عبر عدد من الحلقات في هذه الزاوية جرت مخاطبة الأجيال الشابة الجديدة ، وفي ختامها اود تلخيص بعضها واستكمالها .. مع التأكيد على احترامنا التام لآباء الاستقلال وقيادات الدولة السودانية المستقلة حتى اليوم (مدنيين وعسكريين) ، ولكن لابد من مواجهة الحقيقة المؤلمة بأننا اورثنا هذه الأجيال الجديدة دولة ممزقة ، منهارة وفاسدة في كل المناحي .. وأسوأ ما في هذا الميراث القاتم هو انهيار التعليم ، الانهيار الذي بدأ في عهد مايو (نميري) وتسارعت خطاه وصولاً الى القاع في هذا العهد عندما رفعت دولة (الإنقاذ) يدها تماماً عنه بعد أن عاثت افساداً في بقية الجودة التي ورثتها لتصيب بلادنا في مقتل ، إذ مقتل البلدان يكون في إنسانها عندما ينشأ ضعيفاً في تكوينه المعرفي ، باهتاً في وجدانه ، يائساً وخائفاً ، مسدودة أمامه آفاق المستقبل ، وفي العكس تكون نهضتها وازدهارها .. ورغم سيادة هذه الصورة القاتمة في واقع شباب اليوم ، الا ان عظمتهم تجلت في بؤر مشعة أضاووها هنا وهناك في شكل جمعيات ومبادرات إنسانية ووطنية بهيجة تقاوم النظام والواقع وتحنو على الشعب متفاعلةً مع همومه ، جمعيات ومبادرات في بعض مجالات العمل المدني الاجتماعي : دعم الشرائح الفقيرة بالغذاء والدواء ، القراءة ، صيانة المدارس ، المقاومة السياسية (اضرابات في مواجهة الغلاء والفساد...الخ) ، والاستشهاد بالآلاف في ساحات الوطن المختلفة .. والحديث عن الأحزاب وأدائها منذ الاستقلال وحتى الان هو نقد للنتائج (الصفرية) التي وصلنا إليها ، ولسلوكها الذاتي عموماً ، ولكنه لا ينفي ان المناضلين في مختلف الأحزاب قد واجهوا الأنظمة الدكتاتورية صموداً في معتقلاتها وأمام آلات التعذيب والعسف وسياسات الفصل والتشريد حتي يومنا هذا .. للأحزاب السياسية أهمية حاسمة في البناء الديمقراطي عندما يكون الانتماء إليها أنتماءاً لفكرة وبرنامج ذو اهداف واضحة للحاضر والمستقبل ، وعندما تكون قائمةً في بنائها وعلاقاتها الداخلية على أسس ديمقراطية واضحة في كل شيء من الشؤون المالية و حتى انتخاب القيادات بطريقة حرة تعتمد الكفاءة والقدرة قبل كل شيء .. وهذه دعوة مزدوجة : - لقيادات الأحزاب أن تهتم باحتياجات الاجيال الجديدة وهموم عصرها وان تسهل للمقتدرين منهم الوصول الى المواقع القيادية فيها ، وتتراجع هي شيئاً فشيئاً لمواقع المستشارين و المتقاعدين .. - ولأجيال الشباب أن تهتم بالإقبال على الأحزاب دراسةً واختياراً وانتماءاً ، فهي الأدوات الأهم في بناء مجتمع الديمقراطية المستدامة وازدهارها ، المجتمع الذي يجدون فيه أنفسهم وتتحقق فيه أحلامهم ومصالح وطنهم والأجيال التي ستليهم جيلاً بعد جيل .. فإذا كانت الديمقراطية المستقرة المستدامة تتأسس بالأحزاب السياسية الجادة المعافاة ، فان منظمات المجتمع المدني الاخري تقوم بادوار لا تقل أهمية عن دور الاحزاب ، فهي التي تراقب وتحفز وتقدم المبادرات النوعية والخدمات المختلفة وتقاوم الانحراف والاستبداد وتسدد خطي المجتمع نحو تلك الديمقراطية وفي بناء المجتمعات المتعافية .. والاهم في كل ذلك الصدق ، الإيثار ، الاحتفاء بكل فكرة او مبادرة مفيدة بغض النظر عن مصدرها ، فالسياسة ليست كذباً ودجلاً ولا استهبالاً وترفعاً متوهماً وتخويناً للآخرين ... سلاماً ايتها الأجيال الجديدة الصاعدة .. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.