شُجيراتُ السَّلامِ النَّابتةُ على أرضٍ عَانَقَ ثَقافيُّها اجتماعيَّها (10) د. حسن محمد دوكه طوكيو - اليابان [email protected] ( إنَّها شُجيراتٌ محايدةُ الوريقاتِ " الطّرق " ، متجذِّرٌ فيها نبضُ البوحِ ، أو خِنجرُ الأسفلتِ " عولميُّ المنبتِ " على صدرِ الرَّواكيبِ " الغلط " ! ). " لا .. لا تنامي ، الليلُ أوغلَ ، لا تنامي، الريحُ أطفأتِ السّراجَ ، وقهقهت خلف الخيامِ .. و فراخكِ الزغبُ الصّغار تراقصت مثلَ الحمامِ .. تكوّمت فوق الحصيرِ ، تكوّمت مثل الحطامِ ... " . ( الشاعر السوداني : محي الدين فارس ) واحدٌ وعشرون عاماً تَمُرُّ على عيني هذا الفتى الممدّد " تطفيشاً و اندياحاً " بين دهاليز أمدرمانِ، وجُزُرِ أرخبيل الملايو ، و مستنقعات السيام ، مروراً بصحارى الخليج كامل الدسم المعولم . أنا العائد، و في القلب ظلت الأشياء تدخل الحميم من البواطن ، والروح يسكنها الإنسان في نقائه المشيمي البهي . إحدى وعشرون سنةً تتراقص فيها أحلام المآل عاجةً بزخمِ الوصول إلى روحٍ حميمٍ يتسلل عبر فراغات المكان في سرحانه الزمكاني ( الزمان والمكان ) نواحي الآن ، و الماضي، والحاضر، والمستقبل . إنها سلطة العودةِ ، وسطوة الحلم ، ومقدمات التماهي . بعبارةٍ أخرى ، هو الرحيل " طويل الخطى " نحو ما كان أو ما سيكون، أو التراجع " قصير المدى المعرفي " في فضاء الإنسان الزولي الآني!!. الرنك البريق، هي إحدى مدن شمال أعالي النيل، أو إحدى قراه المهيبة المتعاظمة " تواتراً " في ألقها السودانوي البهي، ضاربة الشهرة والألق آنذاك، والآن، وغداً. والرنك مدينة استعارت اسمها من اسم رجلٍ ترجع جذوره المشيمية إلى واحد من أبناء قبيلة دينكا أبيلانق ( أصحاب الأرض الأصليون ) . عدت إليها عام ألفين وستة ، بعد غياب تجاوز الخُمس قرنٍ من الزمان، وهي المدينة الحبيبة إلى نفسي والتي تأبى مخيلتي مفارقة بهائها السخي المترع بالأحلام السابحات في فضاء البلد الجميل الذي يتنزل واقعاً على ديار السودان . كانت الرنك خلال سبعينات القرن المنقرض بلدةً تتمدد شمالاً ضامةً أبو خضره، ومقره، والقيقر ، وكيلو خمسه، وكيلوخمستاشر، وهلكه، والتبون، وجوده، منداحةً جنوباً لتشمل خور أشِّر، و فيوار ، حتى تخوم جلهاك، وجبل أحمد أغا، وفلوج وملوط. مشرِّقةً تجاه المابان ( أرض قبيلة البرون ) توأم ديار الوازا وجنوب النيل الأزرق ( الأنقسنا ) ، مغرِّبةً نحو مشرعِ مُسَبَّل ، والبشارة، و وددكونه ،والمامور، زاخرةً بكل ما يعتمل في رحم مستقبل السودان من تقدم تجاه ما نحب وتقتضيه إمكاناتها الموزعة على بساط كل الأصعدة الإنسانية ، من اجتماعٍ، واقتصادٍ، وتجارةٍ، وزراعةٍ، وتربية، وتعليمٍ، ورياضةٍ، وفنٍ، وإبحار في النيل الأبيض بثرواته المائية والسمكية،وتراث سودانوي ثر يجمع قبائل الدينكا أبيلانق والشلك ويربطهم بالقبائل ذات الجذور العربية ( نزِّي ، والصبحة ، ورفاعه ، والسليم )، وتتوثق صلات هذه القبائل بأبناء أنصار الإمام المهدي المهاجرين من ديار كردفان ودار فور ( التعايشه، والفور، والزغاوة، وبني هلبه، وبرقو، والكواهلة، والحمر، والهوسا من غرب أفريقيا) لينتشي الجميع متمتعين بتفاعلٍ وتفاؤلٍ يشي بعمق الانتماء إلى بلدٍ نعته السودان !. والتاريخ " غير المسجل رسمياً في ذاكرة الأزوال " يحكي قصصاً بطوليةً لأبناء قبيلة دينكا أبيلانق منذ أيامٍ خلون ساكناتٍ في بصيلات الزمن حتى فترة المهدية بالسودان. حيث استطاع أبناء قبيلة دينكا أبيلانق مواجهة المستعمر الإنجليزي ( شمال الرنك ) وهم يتسلحون بالحراب والعصي بعد الإيمان ، يواجهون قوة السلاح الناري المتطور ، منفعلين في تماسكٍ إيماني آسر ، مرددين شعارات المهدية : " الدايم ، الله الدايم ، الدايم الله الدايم ، الله أكبر ولله الحمد ... " . فاستطاعوا بذلك كسر المربع الإنجليزي في نسخته العسكرية التي كان يتباهى بها قصر بكنهام الأسطوري ممتطياً " في زهوٍ وخُيلاء " جواده المغرور بالقوة التي تتمتع بها إمبراطوريته التي " كانت " لا تغيب عن حوافرها الشمس!.