بغض النظر عما يمكن أن يثيره حديث السيد وزير الري في المؤتمر الصحفي الذي عقده في الثامن من سبتمبر 2020م بمنبر سونا من قضايا حول أسباب الفيضان هذا العام في الخرطوم تحديدا والذي اكد فيه أن التوسع العمراني داخل حرم النيل هو السبب في الفيضان ، فإن ذلك يثير الاغراء للغوص في لب ظاهرة فيضانٍ أثّرَ على آلاف الأسر على جنبات النيل شمالاً وجنوباً. وامتد التأثير حتى على ضفاف النيل الأبيض، وراح ضحيته ما يفوق المائة روح من الأبرياء، وذهبت جراؤه العديد من الممتلكات القيمة إن كانت مساكن او محاصيل زراعية او مواشي او وسائل سبل كسب معيشة ، تظل لهجة الوزير القاطعة باستبعاد أي أثر للسد الأثيوبي مجرد دفوعات عن موقف محسوم اصلا لدى الوزير حول فوائد السد التي لا يتسلل لديه فيها الشك لا من بين يديها ولا من خلفها، ذلك لأنه قد وصل لقناعة راسخة بفوائد السد تسوقه بكل الاتجاهات الا إلقاء اللائمة على ذلك السد. كما انه أسس - ضمن آخرين - لخطاب موجه بصورة ممنهجة لإنتظار "الفوائد" التي سيسبغها السد على أهل السودان حال اكتماله. حتى إن كان ملء السد الأحادي من قبل اثيوبيا ضمن تلك الفرضيات التي تسببت في الفيضانات. إن كان ما ذهب اليه الوزير صحيحا. فان ذلك هو الكارثة بعينها، ذلك أن التوسع العمراني في تشييد البنى التحتية في السودان يقوم دون ادني اعتبار لتضمين مبدأ الحد من مخاطر الكوارث. ولأن السد الأثيوبي عند تشييده والي الوقت الذي بدأت فيه اثيوبيا بملء السد الأولي بشكل انفرادي، لم تقم أي جهة سودانية بعملية تقييم للمخاطر المترتبة عليه، وبالنظر لحالة اللهفة التي تتلبس السيد الوزير بانتظار فوائد السد يدخل نفسه في ذات دائرة الخطأ بالتأمين على قيام السد بسعته الهائلة والبالغة 74 مليار متر مكعب دون أن يكون قد استخلص ولا عبرة واحدة من تدخل البشر في مجرى النهر (والمعني هنا الكارثة الحالية حسب تصريحه). كما أن تصريح الوزير بوصفه المسؤول الرسمي الأول عن تفسير ظاهرة الفيضان، وبما أنه خلص لتلك النتيجة والسبب القاضي بأن التدخلات البشرية بسبب العمران في مجرى النهر هي سبب الفيضان، فسيكون بناء على هذا التصريح من حق كل من تضرر وكل ضحايا الفيضان برفع دعاوى قانونية ضد الدولة لتعويضهم عن تلك الخسائر بما فيها الديات للذين قضوا في هذا الفيضان لأن الدولة هي التي تسببت في هذه الكارثة، وهي كارثة، يمكن أن تُقاس بذات المنطق الذي اعتمده الامريكان في إجبار الحكومة السودانية دفع تعويضات لأهالي و ضحايا الهجوم الإرهابي على المدمرة يو أس أس كول في اليمن. أو تفجير سفارتي أمريكا في نيروبي ودار السلام. على عموم الأمر وبالرغم من أن تصريح الوزير يُعتبر واحد من عدة تفسيرات ذهبت مذاهب شتى في تفسير ظاهرة الفيضان هذا العام، الا ان هذا السبب بالتحديد يكتسب أهمية خاصة لاسيما وانه صادر عن وزير الري نفسه وهو سبب كافي لإدانة التصرفات الحكومية الرسمية وتدخلاتها دون مراعاة لعوامل الطبيعة ودون اعتبار للحد من مخاطر الكوارث، بيد أن الوزير وبرغم وضوح ما ذهب إليه، إلا أنه و بموجب الامانة العلمية والاخلاقية الفنية لم يقدم أي إدانة لهذا التغول الكارثي على مجرى النيل ، حيث تعامل مع الموضوع كأنه حدث عابر لا يقدح في قدرات الفنيين السودانيين إن كانوا في الطرق والجسور او البنى التحتية، أو في الري. إن كان ما ذهب إليه الوزير من تفسير يشكل قناعة راسخة لديه ، من ناحية فنية لفيضان هذا العام المدمر وغير المسبوق على النحو الذي ذكره في مؤتمره الصحفي، فقد كان حرياً به احتراما لمنكوبي هذا الكارثة أن يقدم إدانة واضحة لكل من أسهم في هذه الكارثة، ويأمر من فوره بفتح تحقيق حول الدراسات الفنية الأولية التي سبقت تلك التدخلات حتى يكون قد اتسق مع خط الثورة العام الذي يهدف للإنصاف بعدالة عن كل ما حاق بالشعب السوداني من النظام السابق من أخطاء وخطايا جديرة بأن تكون محل عبرة واعتبار، حتى يدرك الجميع أن هنالك فرقٌ بيّنٌ بينَ وزير جاء في عهد الثورة، ووزراء سبقوه كانوا يتغولون على مجاري الأنهار كيفما شاءت لهم نزواتهم أن يتغولوا دون حسابات للمخاطر، وهذه النقطة الأخيرة هي مناط تخوف كل من يعارض قيام السد الأثيوبي بتلك السعة المدمرة والتي لن يضمن أحد (ولا الوزير نفسه ) أن تحدث كارثة - لن تبقي ولن تذر - على السودانيين في مقبل أيامهم. د. محمد عبد الحميد أستاذ مادة الحد من مخاطر الكوارث بالجامعات السودانية عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.