عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. يحكي الوزير الراحل إبراهيم منعم منصور في مشارف ختام الجزء الأول من مذكراته البازخة المتعة في مساحة خاصة أفرد لها عنواناً خاصاً أسماه (إستراحة أُولى. غيبيات وخوارق) أبان فيها كيف كانت تختلط السياسة بالغيبيات، ومحاولات هتك حُجُب الغيب عند الساسة في فترة حكم النميري وما سبقها وما تلاها مباشرة. ورغم أن الكاتب لا يعطي القارئ انطباعاً بأنه مهموم بمعرفة ما تخبأه الأقدار، أو أنه شغوف بمعرفة الماوراء والغيبيات، ليروم منها مبتغى سياساً . غير أنه يمكن القارئ أن يلم بطرف ما حول نوعية الساسة الذين تسكنهم هواجس معرفة مصيرهم من خلال رؤى المنجمين، أو مِن أؤلئك النفر الذين أُوتوا علماً من الكتاب. لاسيما وأن هذه النفسية لم تندثر بعد وسط المشتغلين بالسياسة خاصة الحكام منهم، ولعل فيما أورده الكاتب - على عهدته بالطبع - حول أحد الشيوخ وهو يستقرأ لهم مصير السودان في اعقاب الإطاحة بحكم الجنرال النميري وبالتحديد عام 1985ما يثير الدهشة والتعجب من أن الشيخ الذي كان يحادثهم قد أتى على قراءة المستقبل في ذلك العام وبصورة مفصلة عبر ثلاثة حقب متتالية وكأنه يقرأ من لوح على ظهر الغيب، منذ ذلك العام والي العام 2020. فبغض النظر عن موقف المرء من تلك النبوءة أو الرؤيا، أو أيّاً ما كانت تسميتها، فإنها قد تحققت بشكل مذهل، وبشكل يكاد يتطابق مع ما يجري الان من أحداث سياسية صاخبة. حيث يروي منعم منصور عن الشيخ الشريف الناجي في معرض "ونسة" دارت بينهم قوله في ذلك العام المضطرم بالتحولات: (الصادق يفوز لكن البلد يعمها "فوضى" لا يصدقها أحد، وما بقدر يعمل شيئ واحد لحد ما يستلمها "عسكري" وفي عهد "العسكري" يعم البلاد الظلم بقدر لم يسبق له مثيل ولايصدقه أحد ويشمل كل مناحي الحياة: قتل أبرياء وسجن وتعذيب وقطع معايش ولكن يخلص البلد منه واحد يتفق مع الأمريكان ويطلع الزيت والحالة تتبدل الي أحسن والناس تغَنى وترتاح.) (المصدر: مذكرات ابراهيم منعم منصور الجزء الأول الطبعة الثانية 2018م ص 275) على عموم الأمر، فقد صدقت تلك النبوءة بكل تفاصيلها على أقل تقدير منذ العام 1985 والي هذه اللحظة الراهنة، غير أن ما يثير الإهتمام والفضول من هو ذلك "الواحد" الذي يأتي بعد "العسكري" الذي أتي بعد الصادق المهدي؟! فإذا كان ذلك العسكري هو المخلوع عمر البشير. وهذا واضح من سير و تسلسل الأحداث فقد يبدو جلياً أيضاٌ أن ذلك الواحد الذي يتفق مع الأمريكان هو رئيس الوزراء الحالي عبد الله حمدوك. غير أن السؤال يظل عالقاَ بالذهن هو حول كنه ذلك الزيت الذي يطلع. أهو البترول مثلاً؟! أم أن التعبير هنا تعبيراً مجازياً كنايةً عن حالة الرهق المفرط التي أصابت وتصيب المجتمع السوداني حالياً، خاصة وأنه تعبير شائع يصِف ذات الحالة التي تعيشها قطاعات واسعة من السودانيين الآن. كما هل يمكن أن تتأكد النبوءة بأن هذه الحالة الماثلة الآن ستتبدل الي الأحسن ويَغنى الناس وترتاح بعد هذا الضيق في المعيشة؟! تمشّياً مع القول المأثور ( ما بعد الضيق إلا الفرج). وتبعاً لذلك هل يكون الإتفاق مع الأمريكان هو المدخل الأولي لفك الضائقة المعيشية؟! وهل الاتفاق مع الامريكان هو ذات الإتفاق الذي عقد عليه العزم رئيس الوزراء بدفع تعويضات عن ضحايا المدمرة كول وسفارتي واشنطون بنيروبي ودار السلام؟! تظل كل تلك الأسئلة تلح على العقل إن في وعيه بالحاضر، أو تطلعه للمستقبل. مع أماني مفعة بالأمل أن تتحقق بقية تلك النبوءة بغض النظر عن كيفية الوصول اليها، لينعم شعب السودان فعلياً بالراحة والغنى.