نتيجة قرعة كأس العالم 2026.. تعرف على طريق المنتخبات العربية في المونديال    مواطنون: الخرطوم غير آمنة لعودة السكان رغم الحملات الإعلامية    واشنطن تغيّر "قواعد اللعبة" في السودان.. تفكيك نفوذ البرهان كمدخل لوقف الحرب    لجنة في الكونغرس الأمريكي تصنف "أخوان" السودان منظمة إرهابية    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنانة ريماز ميرغني تتألق في جلسة "أوت دور" زفافها وعريسها "يُقبل" رأسها    الإعيسر يخرج بتدوينة غامضة ومثيرة للجدل    "روفا" الرئة الثالثة التي لا تتوقف عن الركض للهلال والسودان    بالصورة.. الفنانة أفراح عصام تفتح النار على مطربة شهيرة عقب نهاية حفل زفاف ريماز ميرغني: من عرفتك نحنا بنسجل في البرنامج وانتي في محاكم الآداب وقبلها المخدرات مع (….) وتبقي فنانه شيك كيف وانتي مكفتة ومطرودة!!    شاهد بالفيديو.. الفنانة ريماز ميرغني تخطف الأضواء في حفل زفافها بوصلة رقص رومانسية مع عريسها على طريقة "سلو" على أنغام أغنية خاصة قدمتها لها زميلتها صباح عبد الله    شاهد بالصور.. الفنانة ريماز ميرغني تكمل مراسم زواجها بحفل أسطوري وسط حضور كبير من زملائها بالوسط الفني والإعلامي    شاهد بالفيديو.. السلطانة هدى عربي تشع حفل زفاف الفنانة ريماز ميرغني بوصلة رقص على طريقة "الترترة"    مدرب منتخب السودان: مواجهة العراق صعبة.. وسنقدم كل ما في وسعنا    المريخ يعود للتدريبات بقيادة رمضان عجب    حين تغيّرت معايير الكرة... وبقينا نحن في خانة الشفقة!    غموض حول مدينة بابنوسة..خبير عسكري يكشف المثير    إصابات وسط اللاعبين..بعثة منتخب في السودان تتعرّض لعملية نهب مسلّح    في البدء كانت الكلمة    "يارحمن" تعيد الفنانة نانسي عجاج إلى القمة.. أغنية تهز مشاعر السودانيين    حرب مفروضة وهُدنة مرفوضة!    تنويه عاجل لهيئة مياه الخرطوم    كامل إدريس يوجه برفع كفاءة قطاع التعدين    طريقة فعّالة لمحاربة الرغبة بتناول الحلويات والوجبات السريعة    شاهد بالصورة والفيديو.. جمهور مواقع التواصل بالسودان يحتفي ويتغنى ببسالة ورجولة مدافع المنتخب "إرنق" في إحتكاك مع مهاجم المنتخب الجزائري بعدما قام بالتمثيل    شاهد بالصورة والفيديو.. الخبراء بالأستوديو التحليلي لمباراة السودان والجزائر يجمعون على وجود ضربة جزاء صحيحة لصقور الجديان ويعبرون عن استغرابهم الشديد: (لماذا لم يرجع الحكم المصري للفار؟)    تصريحات ترامب المسيئة للصومال تثير غضبا واسعا في مقديشو    قرار عاجل لرئيس الوزراء السوداني    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    دراسات: انخفاض ضوء الشتاء يغيّر نمط النوم    كم مرة يجب أن تقيس ضغط دمك في المنزل؟    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    إدارة ترامب توقف رسميا إجراءات الهجرة والتجنيس من 19 دولة    الخرطوم تعيد افتتاح أسواق البيع المخفض    إدارة التعدين بولاية كسلا تضبط (588) جرام و (8) حبات ذهب معدة للبيع خارج القنوات الرسمية    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    شبان بريطانيا يلجأون للمهن الحرفية هربا من الذكاء الاصطناعي    الأمين العام للأمم المتحدة: صراع غزة الأكثر دموية للصحفيين منذ عقود    بشكلٍ كاملٍ..مياه الخرطوم تعلن إيقاف محطة سوبا    فيلم ملكة القطن السوداني يحصد جائزة الجمهور    إحباط تهريب كميات كبيرة من المخدرات والمواد الخطرة بنهر النيل    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    العطش يضرب القسم الشمالي، والمزارعون يتجهون للاعتصام    إخطار جديد للميليشيا ومهلة لأسبوع واحد..ماذا هناك؟    إحباط تهريب أكثر من (18) كيلوجرامًا من الذهب في عملية نوعية    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    إحباط تهريب أكثر من (18) كيلوجرامًا من الذهب في عملية نوعية    بالصورة.. مذيعة سودانية كانت تقيم في لبنان: (أعتقد والله اعلم إن أنا اكتر انسان اتسأل حشجع مين باعتبار اني جاسوسة مدسوسة على الاتنين) والجمهور يسخر: (هاردلك يا نانسي عجرم)    وصول 260 ألف جوال من الأسمدة لزراعة محاصيل العروة الشتوية بالجزيرة    شاهد بالفيديو.. التيكتوكر المثيرة للجدل سماح عبد الله تسخر من الناشطة رانيا الخضر والمذيعة تغريد الخواض: (أعمارهن فوق الخمسين وأطالبهن بالحشمة بعد هذا العمر)    مصر.. تحذيرات بعد إعلان ترامب حول الإخوان المسلمين    شاهد.. بعبارة "كم شدة كشفت معادن أهلها" صورة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تزين شوارع العاصمة السودانية الخرطوم    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"حجر" يخص المرء وحده .. بقلم: د. أحمد الخميسي . قاص وكاتب صحفي مصري
نشر في سودانيل يوم 18 - 05 - 2020

ممنوعون من الخروج، من المصافحة، من زيارة الآخرين، من ملاعبة أحفادنا الصغار. وفي نهاية المطاف يحظر عليك أن تربت بكفك على كتف امرأة لا تعشق أحدا سواها. تتبادلان أنت وهي النظرات والخوف ينقل نظراته بينكما، يتنفس يراقب يتابع. في كتابها المعروف" حجرة تخص المرء وحده" تقول فرجينيا وولف إن المجتمع " لا يعترف بباب حجرة موصد" يوفر للكاتب العزلة للابداع. لكن ما كان أمنية عند فرجينيا وولف أمسى " حجرا" يخص المرء وحده، كابوسا ثقيلا، لا علاقة له بالابداع. يقف المرء وراء زجاج النافذة، يمر ببصره على البيوت أمامه، ويشعر أن شيئا ما جديدا، مخيفا، يوحدها، أنفاس الترقب التي تتردد في كل بيت، أصوات المزاليج التي تغلق الأبواب بإحكام كأنما لدفع الشر، النظرات القلقة: هل أن الوباء عقاب إلهي؟ أم نتيجة اهمال البيئة طويلا لصالح قلة من أثرياء البشر؟ هل يتراجع الموت وينحسر ظله ؟ أم أن البشرية قد تفنى، ولا يبقى سوى جبال في الريح وصخور وذرات تراب؟ ذات يوم كتب إيليا أبو ماضي يقول: " متع لحاظك في النجوم وحسنها .. فلسوف تمضي والكواكب باقية"؟ فهل أننا على ذلك الطريق؟ وإلا فمن أين حط على أكتافنا طائر الخوف الضخم؟ كأن الأرض تتنهد تنهيدة واحدة هائلة بكل اللغات والأديان؟، ويخاف كل امريء بطريقته، بتكوينه، بأمانيه وذكرياته الخاصة، قلقه المنسوج من سنواته الطوال. زرت ابنتي الوحيدة مرات معدودة، وقفت أمامها من على مسافة بحذر، لم أصافحها، لم أقبلها، وعندما جلسنا متواجهين أشحت بوجهي وأنفاسي، وأنا أسأل نفسي: كيف تتحول محبتي التي طالما ارتوت منها ابنتي إلي ماء مسموم يهدد حياتها؟ وكيف تنقلب يداي المتضرعتان بالمودة إلى إبر تغزل الموت للآخرين؟ أكره جسدي الذي ينقلب من التعبير عن الحياة إلى عبارة موت موجزة. أعيش وحدي أغلب الوقت في " حجر" يخص المرء وحده. أستمع من حين لآخر إلى الأغاني القديمة، عبد الحليم حافظ " بتقولي بكره قلبك ح يعطف.. وفي كل مرة توعد وتخلف". أغنيات الشاب الذي احترق في محبات الصبا عندما كانت الحياة تبدو أكبر من لحظة، وأقل من الأبد. أقرأ بدون تركيز. أكتب المقالات بحكم عملي، أتصل بالأصدقاء والأقرباء أحدثهم في الشئون العامة، وفي داخلنا سؤال غير منطوق: هل أنت بخير؟. أكتب قليلا، ويلوح وينأي ويرجع القلق: هل تمنحنا الطبيعة فرصة أخرى؟. سؤال أشبه بالسلسلة الحديدية التي يربطون بها قدمي سجين فتسمح له بالحركة لكن بحيث يظل مقيدا أينما ذهب إلى السؤال. وصف أحد العلماء كوكبنا الأرضي بأنه مجرد: " ذرة غبار في شعاع شمس". ينقض علي الوصف كجدار ثقيل " ذرة غبار". قد نكون عرضة للفناء، لكن لماذا لا أفقد الأمل؟ ولماذا أحب أن أثق في أننا سننتصر على الكورونا كما انتصرنا من قبل على الطاعون والجدري والانفلونزا الإسبانية التي حصدت أرواح خمسين مليون نسمة في 1918. أنجرف إلى محمود درويش وأردد معه: " وبي أمل يأتي ويذهب .. ولكن لن أودعه". أرجع إلى قراءة رواية " آنا كارنينا" . أطلب بالهاتف بعض المأكولات. أنتظر. أتابع أخبار انتشار الوباء. يغشاني الشك في النجاة. أقول لنفسي إن كان الزوال قدر الانسان فعليه أن يصعد مفارقا لكن بكبرياء النجوم، وكبرياء العيون والأروح التي أضاءت الأرض بالعلم والحب. أستجمع قوتي وأكتب مقالا بعنوان عن الضحك في وجه الخطر، وعن أنه لا شيء يهزم الانسان، أكتب لأني أشعر أنه من المخجل أن يسيطر الفزع على الانسان، ومن المخجل ألا ننشر الأمل، ومن المخجل أن يبدي الانسان ما يشعر به من ضعف. لقد أحببت دوما كل الرجال الذين واجهوا الموت برأس مرفوع وجبين عال. لوركا أمام كتيبة الاعدام وفي فمه قصيدة ، سبارتاكوس على الصليب في الطريق من روما إلى كابوا، عبد الخالق محجوب، ذلك أن الكبرياء لحظة الوداع هي انتصار الانسان الأخير. أضع على صفحتي في فيس بوك أغنية جوليا بطرس: " بكره بيخلص ها الكابوس.. وبدل الشمس بتضوي شموس.. وعلى أرض الوطن المحروس.. راح نتلاقي يوما ما". أفكر في الكتب التي خططت لانهائها ولم ألحق: كتاب" ملاحظات كاتب قصة قصيرة"، كتاب آخر مترجم لم يبق سوى مراجعته. مجموعة قصصية بعنوان" أشواق شاقة". أنتقل من الصالة إلى المطبخ لأعد فنجان قهوة . أستحضر صور أحبائي، عيونهم، وأمعن النظر فيها. أخاطبهم في خيالي: أنتم كل منالي، وسوف أحبكم بكل قوة حضوري في هذه الدنيا وكل قوة غيابي إن لم أكن حاضرا. لكنهم لسبب ما لا يقولون شيئا. ينظرون إلي بصمت. يخطر لي أنني إذا مت فسوف أنضم إلى والدي في مرقده بمدينة المنصورة، وهناك سوف نواصل بمعجزة ما أحاديثنا التي انقطعت عام 1987، وسأحكي له عن كل ما فاته من أحداث ووقائع، وسأتطلع بسرور إلى دهشة عينيه الطفولية مرة أخرى. ولا يفارقني القلق على مصير الكرة الأرضية الصغيرة، التي لا تكف عن الدوران، واللهاث، الكرة التي ليست سوى : " ذرة غبار في شعاع شمس"، كوكب صغير جدا بين مليارات الكواكب في فضاء لا نعرف بدايته من نهايته. تنبثق أحيانا ذكريات المعتقل عام 1968 عندما كنت محبوسا انفراديا في زنزانة لثلاثة شهور. حينذاك أفزعني خيط دم عالق على جدار الزنزانة. رحت أفكر: لمن هذه الدماء الجافة؟ وكيف أسالوها؟. في الفجر كانت العصافير تهبط إلى حافة كوة الزنزانة، أسمع زقزقاتها تنقر الصمت،أرقبها على أمل أنها قد تنقل إلي كلمة ما من العالم الذي لا أراه، لكن الخيبة تتسلل إلي روحي وأنا أكتشف أن العصافير لم تكن معنية بأي شيء، لا بالحرية التي ترمز إليها في نفوسنا، ولا بعطفنا عليها، ولا بأي شيء. كانت فقط تنقر شبابيك الزنازين بحثا عن فتات طعام، ثم تضرب بأجنحتها مرتفعة وتختفي من دون مبالاة بأي شيء، مثلما لا تبالي بنا الآن الصخور والسحب والأرض والشموس والقمر والرياح. لا تبالي الطبيعة بنا، نحن الذين منحناها الحب والقصائد والأغنيات واخترعنا لها الغزل والحنان والرقة. في السجن كان الباب المصفح الموصد مصدر الخوف، أما الآن فإن القلق يتمطى في الهواء ويطل من كل نسمة عابرة. في الزنزانة كنت أشعر أنني محبوس لكن العالم حر. الآن محبوس في عالم محبوس يتنادى أبناؤه ويتصايحون في إيطاليا والهند وفرنسا بحثا عن كمامات ومصل ولقاح ودواء. تتعرى بقوة حقيقة أن الانسان عاجز، وأنه لم يضع في اعتباره من قبل لا البيئة ولا نظام صحي ولا أدوية فعالة وانشغل بصناعة الصواريخ، والقنابل، والرصاص وجنازير الدبابات. هل أننا نتحمل أوزار التجربة الرأسمالية التي لهثت وراء الربح وحده؟ أم أن الأمر أكبر من تلك القضية ؟
في " الحجر" الذي يخص المرء وحده، يخطر لي أن الانسان هو الذي أضفي على الطبيعة المنطق، والهدف، والغاية، ليجعل كل شيء معقولا ومنطقيا، لكن الطبيعة فجأة تسخر من كل ذلك التاريخ بعطسة صغيرة. أستعيد عبارة د. ه. لورانس : " الحياة هي الحياة.. أما إدخال فكرة الغاية فيها فإنه بمثابة تدمير كل شيء". رغم ذلك أظل أصون صوت الأمل في أن الانسان سيدحر الوباء، وأن العالم سيعيد التفكير في أولوياته، بحيث تتصدر المشهد عبارة الأديب الفرنسي البير كامو: " إذا فشل الانسان في الجمع بين العدالة والحرية فسوف يفشل في كل شيء". لا أفقد الأمل ولا لحظة، أو قل إنني لا أحب أن أفقد الأمل، وأظل أردد مع صوت جوليا بطرس الرنان الجميل:"بكره بيخلص ها الكابوس.. وبدل الشمس بتضوي شموس". نعم. سينتهي الكابوس وينقشع مثل سحابة عابرة، ويبقى الانسان الذي أضفى الجمال على كل شيء بالقصائد والأغاني والفروسية والعلم والغزل والقبل والحنان، ولا يعقل أن يهزم مخلوق جميل كهذا.
***
د. أحمد الخميسي . قاص وكاتب صحفي مصري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.