته الرخصية ام هناك اسباب اخرى؟ إفصح من فضلك!!
كذلك جاء فى خطاب الدكتور تعبيرات على شاكلة "العنصرية المضادة الصريحة" لتوصيف حركات الهامش، فالسؤال هو ما هو/هى مصدر أو مصادر العنصرية "الاصيلة"و"الاصلية " التى نتجت عنها موضوع نفيها الماثلة _ أى العنصرية المضادة_ و التى يخاف الدكتور من ان تقود إلى "خراب أي محاولة للوحدة الوطنية القائمة علي حقوق المواطنة"؟ و ما فحوى هذه المحاولة السحرية القادرة على تحقيق الوحدة الوطنية المزعومة يا دكتور؟
و فى تهافته البئيس يحاول الخطاب الحيدرى تقديم مدخل نظرى مجانى لقراءة الصراع فى السودان و ذلك فى قوله " فالتناقض ليس بين المركز والهامش بل هو صراع اجتماعي -اقتصادي حول التقدم والتخلف أو التحديث والتقليدية." و هكذا يُخرج الدكتور من دهاليز معارف و كليات و مرويات كبرى سادت ثم بادت ليستخدمها ادواتاً و مباضع لعلاج الجرح السودانى النازف ابداً. فعلى الرغم من براقتها و لمعانها فإن هذه التعبيرات الكلية مثل التقدم و التخلف و التحديث و التقليدية لا تنتج إلا بياضاً ناصعا ما لم يصاحب طرحها نشاط معرفى صارم لا يخاف من الواقع و لكن ينخرط فيه عميقاً لسبر كنه و التعامل معه فى تعقيده و تعقيداته و ليس تهافتاً كما هو الحال مع الخطاب الحيدرى!
و فى ختام مكتوبه يدعى الخطاب حرصه على دعوة الناس للنظر فى قضية الهامش و المركز (الوهم الكبير) ثم يتسائل عن لماذا يتشاجر قياديان من الهامش. نقول له منذ متى اصبح صراع القيادات امراً من صميم عمل الهامش؟ ألم يخبرنا التاريخ ان مثل هذه الصراعات لم ينجو منها حتى من أصطفاهم الرب لنشر كلامه و الدكتور على علم تام بذلك لكنه فى رأينا فقط يستخدم هذه القضية هنا تهافتاً لخدمة مشروع تجييشه فى لعبة الموت الترامبية على النكهة السودانية!
هناك الكثير و المثير الذى كان من الممكن فضحه ضمن الخطاب الحيدرى و لكننا نكتفى بهذا القدر فى هذه المرحلة.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.