أجد نفسي مديناً بالاعتذار لخالد الذكر، وذائع الصيت، الفريق أول أركان حرب قائد معركة الهكسوس الأولى، والمهيب الركن محمد حمدان حميدتي- حفظه الله؛ ذلك بأنني أسأت الظن بسموه، عندما اعتقدت أنه بتوقيعه لشركة العلاقات العامة الكندية، كان يستهدف أن تتولى عملية تلميعه، وتحسين صورته في الداخل السوداني، وعليه قلت «ماذا تفعل الماشطة في وجه حضرته؟»، لكني اكتشفت أن التعاقد مع الشركة، وإن كان حميدتي وقعه نيابة عن المجلس العسكري السوداني، فإن الهدف منه هو «تلميع» المجلس العسكري بصفته خارجياً! وهو ما وقفت عليه بعد حوار لقناة «بي بي سي»، أجرته مع «آري بن ميناشي» مدير شركة «ديكنزوماديسون» للعلاقات العامة في الشقيقة الكبرى كندا، وفيه تأكد أنها مهمة تتجاوز التلميع بالطريقة الإعلامية التقليدية، كأن يؤخذ «حميدتي»، إلى «الحمام المغربي»، ثم يذهبوا به إلى حلاق يجيد التعامل مع شعره الأكرت المجعد، الذي يشبه شعري تماماً، والذي احتار فيه «الحلاقون الهنود»، وهم معذورون، لأنهم حديثو عهد بهذا النوع من الشعر، ربما شاهدوه قبل ذلك في المتحف الهندي الكبير. وبعد أن يتمكنوا من الحلاقة للجنرال حميدتي، يدخل على «كورس» أتيكيت، يتعلم منه كيف يتحدث، وكيف يأكل، وكيف ينظر، وكيف ينام، وكيف يقوم؟ استعداداً للمرحلة الجديدة واللحظة الفارقة في تاريخ الجنس البشري! وعليه فكان قولي وماذا تفعل الماشطة مع سيادته؟ لإدراكي أن مثل هذه الأمور يتعلمها المرء في سن مبكرة، حيث التعليم في الصغر كالنقش على الحجر، ولو كان الأتيكيت يفيد في هذا السن، لكان السيسي غير السيسي! أكبر من شركة علاقات عامة ليس دور شركة العلاقات العامة الكندية ذلك، وليس هدفها أيضاً أن تقوم بتقديمه في وسائل الإعلام الغربية على أنه «القائد الضرورة»، فشركة «ديكنزوماديسون»، تقوم بدور جماعات الضغط، من خلال دفع الغرب حكماً ومؤسسات لقبول المجلس العسكري، بشكل يؤكد أن المجلس مستمر في الحكم، أو ينوي بهذه الدعاية أن يستمر، ففي حدود مهمته الحالية، ليس هناك ما يبرر لأن يدفع عداً ونقداً للشركة الكندية 6 مليارت دولار، ثم أنها ستمكن المجلس من توقيع اتفاقات مع خليفة حفتر، وهل يحتاج خليفة المذكور إلى المرور إليه عبر كندا، إلا إذا كانت الشركة أكبر من شركة علاقات عامة، والأمر أكبر من إعادة صياغة محمد حمدان حميدتي! أي مكانة يحققها المجلس العسكري الحاكم هي لصالح شخص حميدتي، فالمجلس تم اختزاله في فرد، وكان هذا الفرد هو حميدتي، ولا تسأل عن «عبد الفتاح برهامي»، فالرجل قبل طواعية أن يكون «عدلي منصور» مصر، يقوم بدور المحلل، ليمكن صاحب القسمة والنصيب من السودان! الواضح من هذا التعاقد مع الشركة الكندية، المملوكة لضابط سابق بالمخابرات الإسرائيلية، يتجاوز حدود شركة العلاقات العامة إلى ما هو أبعد من هذا، وإلى رعاية المجلس العسكري والوصاية عليه.. فماذا يُراد للسودان؟! الكفيل الإقليمي لخليفة حفتر، هو نفسه الكفيل الإقليمي لمحمد حمدان حميدتي، وقديماً سئل جحا عن موضع إذنه، فجاء بيده اليمنى ولفها حول عنقه ليصل بصعوبة لأذنه اليسرى، مع أن الإشارة للأذن اليمنى لن يكلفه هذا العناء! والمعنى لو كان الجنرال حميدتي لا يرى نفسه بحكم كونه «منتحل صفة الجنرال» مؤهلاً للحديث مع الجنرال الليبي المتقاعد، فإن اتفاقاً ستقوم به الشركة الكندية، كان يمكن أن يقوم به محمد بن زايد، بصفته الوكيل الإقليمي للطرفين! هل صاحب الشركة المذكور ضابط في الموساد تقاعد فعلاً؟ وإذا كان متقاعداً فهل انتهت علاقته الفعلية بوظيفته السابقة؟! ضابط موساد أمام مقبرة مرسي إن حضوره يذكرنا بمراسل التلفزيون الإسرائيلي، الذي تم تمكينه دونما الإعلام المصري، بل وإعلام العالم من تصوير المقبرة، التي دفن فيها الرئيس محمد مرسي، وهو ما يمثل انفراداً، وتغطية حصرية لم ينافسه فيها أحد، سواء في الإعلام المصري أو الإعلام الخارجي المعتمد في مصر، فضلاً عن أننا نعلم أنه حيث وجدت المقبرة، التي دفن فيها الرئيس الشهيد، فقد تحولت منطقة المقابر كلها إلى ثكنة عسكرية، وأن المراسل يحتاج إلى ترخيص بالتصوير، وموافقة من أعلى جهة بالدخول، وقد أظهرت الكاميرا أنه لا وجود لجنس بني أدم في الشارع وعلى «مدد الشوف»، فمن مكن مراسل التلفزيون الإسرائيلي من ذلك؟! وما هو الهدف من تمكين السلطات المصرية له من هذا الانفراد! المراسل الإسرائيلي قيل أيضاً إنه ضابط مخابرات متقاعد، فما الذي يمنع من أن الوظيفة الحديثة ليست أكثر من غطاء كتطور جديد في عمل جهاز الموساد، الذي كان فيما مضى يتعاون مع صحافيين فعلاً، يمدونه بالمعلومات من موقع عملهم، ومن البلاد التي يتواجدون فيها! في حلقة من حلقات برنامج «مع هيكل» على قناة «الجزيرة» ذكر أن مراسلين أجانب في مصر كانوا في حقيقة الأمر هم جواسيس في الأصل يعملون لصالح الموساد، وذكر اسم أحدهم، والذي كان مراسلا صينياً على ما أعتقد، وقال في أسى: «لقد دخل بيتي»، وهي الحلقة التي أثارت أزمة هدد على إثرها جهاز المخابرات بتقديم بلاغ للنائب العام ضد الكاتب الكبير، لأنه قال إنه في هذه الفترة، التي كانت تدفع فيها اسرائيل بجواسيسها لمصر وبعضهم يحمل الصفة الصحافية، فإن مصر لم يكن لها جاسوس واحد في إسرائيل، وأن ما قيل بعد هذا هو أعمال درامية ليس إلا! وهذا ليس موضوعنا، فما تشغلني الآن هي فكرة ضابط الموساد المتقاعد، الذي يعمل في الحالة السودانية، صاحب شركة علاقات عامة، وفي مصر يعمل مراسلاً تلفزيونية يجري تكريمه بهذا الانفراد، وربما التشفي في نهاية رئيس مصري شجاع، قال كلنا شوق للصلاة في المسجد الأقصى، وهتف: لن نترك غزة وحدها. لا يعمل الصحافيون الأجانب في مصر، أو الصحافيون المصريون في مؤسسات إعلامية خارجية إلا بترخيص من هيئة الاستعلامات، فهل تعرف الهيئة برئاسة ضياء رشوان الخلفية الوظيفية لمراسل التلفزيون الإسرائيلي؟ وهل كانت هذه الخلفية هي الدافع للسماح له دون غيره بهذا الانفراد؟ وهل كان الأمر مجاملة له أم مجاملة لإسرائيل، في عهد لا توجد عنده مشكلة في العمل بالتلفزيون الإسرائيلي لكن الجريمة في العمل في «الجزيرة»، ولم تعد إسرائيل هي العدو، ولكن قطر، ولم تعد دعوة المقاطعة للإعلام الإسرائيلي، ولكن ل «بي بي سي»! فهل تأكد القوم في القاهرة من انقطاع عمل المراسل بوظيفته السابقة، أم أن الاحتفاء به هو لأنه في مهمة استخباراتية. ومن الخرطوم إلى القاهرة يا قلبي لا تحزن. رداءة الصوت مر أسبوعان على واقعة رداءة صوت عبد الفتاح السيسي، في افتتاحه لدورة كأس الأمم الأفريقية، وكانت الرسالة التي وصلت للجان الإلكترونية ليلتها أن قطر تقف وراء عملية التخريب هذه، لأنها المالكة لقناة «بي إن سبورت» صاحبة حق البث. وإن كانت الرسالة لم تصل لعمرو أديب، فقال في برنامجه إنها عيب تقني. في اليوم التالي تقدم أحد المحامين ببلاغ للنائب العام للتحقيق في ما جرى، وكله أمل بأن قطر هي التي تقف وراء عملية تشويه الفرح بضرب كرسي في «الكلوب»، وانتتظرنا أن يبدأ التحقيق فعلاً، والوقوف على الجاني، لكن هناك رغبة لطي الصفحة، وتجاوز الأزمة، وهي رغبة كاشفة عن أنها ليست قطر وليست «بي إن سبورت»، فلو كانت هي لأمكن للقوم مواصلة حملتهم بأن الدوحة تستهدفهم، وتعمل على تشويه إنجازاتهم، ثم إنها قضية مضمونة في التحكيم الدولي، ولو على قاعدة قضية في مواجهة قضية، وقد ربحت قطر قضية حرق مكتب «الجزيرة» بعد الانقلاب وقُضي لها بتعويض كبير. باليقين، أن القوم يعلمون أنها ليست قطر، ومن واجب المشاهد أن يعرف سبب المشكلة، ومن حق المصريين أن يعرفوا ماذا جرى لصوت رئيسهم الملهم في هذه الليلة الليلاء، التي ضحك فيها الشجر والحجر. لن ننسى، فنحن في انتظار التحقيق. صحافي من مصر