سنوات وسنوات طويلة و اكثرية جماهير الشعب السودانى و الكثير من تنظيمات و جماعات المعارضة السلمية المتمثلة فى الأحزاب السياسية بالداخل بمختلف تكويناتها واحزابها وجماعاتها وكذلك حركات التمرد المسلحة ، والجميع يتحدث عن بزوغ فجر التغيير وشروق شمس الخلاص من قبضة الشمولية والأستبداد أثر قيام ثورة شعبية وأنتفاضة تسفر عن سقوط نظام المؤتمر الوطنى والقوى المتحالفة معه ، ولكن دون ان يحدث شئ فى كل مرة بالرغم من السوانح والفرص التى تعاقبت على مر هذه السنوات وكذلك رغما عن توفر كل المعطيات الداخلية منها والخارجية والظروف والاوضاع التى تهيات مع كل سانحة لحدوث مثل هذه لانتفاضة ، صحيح ان النظام تعامل بقمع دموى فى غير مرة وزج بالكثيرين فى المعتقلات والسجون ، لكن دائما ما تكون مشاركة الجماهير محدودة فى معظمها . لكن لماذا فى كل مرة لا يحدث شئ ؟ أين مكمن الخلل الحقيقى ؟ نعم سيحدث التغيير يوما ما لكن متى هذا يأتى التغيير وكيف سياتى ؟ كل هذه تساؤلات بديهية تقفز الى ذهن كل سودانى ضاق ذرعا بالوضع القائم . لبرهة ربما تصور البعض فى مطلع هذا العام وفى أعقاب اجازة الميزانية العامة للعام 2018 ، ان ساعة الصفر قد أقتربت وان اوان الخلاص بات قريبا ، فتنادت جماعات المعارضة للخروج والاحتجاج والتظاهر مبشرين بشروق شمس التغيير ، لكن بالمقابل كانت الأستجابة متفرقة وضعيفة وفى مناطق بعيدة ومحدودة التأثير وحتى احتجاجات مدن العاصمة كانت لم ترقى الى اى شكل من أشكال الثورة والانتفاضة ، الى ان جاء موعد الحراك الاحتجاجى الذى دعا اليه قاده " الجزب الشيوعى السودانى" فى منتصف هذا الشهر ، وما لاقه هذا الحراك "الاحتجاجى" من أستجابة ومشاركة من مكونات واحزاب اخرى أقتصر على عدد محدود من الجماعات عديمة الفعالية ، وكذلك ما تركه هذا الحراك من صدى خافت فى الوسائط الاعلامية تؤكد بجلاء عمق العزلة الطويلة التى تعانيها احزاب وتجمعات المعارضة التى شاركت فى هذا الحراك وأيضا تؤكد ضعف السند الجماهيرى لها . كذلك وضح بجلاء شديد عدم أستيعاب رموز وقيادت هذه التجمعات والكيانات والحركات النضالية المسلحة ، للتغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الكبيرة وما صاحبها من ازمات وحروب ودمار التى حدثت داخيا وخارجيا فى الأقليم المحيط فى الوطن العربى وافريقيا أنعكاس ذلك وتأثيره العميق على الوضع الداخلى كذلك من النواحى الأقتصادية والاجتماعية والثقافية وتبعا لذلك التعاطى سياسيا مع ما افرته من واقع معقد واوضاع حرجة وخطيرة لا تستقر على حال تبعا للتغيرات الدولية وصراع القوى الامبريالية الكبرى لتحقيق مصالحها او فرض أستراتيجياتها . . لقد بات من حكم المؤكد بأن جماهير الشعب السودانى بالرغم مما تعانيه من أستبداد الفئة الحاكمة وفسادها وما نتج ذلك من بؤس فى العيش وغلاء لا يبقى ولايذر وتردى مريع لا يوصف للخدمات الاساسية وغياب للامن و السلام فى ارجاء عديدة من جهات الوطن ولجم لحرية الرأى عن طريق مصادرة الصحف و أعتقالات كتاب الرأى والعديد من الناشطين ، رغما عن كل هذا بات مؤكدا بأن السواد الاعظم هذه الجماهير لن تحرك ساكنا ناهيك ان يثور وينتفض لتغيير هذا الوضع الماساوى وبين يديها واما مراى عينيها وسمعها ممارسات احزاب وجماعات المعارضة بشتى اطيافها وهى منشغلة بصراعتها وتناحرها الداخلى فى ظل أستمرار الهيمنة التاريخية لقياداتها التى تمارس تسلطا و أستبدادا لا يقل عن ممارسة النظام الحاكم ، وبالتالى أضحت معزولة بالكامل عن نبض الشارع وتطلعات مختلف شرائحه ناهيك عن الشكوك العميقة فى مدى وطنية هذه القيادات فى عين الوقت الذى تتحرك فيه هذه القيادات وفق اجندة بعض دول الجوار وقوى خارجية اخرى. ما نعيشه من وضع مذرى فى حالة المعارضة السياسية لن يتغير بين ليلة وضحاها كما ينشد ذلك البعض ويتمنى فى ظل هذه الازمة الخانقة المتمثلة فى غياب أحزاب حديثة و وطنية قوية حقيقية ، يلتف حولها جموع السودانيين من مختلف جهاته بعيدا عن الوصاية والتوريث وبعيدا كذلك عن العنصرية العرقية والجهوية الجغرافية ، شريطة ان تستند هذه الأحزاب وتؤسس على فكر وروؤى سياسية واجتماعية شاملة بحيث تتاؤم مع وتحترم المعتقد السائد للسواد الاعظم من الشعب دون تمييز ضد أصحاب المعتقدات الاخرى على اختلافها وكذلك الأستناد القوى الى الأرث الثقافى والتأريخى والعادات والتقاليد المتوائمة مع روح العصر الحديث وان يشمل ويستصحب مختلف تنوعات التركيبة السكانية السودانية ، حتى يتسنى لها ان تجمع غالبية او أكثرية الشعب السودانى بحيث يكون هدف هذه القوى الحديثة من خلال عدة احزاب هدف مشترك واحدا ان تقود عملية احداث التغيير الأيجابى بالطرق السلمية ، والأنتقال من حالة الاحتراب والتمرد المسلح والتناحر السياسى والأرتهان للقوى الخارجية ، الى حالة جديدة بغية الوصول الى السلطة عن طريق ممارسة سياسية راشدة يكون هدفها الأول حفظ سلامة الوطن واستقلال قراره وسيادته و ان ينعم المواطن أينما كان بحياة كريمة وان تحفظ حقوقه الاساسية وحقه الاصيل فى المشاركة السياسبة وبناء الوطن وتنميته واذدهاره. فى هذا المنحى ربما يجدر ان نؤكد ان حدوث التغيير الشامل و السلمى وأشدد هنا على الطابع السلمى، والملموس فى الواقع السياسى السودانى الراهن ربما لن يحدث قريبا فى ضوء معطيات هذا الراهن الماثل امام أعيننا ، لا أقول ذلك من باب التشاؤم لكن هذا ما اراه قد خرج من رحم الواقع الأليم الذى نعايشه فى ظل غياب غياب تنظيمات وقوى حديثة ووطنية تنتظم فى احزاب قوية تقوم على أسس تستند على أرضية صلدة من منطلقات وطنية صرفة بعيدة عن اطروحات ايدولوجيات مستوردة لا تتناسب وواقعنا الاجتماعى والاقتصاى ولا تستجيب للتعقيدات العرقية والجغرافية السودانية ، سواء بسواء فى ذلك اطروحات " العلمانية الملحدة" التى ما زالت تتمترس حولها بعض الأحزاب اليسارية او فكر الجماعات اليمنية مثل حركات " الاخوان المسلمون " والجماعات السلفية الوافدة و الآخذة فى الصعود فى الفترات الاخيرة ، ولا كذلك قوى الوسط الجديدة والصاعدة بقوة فى هذه الفترة التى تتبنى أطروحات " العلمانية المادية الرأسمالية " والتى تضم خليطا من الاحزاب الليبرالية وبعض الاحزاب الاسلامية الصغيرة المنشقة عن تكوينات عريقة و التى تتبنى العلمانية كمنهجية وايدولوجيا تتماهى مع الروؤى الغربية حتى تجد القبول والدعم من بعض مراكز صناعة القرار والدوائر الاعلامية الغربية ان غياب تاثير الاحزاب الوطنية والقوية ذات السند الجماهيرى الحقيقى يمثل معضلة وتأثيره العميق واضح فى المشهد السياسى السودانى لكل ذى عينين ، وهذا الفراغ الكبير يستفيد منه النظام القائم ويوظفه خير توظيف فى كل مرة لتبرير تمسكه بالسلطة وللتدليل على انه الخيار الوحيد والأفضل لضمان الأستقرار وبقاء وحفظ كينونة الوطن بالرغم من فشل كل سياسته الاقتصادية والاجتماعية التى وضعت الوطن على شفير الانهيار والزوال والغرق فى الفوضى كحال بعض دول الجوار العربى الأفريقى . 12فبراير2018 . عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.