في السودان :كيف تتم حماية بلادنا من اختراق المخابرات الإسرائيلية للوسط الصحفي    من الجزيرة إلى كرب التوم..هل دخل الجنجويد مدينة أو قرية واستمرت فيها الحياة طبيعية؟    التقى بروفيسور مبارك محمد علي مجذوب.. كامل ادريس يثمن دور الخبراء الوطنيين في مختلف المجالات واسهاماتهم في القضايا الوطنية    هيمنة العليقي على ملفات الهلال    ((المدرسة الرومانية الأجمل والأكمل))    من يبتلع الهلال… الظل أم أحبابه؟    الحرب الايرانية – الاسرائيلية: بعيدا عن التكتيات العسكرية    نشاط مكثف لرئيس الوزراء قبل تشكيل الحكومة المرتقبة    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    شاهد بالفيديو.. رجل سوداني في السبعين من عمره يربط "الشال" على وسطه ويدخل في وصلة رقص مع الفنان محمد بشير على أنغام الموسيقى الأثيوبية والجمهور يتفاعل: (الفرح والبهجة ما عندهم عمر محدد)    كامل إدريس يصدر توجيهًا بشأن الجامعات.. تعرّف على القرار    شاهد بالصور والفيديو.. الفنان حسين الصادق ينزع "الطاقية" من رأس زميله "ود راوة" ويرتديها أثناء تقديم الأخير وصلة غنائية في حفل حاشد بالسعودية وساخرون: (إنصاف مدني النسخة الرجالية)    رئيس الوزراء يطلع على الوضع الصحي بالبلاد والموقف من وباء الكوليرا    الجيش الكويتي: الصواريخ الباليستية العابرة فوق البلاد في نطاقات جوية مرتفعة جداً ولا تشكل أي تهديد    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    شاهد بالصورة والفيديو.. وسط ضحكات المتابعين.. ناشط سوداني يوثق فشل نقل تجربة "الشربوت" السوداني للمواطن المصري    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    خطوة مثيرة لمصابي ميليشيا الدعم السريع    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    على طريقة البليهي.. "مشادة قوية" بين ياسر إبراهيم وميسي    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    من حق إيران وأي دولة أخري أن تحصل علي قنبلة نووية    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    خلال ساعات.. مهمة منتظرة لمدرب المريخ    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    ضربة إيرانية مباشرة في ريشون ليتسيون تثير صدمة في إسرائيل    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معركة جديدة بين ليفربول وبايرن بسبب صلاح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    رئيس مجلس الوزراء يؤكد أهمية الكهرباء في نهضة وإعادة اعمار البلاد    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    فجرًا.. السلطات في السودان تلقيّ القبض على34 متّهمًا بينهم نظاميين    رئيس مجلس الوزراء يقدم تهاني عيد الاضحي المبارك لشرطة ولاية البحر الاحمر    وفاة حاجة من ولاية البحر الأحمر بمكة    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    مسؤول سوداني يطلق دعوة للتجار بشأن الأضحية    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تبييض صفحة الترابي السياسية, قراءة في سيرة سياسي ملأ الدنيا وشغل الناس .. بقلم: المثني ابراهيم بحر
نشر في سودانيل يوم 05 - 03 - 2019

تمر علينا الذكري الثالثة لرحيل عراب الحركة الأسلاموية ولكن تظل أفكاره (سما زعافا) يتجرعها المواطن السوداني المغلوب علي امره , فبعد العام الأول علي رحيل (الترابي ) ,و كذلك بعد مرور عامان علي الرحيل كنت أتدقق في ممن خطوا بأناملهم في ذكري الرحيل علي تجربة الراحل السياسية ,وكما توقعت تماما جاءت كتابات وأنطباعات الأسلامويين في صالح الراحل وكأنه براء من النقد واخترت منهم ما كتب( امين حسن عمر) في العام الماضي مقالا بعنوان ( عامان على الرحيل المر.الترابي… مصباح التنوير), متغزلا فيه حد الثمالة.
وكذلك بتاريخ 18/3//2017 خاطب مولانا (أحمد محمد هارون) والي شمال كردفان بقاعة أمانة الحكومة بالولاية الندوة الفكرية عن المرحوم (الترابي) وقضايا تجديد الفكر الإسلامي والتي أقامتها الولاية على شرف برنامج لمسة وفاء للشيخ الراحل (حسن الترابي )بشمال كردفان وقال (هارون) إن (الترابي) "رجل استثنائي وأنه وضعنا في تحدي إنتاج فكر مستمر , وقابل للتعاطي مع كل التحديات المتجددة في الأمة الإسلامية والسودانية , مشيرا إلى أن الترابي لم ينتج فكره لحزب أو جماعة بل لأمة كاملة " وكأنما يناقض (هارون) و (امين حسن عمر) نفسيهما لأن وقوفهم في صف (البشير) عقب المفاصلة يغني عن المجادلات. )
وكذلك كانت البرامج علي الفضائيات السودانية المحتفية بذكري الرحيل تناقش سيرة الراحل السياسية أستضافت ضيوف ينتمون الي مدارس متوافقة (ابرزها برنامج علي فضائية سودانية24 بعنوان الذكرى الثانية لرحيل الترابي.. قراءة في سيرة سياسي ملأ الدنيا وشغل الناس) قدمها (غسان علي عثمان) وأستضاف الضيوف:- النور أحمد النور - محلل سياسي- فائز عمر جامع - أكاديمي وأستاذ جامعي- عبدالماجد عبد الحميد - رئيس تحرير صحيفة مصادر- د.سهير صلاح - أكاديمية وقيادية بالمؤتمر الشعبي) وبالتالي اريد لها ان تتسق وفق ؤياهم ,وجاءت الافادات كلها في صالح الراحل كأنها تقصد تبييض سيرته السياسية ,في برنامج كان سيكون مختلفا لو أنه أستضاف شخصيات لها توجههات سياسية مختلفة , ولكنها انانية الفكر على حساب الوطنية المتجردة وقلة مبدأ المصداقية الظرفية والغاية تبرر الوسيلة فى امة شعب غلبت عليه العفوية و بالتالي لم و لن يقدموا نقد حقيقي.
لا يختلف اثنان علي شخصية الراحل د (الترابي) كونه واحدا من ألمع الشخصيات في تاريخنا السياسي المعاصر , ويعود ذلك لعدة اسباب علي رأسها كونه يترأس واحد من اكبر الاحزاب السياسية تأثيرا علي الأوضاع السياسية للبلاد في غالبية الحقب التي حكمت البلاد , ولو أن الراحل كان شخصية خاصة لما تطرقنا له بالنقد لأن ذاك كان شأنا يخصه وحده,فالحساب السياسي عمل مشروع والراحل دخل العمل العام من اوسع ابوابه قائدا لأكبر عصبة كان لها القدح المعلي فيما حدث من خراب للوطن وهو المعروف بؤاده للديمقراطية التي اقعدت بالدولة السودانية عن النهوض اللهم الا ايجابية فكره السياسي التي تكمن في كونه نقل الأسلامويين من حياة البؤس الي حياة التمكين , وهذه وحدها كفيلة بأن تجعل تلاميذه يتغزلون فيه و يتغاضون عن تجربتهم المأساوية التي تضرر ت منها الشعوب السودانوية ,ولكن بألقاء نظرة علي مسيرة عراب الجبهة الأسلاموية نطرح سؤالا مهما , هل افاد بأفكاره الدولة السودانية فأستفادت من افكاره ونظامه يحكم البلاد لما يقارب الثلاثون عاما....؟ وبعيدا عن العواطف هل أضاف الراحل بفكره ايجابا للحياة السياسية السودانية أم لا ....؟ أو هل يمكن ان نقارنه بمفكرين وزعماء حققوا اضافات نوعية لأوطانهم امثال (غاندي) و(مانديلا) و(مهاتيرمحمد) وحتي (الشيخ زايد) الذي رغما عن تعليمه البسيط ساهم في اضافة حقيقية لدولة الامارات .
من الطبيعي أن يحتفي الاسلامويون بذكري الشيخ الراحل , و ان يتغزلوا في عرابهم , وهذا لا تثريب عليه , ولكن ليس علي هذا النحو الذي يجعل من تجربته السياسية تجربة بلا أخطاء , فلم يكن لدي (الترابي) مشروع نهضوي كما فعل (اروغان) في تركيا او (مهاتير محمد) في ماليزيا. , بل يعتبر الاسلاموين في السودان سبب مباشر في كل بلاءات الدولة السودانية فقد ظلت الحركة الاسلاموية تمثل حجر عثرة امام امكانية قيام اي مشروع نهضوي يرتقي بالوطن,وعموما تاريخ الراحل د (الترابي) ليس فيه ما يجعله بطلا سياسيا , وهو الذي فشلت تجربته التي اودت بالوطن الي موارد الهلاك ,كون عصبته هي من انغضت علي الديمقراطية, وأمثال مولانا ( احمد هرون) ينطلقون من منصة برغماتية بأعتبار أن الراحل سببا في تمكنيهم و انتشالهم من حالة اللاشيئ , وبقدرة قادر اصبح الكيزان هم الرأسمالية والحكام والشعراء وكل شيئ في هذا الوطن المنكوب , ومن هذا المنطلق يمكن أن نجد العذر لمولانا (أحمد هرون) فيما قاله عن فكر الراحل , ولكن تصريحاته كانت ستكون معقولة الي حد ما , لو انهم ألتزم حينها بالأنحياز الي معسكر المؤتمر الشعبي منذ أن أفترق مغتصبوا أرض الوطن الي فريقين, وبالتالي هؤلاء يناقضون افكار شيخهم وهم الذين أتخذوا منه موقفا مغايرا حبا في السلطة والجاه بأنحيازهم للمؤتمر الوطني
يبرر الكثيرين بأن ما حدث للوطن يعود لأفراد وليس (الترابي) ,فالترابي من خلال موقعه كمفكر ومنظر بحسب رأيي الشخصي يعتبر اكثر وحشية من (صقور) الانقاذ نافع وقوش وغيرهم من صقور النظام الاسلاموي, فهو من منهج وأسس الطريق و النهج الذي يسير عليه (الاسلامويين) ليذيقونا الامرين (المشروع الحضاري) لنبدو للعالم الخارجي المطلع علي ازماتنا الانسانية مثالا للتدين بالطرق الشكلانية السازجة التي يفهمها ويعيعها عن الدين في فصامية عالية بمألات المشروع الحضاري الفاشل الذي نفض سدنته يدهم عنه حين تازم واغرق في الازمة, وحتي التعليم نفسه تمت قوليته وتشكيله بناء علي رؤية مفكروا الحركة الاسلامية ليخدم ايدولوجيا القهر والهيمنة الثقافية والاجتماعية, فأمثال الترابي ينبغي محاسبتهم علي ضوء البرامج الايدولوجية التي بمقتضاها فعلوا ذلك.
حينما جاء الانقاذيون أطلق عليهم الاديب (الطيب صالح) مقالته المشهورة ( من اين جاء هؤلاء) لشنيع افعالهم , فرد عليه (المحبوب عبد السلام ) "بأنهم قد خرجوا من رحم (الترابي) كما يخرج النيل من بحيرة تانا, (فالمحبوب عبد السلام) احد ابناء الترابي (المدللين) كان أكثر شفافية وهو يرد علي سؤال الاديب الكبير (من اين اتي هؤلاء) في كتابه دائرة الضوء وخيوط الظلام بعد المفاصلة معترفا بأنهم خرجوا من رحم (الترابي) وكانت عباءة الترابي عبارة عن معامل للكراهية العرقية والدينية المركبة وكسر حاجز التسامح الذي كانت عليه الشعوب السودانية بحكم واقعهم التعددي, وقد خرج من رحم (الترابي) )الطيب مصطفي) و(اسحق احمد فضل الله) و(عبدالرحيم حمدي) و(د نافع) و(قوش), وعندما يتعرض عقل الانسان للغسيل لا يعود الي طبيعته, ومن الممكن مسخ الانسان وتحويله الي وحش دموي يتحرك بالريموت كنترول .
(المحبوب عبدالسلام) الابن المدلل (للترابي) كان الأكثر صدقا وهو يتحدث مرار لوسائل الاعلام عن فشل مشروع الجبهة الأسلاموية, و في لقاء مع شبكة عاين في السابع من ابريل العام 2018 قال بأن "تيار الإسلام السياسي الذي يحوي الحركات الاسلامية جميعها، ويمتد من الغنوشي إلى البغدادي، قد استنفذ أغراضه". ولم يخفي صراحة بأن التمكين أضر بالحركة الأسلامية "حيث قال "التمكين كان لتحقيق الحركة الإسلامية" معرفاً مصطلح التمكين بأنه اشتقه (الترابي) من القرآن، وهو ضمن الخطة الاستراتيجية للحركة الإسلامية لفتح آفاق لخطاب نبض الأمة وجداناً بالإسلام والخطوة الثانية هى إستلام السلطة. موضحاً إن" الذي أضر بالحركة هو التمكين انقلاباً، فالذين استلموا السلطة لم يشأُ أن يغادروها عندما طلب منهم ذلك". وزاد خطة الحركة الاسلامية نظرياً تقول انه "خلال ثلاثة أعوام ينبغي أن يُغادر العسكر وتبسط الحريات"، ولكن هذا عملياً اصبح مستحيلاً في تلك الفترة. عام 1993 طُرحت على قادة الانقاذ ان يبسطوا الحريات وان يعيدوا التعددية كما كانت، فكانت الآراء معارضة. فانتظر الترابي حتى 1998 لبسط رؤية العودة الى الحريات التي قدمها عام 1996 لكنه رُفض بالإجماع وبالتمكين تم تصفية الخدمة المدنية لتمكين القوي الامين من محاسيب النظام منذ بداية العشرية الاولي للنظام وتمكين القلة التنفذة علي حساب الاخرين , وأصبح الكيزان من اصحاب الجيهة والوجاهة في المجتمع.
فكر الترابي ونظامه كان سببا في فصل الجنوب , فالجنوبيون لم يرفضو الاسلام لانه جاءهم من الشمال بل لانه استخدم في قمعهم وارهابهم , و (عراب الانقاذ) هو من بفكرة تحويل المأتم الي بيوت اعراس بعد ان (يخدروا )اهل الفقيد بأنه الان في الجنة مع الحور العين ,ومن اجل هذا الغرض وظفت وسائل الاعلام علي اسوأ استغلال لتخدع الشعب السوداني وتعمل له (غسيل مخ) بدلا عن توفير احتياجاته الاساسيه ,واصبحت اجهزة الاعلام مطية لهذا النظام البوليسي لاستلاب المواطن السوداني, برنامج (في ساحات الفداء) الذي لاقي رواجا اعلاميا واهتمام غير مسبوق من اجل ان يخدم اهدافه لتشييع الاوهام والاكاذيب التي يدعون انها تحدث للمجاهدين في الجنوب من اجل( الترغيب) مثل سماعهم صوت الملائكة ,وتظليل الغمام لهم من اشعة الشمس الحارقة, والغزلان التي كانت تأتي لهم طائعة مختارة عندما يشعرون بالجوع ومع كل ذلك كانت االنتيجة وبالا عليهم.
دولة الكويت أختلفت فكرتها نحو جنوب السودان , فقد كانت لها نظرة مستقبليلة في ان جنوب السودان سيكون بوابة الاسلام علي العالم الافريقي,فقدم السفير الكويتي د (عبد الله السريع )الذي بدأ قنصلا بمدينة جوبا اهتماما بالجانب الانساني اذ خاطب في الجنوبيين انسانيتهم بعيدا عن دينهم أو عرقهم ,وأهتم بكل النواحي الانسانية بناء المستشفيات والمدارس ومشاريع المياه, فأطلق عليه الجنوبيين اسم (عبدالله جوبا) اعترافا بحبهم له , وبناء علي هذا النهج خططت الكويت للأهتمام بالدول الأفريقية عبر منظمة الدعوة الأسلامية الكويتية لمخاطبة الانسانية, وقد حققت نجاحا مقدرا في الدول الافريقية وانتشر الأسلام بفضل هذا الخطاب الجاذب, اما السفير د عبدالله السريع استمر في الاهتمام بالجنوب حتي عندما جاء سفيرا الي الخرطوم,وكان من الشخصيات الأكثر تأثيرا في المجتمع السوداني في نهاية ثمانيات القرن الماضي. ولكن مع كل ذلك فقد تنكر نظام الجبهة الأسلامية لفضائل دولة الكويت , فعند غزو العراق للكويت, وقف نظام الجبهة الاسلامية مع النظام العراقي, والترابي في ذاك الوقت كان في سطوة زمانه لم يبدي بما يفيد مخالفته لما يحدث , وفي الخرطوم أحتل بعض من المحسوبين علي النظام الحاكم السفارة الكويتية,استبدلوا العلم الكويتي بالعالم العراقي...! ولم يستطيع السفير الأنسان د (عبدالله السريع) أن يتحمل هذا المشهد وهو لم يتوقع قط أن (يطعنوه من الخلف) فأصاب جسده الأعياء الي أن فارق هذه الدنيا الفانية.
اراد( الترابي) ان يلعب في الزمن الضائع بترشيحه (عبد الله دينق نيال) للرئاسة في انتخابات 2010, ولو كان (للترابي) نظرة ثاقبة لوحدة الوطن لوضع (عبد الله دينق نيال) مكان (علي عثمان محمد طه) ليحفظ الوطن من الانقسام , وقد كانت الفترة التي اختبر فيبها الاسلاميون الحكم تجربة كافية لاظهار البعد بين المثال النظري والواقع التطبيقي , فتازم المشروع الحضاري واغرق في الازمة لذلك قام الترابي بنفض يده مقدما بدلا فكريا جديدا (النظام الخالف) ولان هذا الطرح اتي كعادة (الترابي) واطروحاته في زمن تقاطعات سياسية حادة في التاريخ السوداني فقد الخطاب رواجه وسط تلاميذ الترابي , كما ان الخطاب فقد رواجه وسط العامة التي اعتبرته مزايدة سياسية وحيلة (ترابية) للالتفاف والعودة الي السلطة عبر البرنامج الانتخابي القادم, غير ان انهيار المشروع الحضاري جعل الحكومة تلقي بالمشروع الايدلوجي وتكري لخطاب جديد قائم علي العصبية الدينية والتخويف من الهجمة الصهيونية والامبريالية وبالتالي يعيش المجتمع السوداني حالة من التفكك التوعوي تنتظر بزوغ فجر تجديدي جديد.
من المؤسف يتباهي انصار (الترابي) بظلم المؤتمر الوطني وبطشه ويتناسون انهم كانوا جزءا من هذا النظام الظالم , بل وأن الفترة التي كانوا شركاء في الحكم وهي العشرية الأولي من عمر النظام كانت هي الأكثر سوءا في تاريخ الدولة السودانية الحديثة , وكان (الترابي) هو الامر والناهي في تلك الفترة ولم نراه يبدي تبرما او اسياءا من كثير من الاحداث الدموية في العشرية الاولي من عمر النظام مثل اعدام الشهيد (علي فضل) والشهيد (مجدي محجوب) , ولم يبدي انتقادا للنظام الا بعد ان تمت اقالته , وما يدهش في الترابي في حلقات برنامج قناة الجزيرة انه يحكي و يقول عن كل حدث انه لم يكن يعلم , وعلي سبيل المثال حادث اغتيال (حسني مبارك) وتسليم (كارولوس) , وبيوت الاشباح, ولكن المشكلة انه بعد ان علم بكل تلك الاحداث لم يتخذ موقفا ايجابيا , وبالتالي تبييض سيرة (الترابي) السياسية (حيلة) لن تنطلي علي المواطن السوداني , فهي مستحيلة لأن ليس هناك ما يشفع للراحل ايجابا مثل ( الفريد نوبل) مخترع الديناميت الذي احزنه ان خبرا عن وفاته عن طريق الخطأ قد نشرته احدي الصحف مصحوبا بنعي لرجل اساء للانسانية وخلف الموت والدمار , وأصاب هذا النعي عن طريق الخطأ ضمير( نوبل ) بالاسي وصحي ضميره لانه لم يخلف وراءه اثرا حميدا يذكر به عند موته ,فكانت سببا في ان يقدم (جائزة نوبل للسلام) لمحو اثار الديناميت, ولكن (الترابي) لم يقدم للشعب السوداني ما يمحوا حكم 30 عاما من القهر والذل وحكم الاستبداد.فقد رحل الترابي وفي سجله تاريخ لحقبة من أسوأ الحقب , ورحل دون ان يخلف اثرا حميدا كما تدارك (نوبل) الامر وصحح خطأه, فهؤلاء الطغاة لايتدبرون القران, ولا يقرأون التاريخ لأخذ العبر والدروس , ولكن هذه هي الحياة يموت سلاطينها ,وزعمائها ,وحكامها ,كما يموت عوامها ,وطغاتها الذين نكلوا بشعوبهم, وكأنهم سيخلدوا في هذه الدنيا ولن يموتوا او يحاسبوا علي ما اقترفوه من ذنوب تجاه شعوبهم , لأن الظلم الظلمات يوم ان نقف بين يدي العادل الجبار , الذي لا يظلم امامه احد, فويل لهؤلاء من قاضي السماء الذي يعلم السر واخفي.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.