في الوقت الذي كنت أختمر فيه فكرة كتابة مقال عن النفايات في العاصمة المثلثة وأضرارها البيئية التي تسبب الكثير من الأمراض والأوبئة المائية والجوية سواء بحكم تراكم المخلفات والنفايات وتناثرها بواسطة الكلاب الضالة أو بوضعها على جانبي الطريق وأحياناً وسط الطريق بسبب قلة حملات النظافة. فقد شاهدت ذلك لدى زيارتي الأخيرة للسودان في مارس 2016م وآمل أن يكون الوضع قد تحسن بعد استجلاب معدات وسيارات نقل نفايات. ما مضى مضى ولكن أعجبني التفكير الثاقب لوالي الخرطوم الجديد الذي خصص يوم السبت من كل شهر كانطلاقة عملية رسمية وشعبية لنقل النفايات وتنظيف العاصمة. موقع الخرطوم متميز من دون عواصم الدول الأخر لمعانقة النيل الأبيض للنيل الأزرق كدليل على وحدة السودان ومن المفترض أن تكون العاصمة مثالاً يحتذى شأنها شأن عواصم أفريقية عديدة أصبحت من أنظف العواصم على مستوى أفريقيا. ومنها ويندهوك عاصمة ناميبيا وكيقالي عاصمة رواندا ولوساكا عاصمة زامبيا حيث لا يشاهد المرء أكوام النفايات بل أن بعض رؤساء هذه الدول مثل زامبيا ورواندا يشاركون في حملات جمع النفايات . يمكن للخرطوم أن تعود إلى سيرتها الأولى عبر الاستفادة من تجارب وخبرات العديد من الدول ومع هذا" ما حك جلدك مثل ظفرك" فهناك عدة ضوابط يمكن اتخاذها لتصبح الخرطوم حديقة غناء تلفت الأنظار بسحر رونقها وأناقتها. ومن بين هذه الخطوات الاستعانة بتلاميذ وطلاب المدارس في حملات النظافة لكى يتعلموا ويتربوا على سنة النظافة التي من الإيمان ومتى ما شبوا على ذلك فسوف يحافظوا على النظافة طوال حياتهم. كما يمكن تدريس مادة النظافة في المدارس مع التطبيق العملي في كل أُسبوع في الأحياء والأسواق. النظافة في معظم الدول من اختصاص القطاع الخاص لا الحكومة لأن دور الحكومة إشرافي فقط ويمكن محاسبة الشركات متى ما تقاعست عن أداء مهامها. هذه التجربة ناجحة للغاية لأن الشركات تحرص على تحقيق أرباح. ويمكن للمواطن العادي تحقيق عائد من النفايات بمنحه كيسين لوضع النفايات أحدهما للنفايات التي يمكن تدويرها بحيث يتم إعطائه مبلغاً من المال لقاء وضع النفايات القابلة للتدوير في الكيس المناسب وبذلك يحقق لنفسه المزيد من الدخل ويكون قد تخلص من النفايات. هناك عدة فئات يمكن الاستعانة بها لنظافة العاصمة منها تكوين لجان شعبية تحت إشراف قيادات الشرطة والجيش والدفاع الشعبي وتخصيص نصف يوم من كل اسبوع لنظافة الأحياء والطرق. هناك العديد من الخطوات التي ينبغي لوالي الخرطوم القيام بها لإصحاح البيئة منها حملة توعية لحث المواطنين واصحاب المصانع بعدم تعريض مياه النيل للتلوث من خلال رمي النفايات فيه وتجريم ذلك بعد انتهاء فترة التوعية. وأذكر في هذا الصدد أنه وأثناء زيارة لناميبيا وكنا في طريقنا مع بعض الأجانب من العاصمة ويندهوك إلى ميناء" ولفيس بي" وأراد أحد الأجانب رمي قارورة ماء على جانب طريق سريع خارج العاصمة فاعترض السائق الناميبي بشدة على ذلك وقال له يجب عدم رمي المخلفات بل وضعها في برميل مخصص لذلك على بعد خمسة كيلومترات وبالفعل توقف هناك وأخذ القارورة الفارغة ووضعها في برميل القمامة واستأنفنا السفر. هناك تلوث بيئي آخر يتمثل في الأطعمة المكشوفة التي تباع في الطرقات أو الأسواق إذ ينبغي منح شهادات صحية لكل من يرغب في مزاولة تجارة الأطعمة أو المشروبات بحيث تكون هذه الأماكن أو الأدوات المستخدمة موافقة لمواصفات صحة البيئة وخاصة فيما يتعلق بأكواب المشروبات والعصيرات التي عادة ما يتم غسلها في وعاء واحد دون تغيير الماء. المعروف أن معظم دورات المياه في العاصمة موصولة بالمياه الجوفية مباشرة ومن شأن ذلك تلوث المياه بصورة كبيرة الأمر الذي يسبب في حدوث أمراض وأوبئة من حيث لا يدري المواطن. فلماذا لا يتم إلغاء هذا النوع من دورات المياه وانتهاج "غرف التفتيش" التي لا يزيد عمقها عن متر ونصف المتر وعرضها متر ونصف المتر وهى كافية للأُسرة الواحدة ولا مخاطر هدم عليها . ويمكن الاستفادة من خبرات بعض الدول مثل زامبيا التي لا تعتمد نظام الحمامات أو دورات المياه المتصلة مباشرة بالمياه الجوفية. الخرطوم بحاجة إلى نقل جميع المصانع التي يسبب دخانها تلوث البيئة وكذلك نقل محطات الطاقة الحرارية إلى مناطق بعيدة في الصحراء أو المناطق غير المأهولة بالسكان لأن الضجيج الذي تسببه بمثابة تلوث للسمع مثلما هو الحال في محطة بحري الحرارية. التهنئة مرة أُخرى لوالي الخرطوم الفريق أول هاشم الحسين على مبادرة النظافة وعليه أن يستمر في ذلك مرة في الأسبوع بدلاً من الشهر إلى أن تصبح العاصمة خالية من النفايات لأن صحة البيئة هى صحة الإنسان مثلما هو الحال بالنسبة للثوب والبدن إذ مهما اعتنى الانسان بنظافة بدنه وكان ملبسه غير نظيف لا ينظر الناس إلى نظافة بدنه بقدر ما ينظرون إلى ثوبه الذي هو عنوان مدى اهتمامه بنظافة بدنه. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.