بسماعي فصل المجلس العسكري للأستاذ محمد حاتم سليمان، مدير الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون، وجدتني اتفق مع عثمان ميرغني ونبيل أديب في وجوب أن نبارح محطة الضغط بالقطاعي على المجلس العسكري لتنفيذ خطة هنا أو فصل فرد هناك، إلى محطة المشروع الإجمالي للثورة. فخَشي عثمان أن امتثال المجلس العسكري لهذه الثورة بالمفرق سيجعل منه سلطة فوق السلطات الأخرى (مجلس وزراء، برلمان انتقالي لو اتفقنا عليه). كما دعا أديب إلى أن يصدر المجلس إعلان دستوري يقوم به هيكل الحكم الانتقالي ليباشر الحكم في علاقة يتفق عليها معه. مغبة هذا التثوير بالمفرق، علاوة على التمكين للمجلس العسكري، هي إخلاء طرف الثورة من مشروعها للبديل السياسي ويحيل الشارع إلى مجرد أداة ضغط لاجتثاث النظام القديم. فنحسب نجاح الثورة أو نكستها قطعة قطعة (فصل هذا وعين ذاك) وكأن هذا كل ما تبقى لنا. بل ربما شككنا في نجاح ثورتنا متى ابطأ المجلس العسكري أو رفض بوجه الباب. وأضرب مثلاً بحالة الإعلام. وأسأل: هل كل مشروع ثورتنا للإعلام هو فصل مدير مؤسسة الدولة فيه وتعيين غيره لتعمره أصوات الثورة المجمدة دون وسائطه؟ هل نقبل كثوريين أهان إعلام الحكومة عقولنا وأفئدتنا لعقود، أن نضع بيد الحكومة، بالغاً ما بلغت، جهازاً إعلامياً في ضخامة الموجود حالياً تغبش وعينا به بمثل "التعليق على الأخبار"، وكافة صور احتكار الرسالة الإعلامية دون الآخرين في المجتمع المدني؟ فمشروعنا الديمقراطي في ثورة أكتوبر 1964 كان نزع الإعلام عن الدولة بجعل إذاعة وتلفزيون أم درمان مؤسسة قومية حذو الإذاعة البريطانية. وكان ذلك توصية لجنة استشارية كونها مجلس وزراء ثورة أكتوبر برئاسة المرحوم محمد هاشم عوض (أنظر صورة التوصيات أدناه). وتعزز عندي مفهوم تجريد الدولة من أجهزة الإعلام بالنظر إلى الخبرة الأمريكية. فالعقيدة الإعلامية عندهم صون المواطن الأمريكي من أن يكون هدفاً لأي قدر من الترويج تصوبه الحكومة نحوه بغرض التأثير على رأيه فيها أو في غيرها. وتركت الإعلام خالصاً في يد المبادرة الخاصة يعرض الإعلامي المؤيد للحكومة رأيه كصحافي مستقل الرأي لا موظفاً فيها تملي عليه الرأي قَبله أو لم يقبله. وربما كان الاستثناء هنا هو مؤسسة الإذاعة العمومية التي تعنى بشؤون الثقافة والفنون والطفل مما ينفر منها مستثمر القطاع الخاص. وبلغ من تعفف الحكومة عن الإعلام (مع حاجته له) أنها حرمت تصويب "صوت أمريكا" و "الحرة" وغيرها من وسائط الإعلام الموجهة إلى بلدان العالم جمعاء إلى الجمهور الأمريكي. إن حَسِبنا فصل محمد حاتم وتعيين البدل عنه نصراً نكون قد هزمنا مشروعنا للدولة الديمقراطية المنتظرة. فلربما أسعدنا إعلام الدولة في يومنا الثوري هذا ولكنه سيبكينا غداً لأنه مكن للحكومة من إعلام واسع النطاق والتأثير لا نعرف متى "يعلق لنا على الأخبار" التي يصنعها طاقم الدولة، أو يفتريها، مما يهبط بنا كمواطنين إلى "سميعة" ثم هتيفة. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.