كُنا قد إستعرضنا في الجزء الأول من كتابتنا حول الإصلاح الديمُقراطي داخل الحِزب الشيُّوعِي السُودانِّي أن هذا الأمر تكتنفه كثير من الصعوبات لأنه مُرتبط بعملية إصلاح جذري لكامل مؤسسة الحزب بدءاً من البرنامج مروراً بالدستور والبناء التنظيمي والبناء الفكري وإرتباط كل ذلك برغبة حقيقية وقناعة للتغيير من كل عضوية الحزب ومبادرة قيادة الحزب في فتح مساحات ونوافذ الديمُقراطية الداخلية في جميع هئياته وفي صحافة الحزب الداخلية والعامة وتشجيع الأعضاء علي ممارستها ونقد مكامن الخلل داخل الحزب والمقدرة علي إبداء الرأي الموضوعي الذي يُسهم في تطوير الحزب داخلياً ويُعمق صلته بالجماهير ويكون مُفيداً في تشكيل خط الحزب السياسي .. لكن كل هذه الصُعوبات لاتعني إعمال مبدأ التوقف عن المحاولة .. فالتغيير عملية تستلزِم تكرار المُحاولة وإستغلال الظروف المُحيطة بالحِزب نفسه وبكامل الظروف السياسية ونحن علي أعتاب مرحلة تحولات كبري وتغيير أنجزته ثورة ديسمبر العظيمة وبروز أجيال جديدة تحمل وعيّ مُتقدم لن يكون مُفيداً للحزب الشيُّوعي أن يظل علي ذات جُلبابه القديم الذي يُنبئ الواقع أنه لم يُعد مُناسباً كي يتم إرتدائه علي ذات هيئته .. فلا بُدّ إذاً من تغيير القُماش المُهترئ بآخر حديث وأن يُعاد تفصيله علي مقاس يتناسب والواقع ! .. أولي خطوات الإصلاح الجوهرية التي بغير إنجازها لن تحدث أي عملية إصلاح حقيقية داخل الحزب ولن يكون هنالك أي تغيير داخلي به هي إلغاء مبدأ المركزية الديُمقراطية التي تتحكم في البناء التنظيمي والفكري والسياسي للحزب الشيُّوعي .. فهذا المبدأ هو الذي يُصادر الديمُقراطية الداخلية للحزب ويُكبل حركتها ويجعل الهيئات مُتقوقعة داخل نفسها .. والمركزية الديمقراطية للذين لايعرفونها أو لم يسمعوا بها تعني ببساطة أن تخضع الهيئات الدنيا أو القاعدية في الحزب لقرارات الهيئات القائدة والأعلي في تركيبة الحزب .. أي اذا أصدر المكتب السياسي علي سبيل المثال قراراً ( السكرتارية المنتخبة من اللجنة المركزية ) فإنه يكون ملزماً لكل عضوية الحزب حتي وإن أجمعوا جميعاً علي مخالفته .. ولا يُغير هذا القرار إلا المؤتمر العام للحزب ، فالمكتب السياسي هو الذي يُسير أعمال اللجنة المركزية للحزب مابين فترة إجتماعاتها .. وتعتبر اللجنة المركزية هي السلطة الأعلي للحزب مابين فترة إنعقاد مؤتمرين للحزب ( المؤتمر العام ) .. إذاً كل عضوية الحزب مُلزمة بإتباع قرارات اللجنة المركزية أو المكتب السياسي وفي فترات ( مصادرة الحريات والعمل السري ) يمكن أن يكون السكرتير العام للحزب هو الذي يمثل كل الحزب بناء علي مبدأ المركزية الديُمقراطية وتعليق بنود اللائحة علي سبيل المثال .. بل أن مبدأ المركزية الديُمقراطية يتناقض مع نفسه ، إذ أنه يقول بوجوب خضوع الأقلية للأكثرية ، وفي ذات الوقت وعلي سبيل المثال إذا خالفت الأكثرية قرار اللجنة المركزية أو السكرتارية يصير رأي اللجنة المركزية والسكرتارية هو الذي يجب أن يُطاع ويُنفذ ! .. وفي هذا تناقض واضح لإعمال ذات المبدأ .. نخلُص من ذلك أن البناء الديمُقراطي داخل الحزب الشيُّوعي يُعاني خللاً كبيراً وفقاً لهذا المبدأ ( المركزية الديُمقراطية ) .. فهو يُكرس للتسلُطية داخل الحِزب ويُضعف الديمُقراطية داخل الحِزب ويُحول أعضائه إلي مُجرد ( حيّران ) للشيخ ( السكرتير العام .. المكتب السياسي .. اللجنة المركزية ! ) .. وهذا أمر مُعيّب حقيقةً .. كيف لحزب تقدُّمي يُفترض وديمُقراطي أن يرتٓضِي غالبية أعضائه الإنصياع لقرار من السكرتير العام مثلاً وفقاً لهذا المبدأ أو حتي اللجنة المركزية إذا كانوا هم الأغلبية والاكثرية .. وكثير جداً من مواقف ( عبدالخالق مثلاً ) و ( محمد إبراهيم نقد ) و حتي ( الخطيب ) تصبح سارية علي كل عضوية الحزب تماماً كما يحدُث في بعض الأحزاب التقليدية والطائفية بذات المفهوم للسيد أو الزعيم أو الشيخ ! .. وهنا قد يقول قائل إن الحزب الشيُّوعي يُمكن أن يتبني رأي أو موقف السكرتير العام أو السياسِي للحِزب بعد أن يُخضِعه للنقاش والأتفاق عليه داخل المكتب السياسِي أو اللجنة المركزية للحِزب .. ونرُد علي هذا أنه وبالذات في فترات الديكتاتوريات التي مرت علي السودان وإنعدام الديمُقراطية العامة ومصادرة الحُريات فإن الحِزب وإعمالاً لهذا المبدأ كان يُختزل حقيقةً في شخص سكرتيره السياسِي .. وللأسف فإن السنوات الطويلة التي مارٓس فيها الحِزب الشيُّوعي العمل السياسِي في ظل هذا الوضع ، نجد عُضويته قد إستكانت لهذا الأمر وتعودّت حياته الداخلية عليه ، وهو الأمر الذي لم يكن له أن يكون لولا أنه قد إستمد شرعيته نفسها من مبدأ المركزية الديُمقراطية ، مع تعليق العمل ببعض أو معظم بنود لوائح الحِزب الداخلية .. فانتج هذا واقعاً تغيِب فيه الديمُقراطية الداخلية حقيقةً ، وحتي في فترات إسترداد الديمُقراطية فإن إستمرار الممارسة الهشة وغير الكافية للديمُقراطية داخل الحِزب وهئياته أعاقت كثيراً من نِمو الحِزب في تحوله لقوي كبري ، بل وأصبح طارداً للكثير من الكوادر و المتميزين و الديمقراطيين الحقيقين داخله من الذين لم يستطيعوا التواءم مع الطبيعة الخانقة داخل مفاصل الحزب وتسلط القيادة وعدم ديمُقراطيتها خاصة ماقبل إنعقاد المؤتمر الخامس وإفرازات المؤتمرين الخامس والسادس للحزب واللذين سنأتي للحديث عنهم لاحقاً من خلال اجزاء ما نكتب عن مسألة الإصلاح الديمُقراطي داخل الحِزب الشيُّوعِي السُودانِّي .. ونواصل .. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.