هذا بلد عظيم مشى إنسانه على أحقاب الدهر مرفوع الرأس منتصب القامة، وهو بلد راكز على حضارة وتاريخ، وليس بلداً فارغ المحتوى أو (بلد أي كلام) نبت على ظهر الأرض كما تنبت الإعشاب (البروس).. هذا بلد تكلله حضارات عريقة زاهية ضاربة الأعماق، ولا تعجب إن قالوا لك أن السودان في إحدى حقبه البعيدة كان (شفيلد إفريقيا) في صناعة الحديد! وإذا تركت الخرطوم في (كآبتها الطارئة) وذهبت قريباً منها إلى (النقعة والمصورات) سيخطف قلبك بهاء العمران وهندسة المباني التي تشير إلى وجود جامعة سودانية عالمية عريقة في ذلك التاريخ البعيد تنتظم فيها قاعات الدرس ومساكن الطلاب المقيمين والعابرين، وكذلك تجد آثار حضارات السودان حيثما توجهت في جنوبه وشماله وشرقه وغربه؛ في الشهيناب أو (الفاشر الكبير) أو الشرق الذي كسر المربعات البريطانية.. تجدها في آثار كوش ونبته ومروي وعلوة والمقرة ودنقلا العجوز وسنار وتقلي والمسبعات والفونج..إلخ وفي الكنداكات الملكات اللواتي عاقرن شؤون (السياسة العليا) وحيثما نظرت تيقنت بقيمة هذا البلد الذي استعصى على غزوات الهكسوس والبطالمة ودخل في جدال ومجالدة ومواثيق مع أقطاب العالم القديم، وعرف كيف يصمد حتى في سنوات التكالب الاستعماري وكيف يتصدى للإمبراطورية البريطانية في أوج قوتها وسطوتها..! هذا وطنٌ يتميّز بتنوع خصيب في أعراقه وجغرافيته وكسب عيشه وثمرات أرضه وأعراقه وأعرافه التي اعترفت أدبيات القانون الحديث بعلو كعبها في تكييف وفرز الحقوق العامة والخاصة وإقامة موازين العدل في معاملات الأراضي والزروع والأنصبة..الخ.. وهو البلد الذي تعترف الدنيا المعاصرة بنبوغ أبنائه وبناته في شتى مواقع العمل والفكر والإبداع والابتكار والأريحية وبذل المعروف!.. وإذا أراد احد أن يقلل من شأن هذا الوطن وإنسانه بسبب الجهل أو الغفلة أو العنجهية فسيرتد عليه جهله وغفلته وعنجهيته و(تصكّه على وجهه) ويبقى السودان منتصباً بقامته المديدة على ربوة الحق والكرامة والحرية..مستنداً على موارده وخيراته العميمة في ظهر الأرض وباطنها من حقول ومراعٍ ومعادن نفيسة، وحيث تتلاقح رياح الخير فوق أنهاره العديدة وبما يفيض الله عليه من غيث السماء و(مياه الجوف) ومن شلالاته وترعه و(ترداته) وبحيراته وتبلدياته وغاباته التي فيها الخمط والأثل والسدر والطلح والهشاب.. ولو لم يكن في السودان كل هذا الخير الهتون لما صمد كل هذه السنوات الطوال مع ضراوة النهب والسرقات التي تكيل (بالمكيال الكبير)! ينبغي أن يرعوي من يريد التقليل من شأن هذا الوطن وتحويله إلي بقعة مجهولة تتوالد فيها جراثيم سوء الخلق ومؤامرات سوء الطوية، وينبغي الكف فوراً من حملات التقليل من شأن الوطن والاستهزاء بإنسانه ومواريثه وثقله الراجح في موازين الدنيا وميازيب الحق والخير؛ فهذا وطن كبير.. أكبر من الذين يستصغرون شأنه ويريدون طأطأة قامته (وهيهات).. فقد مرت عليه اختبارات واختبارات عجمت عوده وعلّمت من لا يريد أن يتعلّم حقيقة هذا المارد الذي صاحت بنخوته وإبائه للضيم الموشحات والأغاني والأناشيد السماويات الصادحة.. (هدم المحالات العتيقة وانتضى سيف الوثوق مطاعنا/ ومشى لباحات الخلود عيونه مفتوحة/ وصدوره مكشوفة.. بجراحها متزيّنة! عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.