المستوى الأدائي للجملة الخبرية "تسقط بس" هو في صيغة الأمر الأدائي "فَلْتسقط بس". إنه أمر. إنه أمر صادر من شرعية الشعوب. هذه الشرعية لا تقف أمامها أية قوة؛ سواء أكانت مادية (السلاح)، أو معنوية (الفبركة الإعلامية والتصريحات المضللة). لهذا الأمر الشرعي لا يصبح صوت هتاف صيغة "فَلْتسقط" عبارة عابرة كأيةِ جملة قابلة أن تكون صادقة أو كاذبة؛ وإنما هي أداء إنجاز فعلي لا يقف صوتها الآمر إلا بأداء وإنجاز وتفعيل السقوط نفسه بصورة عملية لكل المنظومة. أي إلا بوقوع الأمر على المأمور بحكم شرعية الشعوب. هذا الأمر خرج من الخبري – في أن يكون إما صادق أو كاذب – ليدخل في الأدائي حيث التطبيق الفعلي الذي يتحقق بتحقيق الأركان الآتية: الوعي: وهو وعي الشعوب بعدم شرعية هذه المنظومة. القصد : القصد إجماعاً في إسقاط هذه المنظومة. التخويل: السلطة العليا المخولة لها سحب الثقة هي سلطة الشعب. الزمكان: الزمان المحدد 19 ديسمبر، يناير، فبراير . . . إلخ. المكان المحدد كل نقطة مكانية في السودان. التلفظ: تسقط بس. هذه هي عناصر الأدائي التي يجب توفرها للقيام بإنجازه فعلياً بصورةٍ سلسة لا انفلات فيها. مثال آخر لأدائي نطبق فيه نفس الأركان أعلاه. مثلاً "حكمت عليك المحكمة . . ." هذا أدائي يتحقق بتحقيق أركانه التالية (الوعي: هو الوعي بالقانون)، (القصد: التقاضي)، (التخويل: سلطة القضاء، القاضي)، (الزمكان: زمن محدد، في مكان محكمة)، (التلفظ: حكمت عليك المحكمة . . .). وضح وضوحاً شديداً أن "تسقط بس" ذات سلطة أدائية لها قوة التنفيذ والإنجاز الفعلي. وليست جملة عابرة، أو خبر يصدق أو يكذب، وإنما هي سلطة لها دوافع تحقيقها. ولأن المحكوم عليه في محكمة ما أمام قاضٍ يقول له "حكمت عليك المحكمة . . ." لا يستطيع أن يقول "حكمك ده لا يمكن أن يتم عبر كلام ساكت"، كذلك "تسقط بس" الآتية من الأركان الخمسة لشرعيتها لا يمكن أن تقول فيها هذا كلام ساكت، أو ليس شيئاً سوى خبر statement على شاشة الانترنت فقط قابل للصدق أو الكذب. ورد في أخبار بي بي سي العربية: (سخر الرئيس السوداني عمر البشير من المتظاهرين المطالبين بإسقاط نظامه). يأتي مصدر هذه السُّخرية من جانبين: 1- جانب نزع السياق. هذا الجانب يعمل على نزع وتعطيل هذه الوقائع: كل تطور يصنع سياقاً ينفتح نحو سياقٍ آخر. كل سياق غير قابل على الغلق، وغير قابل على أن يكون سياقاً نهائياً. السياق بهذا المنوال ينفتح دائماً نحو الذات المكانية في اكتمالها. فعلى أي شيء يعتمد – إذاً – جانب نزع السياق لينزع سياقاً خصباً عاتياً بهذه الوقائع؟ إنه يعتمد على ثقافة أحادية هي ثقافة الحرب. ثقافة الحرب هي التي تُشكّل وتصيغ مصدر تلك السخرية. وتحوِّل تلك الذات المكانية إلى آخر، لسجنه، لضربه، لنفيهِ، لقتله وكل العوامل المؤدية ليكون [الآخر] المكتمل في انفصال تام ولاتَ أن يصنع سياقه منفتحاً هنا. تفاعل كل الوقائع السياقية – أعلاه – تعمل على تكوين "المطلب التام" بلا تقييد أو شرط، في نهاية الأمر. بكلماتٍ أخر، المطلب التام هو وعي تفاعل الوقائع السياقية في مقاومة سخرية نزع السياق. 2- جانب الوضع الاستثنائي. يظل الوضع الاستثنائي وضعاً استثنائياً وإن امتد لثلاثة عقود. لأن الوضع الاستثنائي ينطبق عليه قانون مارفي: ما بدأ في الخطأ لا يرجع صحيحاً، بل يتمادى في فداحة الخطأ. بداية الخطأ لهذا الوضع الاستثنائي هو تقويض الديمقراطية. تصدر سخرية هذا الجانب من المطلب التام بلا تقييد أو شرط – الذي تكوَّن من الوعي المشار إليه في 1 – من ثقافة ذات صفة غريبة جداً، ألا وهي ثقافة عديمة راديكالية: لا شعبَ غيرنا. وهي الثقافة الناتجة دائماً من عمليات الوضع الاستثنائي. يبدأ المطلب التام في تطور آخر في مجابهة لا شعب غيرنا. هذا التطور بطريقة أخرى هو رفع الوضع الاستثنائي؛ فيبقى المطلب التام تطوراً نحو التحدِّي المخوَّل له أن يتم. يقود التحدِّي المخوَّل له أن يتم نحو وعي أخلاقي سياسي بعيداً عن التسويف والمساومات؛ ولهذا الانقياد المحتوم نحو التغيير في تحقيق 1 و2 أعلاه، تأتي السخرية. تلك السخرية المبتذلة التي تبتذل صوت "تسقط بس" في كونه لا يكسر عظماً. فإن كان ذلك الصوت كذلك فلماذا ووجه بإطلاق الرصاص؟ هذا يقودني إلى مثال جاء به جي هيلس ميللر يقول: A children's chant in the United States, said in taunting reply when someone has called you a bad name, goes like this (Sticks and stones may break my bones, but names can never hurt me). فهذا الطفل يريد أن يدفع الاسم الذي أطلقوه عليه تنابذا وينزع تأثيره عليه. فلطالما لم يكن تأثيره كسر العظام – كأن يقذفونه بحجارة أو يضربونه بعصوان (جمع عصاة) – فإن ما يأتي عبر الأثير لا يكسر العظام. هذا التعيير اللفظي أيضاً لهو مؤذٍ، وبقوة هذا الايذاء تصبح صيغة 'إطلاق الأسماء لا تؤذي إطلاقاً‘ من هذا الطفل قد فعلت فعلها كأدائي قد حقق إنجازه بحكم القوة التي ضاهت أن يقارنها صوت الطفل بفعل الحجر والعصا على كسر العظام. ما قاله الطفل متأذياً من الأدائي الذي أطلقوه عليه قاله البشير يحاول أن ينزع فعل الأدائي 'تسقط بس‘ من تأثير قوته عليه وعلى منظومته متأذياً من فعل تلك القوة، قوة شرعيتها التي تحققت عبر الأركان الخمسة المذكورة أعلاه؛ ليقُلْ تخفيفاً "كلام وصياح لا يكسر شيئاً". ولأن الوعي قد تم وهو الوعي بإسقاط هذه المنظومة لانعدام شرعيتها فهنا الشيء وضده. الشيء هو الوعي محفوف بالقصد والتخويل والتحقيق في زمكان معين خارج أية فوضى في تحقيق ذلك الوعي؛ والضد هو تلك المنظومة الفاقدة الشرعية التي تدخل في فوضى بحكم نهاية دولتها وتريد أن تُدخِل الوعي في فوضى من خلال استدراجه إلى أن "تسقط بس" لا تكسر العظام، وإنما يكسرها السلاح. الاستدراج نحو الفوضى هو امتداد لنفس الدولة التي تسقط شرعيتها، وليس لصالح الوعي الذي تكوَّن آخذاً شرعيته. - يقول الصوت الذي فقد شرعيته: لا يهم ولا أعترف فلندخل في حرب كتائب. - يقول صوت الوعي: صوتي ينضج على نارٍ هادئة. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.