بعد إفشال اتفاقية الميرغني/ قرنق واستلام حكومة الانقاذ مقاليد حكم السودان دخلت البلاد في مرحلة جديدة وفي عصر يوم 23/7/1989م وصل رئيس حكومة الانقاذ العميد عمر البشير إلى العاصمة الاثيوبية أديس أبابا مترأسا وفد السودان لحضور جلسات منظمة الوحدة الافريقية (OAU) التى بدأت فعالياتها في صباح يوم 24/7/1989م وكنا جميعا اعضاء السفارة في استقباله في المطار. وفي اليوم السابق لوصوله التقينا أنا والسفير عثمان نافع بالدكتور منصور خالد الذى كان متواجدا في أديس أبابا واقترحنا عليه مقابلة الرئيس عمر البشير عند وصوله غدا ووافق منصور خالد على الاقتراح وحددنا منزل الملحق العسكرى (منزلى) مكانا للاجتماع الساعة الثامنة مساء يوم الوصول زمانا للاجتماع, وبعد وصول عمر البشير اخطرناه بموضوع مقابلة منصور خالد في منزلى فوافق فورا , وجاء الدكتور منصور الى منزلى مبكرا ووصل عمر البشير في حوالى الثامنة مساء وكان برفقته المقدم محمد الامين خليفة وامين عام مجلس قيادة الثورة العقيد عبد العال محمود وكنا حضورا أنا والسفير نافع والقائم بالاعمال عثمان الدرديرى وطلب الرئيس عمر البشير ومنصور خالد أن يختصر اللقاء والنقاش عليهم الاثنين فقط دون مشاركة اى شخص آخر وهكذا جلسنا جميعنا معهم داخل صالون الضيافة ولكن كمستمعين فقط إلى ان انتهي النقاش بعد ثلاثة ساعات متواصلة دون توقف واستمعنا لنقاشهم وحديثهم الذي كان يدور حول مسيرة الحكم في السودان منذ الاستقلال واسباب التمرد الاول في الجنوب عقب الاستقلال وتهميش بعض المناطق وعدم العدالة في تقسيم الثروة والتوظيف والبنيات الاساسية , وفي نهاية النقاش طلب عمر البشير من منصور خالد اقناع الحركة وقائدها جون قرنق للقاء يجمع وفد من الحركة مع وفد من الحكومة لتبادل وجهات النظر والترتيب لاجتماعات اخرى ووافق منصور خالد على نقل رغبة عمر البشير الى جون قرنق وفعلا اوفي منصور خالد بوعده بعد ذلك انتهى هنا اللقاء التاريخي وتناول الجميع وجبة العشاء وانصرفوا بروح معنوية جيده وأوفي منصور خالد بوعده واقنع جون قرنق بمقترح قبول التفاوض مع حكومة الامر الواقع في السودان, وتم تحديد يوم 18/8/1989م موعدا لاول لقاء يجمع بين وفدى الحركة والحكومة في أديس أبابا. وكان وفد الحكومة برئاسة المقدم محمد الامين خليفة ويضم عدد من وزراء حكومة الانقاذ وبعض المسئولين في الاجهزة الأمنية في السودان وانضمننا أنا والسفير والقائم بالاعمال إلى وفد الحكومة واستمرت الاجتماعات لمدة اربعة ايام وترأس وفد الحركة سلفاكير وضم كل من دينق الور ولام اكول وياسر عرمان الذي كان مسئولا عن اعلام الحركة واذاعتها كما ضم الوفد شخصيات اخرى , وكانت الجلسات عبارة عن نقاش مفتوح لاسباب الحرب الأهلية وتدهور وتدني الاوضاع في السودان بسبب هذه الحرب وتم الاتفاق على مواصلة الاجتماعات في المستقبل. وهكذا فتح هذا الاجتماع التمهيدي الباب واسعا لسلسة اجتماعات اخرى بدأت بنيروبي ثم أبوجا ثم نيروبي مرة اخرى حتى وصلت إلى ميشاكوش ونيفاشا كمرحلة اخيره كللت فيها بالوصول إلى اتفاقية السلام عبر استفتاء مواطني الجنوب وصولا إلى فصل الجنوب ليكون دولة ذات سيادة معترف بها في المحافل الدولية . هذا ما كان من اربعة احداث كبيرة تخص الشأن السوداني كنت شاهد عيان وحضورا فيها. وهذه الاحداث وهذا السرد حقيقي 100% ولا يقبل اى تأويل أو تغيير. وأود أن اشير إلى احداث سودانية اخرى حدثت إبان وجودي في أديس أبابا ولكن لم اكن مشاركا فيها مثل الاجتماعات التي تمت في منتجع كوكا دام السياحي في اثيوبيا في20/3/1987م بين ممثلين لبعض الأحزاب السياسية في السودان مع وفد من الحركة الشعبية وقاطع الحزب الاتحادي الديمقراطي هذه الاجتماعات وجاءت وفود بقية الأحزاب من السودان, كما شارك في الاجتماعات ممثلين للنقابات المهنية المختلفة في السودان ولم تشارك السفارة السودانية في أديس أبابا في هذه الاجتماعات لأن الحركة الشعبية خلال تلك الفترة كانت ترفض تماما الجلوس مع أي ممثل للحكومة بالرغم من ذلك تعرفنا على العديد – من أعضاء الوفود الحزبية والنقابية التى جاءت للمشاركة في هذه الاجتماعات وسجلت بعض الشخصيات التى جاءت للاجتماعات زيارات للسفارة السودانية في أديس أبابا لأن منتج كوكا دام كان لا يبعد كثيرا من أديس أبابا واخذنا علما بالملاسنات والمخاشنات التى تمت بين وفدي الحركة وبعض الشخصيات من وفود الاحزاب السياسية في السودان وعلمنا بانسحاب شخصيات حزبية من الاجتماعات لانها اشترطت ابعاد منصور خالد من الاجتماعات ولكن الحركة الشعبية رفضت هذا الشرط ولم تبعد الدكتور منصور وبهذا السرد اكون لخصت باختصار شديد أهم ما شهدته وسمعته عن الحالة السودانية خلال فترتي التي قضيتها كملحق عسكرى في اثيوبيا وخلال هذه الفترة سمحت لى الظروف أن التقي بخيار الشخصيات السودانية الذين كانوا يجلسون على هرم المنظمات الاقليمية المختلفة الموجودة في اديس ابابا كما عاصرت عدد من الدبلوماسيين السودانيين الافذاذ الذين كانوا يعملون في السفارة في أديس أبابا أو الزائرين لها لمهام اخرى أو لحضور مؤتمرات القمة الافريقية التى حضرت أنا شخصيا منها خمسة مؤتمرات قمة للرؤساء الافارقة كما حضرت اكثر من عشرين مؤتمر وزارى وشهدت ايضا مولد منظمة الايقاد. وخلال فترة وجودى في اثيوبا تعاقب على حكم السودان ثلاثة رؤساء هم المشير سوار الذهب والسيد الصادق المهدي واخيرا عمر البشير , اما فيما يخص اثيوبيا فانني كنت حضورا في أديس أبابا وشهدت محاولتي إنقلاب تمتا للاطاحة بالرئيس منقستو لكنها لم تنجح. المحاولة الاولى كانت نهارية خلال عام 1987م وحلقت طائرات من طراز الهلكوبتر في سماء العاصمة أديس أبابا في منتصف ذلك النهار وقامت بتوزيع منشورات معادية للرئيس منقستو وحكومته وطلبت من المواطنين الخروج إلى الشارع لتأييد التغيير وفي نفس التوقيت هاجمت قوات الانقلاب وكانت محدودة العدد ومعظمها من عناصر وزارة الدفاع هاجمت القيادة العامة واستولت عليها واثناء تبادل اطلاق النار مع العناصر المؤيده للرئيس منقستو تم اغتيال رئيس الأركان الاثيوبي الجنرال هايلو جرجس ماريام, ولكن هذه المحاولة لم تنجح ولم يتجاوب المواطنون معها وفشلت بعد عدة ساعات من نفس اليوم وتم اعتقال واعدام قادتها. المحاولة الثانية وكانت اكبر قادها رئيس الاركان الجنرال مريد نقوسي في 16/5/1989م وكان منقستو في زيارة خارجية لدولة المانيا الشرقية في ذلك الوقت. واستلمت القوات الموالية للتغيير بعض المواقع العسكرية ولكن الرئيس منقستو بدهائه المعروف قطع زيارته لالمانيا الشرقية وهبط بطائرته في صباح يوم 18/5/1989م في مطار مدينة اسمرة المدينة الثانية في اثيوبيا وعاصمة اقليم ارتريا ومن اذاعة اسمرة المحلية وجه نداء باللغة الامهرية الى القوات الموجودة في أديس أبابا ووجههم بالتحرك لاخماد الانقلاب واعقتال الخونة وبهذه الطريقة تم افساد الانقلاب وتم اعتقال اعداد كبيرة من الانقلابيين وتم شن حملة اعدامات واعتقالات واسعة. وهاتين الحركتين فيهما تشابه كبير لاحداث المحاولات الانقلابية التي تمت في السودان في عهد حكم الرئيس نميري خاصة من حيث التوقيت النهاري وفترة الانقلاب التى استمرت لمدة ثلاثة ايام فقط اما في المجال الرياضي عقدت في عام 1987م منافسات دورة سيكافا لكرة القدم التى فازت اثيوبيا ببطولتها وكان رئيس اتحاد سيكافا السوداني اللواء مصباح الصادق, كما جاءنا المرحوم الدكتور عبد الحليم محمد للترويج للحملة الانتخابية للترشح لرئاسة الاتحاد الافريقي لكرة القدم.. وللاسف فاز عليه عيسى حايتو الذي استمر في منصب الرئاسة لاكثر من ربع قرن– ونصل اخيرا الى خواتيم وجودي ورحلتي إلى اثيوبيا ففى عصر يوم 22/3/1991 وكنا صياما في شهر رمضان المبارك استدعت الخارجية الاثيوبية القائم بأعمال السفارة السودانية الوزير المفوض عبد المحمود عبد الحليم وابلغته بقرار الرئيس منقستو القاضي بابعادي وطردي من اديس ابابا كشحص غير مرغوب فيه لأني اقوام باعمال تهدد الامن الاثيوبي, وجاءني الاخ عبد المحمود في منزلى وابلغني بالقرار وافادني بأنه يجب على المغادرة خلال (72) ساعة اى خلال ثلاثة ايام من الآن حسب مضمون القرار . وكنت قد علمت بالقرار قبل مجئ السيد عبد المحمود من نشرة التلفزيون الاثيوبي باللغة الامهرية التى كنت افهم جزء كبير منها بمساعدة العمال المحليين ولكن لا استطيع التحدث بها ولم يتم اذاعة هذا الخبر في نشرة المساء التى تبث باللغة الانجليزية واقام لى السفراء العرب باديس ابابا حفل افطار رمضاني وداعا لى وفي الفترة المحددة اى بعد ثلاثة ايام وفي يوم 25/3/1991م غادرت أدريس ابابا جوا الى الخرطوم التى قابلنى في مطارها ضابطا برتبة العقيد متندبا من القيادة العامة وعلمت منه ردا على سؤالى أن السطات السودانية لم تتخذ اي اجراء مع السفارة الاثيوبية بالخرطوم ولم تعاملها بالمثل ولم يتم طرد أو ابعاد اى مسئول امني أو دبلوماسي اثيوبي ردا على ابعادي, وهذا الاجراء معروف دبلوماسيا وهو المعاملة بالمثل واذكر أنه في عهد حكومة الرئيس نميري ابعدت الحكومة السودانية القنصل الاثيوبي من السفارة الاثيوبية بالخرطوم اسماعيل حسن وهو من جهاز الامن الاثيوبي بحجة قيامه باعمال مضرة للامن السوداني ويتدخل في الشأن السوداني بشكل سافر بل كان يشارك في المظاهرات المعادية لحكومة النميري, وبعد طرده ومغادرته السودان وحسب العرف الدبلوماسي ردت الحكومة الاثيوبية بالمثل وتم طرد قنصل السودان من السفارة السودانية في اديس ابابا وبعد نزولى للعمل كنت اتوقع أن تتم الاشادة بي وبالعمل الذي قمت به وكان سببا في ابعادي وكنت اتوقع بعد عودتي ان يتم منحي وساما اونوطا على اقل تقدير لعملى هذا وان لم تتم ترقيتى الى رتبة الفريق ترقية استثنائية في ذلك التاريخ كما كنت اتوقع ان أعود مرة اخرى إلى اثيوبيا عودة رمزية لمدة شهر واحد فقط كرد اعتبار لي بعد سقوط منقستو وهروبه الى زيمبابوي في 15/5/1991م أى بعد شهرين فقط كرد اعتبار لى بعد سقوط منقستو وهروبه الى زيمبابوي من ابعادي واشير هنا بان سفير ليبيا لدى اثيوبيا تم طرده من اثيوبيا التى امضى فيها ثمانية سنوات سفيرا وبعد عودته إلى ليبيا وبعد شهرين فقط عينه القذافي سفيرا في ايطاليا مكأفاة له. وبعد عودتي امضيت ثلاثة سنوات في الخدمة في القيادة العامة وتمت احالتى على المعاش في 5/7/1994م وحتى هذا التاريخ اكون قد امضيت ثلاثون سنة خدمة في القوات المسلحة منها اربعة سنوات واسبوع في رتبة اللواء التى ترقيت لها في 29/6/1990م واعتقد ان هذه الفترة في رتبة اللواء اضافة الى مسيرة عملى في القوات المسلحة كانت كافية للترقي الى رتبة الفريق حسب اللوائح المعمول بها في ذلك التاريخ ولكن هذا لم يحدث وكتبت عدة رسائل للمسئولين في ذلك الوقت عن القوات المسلحة ولم اجد الانصاف , وبعد حدوث التغيير الاخير في البلاد ذهبت الى القيادة العامة لمقابلة وزير الدفاع السابق الفريق جمال الذي توفي الى رحمة مولاه ذهبت للتهنئة وشرح موقفى من الترقية لكن مدير مكتبه طلب مني الذهاب الى لجنة مكونة للنظر في مثل هذه الحالات وذهبت ولم اجد اللجنة . وفوضت امرى الى الله وهو المستعان .... انتهي. الملحق العسكرى الاسبق في اثيوبيا عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.