خيبة حمدوك في باريس    رسالة من إسرائيل لدول المنطقة.. مضمونها "خطر الحرب"    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الثلاثاء    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الثلاثاء    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    قصة مانيس وحمدوك وما ادراك ما مانيس وتاريخ مانيس    ضياء الدين بلال: الرصاصة الأولى ونظريّة (الطرف الثالث)..!    وزير الخارجية يكتب: الإتحاد الأوروبي والحرب في السودان ..تبني السرديات البديلة تشجيع للإرهاب والفوضى    تنسيقية كيانات شرق السودان تضع طلبا في بريد الحكومة    ماذا جرى في مؤتمر باريس بشأن السودان؟    رفع من نسق تحضيراته..المنتخب الوطني يتدرب علي فترتين    استمرار حبس البلوجر هدير عاطف بتهمة النصب على المواطنين    ياسر العطا: أمن و استقرار انسان الجزيرة خط احمر    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    حفظ ماء وجه غير مكتمل    ليفربول يسقط في فخ الخسارة أمام كريستال بالاس    خبراء: الهجوم الإيراني نتاج ل«تفاهمات أمريكية».. وجاء مغايرًا لاستراتيجية «طهران»    أحمد موسى: ده مفيش ذبابة ماتت من الصواريخ والمسيرات اللي إيران وجهتها لإسرائيل    إسرائيل تعيد فتح المدارس!    ضمن معايدة عيد الفطر المبارك مدير شرطة ولاية كسلا يلتقي الوالي    محمد وداعة يكتب: الاخ حسبو ..!    شاهد بالفيديو.. الفنانة هدى عربي تدهش وتبهر مذيع قناة العربية الفلسطيني "ليث" بمعلوماتها العامة عن أبرز شعراء مسقط رأسه بمدينة "نابلس" والجمهور يشيد بها ويصفها بالمثقفة والمتمكنة    شاهد بالصورة.. إبن عضو مجلس السيادة رجاء نيكولا يحمل السلاح مدافعاً عن وطنه وجمهور مواقع التواصل يشيد ويعلق: (أبناء الإسلام والمسيحية في خندق واحد لحماية السودان من الجنجويد)    شاهد بالفيديو.. مالك عقار يفجرها داوية: (زمان لمن كنت في الدمازين 2008 قلت ليهم الجنا حميدتي دا أقتلوه.. قالوا لي لالا دا جنا بتاع حكومة.. هسا بقى يقاتل في الحكومة)    أرسنال يرفض هدية ليفربول ويخسر أمام أستون فيلا    بعد راحة العيد...المنتخب الوطني يُعاود تحضيراته أمس    تركيا تنقذ ركاب «تلفريك» علقوا 23 ساعة    تجاوز مع أحد السياح.. إنهاء خدمة أمين شرطة لارتكابه تجاوزات في عمله    الموعد الأضحى إن كان في العمر بقية،،    إعلام عبري: طائرات أميركية وبريطانية تسقط مسيرات إيرانية فوق الحدود العراقية السورية    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    والي الخرطوم يزور رموز ونجوم المجتمع والتواصل شمل شيخ الامين وقدامى المحاربين والكابتن عادل أمين والمطرب عوض الكريم عبدالله    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    «العازفون الأربعة» في «سيمفونية ليفركوزن»    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    لن تنهار الدولة ولن ينهار الجيش باذن الله تعالى    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    انتحلوا صفة ضباط شرطة.. سرقة أكبر تاجر مخدرات ب دار السلام    "طفرة مواليد".. نساء يبلغن عن "حمل غير متوقع" بعد تناول دواء شهير لإنقاص الوزن    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    الضربة المزدوجة الإنهيار الإقتصادى والمجاعة في السودان!    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قضايا المرأة في المنظور الاسلامي .. بقلم: د. أحمد محمد أحمد الجلي
نشر في سودانيل يوم 09 - 08 - 2020

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

قبل أن نبين موقف الإسلام من قضايا المرأة لا بد من الإشارة الى واقع المرأة في تاريخ الحضارات والأديان السابقة للإسلام ،وبيان ما أحدثه الإسلام من إنقلاب في ذلك الواقع. فقد ظهر الإسلام والمرأة تعاني من سوء المعاملة في كل الحضارات والأديان السابقة للإسلام ،داخل الجزيرة العربية وخارجها ، ومن ثم عمل على تحرير المرأة،وإنتشالها من ذلك الواقع الذي كانت تعاني منه.فرد لها إنسانيتها،وحفظ لها كرامتها،وأقر لها حقوقها،وقد تمثل تكريم الإسلام للمرأة فيما يلي:
1-بداية حارب الإسلام تلك المشاعر العدائية التي كان يكنها العربي للمرأة ودفعته للتشاؤم منها ،فأكد الإسلام على الأصل الواحد الذي ينتمي إليه الرجل والمرأة فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ) النساء 1. وأكد الرسول r ذلك بقوله :"إنما النساء شقائق الرجال).
2-كماحارب الإسلام وأد البنات، قال تعالى: (وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ ، بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ) التكوير:8-9 ،ونهى عن قتل الأبناء بسبب الفقر،أو بسبب الخشية منه : (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءاً كَبِيراً ) الإسراء:31. وبشر الرسولr بالجنة من يحسن العناية بابنته فقال: " من كانت له بنت فأدبها وأحسن أدبها،وعلمها فأحسن تعليمها،وأسبغ عليها من نعم الله ما أسبغ عليه،كانت له ستراَ أو حجابا من النار. " )انظر:الجامع لأحكام القرآن ج 10 /105. (وفي حديث آخر قالr: ( من كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو بنتان أو أختان،فأحسن صحبتهنَّ ،واتقى الله فيهنَّ، فله الجنَّة".
3- دفع الإسلام عن المرأة اللعنة التي ألصقها بها رجالات الديانات السابقة للإسلام ،وزعمهم أنَّها سبب خطيئة آدم وخروجه من الجنَّة،فأكد القرآن أنَّ الوسوسة كانت من الشيطان،وأنَّ آدم وحواء أكلا من الشجرة معاً،ومن ثم يتحملان الخطيئة معاً،وأنهما تابا إلى الله فتاب الله عليهما، وانتهى الأمر بهبوط الجميع إلى الأرض آدم وحواء وإبليس
4-أكد الإسلام عموم رسالته للناس جميعاَ على اختلاف ألوانهم وأجناسهم ، ولم تقم شريعته وزناً للذكورة والأنوثة في الحقوق الإنسانية العامة ،بل جعلت ميزان الكرامة للانسان ذكرا كان او أنثى، التقوى والعمل الصالح .قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات: 13.
5- توجه خطاب الإسلام للناس جميعاً رجالاً ونساءً . واهتم - في تعامله- بالرجل والمرأة على السواء،. ولم تميز تعاليم الإسلام بين الرجال والنساء اللَّهم إلا في بعض التكاليف التي استثنيت المرأة منها ،كالجهاد وعدم المسؤولية في الإنفاق على البيت أو بعض المسؤليات الأخرى التى خففها على المرأة او اسقطها مراعاة لطبيعته التي جبلت عليها.
أما فيما عدا ذلك فإنَّ المرأة أخذت مكانها في الإسلام إلى جانب الرجل ،مساوية له في الحقوق والواجبات،والتكاليف والمسؤليات ،فالمرأة مكلفة كالرجل ، ومطالبة بعبادة الله تعالى،واقامة دينه وأداء فرائضه،واجتناب محارمه،والوقوف عند حدوده ،والدعوة إليه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.قال تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ..) آل عمران: 195،ويقول تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ) التوبة:71،ويقول سبحانه وتعالى : (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) النحل:97.
والمؤمنة كالمؤمن سواء في ضرورة الاستجابة لكل ما أمر الله به أو أمر به رسوله r ،بحيث لا يجوز لأي منهما أن يخالف هذا الأمر و لا أن يضيق به .قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً) الأحزاب:36.
ونجد في تاريخ المسلمين استقلال المرأة في مجال التلقي والاستجابة والعمل،فقد بايعت المرأة الرسول ،كما بايعه الرجال، وجاهدت كما جاهدوا ،وهاجرت كما هاجروا،وتعلمت وعلمت كما فعلوا.بل هناك من الشواهد ما يدل على أنَّ المرأة المسلمة سبقت زوجها وأباها إلى الإسلام ،كأم الفضل التي سبقت العباس –رضي الله عنهما –في الإسلام ،وأم حبيبة التي سبقت أباها-أبا سفيان- في الإسلام.
وهكذا نجد أنَّ الإسلام أنقذ المرأة العربية من حالة الاضطهاد التي كانت تعيش فيها ،وكرمها ورفع من مكانتها في كافة المجالات:الإنسانية والاجتماعية والحقوقية.
ففي المجال الإنساني أقر الإسلام بمكانة المرأة وجعلها مساوية تماما لمكانة الرجل ،ولم يجعل للرجل ميزة خاصة به من حيث الخلق أو الطبيعة،ولكل منهما طبيعة ملائمة لمسؤلياته التي انيطت به.
وفي المجال الاجتماعي أكرم الإسلام المرأة ،بل حض على مزيد من إكرامها والرفق بها سواء في طفولتها أوشبابها أو كهولتها،فهي معززة مكرمة في بيت أبيها،ثم هي سيدة محترمة في بيت زوجها،ثم هي سيدة جليلة القدر في بيت إبنها،يجد ريح الجنة تحت أقدامها.
ورغم هذه المكانة السامية التي تبوأتها المراة في طل الاسلام ،فقد أثيرت العديد من القضايا حول المرأة المسلمة،تتجه في جملتها إلى إتهام الإسلام بأنَّه ظلم المرأة، أو على أقل تقدير ميز، في تلك القضايا، بينها وبين الرجل. ومن تلك المسائل التي أثيرت واعتبرها دعاة حقوق الإنسان، تحط من قدر المرأة، وتقلل من مكانتها ،وتصادر بعض حقوقها: قضية القوامة التي جعلها الإسلام للرجل دون المرأة ،والميراث الذي جعل الإسلام نصيب الرجل فيه ضعف نصيب المرأة،والدية حيث جعل الإسلام دية المرأة نصف دية الرجل،وشهادة المرأة،التي جعلها الإسلام تعدل نصف شهادة الرجل.هذا فضلاً عن القضايا المتعلقة بالطلاق وتعدد الزوجات. وفيما يلي سوف نتناول كلا من تلك القضايا ،ونبين حقيقة المزاعم التي توجه للاسلام من خلالها،وموقف الإسلام منها.
القوامة
جعل الاسلام القوامة في الحياة الزوجية للرجل، يقول الله تعالى : (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ..ً) (النساء:34) .وقد ذهب البعض إلى القول بأنَّ القوامة التي قررها الإسلام تتضمن انتقاصاً من قدر المرأة ،والتمييز بينها وبين الرجل . و لا شك أنَّ هذا قول غير صحيح، لا سيما إذا نظر إلى القضية في اطارها العملي.فمما لا خلاف حوله، أنَّ نظام الأسرة، هو أساس المدنية والعمران، وبقاء النوع البشري.وتمثل الأسرة وحدة اجتماعية،وهي مهما صغرت وقل عدد أفرادها تحتاج إلى رئيس مسئول يتولى رعايتها وتوجيهها والدفاع عنها ،والقوامة عليها.و القوامة في هذا السياق، لا تعدو أن تكون تكليفاً ومسؤلية في اطار الحياة الزوجية. وقد جعلها الله تعالى لمن هو قادر عليها ومؤهل بحكم طبيعته ،ومسؤلياته للقيام بها، من غير أن ينتقص ذلك من قيمة أفراد الأسرة الآخرين.
فالمساواة بين الرجل والمرأة قاعدة مقررة، في الإسلام،ويؤكد ذلك قول الله تعالى:( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ) البقرة:228،فالجملة الأولى من الآية تقرر مبدأ المساواة التامة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات،والجملة الثانية تشير إلى مبدأ القوامة،والذي تعبر عنه صراحة الآية المذكورة اعلاه(النساء:34) وهذا التفضيل،الذي جعلته الآية أحد أسباب جعل القوامة بيد الرجل، يتمثل في الفروق العاطفية والجسدية ،التي لا سبيل إلى انكارها.أمَّا السبب الثاني، فيتمثل في أنَّ الرجل هو المكلف شرعاً بالانفاق على الأسرة ،فيكون هو الأولى بالقوامة. والقوامة، في الجملة ليست قوامة مطلقة،تحمل معنى الهيمنة والسيطرة، بل هي مسؤلية ،محكومة بقيم الإسلام في وجوب المودة والرحمة ،والمساواة والتناصر والتكافل بين الزوج وزوجه، في الحقوق والواجبات،ومحكومة بالشورى التي يسهم بها الطرفان، ويشاركان عن طريقها، في تدبير شئون الأسرة.ومن ثم لا يتوقع أن يؤدي هذا المفهوم للقوامة، إلى الانتقاص من قدر المرأة ،و لا يوحي بأنَّ المرأة أقل درجة من الرجل، اللهم إلاَّ إذا أُسيءَ فهم القوامة،وتصرف فيها الرجل من غير مراعاة لضوابط الشرع وآدابه.
الميراث:
أما بالنسبة للميراث ، ،فلا بد بداية من الاشارة إلى أنَّ الإسلام هو أول نظام يثبت للمرأة نصيباً من الميراث من أبيها وأخيها وزوجها وأرحامها،بعد أن لم يكن لها شيء من الميراث قبل هذا في النظم الأخرى.وبهذا أوقف الإسلام الظلم التاريخي الذي لحق بالمرأة من جراء حرمانها من الميراث وأنقذها من بعض النظم التي جعلتها هي نفسها جزءا من الميراث الذي يتداول. يقول الله تعالى مؤكداً حق الرجال والنساء في الميراث :( لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً) النساء:7.
كما لابد من بيان الفلسفة التي يقوم عليها نظام الميراث في الإسلام والمعايير التي تحكمه.ذلك أنَّ التفاوت بين أنصبة الوارثين والوارثات تحكمه ثلاثة معايير:
أولها: درجة القرابة بين الوارث –ذكر أو أنثى-وبين المورَّث-المتوفى-فكلما اقتربت الصلة زاد النصيب في الميراث. وكلما ابتعدت الصلة قل النصيب في الميراث دونما اعتبار لجنس الوارثين.
ثانيهما: موقع الجيل الوارث من التتابع الزمني للأجيال.. فالأجيال التي تستقبل الحياة،وتستعد لتحمل أعبائها،عادة يكون نصيبها في الميراث أكبر من نصيب الأجيال التي تستدبر الحياة وتتخفف من أعبائها،وتصبح أعباؤها عادة مفروضة على غيرها،وذلك بصرف النظر عن الذكورة والأنوثة للوارثين والوارثات-فبنت المتوفى ترث أكثر من أمه-وكلتاهما أنثى-بل وترث البنت أكثر من الأب-حتى لو كانت رضيعة لم تدرك شكل أبيها.
ثالثها:العبء المالي الذي يوجب الشرع الإسلامي على الوارث تحمله والقيام به حيال الآخرين..وهذا هو المعيار الوحيد الذي يثمر تفاوتاً بين الذكر والأنثى.. لكنه تفاوت لا يفضي إلى أي ظلم أو انتقاص من إنصافها.
ففي حالة ما إذا اتفق وتساوى الوارثون في درجة القرابة.. واتفقوا وتساووا في موقع الجيل الوارث من تتابع الأجيال-مثل أولاد المتوفى-ذكوراً وإناثاً-يكون تفاوت العبء المالي هو السبب في التفاوت في أنصبة الميراث ولذلك لم يعمم القرآن الكريم هذا التفاوت بين الذكر والأنثى في عموم الوارثين،وإنما حصره في هذه الحالة بالذات فقالت الآية القرآنية: (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) النساء:11،ولم يقل يوصيكم الله في عموم الوارثين.
والحكمة في التفاوت هنا تنطلق من القاعدة التي يقوم عليها نظام الميراث في الإسلام " الغنم بالغرم" بمعنى أن الحقوق يجب أن تتناسب مع الواجبات وإلا اختل ميزان العدل ، فالإسلام وهو يعطي المرأة نصف ما يعطيه للرجل – هو في الواقع يفضلها على الرجل،لأنَّ الإسلام يعفي المرأة من تبعات الإنفاق على الأسرة.فالرجل هو الذي يتحمل تبعة الإنفاق على الأسرة،ومنها المرأة،سواء أكان أباً لها ،أو زوجاً أو اخاً أو إبناً،كما أنَّه هو الذي يعطي المهر للمرأة ،وما تحصل عليه المرأة من ميراث أو مهر تدخره لنفسها و لا تكلف بإنفاق شيء منه- بينما ما يحصل عليه الرجل ينفق منه على المرأة –بنتاً له أو زوجةً أو اختاً أو أماً.
أمَّا إذا سقطت الواجبات في الانفاق، وخفت التبعات والمسؤوليات المالية،عندئذ تصبح الحصة في الميراث متساوية بين الذكر والأنثى،ومن ذلك:
حال الأبوين اللذين يرثان أولادهما وكان للمتوفى ولد ذكر فلكل منهما السدس،يقول تعالى:( وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ) النساء:11.
حال الاخوة لأم إذ يسوى بينهم في الميراث ذكوراً وإناثاً.فإن كان الوارث واحد أخ أو أخت فلكل منهما السدس،وإن كانوا أكثر من واحد فهم يشتركون في الثلث يوزع عليهم بالتساوي.( وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ) النساء:12.
ففي هذه الحالات ليس على الوارثين أعباء و لا مسؤليات، لذلك تساوى فيها حق الرجل والمرأة في الميراث.مما يدل على أنَّ الزيادة فبي ميراث الرجل على المرأة، ليست لتمايز جنس الرجل والمرأة ،أو للمفاضلة بينهما. بل إنَّ استقراء حالات الميراث ومسائله يكشف ما يأتي:
1. إنَّ هناك أربع حالات فقط ترث فيها المرأة نصف الرجل.
2. وهناك حالات أضعاف هذه الحالات الأربع ترث فيها المرأة مثل الرجل تماماً.
3. وهناك حالات عشر أو تزيد ترث فيها المرأة أكثر من الرجل.
4. وهناك حالات ترث فيها المرأة و لا يرث نظيرها من الرجال
أي أنَّ هناك أكثر من ثلاثين حالة تأخذ فيها المرأة مثل الرجل،أو أكثر منه، أو ترث هي و لا يرث نظيرها من الرجال ،في مقابلة أربع حالات محددة ترث فيها المرأة نصف الرجل.(د.صلاح سلطان: (ميراث المرأة وقضية المساواة) ص:10،46 طبعة دار نهضة مصر "سلسلة في التنوير الإسلامي"-القاهرة 1999)
دية المرأة:
يُراد بالدِّيَة المال الذي يُدفع بَدَل النَّفْسِ المقتولة حتى يسقط الْقِصَاصِ عن الجاني بأسبابه،. وعقوبة القتل العمد معروفة وهي الإعدام قصاصاً أو الدية، استناداً لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ((البقرة:178). ولقوله تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) المائدة:45. ولحديث: "العمد قَوَد،والخطأ دية" (سلسلة الأحاديث الصحيحة ( الألباني) رقم:1986.)، والقود معناه قتل النفس بالنفس. فإذا كان القتل عمداً وجب القصاص من القاتل سواءً أكان المقتول رجلاً أم إمرأة،وسواء أكان القاتل رجلاً أم إمرأة ، لأننا هنا بصدد روح إنسان في مقابل روح إنسان ،والرجل والمرأة مستويان في الإنسانية. والقصاص يجب أن يطالب به جميع أولياء الدم فإذا طالب به البعض وطالب البعض الآخر بالدية، وجبت الدية؛ لأن القصاص لا يقبل التبعيض.
أما في القتل الخطأ فقد تعينت الدية وفقاً لما ورد في قوله تعالى:( وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُوا فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (النساء:92.
وقد ذهب جمهور الفقهاء بما فيهم أصحاب المذاهب الأربعة إلى أنَّ دية المرأة نصف دية الرجل، مستندين إلى :
1- عدم التماثل بين المرأة والرجل، لقوله تعالى :( فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) آل عمران:36.
2-ما ورد من أحاديث تحدد ذلك ومن بينها حديث معاذ بن جبل  فيما رواه عن رسول الله : أنَّه قال:" دِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ". وحديث عمرو بن حزم: "دِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ" .
3-عللَّ هؤلاء هذا الحكم بأنَّ الدية هنا تعد عوضاً مادياً عن الخسارة التي تلحق الأسرة بسبب قتل أحد أفرادها.- وهذه الخسارة تتضاعف، إذا كان المقتول رجلاً.فالأولاد الذين قتل أبوهم،والزوجة التي قتل زوجها –قد فقدوا من يعولهم وينفق عليهم-وهي خسارة مادية فادحة.أما الأولاد الذين قتلت أمهم ،والرجل الذي قتلت زوجته،فإنَّهم لم يفقدوا إلا الناحية المعنوية- وهي لا تقدر بثمن و لا تعوض بمال. ولا يتنافى هذا التحديد، مع ما قرره الإسلام من مساواة تامة بين الرجل والمرأة في الإنسانية والأهلية، والكرامة الإجتماعية،لأنَّ أمر الدية إنما يتعلق بقدر الضرر الذي يلحق بالأسرة بقتل الرجل أو المرأة. فالدية إذن ليست ثمناً مقابلاً للمقتول.فإنَّ الإنسان لا يقدر بالمال.و ليست في مقابل الإنسان الذي فقد،بل هي في مقابل الخسارة المادية المترتبة على فقد الإنسان. وهي في فقد الرجل أعظم،تطبيقا للقاعدة الأصولية: " الغُرْم بالغُنْم".
وخلافاً لرأي الجمهور ذهب بعض العلماء قدامى ومعاصرين إلى أنَّ دية المرأة مساوية لدية الرجل ومن هؤلاء الإمام ابن عطيَّة-من علماء السلف، والإمام أبو بكر الأصم من علماء المعتزلة.ووافقهما بطريقة غير مباشرة الفخر الرازي الذي ذكر أدلة ابن عطيَّة والأصم ولم يعلق عليها.( التفسير الكبير (للإمام فخر الدين الرازي) ج،10 ،دار الكتب العلمية –طهران-الطبعة الثانية د.ت.ص:233.* )، وهذا يدل على أنَّه يؤيد هذا الرأي. ومن المعاصرين: الشيخ رشيد رضا في تفسير المنار، والشيخ محمود شلتوت في كتابه "الإسلام عقيدة وشريعة" والشيخ محمد أبو زهرة في كتابه "الجريمة والعقوبة في الشريعة الإسلامية"، والشيخ محمد الغزالي في كتابيه: "السُنَّة بين أهل الفقه وأهل الحديث"، و"تراثنا بين العقل والشرع".
وقد أثيرت قضية دية المرأة في الشريعة الإسلامية في ندوة علمية في قطر ذهب معظم المنتدين إلى القول بمساواة دية المرأة بدية الرجل.وقد استندوا في ذلك على ما يأتي:
عموم دلالة آية النساء:92،واطلاقها وعدم وجود ما يخصص دية الرجل دون دية المرأة.
إنَّ آية آل عمران (36) لا حجة فيها و لا دليل على التمييز بين الذكر والأنثى على الاطلاق، إذ أنَّ الآية تشير إلى أنَّ المرأة نذرت ما في بطنها محرراً، أي خادماً لبيت الله تبارك وتعالى، ولكن لما وضعتها أنثى قالت: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى) الآية، فالذكر يمكنه أن يسافر وأن يبيت وحده في بيت الله، بخلاف الأنثى؛ فإنَّه يُخاف عليها في أن تنفرد وحدها في مكان العبادة، فمن هذا الجانب ليس الذكر كالأنثى وليس في بقية الأمور كالنفس وغيرها.
ضعف هؤلاء ما استند إليه من ميزوا بين المرأة والرجل في الدية من أحاديث. فحديث معاذ علق عليه البيهقي الذي أورده بأنه لا يثبت مثله... ومعلوم أن الحديث الضعيف لا يحتج به في الأحكام.كما أن حديث عمرو بن حزم من رده عدد من العلماء ، لأنه مروي عن نسخة (مكتوبة) قد يكون أحد أضاف إليها شيئًا؛ إذ هو ليس مرويًّا مشافهة.
أما الاحتجاج بمراعاة مصلحة الأسرة،التي استند إليها القائلون بنصف دية المرأة، باعتبار أن فقد الرجل باعتباره العائل ليس مثل فقد المرأة، قد فنده الشيخ القرضاوي بقوله: "هذا الأمر ليس له اعتبار في الشريعة بدليل أن دية الطفل الصغير مثل الكبير والفراش مثل البروفوسير". كما أكد آخرون ضرورة النظر إلى الدية باعتبارها عقوبة وتعويض معاً.فالدية تجمع بين الأمرين بين العقوبة وبين التعويض، ولا ينبغي بحال إهمال كون الديّة عقوبة. فالقاتل اعتدى على نفس واستخف بالحياة الإنسانية. (انظر: وفي ندوة نظمها المجلس الأعلى لشؤون الأسرة -إدارة المرأة- في 22/12/2004م في الدوحة مائدة مستديرة بعنوان: "دية المرأة والرجل في دولة قطر".. وقائع الندوة " هل دية المرأة نصف دية الرجل " تحرير فرحات العبار:على شبكة الانترنت Islamonline.com)
شهادة المرأة :
اتهم الإسلام بأنَّه انتقص من قدر المرأة وجعلها نصف إنسان، حينما جعل شهادتها تعدل نصف شهادة الرجل،كما ورد في قي قوله تعالى: (وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى) البقرة: 282.
ومصدر الشبهة -كما يقول د.محمد عمارة- هو الخلط بين " الشهادة" و"الاشهاد"،الذي تتحدث عنه الآية. فالآية تتحدث عن الإشهاد الذي يقوم به صاحب الدين،للاستيثاق من الحفاظ على دينه،وليس عن "الشهادة"، التي يعتمد عليها القاضي في حكمه بين المتنازعين. فهي-أي الآية- موجهة لصاحب الحق –الدين،وليس إلى القاضي الحاكم في النزاع.. بل إنَّ هذه الآية لا تتوجه إلى كل صاحب حق-دين-و لا تشترط من مستويات الإشهاد وعدد الشهود في كل حالات الدين.. وإنما تتوجه إلى دائن خاص،وفي حالات خاصة من الديون،لها ملابسات خاصة نصت عليها الآية.وتضع لها شروطاً خاصة ليست بمطلوبة في التجارة الحاضرة .. و لا في المبايعات
أما الشهادة التي يعتمد عليها القضاء في اكتشاف العدل المؤسس على البينة،واستخلاصه من ثنايا دعاوى الخصوم،لا تأخذ من الذكورة أو الأنوثة معياراً لصدقها أو كذبها،ومن ثم قبولها أو رفضها.. وإنَّما معيارها تحقق اطمئنان القاضي لصدق الشهادة،بصرف النظر عن جنس الشاهد،ذكراً أكان أو أنثى، وبصرف النظر عن عدد الشهود.. فللقاضي إذا اطمأن ضميره إلى ظهور البينة، أن يعتمد شهادة رجلين،أو امرأتين،أو رجل وامرأة،أو رجل وامرأتين،أو امرأة ورجلين،أو رجل واحد،أو امرأة واحدة.. و لا أثر للذكورة أو الأنوثة في الشهادة التي يحكم القضاء بناءً على ما تقدمه له البينات." ) عن التحرير الإسلامي للمرأة ( محمد عمارة) ص:119.(
وقدذهب إلى هذا الرأي عدد من العلماء المجتهدين قدامى ومعاصرين أمثال: ابن تيمية،وتلميذه ابن القيم من القدماء،والشيخ محمد عبده،والشيخ شلتوت من المحدثين المعاصرين.يقول ابن تيمية فيما نقله عنه تلميذه ابن القيم:" إن القرآن لم يذكر الشاهدين،والرجل والمرأتين في طرق الحكم.التي يحكم بها الحاكم،,إنما ذكر النوعين من البيانات في الطرق التي يحفظ بها الإنسان حقه،....فأمرهم سبحانه ،بحفظ حقوقهم بالكتابة،وأمر من عليه الحق أن يملي الكاتب،فإن لم يكن ممن يصح إملاؤه، أملى عنه وليُّه.ثم أمر من له الحق أن يستشهد على حقه رجلين،فإن لم يجد فرجل وامرأتان.ثم نهى الشهداء المتحملين للشهادة عن التخلف عن اقامتها إذا طلبوا لذلك.ثم رخص لهم في التجارة الحاضرة ألا يكتبوها.ثم أمرهم إذا كانوا على سفر،ولم يجدوا كاتباً، أن يستوفوا بالرهان المقبوضة.
كل هذا نصيحة لهم،وتعليم وإرشاد لما يحفظون به حقوقهم. وما تحفظ به الحقوق شيء وما يحكم به الحاكم( القاضي) شيء.فإنَّ طرق الحكم أوسع من الشاهدين والمرأتين ثم ذكر ابن تيمية عدداً من حالات البينات والشهادات، التي يجوز للقاضي –الحاكم-الحكم بناءً عليها،فقال:" إنَّه يجوز للحاكم- القاضي- الحكم بشهادة الرجل الواحد إذا عرف صدقه،في غير الحدود،ولم يوجب الله على الحكام ألا يحكموا إلا بشاهدين أصلاً.وإنًما أمر صاحب الحق أن يحفظ حقه بشاهدين،أو بشاهد وامرأتين.وهذا لا يدل على أنَّ الحاكم لا يحكم بأقل من ذلك.بل قد حكم رسول الله بالشاهد واليمين،وبالشاهد فقط،وليس ذلك مخالفاً لكتاب الله عند من فهمه،و لا بين حكم الله وحكم رسوله خلاف..وقد قبل النبي شهادة الأعرابي وحده على رؤية هلال رمضان.وتسمية بعض الفقهاء ذلك إخبار،لا شهادة،أمر لفظي لا يقدح في الاستدلال،ولفظ الحديث يرد قوله. وأجاز ،شهادة الشاهد الواحد في قضية السلب،ولم يطالب القاتل بشاهد آخر،و لا استحله. وهذه القصة (وروايتها في الصحيحين)-صريحة في ذلك.. وقد صرح الأصحاب:أنَّه تقبل شهادة الرجل الواحد من غير يمين عند الحاجة،وهو الذي نقله الخرقي(334ه،945م) في عصره،فقال:وتقبل شهادة الطبيب العدل في الموضحة، إذا لم يقدر على طبيبين.وكذلك البيطار في داء الدابة.." ) المرجع نفسه ص:98، 113، 123. (
وعللَّ ابن تيمية حكمة كون شهادة المرأتين في هذه الحالة –تعدل شهادة الرجل الواحد،بأنَّ المرأة ليست مما يتحمل عادة مجالس وأنواع هذه المعاملات.. لكن إذا تطورت خبراتها وممارساتها وعاداتها،كانت شهادتها-حتى في الإشهاد على حفظ الحقوق والديون-مساوية لشهادة الرجل فقال:" و لا ريب أنَّ الحكمة في التعدد، هي في التحمل. فأما إذا عقلت المرأة،وحفظت وكانت ممن يوثق بدينها فإنَّ المقصود حاصل بخبرها كما يحصل بأخبار الديانات،ولهذا تقبل شهادتها وحدها في مواضع.ويحكم بشهادة امرأتين ويمين الطالب في أصح القولين،وهو قول مالك،وأحد الوجهين في مذهب أحمد .. والمقصود أنَّ الشارع لم يقف الحكم في حفظ الحقوق البتة على شهادة ذكرين،لا في الدماء و لا في الأموال و لا في الفروج و لا في الحدود.. وسر المسألة ألا يلزم من الأمر بالتعدد في جانب التحمل وحفظ الحقوق، الأمر بالتعدد في جانب الحكم والثبوت.فالخبر الصادق لا تأتي الشريعة برده أبداً" ) إعلام الموقعين عن رب العالمين ج1 ص:90-92 ، 95 ، 103-104 طبعة بيروت 1973م..(
وإلى مثل هذا ذهب الشيخ محمد عبده والشيخ شلتوت .فقد أرجع الشيخ محمد عبده تميز شهادة الرجال على هذا النحو-الذي تحدثت عنه الآية-على شهادة النساء ،إلى كون النساء-في ذلك التاريخ كنَّ بعيدات عن حضور مجالس التجارات،ومن ثم بعيدات عن تحصيل التحمل والخبرات في هذه الميادين.. وهو واقع تاريخي خاضع للتطور والتغيير،وليس طبيعة و لا جبلة في جنس النساء على مر العصور.واستبعد الشيخ محمد عبده ما ذهب إليه بعض المفسرين، من أن العلَّة في استبعاد شهادة المرأة في المسائل المالية،يعود إلى ضعف ذاكرة المرأة. يقول الشيخ محمد عبده:" تكلم المفسرون في هذا،وجعلوا سببه المزاج،فقالوا إنَّ مزاج المرأة يعتريه البرد فيتبعه النسيان،وهذا غير متحقق،والسبب الصحيح أن المرأة ليس من شأنها الاشتغال بالمعاملات المالية ونحوها من المعاوضات،فلذلك تكون ذاكرتها ضعبفة،و لا تكون كذلك في الأمور المنزلية التي هي شغلها،فإنَّها أقوى ذاكرة من الرجل،يعني أنَّ من طبع البشر ذكراناً وإناثاً،أن يقوى تذكرهم للأمور التي تهمهم ويكثر اشتغالهم بها." ) الأعمال الكاملة للأستاذ محمد عبده ج 4 ص:732. دراسة وتحقيق د.محمد عمارة طبعة القاهرة 1993م.(
أما الشيخ شلتوت فيقول:" إنَّ قول الله،سبحانه وتعالى:( فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ )،ليس وارد في مقام الشهادة التي يقضي بها القاضي ويحكم.وإنَّما هو في مقام الارشاد إلى طريق الاستيثاق والاطمئنان على الحقوق بين المتعاملين وقت التعامل: ولأن الآية( آية الدين)واردة في مقام استيثاق على الحقوق، لا مقام قضاء بها.والآية ترشد إلى أفضل أنواع الاستيثاق الذي تطمئن به نفوس المتعاملين على حقوقها. وليس معنى هذا أنَّ شهادة المرأة الواحدة،أو شهادة النساء اللائي ليس معهن رجل ،لا يثبت بها الحق،و لا يحكم بها القاضي.فإنَّ أقصى ما يطلبه القضاء هو البيِّنة. ثم أكد ما ذهب إليه ابن القيم والشيخ محمد عبده قائلاً:" هذا وقد نص الفقهاء على أنَّ من القضايا ما تقبل فيه شهادة المرأة وحدها،وهي القضايا التي لم تجر العادة باطلاع الرجال على موضوعاتها،كالولادة والبكارة وعيوب النساء،والقضايا الباطنية. وعلى أنَّ منها ما تقبل فيه شهادة الرجل وحده،وهي القضايا التي تثير موضوعاتها عاطفة المرأة و لا تقوى على تحملها.على أنَّهم رأوا قبول شهادتها في الدماء إذا تعينت طريقاً لثبوت الحق واطمئنان القاضي إليها. وعلى أنَّ منها ما تقبل شهادتهما معاً" .وقد أكد شلتوت رأيه بالاشارة إلى ما نص عليه القرآن على التسوية بين الرجل والمرأة في شهادات اللعان، حينما يتهم الرجل زوجته بالزنا، وليس له على ما يقول شهود: ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ، وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ ، عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ، وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) النور:6-9 .فقد نص القرآن الكريم على أن يشهد الرجل أربع شهادات يعقبها استمطار لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين.ويقابلها ،ويبطل عملها، أن تشهد المرأة أربع شهادات،يعقبها استمطار غضب الله عليها إن كان من الصادقين.فهذه –كما يقول الشيخ شلتوت-عدالة الإسلام في توزيع الحقوق العامة بين الرجل والمرأة ،وهي عدالة تحقق أنَّهما في الإنسانية سواء" .الإسلام عقيدة وشريعة ( محمود شلتوت) ص:239-241 بتصرف. طبعة القاهرة 1400/1980.
الطلاق
قد أثير كثر من اللغط حول الطلاق في الإسلام ،مصدره الأساسي هو سوء استخدام المسلمين لهذه الرخصة.فالطلاق كما يقول قادة الحملة ضده،لا يتفق مع حقوق الإنسان حيث يؤدي إلى اهدار كرامة المرأة، وتشتيت الأسرة،وتشريد الأطفال،ومما يزيد الأمر سوءاً جعل الطلاق بيد الرجل دون المرأة، مما يجعل الطلاق سيفاً مسلطاً دوماً على رقبة المرأة.
أما بالنسبة للقضية الأولى المتمثلة في الآثار السلبية للطلاق،فيمكن القول بأنَّ الشريعة مقصدها الأسمى مصالح العباد،و الأصل في عقد الزواج وفقاً للشريعة المحبة والرحمة، يقول تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)الروم:21،كما أنَّ الأساس في الزواج الاستقرار والدوام، وأنَّه في الأصل عقد مؤبد لا يجوز فيه التأقيت بوقت محدد،وأي شرط لتقييده يعتبر شرطاً لاغياَ.
لكن رغم ذلك قد تنشأ بين الزوجين بعض الخلافات التي تعود إلى اختلاف الطباع والعادات والرغبات والمصالح والأمزجة.أو إلى سوء اختيار أحد الزوجين للآخر.ولذا وضع الإسلام تشريعاً محكماً لعلاج ذلك، رعاية لمصلحة الفرد والجماعة.وهو تشريع عادل يتدرج على مراحل ،ولو التزم الناس به لسعدوا جميعاً ،ولم يشعروا بشيء من الغبن والظلم. وهذا التشريع يلتزم الخطوات التالية:
1. يطالب الإسلام إبتداءً كلاً من الرجل والمرأة أن يحسن اختيار صاحبه عند الاقدام على الزواج.
2. يطلب من الطرفين استشعار مسئوليته نحو الآخر،ونحو ثمرة الزواج وهم الأولاد: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِى أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِى بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا .... "
3. عند ظهور بوادر الخلاف،بين الزوجين، ينبغي على كل من الطرفين أن يتحلى بالصبر ،ويحاول تجاوز الخلاف،واصلاح ذات البين : (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) النساء:19، " لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي غيره".
4. ان بلغ الأمر درجة ترفعت فيها المرأة عن طاعة زوجها،فينبغي ان ينصحها بالكلمة الطيبة،فإن لم يجد ذلك معها فليجرب اسلوي الهجر في الفراش, وعد القرب منها،, فإن لم يؤثر فعل الهِجْران, فاضربوهن ضربًا لا ضرر فيه, فإن أطعنكم فاحذروا ظلمهن, فإن الله العليَّ الكبير وليُّهن, وهو منتقم ممَّن ظلمهنَّ وبغى عليهن.( وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً ) النساء:(34)
5. إذا تطور الخلاف،وجب ادخال الأقارب لازالة أسباب الخلاف: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً ) النساء:35
6. إذا فشل الطرفان في رأب الصدع واعادة المياه إلى مجاريها،وشقَّ على الزوجين الاستمرار في الحياة الزوجية ،أبيح للرجل أن يطلق زوجته طلقة واحدة رجعية- تمكث المرأة في بيت الزوجية لمدة ثلاثة أشهر تقريباً،وذلك من أجل أن يراجع كل من الزوجين موقفه، وتكون هناك فرصة لعودة المياه إلى مجاريها.و لا يصار إلى الطلاق إلا بعد طرق جميع أبواب الإصلاح،وفشل كل الوسائل المؤدية إلى الوفاق،والتأكد من استحكام النفور بين الزوجين واستحالة العشرة بينهما. ومع أنًّ الإسلام أباح الطلاق في هذه الحالة،إلا أنَّه لا يرضى عنه بل يذمه وينفر منه،فيقول الرسول :" أبغض الحلال إلى الله الطلاق". ويقول أيضاً: " لا تطلقوا النساء إلا من ريبة،فإنَّ الله لا يحب الذواقين والذواقات". لذلك اختلف الفقهاء في حكم الطلاق ،هل هو مباح أم محظور؟ والأصح ما ذهب إليه الحنفية والحنابلة وهو الحظر إلا لحاجة أو ضرورة فيباح.جاء في الهداية: " والأصل فيه الحظر لما فيه من قطع النكاح الذي تعلقت به المصالح الدينية والدنيوية،والاباحة للحاجة إلى الخلاص ،وقال الإمام مالك :"الأصل في الطلاق الحظر والاباحة لحاجة الخلاص".
أما القضية الأخرى: وهي لماذا جعل الطلاق بيد الرجل.فحقيقة ليس في ذلك تمييزا للرجل على المرأة،وانما اعتبر الإسلام في هذه المسألة ما يأتي:
1. إنَّ الرجل هو صاحب القوامة على الأسرة ،وهو المكلف بالانفاق عليها،فمن الطبيعي أن يكون صاحب الحق في الابقاء على الزواج أو عدمه.
2. إنَّ الرجل أبعد عن التأثر بالغضب العارض،والنفور الطاريء،وأكثر اتزاناً في تقدير عواقب الأمور،خلافاً للمرأة التي تتحكم فيها عواطفها وانفعالاتها الوقتية.فلو أسندنا حق الطلاق إليها، لقضي على كثير من الأسر لمجرد غضب عارض أو انفعال طارىء.
وانصافاً للمرأة أعطاها الإسلام الحق في انهاء رابطة الزواج ،حتى لا تضار إذا اكتشفت أنَّ زوجها سيء العشرة،أو ذا عيب يمنع دوام الحياة الزوجية:
فلها الحق أن تشترط في عقد الزواج أن يكون الطلاق بيدها.
ولها الحق في التخلص من زوج لا ترغب فيه،بأن تتفق معه على دفع مبلغ من المال مقابل تطليقها،وهو المسمى بالخلع،وهذا المال يعد تعويضاً للرجل عن المال الذي دفعه في الزواج.يقول الشيخ سيد سابق:" فإن كانت الكراهية من جهة الرجل،فبيده الطلاق،وهو حق من حقوقه،وله أن يستعمله في حدود ما شرع الله.وإن كانت الكراهية من جهة المرأة،فقد أباح لها الإسلام أن تتخلص من الزوجية بطريق الخلع، بأن تعطي الزوج ما كانت أخذته منه باسم الزوجية لينهي علاقته بها" ( فقه السنة ( السيد سابق)،دار الكتاب العربي بيروت لبنان طبعة ثالثة:1397/1977. ج 2 ص:294).ثم يقول :" وفي أخذ الزوج الفدية عدل وانصاف: إذ أنَّه هو الذي أعطاها المهر،وبذل تكاليف الزواج والزفاف وأنفق عليها ،وهي التي قابلت هذا كله بالجحود ،وطلبت الفراق،فكان من النصفة أن ترد عليه ما أخذت. وإن كانت الكراهية منهما معاً:فإن طلب الزوج التفريق فبيده الطلاق وعليه تبعاته،وإن طلبت الزوجة الفرقة،فبيدها الخلع وعليها تبعاته كذلك ". ( المرجع نفسه: ( السيد سابق) ج 2 ص:294-295.)
ودليل الخلع :ما ورد في قصة إمرأة ثابت بن قيس بن شماس، التي جاءت إلى رسول الله  فقالت : يا رسول الله ،ما أعتب عليه(أي على زوجها)، في خلق و لا دين،ولكن أكره الكفر في الإسلام،فقال رسول الله:" أتردين عليه حديقته،قالت: نعم،فقال رسول الله :أقبل الحديقة وطلقها". ولكن كما ضيق الإسلام في الطلاق فقد ضيق في الخلع ،وجعله آخر الحلول لحسم الخلاف،فقد روي عن الرسول  أنَّه قال:" أيَّما إمرأة سألت زوجها طلاقها من غير بأس ،فحرام عليها رائحة الجنة".
كما أنَّ المرأة لها الحق في طلب الطلاق اذا كان الزوج سيء العشرة ،أو اكتشفت فيه عيوباً منفرة،أو لا تستقيم معها الحياة الزوجية السليمة،أو كان مريضاً بمرض مؤذ تسري عدواه إليها.
تعدد الزوجات
من القضايا المثارة من قبل دعاة تحرير المرأة والمدعين أنَّ الإسلام لم ينصف المرأة، قضية تعدد الزوجات،بدعوى أنَّ التعدد فيه ظلم للمرأة واهدار لكرامتها،ووسيلة لتحقيق متع الرجل ومآربه وشهواته على حساب كرامة المرأة.
وبداية لا بد من القول بأنَّ الاسلام لم يضع نظام تعدد الزوجات،بل كان نظاماً معروفاً قبل الإسلام في معظم المجتمعات، ويمارس لدى كثير من الشعوب،ولم يرد ما يمنعه في الديانات،فلم يرد مثلا في العهد الجديد أي نص يحرم تعدد الزوجات،وبقي تعدد الزوجات أمرا مباحا في العالم المسيحي حتى القرن السابع عشر. وفي العهد القديم نجد نصوصا صريحة تدل على أن التعدد كان يمارس على نطاق واسع حتى بين الأنبياء،ومن بينهم داوود وسليمان ، ولقد كان لسليمان كما ورد في النصوص التوراتية ألف إمرأة : منهن سبعمائة من الحرائر وثلاثمئة من الاماء.( الاصحاج الحادي عشر من سفر الملوك الأول.
وفي مجتمع الجزيرة العربية كان تعدد الزوجات يمارس دون التقيد بعدد معين،ووصل الأمر فيه إلى حد الفوضى.
ومن ثم كانت الحاجة ماسة إلى وجود تشريع يقضي على هذه الفوضى وينظم تعدد الزوجات،تنظيماً يبقي على خيره ،وينفي شره.فجاءت الشريعة الإسلامية لاصلاح هذا النظام وتهذيبه.فهي تضع حدوداً تحول دون الاباحة المطلقة وفي الوقت نفسه لا تغمض العين عن الضرورة التي قد تلجيء الزوج أو الزوجة أو المجتمع كله إلى قبول التعدد.
فالإسلام لم يبتدع هذا النظام،كما أنَّه لم يفرضه فرضاً،ولكن أباحه عند الضرورة. يقول تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ...) النساء:3.
ولكن هذه الإباحة ليست مطلقة بل مقيدة بشروط صريحة:
أحدهما: العدل بين الزوجات فيما هو في مقدرته: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً) النساء:3. ويقول الرسول r:" إِذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ امْرَأَتَانِ فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ سَاقِطٌ." ". فعدم العدل من الظلم ،ومن الكبائر.وقد فسر جمهور المفسرين العدل بالتسوية بين الزوجات في النفقة وحسن العشرة،فهو كما قال الجصاص :" العدل الظاهر بينهن بالمساواة في الانفاق والمساواة في المعاملة،وليس هو العدل في المحبة القلبية،لأنَّها أمر غير مستطاع،والله تعالى يقول: (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) البقرة:286،لذلك فسروا العدل في قوله تعالى: (وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً) النساء:129،العدل في المحبة والميل القلبي.وكان رسول الله r يقول: " اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك".يعني المحبة لأن عائشة رضي الله عنها كانت أحب نسائه إليه.
ثانيهما: القدرة على الانفاق على أكثر من زوجة، (ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ) النساء:3،والمراد –كما قال الشافعي- ألا تكثر عيالكم.
وثالث: هذه الشروط أن لايتجاوز عدد الزوجات أربع ،كما نصت على ذلك آية النساء السابقة.
فإذا توفرت هذه الشروط فيباح للرجل أن يتزوج أكثر من واحدة،لمقابلة بعض الضرورات الشخصية أو الاجتماعية الحادة: كأن تكون الزوجة عقيماً ،أو لا تصلح للحياة الزوجية ،بأن تكون مصابة بأمراض لا تتيح له معاشرتها معاشرة الأزواج.أو قد تخبو المحبة بينهما و لا سبيل إلى انعاشها،فيتعرض الرجل للغواية.أو يكون الرجل كثير الأسفاروالتنقل و لا يستطيع حمل زوجته معه. ففي مثل هذه الضرورات الشخصية أيهما أفضل الفراق مع ما فيه من تشرد الأطفال، وهدم كيان الأسرة ،أم التعدد مع المحافظة على الزوجة الأولى.
وفي بعض الاحيان قد تختل النسبة العددية ،فيزيد عدد الاناث عن عدد الذكور،لأسباب كثيرة منها الحروب ،وحوادث العمل،فتفرض حينئذ العزوبة على عدد كبير من النساء،فضلاً عن تعرضهن للزلل والسقوط. فالحل لمثل هذه المشكلات الاجتماعية ولمثل هذا الاختلال في التوازن الاجتماعي يكون بواحد من ثلاثة احتمالات:
أن يقتصر كل رجل على امرأة واحدة وهذا يؤدي إلى العنوسة .
أن يتزوج كل رجل إمرأة واحدة، ويميل إلى أخريات بالطريق الحرام. وهذا يؤدي إلى انحلال الأخلاق وفساد المجتمع كما هو في بعض المجتمعات.
أن يتزوج الرجل أكثر من إمرأة، فيرفعها إلى شرف الزوجية، ويؤمن لها المستقر والنفقة وحق الطفولة داخل الأسرة. و لاشك أن هذا حل عملي وإنساني،يحفظ للمرأة كرامتها،ويصون المجتمع من الانحلال والفساد.
صحيح أنَّه قد أسيء استخدام هذه الرخصة ،وترتب على التعدد الذي لم ينضبط بضوابط الشرع وآدابه،كثير من المشكلات الإجتماعية لا سيما بالنسبة للأطفال ،ومن ثم دعا البعض إلى تحريمه ومنعه.ولكن سوء استخدام هذا الحق لا ينبغي أن يعالج بتحريم التعدد،ولكن بتهذيب النفوس،وتنوير العقول،وتعليم الناس حقائق الدين وآدابه.ويمكن وضع ضوابط عملية يتأكد فيها من توفر الشروط اللازمة في من يريد التعدد،وأن تكون هناك ضرورة ملحة تدفع إليه.
وهكذا نرى أن ما اثير من مزاعم وما اطلق من دعاوى ضد الاسلام، ،كان نتيجة لسوء فهم لما جاء به الإسلام من تعاليم ،أو نتيجة لتصرف بعض المسلمين الذين أساءوا الفهم ،أواساءوا التصرف فيما أباحه الإسلام ،فأساءوا الى أنفسهم والى الإسلام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.