السودان.. خبر سعيد للمزارعين    معتصم جعفر يصل مروي ويعلّق على الحدث التاريخي    جهاز المخابرات العامة في السودان يكشف عن ضربة نوعية    البرهان يضع طلبًا على منضدة المجتمع الدولي    بالفيديو.. مطربة سودانية تقدم رقصة مثيرة أثناء إحيائها حفل خاص وتتفاجأ بأحدهم قام بتصوير اللقطة.. شاهد ردة فعلها المضحكة    الدعم السريع يشدد حصار الفاشر بحفر خنادق عميقة حول المدينة    بحضور رئيس مجلس الوزراء ووالي ولاية البحر الأحمر... "زين" ترعى انطلاقة برنامج "قرع الجرس" لبداية امتحانات الشهادة السودانية    الصحة العالمية: يوجد فى مصر 10 ملايين لاجئ ومهاجر 70% منهم سودانيون    لقاء بين"السيسي" و"حفتر"..ما الذي حدث في الاجتماع المثير وملف المرتزقة؟    عيد ميلاد مايك تايسون.. قصة اعتناقه الإسلام ولماذا أطلق على نفسه "مالك"    مزارعو السودان يواجهون "أزمة مزدوجة"    تمت تصفية أحد جنود المليشيا داخل مدينة نيالا بعد أن وجه إنتقادات حادة للمجرم عبدالرحيم دقلو    ذكري 30 يونيو 1989م    دبابيس ودالشريف    ملك أسبانيا يستقبل رئيس مجلس السيادة السوداني    باريس سان جيرمان يكتسح إنتر ميامي في كأس العالم للأندية    السجن المؤبد عشرين عاما لمؤيدة ومتعاونة مع مليشيا الدعم السريع المتمردة    وصول الطاقم الفني للمريخ برفقة الثلاثي الأجنبي    رسائل "تخترق هاتفك" دون شبكة.. "غوغل" تحذّر من ثغرة خطيرة    الجيش السوداني يستهدف مخزن ذخيرة للميليشيا ومقتل قائد ميداني بارز    بعد تصريحات الفنان شريف الفحيل الخطيرة.. أسرة الفنان الراحل نادر خضر تصدر بيان هام وعاجل.. تعرف على التفاصيل كاملة    بالتنسيق مع الجمارك.. خطة عمل مشتركة لتسهيل وانسياب حركة الوارد بولاية نهر النيل    بعد ظهور غريب..لاعب الهلال السوداني يثير جدلاً كبيرًا    "مخدرات في طحين الإغاثة".. مغردون يفضحون المساعدات الأميركية لغزة    مصادرة"نحاس" لصالح حكومة السودان    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    الجَمْع بَينَ البُطُولَتين    رونالدو: الدوري السعودي أحد أفضل 5 دوريات في العالم    مِين فينا المريض نحنُ أم شريف الفحيل؟    تيم هندسي من مصنع السكر يتفقد أرضية ملعب أستاد حلفا الجديدة    حادثة هزت مصر.. تفاصيل حزينة لمأساة "فتيات العنب"    إبراهيم شقلاوي يكتب: خميس الفكرة والنغم وتقرير المصير!    جار التحقيق في الواقعة.. مصرع 19 شخصًا في مصر    مصري يطلق الرصاص على زوجته السودانية    تعثّر المفاوضات بين السودان وجنوب السودان بشأن ملف مهم    لاحظت غياب عربات الكارو .. آمل أن يتواصل الإهتمام بتشميع هذه الظاهرة    كيف نحمي البيئة .. كيف نرفق بالحيوان ..كيف نكسب القلوب ..كيف يتسع أفقنا الفكري للتعامل مع الآخر    السودان..قرار جديد لكامل إدريس    شاهد بالصورة.. الإعلامية السودانية الحسناء شيماء سعد تثير الجدل على مواقع التواصل بالبنطلون "النمري"    شاهد بالفيديو.. الفنانة اليمنية الحسناء سهى المصري تخطف الأضواء على مواقع التواصل السودانية بعد تألقها في أداء أشهر أغنيات ثنائي العاصمة    شاهد بالفيديو.. الفنانة فهيمة عبد الله تغازل عازفها الجديد في إحدى حفلاتها الأخيرة وجمهورها يرد: (مؤدبة ومهذبة ومحتشمة)    تراثنا في البازارات… رقص وهلس باسم السودان    يعني خلاص نرجع لسوار الدهب وحنين محمود عبدالعزيز..!!    مكافحة المخدرات بولاية بالنيل الابيض تحبط محاولة تهريب حبوب مخدرة وتوقف متهمين    استدعاء مالك عقار .. لهذا السبب ..!    "سيستمر إلى الأبد".. ترمب يعلن بدء وقف إطلاق نار شامل بين إسرائيل وإيران    مزارعو القضارف يحذرون من فشل الموسم الزراعي بسبب تأخير تصاديق استيراد الوقود    إيران ترد على القصف الأمريكي بعملية عسكرية    قوات الجمارك مكافحة التهريب بكريمة تضبط كميات كبيرة من المخدرات    أسهم الخليج تتجاهل الضربة الأمريكية    30أم 45 دقيقة.. ما المدة المثالية للمشي يومياً؟    وزارة الصحة تتسلّم (3) ملايين جرعة من لقاح الكوليرا    "أنت ما تتناوله"، ما الأشياء التي يجب تناولها أو تجنبها لصحة الأمعاء؟    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مؤشرات الفساد (5) – الشركة العربية للنشا والجلكوز (أ) .. بقلم: سعيد محمد عدنان – لندن – المملكة المتحدة
نشر في سودانيل يوم 04 - 12 - 2019

عند إنشاء الشركة العربية السودانية للنشا والجلكوز – التابعة للهيئة العربية للإستثمار والإنماء الزراعي – (قبيل دمجها كوحدة ضمن شركات غذائية أخرى في شركة أكبر وتغيير اسمها إلى "الشركة العربية للإنتاج والتصنيع الزراعي"، كانت قد أُجريت معاينات لوظيفة رئيس قسم الصيانة بواسطة تيم من خبراء شركة "دي سميت" البلجيكية والتي عُهِد لها بإنشاء مصنع النشاء والجلكوز، والتي تقدمت لها ضمن أربعين مهندساً، وكانت المعاينات عبارة عن إمتحان كتابي ومعاينة شخصية بواسطة لجنة من الخبراء والمدير العام.
كنت كما ذكرت في نهاية الجزء السابق قد فصلت تعسفياً من وظيفتي السابقة مع شركة خدمات المكاتب قبل زواجي بأسبوع، وبعد زواجي بأسبوع فوجئتُ بإخطار لمقابلة مدير شركة النشاء والجلكوز ومعه مدير شركة ديسميت حيث تم إخطاري بقبولي للوظيفة بنسبة نجاح 80% (مقابل 40 % للتالي من المتقدمين)، وبدأنا الإجراءات لسفري مع المدير الفني – السيد خضر – بعد أسبوعين (أول سبتمبر 1983) لبلجيكا للتدريب لمدة شهر في مصنع "أميلام" في "آلْسْت". وبإذن شركة "ديسمت" البلجيكية، اصطحبت معي زوجتي، فقد كنا في بداية شهر العسل.
مصنع النشا والجلكوز موقعه في الجديد الثورة بالباقير، وقد قدُمت في وقتٍ متقدم شركة ديسميت (وسيشار إليها هنا بالمقاول) المشرفة على إنشاء المشروع، وتم تعيين شركة "بورجي آند بالدو الإيطالية" (المهندس) لمهمة الإشراف إنابةً عن الشركة العربية السودانية (صاحب العمل وسيشار إليها هنا بالشركة) على تنفيذ المشروع بواسطة شركة ديسميت (المقاول)
كانت ديسميت متعاقدة مع الشركة العربية السودانية للنشا والجلكوز لتكملة المصنع وتسليمه شغالاُ بمستوى 110%، وتعاقدت على تقديم عون فني للإشراف على عمل المصنع وأداء الفنيين السودانيين في تشغيله للعامين الأولين من تشغيله، خلالها تقوم بتدريب الكادر الفني وتسلمه المصنع، ويتم إشراف بورجي آند بالدو (المهندس) على أداء المقاول في الإنشاء بتنفيذ البرنامج الزمني على نظام النقاط التي تحكم كمية المال الذي تحرره الشركة للمقاول عند اكتمال كل مرحلة، من شراء معدات وترحيلها واستلامها في السودان ثم استلامها في الموقع ثم تركيبها، حسب البرنامج الزمني المرسوم، والذي بمخالفته توقع عقوبات مالية تسجل على المقاول (أو إذا سببه الشركة فيسجل على الشركة)، ويتم تقييم أداء المقاول وتقدير ماله وماعليه من هذا البرنامج فيستكمل بها التعاقد لصرف المدفوعات المتبقية له.
قبل بدأ تنفيذ البرنامج (ونظام النقط) كان على المقاول استلام كل الإمتيازات التابعة للمشروع وبها يبدأ برنامج شراء الماكينات وعقودات التسليم والترحيل، وأهم تلك الإمتيازات استلام أرض لإنشاء المعسكر للخبراء الأجانب وتصاديق الإستيراد وإعادة التصدير لمعدات المعسكر.
قُدمت قطعة أرض مجاورة للمصنع للمقاول الذي قام باستئجارها، وبدأ العمل في نظافتها من الأشجار، ثم تعميرها، وفي نفس الوقت قام المقاول بالإتصالات بالشركات الموردة لتوريد المعدات والمواد، واستدعاء الخبراء الذين بدأوا يتوافدون، وبدأت شركات المسح والبناء أعمالها في الموقعين: بمعنى آخر بدأت ساعة الصفر للتنفيذ والمحاسبة
خططتُ لقسم الصيانة الذي أرأسُه ليكون من أربعة أقسام على رأس كلٍ من ثلاثة منها مهندس جامعي (قسم توليد البخار، قسم توليد الكهرباء، قسم صيانة المصنع وورشة الصيانة)، وقسم رابع هو المخازن الميكانيكية ورئيسها مهندس فني.
وقدمت الهيكل الوظيفي للإدارة لاستيعاب العاملين، الذين تم تعيينهم وابتعاث المهندسين الفنيين لمصر للتدريب.
قمت بعدها بإدارة إشراف الشركة على عمليات الإنشاء في المصنع، والتنسيق مع "المهندس" وإدارة جمع أخشاب صناديق المعدات القادمة والتي تم تعيين نجار لجمعها وتنظيمها، وذلك تحت إشراف المدير الفني الذي يجلس في الخرطوم.
أصدرت الشركة مرسوماً بمنح العاملين في الموقع حصص متساوية من حاصل الأخشاب وترحيلها للعاصمة، وكنت أقوم بذلك بتوجيهات المدير الفني. وكانت شركة "سكس (ستة) كونستركت للهندسة المدنية أحياناً ينقص احتياطيها من الخشب الذي يستعملونه في صب الأساس للماكينات فيطلبون منا مدهم بأخشاب قرضاً يرد بعد وصول أخشابهم، وكان ذلك أيضاً يتم تسجيله ومراجعته.
بدأت برامجنا بتشجيع الابتكار والحلول العلمية التي تجنبنا الحاجة للمساعدة الأجنبية، وكذلك تقليل العمالة ماأمكن .... فطلبت من المهندسين والفنيين العاملين في الصيانة بتقديم برنامج يمكننا تنفيذه لغسيل براميل الجلكوز وتعقيمها بعملية ميكانيكية مستمرة، لنلغي العرض المقدم من شركة ديسميت البلجيكية بعمل وحدة غسيل البراميل (والمتفق عليها بمبلغ مئة ألف دولار...) وعكف الجميع على تقديم مقترحاتهم وإمكانية تنفيذها، فجمعتها وعملت لها الحسابات الهندسية لتحديد الأحجام والقوى المطلوبة وبالتالي المواصفات الهندسية، وشرعنا في جمع تلك الإحتياجات وتصنيعها في الورشة وكانت التكلفة النقدية التي تكلفتها الخزينة بعد نهاية التصميم من أجل التنفيذ هي دولاران فقط... ورفعنا المشروع لمجلس الإدارة الذي وافق عليه، وتحرك جميع العاملين من قسم الصيانة بالمشاركة الحماسية في تنفيذ المشروع. وبعد تشغيل المصنع نجح نجاحاً باهراً وأثار إعجاب مهندسي العون الفني.
فتحت تلك التجربة آفاق العاملين بقسم الصيانة وحثتهم للإبتكار والتفنن في الأداء، وفي تلك الحماسة استطعنا تدبير نظام للمخازن الميكانيكية ليفتح فيها جزء يكون تحت إشراف رئيس وردية التشغيل ليفتحه بمرافقة رئيس وردية الأمن لاستلام الجهاز المطلوب وتسليم الجهاز المعطوب بنظام رسم الجهاز بشكله حيث هو موضوع على الأرض أو الحائط، حتى يسهل على رئيس قسم المخازن الميكانيكية عند فتح المخازن صباح اليوم التالي مع مدير قسم الأمن عمل جرد سريع لصرف المخازن للورديات في اليوم السابق، وذلك في بضع دقائق، ويطابقه مع دفتر الوردية، ثم يعمل الإجراءات المكتبية المطلوبة.
واستحدثت تنفيذ فكرة فرقة المهمات وهي فرقة محترفة وغاية في المقدرة الميكانيكية تكون تحت الإستدعاء متى تم احتياج كبير في الصيانة في المصنع. كل ذلك بعث الحماسة والجدية في العاملين وكان تفاعل الأقسام الأخرى متحمساً معهم وكان الأداء مشرفاً جداً
فقط كانت هنالك مشكلة في محطة توليد الكهرباء والتي كانت تفصل الكهرباء أحياناً عندما يكون عمل المصنع في طاقته الكاملة، وفصل الكهرباء يتبعه اتوماتيكياً فتح جميع الصمامات في جميع صوامع النقع، وجميع مواسير التوصيل وجميع خزانات المواد المستخلصة، لتصب كلها في المجاري منعاً لأي فرصة لتصلب مستودعات ومواسير المصنع.
محطة الكهرباء لم يتم حينئذٍ تسليمها لنا رسمياً، ولكن مهندسينا الكهربائيين تقدموا برأيهم بأن أجهزة المواءمة والمزامنة بين ماكينات التوليد الثلاثة غير متوازنة، خاصة عند قدوم حمل ثقيل، غالباً من عبوة هائلة من البخار في محطة القيزانات، ويرون أن يتم تغييرها بجهازٍ واحدٍ مشترك بينهم، ولكن مهندس الشركة الإيطالية – سي إي آي – رفض تلك الحلول، وعزى عدم مواءمة تلك الأجهزة إلى تلاعب المهندسين السودانيين بها لعدم فهمهم لتلك التكنولوجيا... وكان ذلك جارحاً للمهندسين فكتبوا لي مطالبين بلجنة من الخبراء للبت في الموضوع، فكتبت للسيد المدير أقترح عليه استدعاء مهندس من كل واحدة من الشركات الأجنبية التي نتعامل معها في الكهرباء (سي إي آي، جنرال موتورز، ديسمت) لتكوين لجنة برئاسة بورجي آند بالدو (المهندس)، للتحكيم، ولكن لم يفعل شيئاً
كان اتحاد العاملين بالشركة يقوده التجمع الوطني، وكان إثنان من مهندسيّ في قسم الصيانة من الإخوان المسلمين، واحدٌ منهم من المتعنتين والإسلام السياسي، والثاني كان عقلانياً ومن "الدعاة لا قضاة"
وكانت الأقسام الكبرى الثلاث بالمصنع بعد الصيانة هي قسم النشا ورئيسه أخو مسلم يدعى عوض السيد، وقسم الجلكوز ورئيسه يساري واسمه سامي، وقسم ضبط الجودة ورئيسه أخو مسلم واسمه العوض، وكان قسم الأمن وتنقية المياه رئيسه شيوعي واسمه محمد الأمين، وكان الإخوان (رؤساء النشا وضبط الجودة) ومعهم رئيس قسم الجلكوز متكتلين ضدي ولم أدري لماذا، وكنت دائماً أجدهم سوياً في مكتب أحدهم يلوكون سيرتي، حتى أنه في مرة حدث شئ طريف: دخلت مكتبي بعد جولة في المصنع، وكان هنالك باب بين مكتبي ومكتب مدير النشا، ففتحته ودخلت، وكانوا جميعاً متحمسين في الحديث عنى، وعند مفاجأتهم بدخولي تحول الحديث عني باللغة الإنجليزية قبل أن يستدركوا أنني أجيدها أفضل منهم – هاهاها
عندها ثبت لي نواياهم تجاهي
كانت الهيئة العربية قد قررت دمج شركاتها الغذائية في شركة كبرى واحدة بإسم الشركة العربية للإنتاج والتصنيع الزراعي، وتكون الشركات المدموجة فيها وحدات إنتاجية، وتكون شركة النشا والجلكوز هي وحدة النشا والجلكوز. وتقرر بذلك فصل جميع العاملين فصلاً تعسفياً في بداية العام الجديد أي سبتمبر وإعادة تعيين من تراه الإدارة الجديدة مناسباً في الشركة الجديدة.
تبين لاحقاُ أن مؤامرات الإخوان كانت أن يتم فصلي من العمل بدون إعادة تعيين، فاستصدروا بيانٍاً من إتحاد العاملين يدينوني فيه ويطالب الشركة عدم إعادة تعييني، وكذلك الحال مع مهندسي الصيانة المسئولين عن التوليد الكهربائي. في المصنع.
اجتمع بي المهندسون رؤساء ورديات الكهرباء مع رئيسهم وطالبوا بقرار نهائي بلجنة تحكيم، وإلا فتقديم استقالاتهم الفورية، فاتصلت بالمدير لاسلكياً وأخطرته بقرار المهندسين، فاضطرب وطلب مني أن أثنيهم عن ذلك وسيفعل شيئاً فوراً في مسألة لجنة التحكيم
وفعلاً إتصل بشركتين، أحدها خاصة الباشمهندس صلاح عوض الله (إبن المرحوم رئيس القضاء السابق) والثانية خاصة الباشمهندس بابكر محمد بابكر (مدير تشغيل الإدارة المركزية سابقاً) ليكونا لجنة تحكيم ولو مؤقتاً
وجاءنا المهندسان بشخصيهما بالعصر وقابلاني وقابلا المهندس الإيطالي الذي كشف لهم أجهزة المزامنة والمواءمة للمولدات الثلاث، وكيف أنه عمل على كلٍ منها علامةً يؤكد بها أنه كلما توقفت المحطة وجد الأجهزة قد تم التلاعب فيها بدليل إختلال العلامات، وكانت المحطة تعمل والأجهزة ثابتة في مواضعها، وكادت اللجنة أن تقفل التحقيق على ذلك لأن الأمر وضح لها، ولكني أصررت على الإنتظار إلى حين تحميل البخار من القيزانات. وفعلاً فجأة بدأ التحميل وتوقفت محطة الكهرباء، فانصرف المهندس الإيطالي لمواصلة التحقيق في المواضع المتبقية، ولكني أصررت على الرجوع فوراً لأجهزة المواءمة، وبتذمر فتح المهندس الإيطالي أبواب الأجهزة، فإذا هي تدور لوحدها فاقتنعت اللجنة برأينا واقتنع كذلك المهندس الإيطالي وتمت المطالبة بتغيير الأجهزة بالضبط كما أوصى مهندسو تشغيل المحطة من البداية
وبعد التوقّف الذي عنى رشح كل ما في الصوامع والمواسير من ترشيح الذرة، وبالتالي غمر محطة الصرف الصحي والتي تفيض خارج الأحواض، والإنكفاء على جلب فناطيز نقل المياه الراجعة لذرها على الفضاء خارج المصنع، راجعنا ماكينات التوليد الكهربائي، فوجدنا أن إحداها بدأت تولد بعض السخانة في حمالة العمود الرئيسي، وشهدنا شحماً جامداً مرشوشاً على الأرض وعلى البناية، وتم استدعاء شركة يونانية لفك العمود لتغيير حمالات الكرات الفولاذية – وكانت تلك مشكلة أخرى اتهمت فيها الشركة الإيطالية عاملينا بعدم التشحيم الصحيح، ولكني رفعت تقريراً مشفوعاً بصور فوتوغرافية تبين إتجاه نثر الشحم وحالة الشحم غير المستهلك، وفيها بيان أن العمود لم يكن موزوناً عند تركيبه، ورفعت التقارير لشركة جنرال موتورز وأيدوا رأيي في ذلك وتحملت الشركة الإيطالية تكلفة الحادث بما في ذلك التلف الذي نتج في أجهزة التيربو شارجرز (الشاحنات التوربينية)، والتي يحتاج تصنيعها لنا لستة أشهر لأنها ليست قطع غيار
وصل الخبر للجنة الإتحاد، فغضب العاملون وأدانوا رؤساء اقسام النشا والجلكوز وضبط الجودة وطالبوا بعدم إعادة استيعابهم، ورفعوا عني وعن مهندسيّ الإدانة السابقة
ولكن بعد نهاية شهر أغسطس وردت الأسماء الجديدة وأسقطت أسامينا بينما تم تعيين رئيس النشا مديراً للوحدة، فغضب العاملون، إلا أن المدير أخطرهم أنها توصية العون الفني، ولكنهم رفضوها ودخلوا في إضرابٍ هدد بتعطيل التسليم وفقدان الشركة مستحقاتها ضد المقاول، فتراجع المدير وسحب خطابات تعيين الرؤساء الثلاثة واستدعاني ليسألني إن كنت سأستطيع تشغيل المصنع بحاله ذاك وعلاج مشاكله، وماذا أحتاج لذلك الغرض، وأجبت بالإيجاب، وأحتاج للسفر لإيطاليا فوراً للمطالبة بلجنة التحكيم التي طالبت بها سابقاً لمطالبة الشركة الإيطالية سي إي آي مع شركة جنرال موتورز بقبول المسئولية ومدنا بشاحنات توربينية من المصنعة للبيع لأي عميلٍ آخر.
وطلبت إعداد مواد لحام بارد للشاحنات الحالية والتدرب على استعمالها لإعادة تأهيل الشاحنات التوربينية الحالية للعمل مؤقتاً على الأقل لمدة شهر ريثما نستلم الشاحنات البديلة، وحتى لا يتأجل تشغيل المصنع، فوافق وقام بتعييني مديراً للوحدة وبسفري فوراً لأيطاليا، حيث اتصل بوكالة سياحة للحجز لسفري اليوم التالي واستدعى المدير المالي وتم تسليمي ثلاثة آلاف دولار نقداً
أخذت معي 7 ألف دولار تخصنيى وغادرت لإيطاليا، وهناك اجتمت لاسلكياً مع شركة سي إي آي وشركة جنرال موتورز وشركة أخرى متخصصة في اللحام البارد، وذلك في مكاتب بورجي آند بالدو، وتم الإقرار بالمسئولية ومدنا بثلاثة شاحنات توربينية نستلمها في ظرف شهر، وأرسلت إلى نابولي للتدرب لمدة يوم مع الشركة في اللحام البارد، وتم مدي بالكميات اللازمة من المواد وقمت بالدفع نقداً.
قبل رجوعي أرسلت للسودان بأمر للورديات بفك الشاحنات التوربينية وغسلها بالكحول المثيلية، واستدعاء فرقة المهمات وفتح الورشة، وعند وصولي الخرطوم ذهبت رأساً للمصنع وقمت بتدريب العاملين لإستعمال اللحام البارد وشرعت معهم في لحام الشاحنات التوربينية المعطوبة وتركها للجفاف يومين، بعدها تم تجميعها وتشغيل المحطة بنجاح، وتم التدوير التجريبي للمصنع بأيادي السودانيين فقط وجاءني المهندسون الأجانب يهنئون بمستوى أداء كل المصنع وفي مستوى 110% كما كان مطلوباً
وجاء مدير شركة ديسميت (المقاول) ومعه تيم العون الفني لتهنئتي بالوظيفة، ثم طلب مني الإجتماع بهم في مكتبهم بالمعسكر
في الإجتماع صارحني المدير بالرواية التالية:
لما وصلت الشركة للسودان وأعدت برامج التنفيذ، وطلبت من المدير العام وقتها السيد بابكر ميرغني قطعة أرض تؤجرها للمعسكر، تكون مجاورة للمصنع، أتاهم برجلٍ أمي من الأعراب يقول أنه مالك الأرض المطلوبة للمعسكر، وتم التفاهم معه بواسطة مترجم، فوافق بإيجارها لهم بمبلغ خمسمائة جنية سوداني في الشهر، تودع في حسابه في أحد بنوك السودان، وتم التعاقد وبدأ العمل في إعداد الأرض وإزالة الأشجار وحفر الأساسات، وبدأت ساعة الصفر.
جاء صاحب الأرض في زيارةٍ لاحقة وهو في هندام أفرنجي أنيق، ويتحدث اللغة الفرنسية بطلاقة، وواجههم باتهامهم أنهم غير مسموح لهم بقطع الشجيرات وحفر الأرض، وأنه يطالبهم بمغادرة الأرض، أو يكتبون إقراراً بدفع 500 دولار شهرياً فوق ال500 جنيه، وتودع في حسابٍ له في بنك في سويسرا، وإقراراً موثّقاً بأيلولة معسكر دي سميت له بعد انتهاء عملهم في المصنع، والمعسكر يحتوي على مولدات كهرباء، أجهزة تبريد وتهوية، شبكة تلفزيونات ومسجلات وتلفونات، كشافات ضوء، ومباني بريفاب بأثاثات كاملة ومعدات أنشطة متنوعة وصهاريج ماء وطلمبات للصهاريج ولحوض السباحة، وآليات أخرى، بقيمة إجمالية قدرها 2 مليون دولار (معفاة من الجمارك).
ونواصل إن شاء الله في الحلقة القادمة (ب)
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.