الفكرة التى اهتدى اليها زعيم الحركة الشعبية الدكتور / جون قرنق ديمبيور ، بعد أكثر من عقدين من القتال والتبعات أن ينحى بفكرة أخلاقية ومبدئية يمكن تسويقها لايجاد القبول والدعم ، يمكن عبرها أن يتجاوز المواطن مآسى الحرب التى خلفتها حركته فى الجنوب والشمال والشرق !. فآثر قرنق أن يركن الى الحوار والتفاوض الجدى مع طرف خبر قدراته وامكاناته وصدق نيته كانت للحرب أو السلام عن تجربة وواقع !. لأن الحركة أدركت حجم الأحزاب التقليدية وما لحق بها من ضعف وهوان وقتها ، وكذلك المؤسسة العسكرية التى سعت الحكومات المتعاقبة لاضعاف قدراتها العسكرية والقتالية وتجريدها من الامكانات والمؤن والمعينات حتى تزعن للطاعة والانقياد للحاكم تحت ستار الديمقراطيات على هشاشتها !. وظلت بندقية قرنق والاحتماء بالحركة هو الملاذ لسائر الأحزاب خلال تلكم الفترة ان أرادت التقوى والبقاء فى الحكم ، فى وقت كانت قيادات الأحزاب هى من تسعى باتجاه قرنق كما فعل الميرغنى فى كوكادام و الامام المهدى وهو رئيس للوزراء فى اثيوبيا ، دون أن تغرى هذه اللقاءات قرنق للتواضع وقبول معروض السيدين بوقف الحرب وتوقيع اتفاق سلام مع أيهما جدى !. والحركة بالمقابل اتخذت موقفاً معاديا للانقاذ على اليد التى سبقت بمدها فى بوكير أيامها والوفد الذى بعثت به لقرنق يحمل رسالتها للسلام !. ومضت الحركة فى استعلائها حتى جيرت المعارضة الشمالية لصالحها عبر التجمع الوطنى لتخترق منه الأحزاب فقويت شوكتها وازداد سندها الاقليمى والدولى مما جعلها تتوهم النصر ، و دفعها لاعلاء سقفها ومناوراتها العسكرية والسياسية ، فقاتلت الانقاذ بشراسة ولكنها سرعان ما أستبانت أن الخيار العسكرى مع مؤسسة الانقاذ الجهادية (الدفاع الشعبى ) التى انضافت الى الجيش لن يجدى معه مواصلة الحرب ، والعد التنازلى للحركة كان قد بدأ فقررت فى نهاية المطاف بيع الأحزاب التى ائتلفت معها وتوجهت الى طاولة المفاوضات بمشروع أسمته (السودان الجديد) وهو يهدف لمنافسة المشروع الحضارى الذى تطرحه الانقاذ أو لنقل طمسه واستبداله بهكذا مشروع توافرت له العديد من الدراسات من كبريات مؤسسات ومراكز صناعة القرار السياسى وأجهزة الاستخبارات الأمريكية والغربية ، فضلا عن الدعم المادى واللوجستى بكل أشكاله !. وقد صمم هذا المشروع بعناية ضمن أهداف واستراتيجيات محددة وفق برنامج وخطط لمنح الولاء والقيادة لقرنق وحركته بدعم سائر التنظيمات الشمالية والجنوبية ومن الشرق والغرب أو ما يعرف ( اتحاد المهمشين ) فضلا عن السند الدولى الذى ظل متصلا حتى بعد وفاته !. وهو فى غايته يطمح أن يرى قرنق رئيسا مسيحى وغير عربى على سدة الحكم كشرط لوحدة البلاد !. وقد سبق أن أشرت فى مقال سابق الى كنه مشروع الحركة الشعبية وما ينطوى عليه من مبهمات هى فى حدها الأدنى محاكمة لكل انظمة الحكم التى تعاقبت على البلاد منذ الاستقلال ، ومحاكمة تاريخ الشمال السياسى ، وعدم اعترافها بالصيغة التى حققت الاستقلال بين المكونات الوطنية للحركة السياسية ، بل تجريم كل الحقب وتحميلها المسئولية كاملة لما أصاب الجنوب من تخلف وخراب ، وعلى هذه الفرضيات انبنى أساس مشروع الحركة ، وتشكلت عقليتها ورؤاها التى خاضت بها المفاوضات فى نيفاشا ، وظل سلوكها محاط بهذا السياج عند تنفيذه !. خدمت الظروف الموضوعية قضية التفاوض وتحقق السلام (CPA)عبر الايقاد وشركائها بالصيغة التى تعيشها الشراكة الحالية التى تقوم على معادلة تضامنية مفترضة بين المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية لتحقيق السلام والوحدة كهدفين رئيسيين ، على خلاف النموذج الهندى الباكستانى حول كشمير ، أو الأثيوبى الاريترى الحدودى ، وكلاهما يقوم على فصل الدولتين كمبدأ ، واتفاق السلام فى السودان يدعو أطرافه للعمل سوياً لجعل الوحدة جاذبة !. والحركة تبدأ مرحلة الانتقال من حركة متمردة الى تنظيم سياسى بعد فراق قرق من خلال تطبيقها للاتفاق ومستحقات الشراكة دون رؤية كلية ، اصابتها أدواء السياسة ومنزلقاتها ،اضافة الى ضعفها التنظيمى والمؤسسى ومحدودية كادرها مما جعلها تضل الطريق وتفقد البوصلة ليعلو الانفصال خطابها السياسى ، تعززه خطاها وتوافقاتها التى ترجح نهج المناورات وعبور الجسور عند بلوغها ، وهى مقلة فى العمل الجدى والاستقرار والثبات على ما يتم التراضى عليه !.وتستخدم أقليتها الميكانيكية لتأزيم المواقف والاضرار بالمصالح العامة للوطن !. فأختلطت أوراقها ووجهتها بين ما هو استراتيجى وما هو تكتيكى فى مشاركتها الحكم القائم ومرده على ما أبرمته من اتفاق ، و اقامتها لتحالفاتها السياسية مع القوى الأخرى فغدت حاكمة ومعارضة ، وأصبح لها لسانين فى التعاطى والممارسة السياسية فهى تطرح الانفصال والوحدة مع شريكها للضغط ، وتغازل الأحزاب الأخرى بالتحول الديمقراطى وقوانينه امعاناً فى تبعيتها مما أفقدها المصداقية لدى الطرفين !. وحصادها اليومى يدلل أنها حركة انفصالية لا تحمل مشروعا قوميا ، بل تقوم على كونفدرالية تعددية جمعتها مصالح لمجموعات وارتباطات ومصالح محددة ، تغذيها نعرات العرق والقبلية والحميات دون مبدأ أو أخلاق ضابطة ، وهى حركة براغماتية مشبعة بالكراهية للشمال والاسلام والعوبة ، وتجريم شريكها من خلال الشك الذى يلفها فى كل الصيغ والملفات التى جرى التداول حولها ، وهى أخطأت حينما أخذت تناصر الأحزاب التقليدية استغفالاً ، علما بأنها هى التى سبق وأن سطرت كتاب الاستقلال الذى لا تعترف به ولا بمؤتمر الخريجين ولا الفترات التى أعقبته وما توافر لها من كسب وطنى !. وهى تعمل بالاسترزاق اليومى فى السياسة والممارسة الديمقراطية دون شورى لتبلغ به مرحلة معينة أو هدف يقودها الى ما بعده من مراحل !. ومؤتمر جوبا لقوى المعارضة برعايتها كان محاكمة علنية وضراراً للمؤتمر الوطنى ، وقد فقد مشروعيته يوم انتهى الى مشروع مظاهرات بالخرطوم وهروب من واقع الجنوب المرير وبركته الآسنة !. والحركة غادرت قطار التحول الديمقراطى والحريات الذى خدعت بها أحزاب الشمال ، هذا الشعار الذى ظلت تلوك مفرداته والدعوة لاجازة قوانينه لكنها كانت على الدوام خاوية الوفاض من آليات تطبيقه والتزامه فى الجنوب وداخل أروقتها ، وفشلت فى أن تكون تنظيما ديمقراطيا لم يحتمل بونا ملوال ود. لآم أكول ورياك قاى وغيرهم من أبناء الجنوب الذين ظلوا بالشمال حفاظاً على أرواحهم وحرياتهم التى ضاقت بها أجهزة الحركة وبطش جيشها الشعبى ، وقادتها يمنوننا بالديمقراطية والتحول !. وتفلت البعض عن قبضتها والترشح مستقلين عنها بلغ حوالى 350 مرشحا جاءت بهم قواعدهم ورفضهم ميزان باقان - عرمان ورؤيتهم ازاء بعض الشخصيات حتى ينفردواباحتكار القرار من تحت زعيمهم سلفا الذى فقد السيطرة باكرا على عربة القيادة والسيطرة !!. هذا المشروع الواهم لا يقوم على قيمة مبدئية أو أخلاقية ، وصراع السلطة فى الحركة بدأ بالتصفيات السياسية للمنافسين كما حدث لوليم نون وكاربينو كوانين وغيرهم من القيادات الجنوبية !. وليس فيما تحمل من بضاعة فى تعاطيها اليومى من أفكار ورؤية سياسية ازاء الملفات التى ضمنها الاتفاق ومستقبل البلاد ، ونواياها تضمر السوء وتكرس الفتنة واصطناع الأزمات وتازيم المواقف تجاه القضايا التى تحيط بالوطن كانت استحقاقات الاتفاق نفسه أو سلام دارفور ، أو المهددات الخارجية وعلى رأسها الجنائية الدولية وتصدر الحركة لداعميها داخلياً !. وهى ضد الوفاق الوطنى لفقدانها للارادة التى تعمل لأجل هذه الغاية وجرها للقوى الشمالية فى بحر الفوضى التى تجيدها ونسف أى جهد باتجاهه من واقع حملات الارباك السياسى والتشويش والابتزاز التى ظلت تمارسها !. واصرارها على اقرار قانون الاستفتاء والمادة (67) منه هى وصفة حرب لا محالة فى حال احالة موضوعات الحدود ، الجنسية والاتفاقيات الدولية الى ما بعد نتيجة الانفصال وعدم حسمها الآن ، وتاريخ التوافق والتعاهد معها حواراً أقرب الى الطرشان !. والذى يتأمل واقع الجنوب على أيام حكم الحركة الشعبية ، وهى المسيطر الوحيد والحصرى على رقعة الجنوب والمهيمن على واقعها السياسى وتملك كل ماله وموارده وجيشه يحار فى هضم التعايش معها !. وبقدر ما كرست هى من واقع أليم واستغلال بشع للسطة والثروات هنالك هى بعض معالم هذا المشروع الهلامى الذى يسعى فى كلياته الى تمزيق البلاد وتقطيع أوصالها من خلال مبدأ تقرير المصير الذى أقر ليكون بمثابة الشوكة فى خاصرة الوطن والدعوات لن تقف عند نيفاشا والبلاد تستشرف الدوحة وسلام دارفور الذى انطلق لأكثر من شهر يعززه التقارب التطبيع مع الجارة تشاد والتقارب مع العدل والمساواة !. فالسلوك الغريزى لديها يتحدث عن الوحدة بعبث ويسعى للانفصال بما يقيمه من تعزيزات عسكرية ودفاعية وصفقات السلاح المتقدم والتدريب !. ولعل فى اجازة نظامين بموجب الاتفاق كانت بدواعى الاستقرار فى الحكم والأمن للبلاد ، لا لأجل التشاكس لاقامة حكم علمانى لكل السودان دون احترام لارادة الأكثرية أو يتكسر الوطن هى بعض فيوضات المشروع الفتنة !. وهى حركة تمييزية حتى بين أبناء الجنوب انفسهم فى الحقوق مما يضاعف تناقضاتها لجهة القيم ، وصيحات الحرب والانفصال تزداد لانها تحتكر الحوار فى شأن يمس مستقبل الوطن !. وهى لا تقدم حلولاً للاشكالات القائمة بغرقها فى مستنقع الجنوب وتهميشها للشمال الذى تركته لقطاع عرمان الذى لم يحقق نجاحاَ ولا انجازاَ يصب لصالحها سوى اثارة الفتن والغلاقل !.فبالنموذج الذى تفرضه على انسان الجنوب لا تملك الحركة أطروحة مركزية أخلاقية لحشد الجماهير للالتفاف حولها ، مما يجعل مشروعها يتهاوى ويتراجع كل يوم والخلاف الذى يبرز للسطح مع مشار وغيره من القيادات المنفلتة حاليا علامة فارقة ، وهو جدير باصابتها بالشلل السياسى !. فالحركة تجعل الكل يراقب مسلكياتها التى لا تترك له غير الاختيار بين الدمار أو الخراب من هكذا مشروع وافد يحمل من الشرور والمهالك ما يرتد بالمعادلة التى أقامها السلام ان صدق خيار الانفصال مقابل السلام ، ولكن الذى يجرى ويحشد له لا محالة أنه انفصال من ورائه حرب مدمرة لكل شىء وهذا مبلغ ما يطمح اليه دعاة السودان الجديد، الذى تأكد موته مع زعيم الحركة من سنوات !!؟.وليس أدل على ذلك من ترشيح عرمان لرئاسة الجمهورية فى وجود سلفاكير وبعض قادة صفها الأول من أبناء قرنق الذين يعيشون واقعا مريرا من دونه ، اللهم لا راد لقدرك !؟. adam abakar [[email protected]]