لم ننس أو نهمل تهنئة الصديق فيصل محمد صالح ، أو بالأحرى تهنئة وزارة الثقافة والإعلام بجلوسه على سدتها ، الاكفأ لها طوال تاريخها ؛ فإذا كان فيمن تولوها سياسيون كبار ، أو مهنيون اذكياء أو إعلاميون مقتدرون فإن الفيصل جماع كل ذلك وأكثر ، فضلاً عن أنه مناضل وطني تقدمي ملتصق بشعبه وطناً وقضايا منذ بواكير وعيه وليس فقط في سنوات الاسلامويون البائسة أو شهور الثورة الجارية منذ ديسمبر 2018 على كثرة نجومها وأقمارها .. لم ننس أو نهمل ذلك وإنما هي الأحداث تمسك برقاب بعضها وبأقلام الذين يحاولون الكتابة .. مثلها مثل بقية الوزارات والمصالح الحكومية في الميراث المظلم ورثت وزارة الثقافة والإعلام أوضاعاً محزنةً بل و"تافهة" ، فإذا كانت الأوضاع في القنوات التلفزيونية الرسمية وشبه الرسمية من أمثلتها الناصعة فإن قضية التلفزيون "القومي" وأدواره الوضيعة في مواجهة الثورة هي الأكثر تفجراً في وجه الوزارة ووزيرها الجديد في شكل احتجاجات عنيفة وضربات (تحت الحزام) في وجه الوزير فيصل خاصةً في تصريحه عن حدود صلاحيات وزير الإعلام التي ورثها عن النظام الساقط الذي ركز صلاحيات الفصل والتعيين في الأجهزة الحساسة كلها في يد الدكتاتور المعزول ، ورغم رسالته المنشورة رداً على المتسائلين المحتجين التي جاءت مفصلةً ومفحمة ، إلا أن الأمر أوسع من حدود تلفزيون السودان ووزارة الثقافة والإعلام ، الاحتجاجات تشمل كل شئ وتتمدد بين الإعلان الدستوري والتحقيق في فض الاعتصام والقصاص لشهدائه وبرنامج الحكومة الانتقالية .. الحكومة شكلتها قيادة الثورة "ق ح ت" باسم جماهيرها لتحقق أهداف الثورة ، وفي الأسبوع الثاني من عمرها مباشرةً تفجرت الاحتجاجات في وجهها مطالبةً بالسلام وتأسيس العدالة الجديدة وتنظيف المرافق الحكومية من آثار التمكين البائد ومن بينها قضية الفضائية السودانية ومديرها .. هذا التعجل في تحقيق أهداف الثورة له دوافع ومنطلقات مختلفة : - فئة صادقة في شغفها وحريصة ولكنها متعجلة تعتقد أن مجرد أداء الحكومة للقسم يعني تحقق الأهداف .. - وفئة تنظر للأمور من خلال ذواتها ، بمعنى أنها لا تقتنع بعمل إلا إذا كانت جزءاً منها ومن رؤاها واقتراحاتها فتعمل على التضليل والتخذيل .. - فئة تنطلق أصلاً من العداء للثورة ، تضررت مصالحها كثيراً إذ هي مصالح طفيلية مرتبطة بالنظام البائد ، وبوصلة هذه الفئة هي بالطبع مصالحها ، وهي الفئة التي يستطيع الثوار كشفها بسهولة والرد عليها أو التعامل معها ، وهنالك بالفعل ناشطون ممتازون يقومون بدور الرصد والكشف في مجالات مختلفة على غرار "منبر شات" المجموعة الأشهر في مواقع التواصل الاجتماعي .. - أما الفئة الأكثر خطورةً على الثورة فإنها التي تأتي من داخلها ، من مؤسسات الثورة نفسها بل ومن مؤسسيها ولاعبيها الأساسيين تخطيطاً وقراراً ، ولأن أفرادها يعتقدون في تميزهم عن الآخرين فلا بد لهم من الاستنكار والرفض والتحذير من الموقف المعين حتى إذا كانوا جزءاً من إقراره ، إثارة ضجة من حوله ؛ هم مع القرار إذا نجح وثبتت صحته ، وضده في حالة الفشل والتذكير بأنهم كانوا ضده ! (هكذا لكسب التعاطف والإشادة من الجمهور ربما من باب الدعاية التمهيدية لسباق الانتخابات العامة بانتهاء الفترة الانتقالية) ، وهكذا يعتقدون جازمين بأنهم مركز "الكون السوداني" والآخرون أفلاك تتبعه ، هم الإمام في المقدمة والآخرون "مأمومون" خلفهم .. ومهما ارتفعت الأصوات المعادية (أو المزايدة) فإن الغائب عنها هو أن هذه الثورة - كما قيل عنها كثيراً - هي ثورة وعي وتغيير عميقين ، أنها شاملة وجذرية ، لن تضع اسلحتها "بين يوم وليلة" تعي حجم التعقيدات أمام حكومتها المدنية وتعقد العزم على أن تكون عوناً لها في تجاوز العقبات وأن تعمل في نفس الوقت على تأسيس خطاب صادق وممارسات قويمة على طريق توطين الديمقراطية في حياتنا وفضائها السياسي ، في السلوك وفي الرؤى .. وهنا تبرز الفئة التي تعمل لوجه الشعب والوطن بعد الله ، تنتقد بإيجابية ، بحرص صادق ويقين ، فطوبى لهم .. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. ///////////////