الدعم السريع يعلن السيطرة على النهود    وزير التربية والتعليم بالشمالية يقدم التهنئة للطالبة اسراء اول الشهادة السودانية بمنطقة تنقاسي    سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    عقار: بعض العاملين مع الوزراء في بورتسودان اشتروا شقق في القاهرة وتركيا    عقوبة في نواكشوط… وصفعات في الداخل!    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    تكوين روابط محبي ومشجعي هلال كوستي بالخارج    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    سلسلة تقارير .. جامعة ابن سينا .. حينما يتحول التعليم إلى سلعة للسمسرة    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شعار "الانسان هو هدف التنمية" بين النمو الاقتصادي والحد من الفقر .. بقلم: دكتور الفاتح شاع الدين
نشر في سودانيل يوم 25 - 12 - 2020

الهدف من هذا المقال هو عرض التطور الفكري في مجال اقتصاد التنمية الذي أعاد تعريف التنمية ليربطها بمواضيع رفاهية الانسان وتقدمه الاجتماعي والحد من الفقر وتوزيع الدخل. يتضمن هذا العرض استنباطا من مختلف الرؤى من خيارات وخطط وتدابير للنمو الاقتصادي ومعالجة الفقر وتحسين توزيع الدخل وما عناه ذلك من مؤشرات للتنمية الاقتصادية والاجتماعية يتعين استهدافها ومتابعة الاداء فيها. وبما أن التطور الفكري لتلك الرؤى قد حد من المبالغة في الاهتمام بنمو الدخل كالمؤشر الوحيد للتقدم الاقتصادي فإن الطرح الذي يدفع به هذا المقال هو أن هذا التصحيح النظري لا يجب أن يقلل من الاهمية القصوى لأهمية النمو الاقتصادي وتراكم قوى الانتاج وتقوية التنافسية واكتساب المعرفة والتكنولوجيا وشؤون الادارة في السودان. يختتم المقال باستخلاص دلالات هذا الطرح على الاستراتيجية الاقتصادية للفترة الانتقالية في السودان.
تطور الرؤي عن الانسان والتنمية: إن استهداف رفاهية وسعادة الانسان هو موضوع قديم في الفكر الأوربي اهتمت به ما سميت بالحركة الانسانية في عصر النهضة وما وصف بعهد التنوير في أوربا. وقد كان مبتغى الحركة الانسانية رد الاعتبار للحياة الثقافية وهموم الانسان وفقا للموروث الاغريقي و رفض حصر الاهتمام الكلي بالعالم الآخر من منطلق تفكير ديني متطرف. وقد حمل مشعل ذلك الهدف الحركة الانسانية الحديثة التي امتدت لتشمل دعاويها التعاطف البشري للإنسان بكل تنوعاته.
وبالرغم من أن معاناة الفئات المسحوقة قد تفاقمت تحت نظامي العبودية والاقطاع إلا أن النظام الرأسمالي قد أبان خصائصها وأظهر الفروقات بوضوح صاحبه وعي طبقي. وفي تقديري هناك صعودا لنزعة انسانية قوية نحو العدالة والمساواة امتدت لمحاربة الرق والعنصرية والتعصب الديني وقهر حقوق المرأة والظلم الاجتماعي عامةً. ومن ثم انطوى موضوع رفاهية الانسان على التفكير في مسببات وعوامل الفقر والعدالة الاجتماعية والمساواة وتوزيع الدخل.
في بداية النظام الرأسمالي وفترة التصنيع في أوربا أنتشر الفقر والمشردون، وظهر جهارا بيانا المعاناة والبؤس في المدن، وانكشفت الفروقات الهائلة بين مستويات المعيشة بما أعاد صور الظلم ووحشية نظام الاقطاع مقنعا. أما في ما سمى بعد بالدول المتخلفة (أو النامية وأيضا بين الدول الاقل تقدما في الصناعة) فقد زاد على بؤس الحياة في الريف ظهور الفقر المدقع في المدن و ازدياد أعداد المشردين وأطفال الشوارع والجريمة وتدني بيئات السكن العشوائي على الهوامش.
وعبر الزمن أكتسب موضوع محاربة الفقر أهمية كبرى بباعث الحث الاخلاقي والوازع الديني تماما كما بسبب تقديرات المخاطر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. ركز الاقتصاديون في البداية على الصلة بين توزيع الدخل والاداء الاقتصادي والمالية العامة والانتاجية والاستهلاك والاستثمار والاجور. وبالرغم من أن معيار الكفاءة في الخيار بين استخدامات الموارد الاقتصادية قد نال قصب السبق في اهتمامات الاقتصاديين الا إن دراسات اقتصاد الرفاهية ومعايير العدالة قد شكلت جزءا مهما من تفهم المشكلة الاقتصادية وأطاح بتفرد الكفاءة في التحليل الاقتصادي الكلي العام.
إحقاقا للحق فإن الفقر متعدد الابعاد والجذور؛ وأن مسبباته العميقة في كثير من الدول النامية تمتد لعواملِ تاريخية وثقافية وديمغرافية واجتماعية وطبقية قديمة وايكولوجية وتغير المناخ والاستدامة البيئية والنزاعات وعدم الاستقرار. لما ظهر فرع "اقتصاد التنمية" افتتن كُتَابهُ بعملية التراكم الرأسمالي؛ ومن ثم قدمت برامج الاستثمار في رأس المال المادي من مصانع وقنوات ووسائل مواصلات، ورُكِز على معدلات نمو الدخل القومي كمؤشر للتحسن التنموي. وقد شمل التخطيط الاقتصادي كما في الخطة الخمسية والخطة الستية والخطة العشرية في السودان استخدام ما عرف بنسبة انتاج رأس المال لحساب المطلوب توفيره من الفوائض للوصول لمعدل نمو مستهدف.
وقد طرح اقتصاديون بأن نمو الناتج (الدخل) القومي يقود لتحسين توزيع الدخل ويقلل من الفقر. ودعمت الدول والمنظمات التمويلية الانمائية برامجا كان هدفها تعجيل النمو الاقتصادي والتركيز على العائد التجاري بمعزل عن التأثير على توزيع الدخل ورفاهية الفرد العادي. وحتى الاتحاد السوفييتي في الفترة بين 1930 و1950 تحت الحكم الستاليني فإن استراتيجيته استهدفت التصنيع بتوفير فوائض من الفلاحين أخذت بالقوة والقهر في اطار المزارع الجماعية. ويقال أن ستالين كان يؤمن بتأجيل مسألة المساواة الاقتصادية لحين بناء قوي صناعية اقتصادية قوية في الاتحاد السوفيتي الذي كان تهدده العداوات من كل جانب.
وقد اتسم ذاك النهج بإهمال قوى رأس المال الناعم مثل تطوير المهارات و ترقية أساليب الادارة و الالتزام بأسس الحوكمة الرشيدة والسياسات القويمة. تراوح النقد المبكر ما بين الاشارة الى الاختلالات في استخدامات الموارد بسبب تركيبة الاسعار الخاطئة وبين الاعتقاد بأن آلية السوق والسعر لا تقود دائما للكفاءة الاقتصادية. و اتجه الغالب من الرأي حينها إلى أن تَدخُل الدولة يقود لتشوهات في التوزيع الامثل للموارد. وقد انتشر قبول فرضية تقول أن اعادة توزيع الدخل في اتجاه أن يكون أكثر عدالة لا يساعد في تحقيق النمو السريع في الناتج الاجمالي؛ وبالتالي ترسخ الاعتقاد بأن إعادة توزيع الدخل يقتضي التنازل عن النمو السريع مما يعني أن تكلفة العدالة هي انخفاض النمو الاقتصادي.
وقد استمرت أدبيات اقتصاديات التنمية تعالج موضوع اعادة توزيع الدخل وموضوع الفقر المقارب بمعزل عن موضوع النمو الاقتصادي. وعند التطرق لتأثير النمو سادت نظرية تناثر او ترشيح فوائد النمو الاقتصادي على الطبقات الفقيرة. لكن هكذا منظور أهمل دور نمط (أو نوعية) النمو في الدخل و على التأثيرات الاجتماعية والبيئية؛ وأيضا على دور رأس المال البشري في النمو. وبالطبع فإن الخيارات بين التركيز على معدلات النمو الاقتصادي وتوزيع الدخل أو تخفيض الفقر تقع في صميم صراعات المصالح والتوازن السياسي لقوي المجتمع. وهي ايضا من نتائج السياسات المالية والسياسات النقدية وسياسات الاجور.
كانت المدرسة الكينيزية قد لمعت بعد عشرينات القرن الماضي بتركيزها على فشل آلية السوق في الوصول باقتصاديات الدول للحد الاعلى من استخدام العمالة وطاقات الانتاج؛ وحينها بدأت تساؤلات عن فشل آليات السوق في توفير السلع العامة بما يحقق فوائدا عظمى. وأدت ظواهر الفقر وعدم الاستقرار إلى التشكك في العدالة الاجتماعية التي تنتج من معاملات تجارية بحتة تعتمد على آليات السوق. ومن ثم تعمق الرجوع للبعد الاخلاقي كما الحرص على السلم الاجتماعي والاستقرار السياسي لضرورة استخدام تدخل الدولة في تغيير الواقع في اعادة توزيع الدخل.
وقد ازداد الاهتمام بمعطلة المفاضلة بين هدفي الكفاءة واعادة توزيع الدخل أو معالجة الفقر. فقد كذبت الدراسات الاحصائية فرضية أن النمو يصاحبه تحسن في توزيع الدخل واوضحت أن الاتجاه العام هو أن يسوء توزيع الدخل عند بداية النمو الاقتصادي قبل أن يتحسن (ما عرف بفرضية الشكل "يو" (u)). ومن ثم أدي ذلك لإعادة تعريف ماهية التنمية والاهتمام بمجمل مؤشرات تتعدى متوسط الدخل القومي. وكان لذلك مدلولات على التخطيط الاقتصادي واستراتيجيات التنمية.
بدأ التمرد على نهج التركيز الأعمى حول التراكم الرأسمالي بمعزل عن النهج الداعي للاهتمام بإعادة توزيع الدخل بقيادة اقتصاديين من منظمة العمل الدولية. نادى هؤلاء بأن يكون محور اهتمام مشاريع التنمية توفير فرص العمل. فقد لوحظ أن ليس كل نمو في الناتج القومي يولد فرص عمل بنفس القدر. وقد أوفدت منظمة العمل للسودان فريق أخصائيين شاركوا مع باحثين سودانيين في أعداد دراسة موسعة هيأت للبحث عن خطط ومشاريع لإحداث نمو في الدخل القومي مع توفير فرص عمالة.
و من ثم قد كان حدثا مفصليا أن قاد الاقتصادي هوليس شينيري فريقا من الباحثين ليثبت احصائيا أنه من الممكن وفق استراتيجيات بعينها أن يحدث نمو للدخل القومي مع اعادة توزيع ايجابية للدخل وازالة الفقر. كان شينيري حينها يعمل في البنك الدولي مختصا بسياسات التنمية بصفة نائبا لرئيس البنك روبرت ماكنمارا. واقترحت تلك الدراسة المشهورة استراتيجيات لتوزيع الدخل منها يتعلق بإعادة توزيع الاصول وملكيات الارض وتخصيص استثمارات موجهه للاستثمار في تنمية مقدرات الفئات الفقيرة.
كان دعوة منظمة العمل الدولي عن أهمية الاستخدام ودراسة البنك الدولي عن توزيع الدخل مع النمو سندان لاستراتيجيات تنمية في جوهرها تعني بجعل الانسان هدفا للتنمية بتمكين الفئات المعدمة للانخراط في عمليات السوق واحداث درجة ما من توزيع الدخل. وقد مهد هذا التوجه الجديد لظهور دعوة ضرورة تلبية الاحتياجات الاساسية لكل المواطنين. اعتمدت تلك الدعوة على توفير أساسيات الحياة من غذاء ومأوى و خدمات صحية وتعليمية. وقد رأت أن النمو السريع للسكان وسياسات الدولة تفاقمان من معاناة الفقراء الذين ينقصهم امتلاك أدوات وامكانيات الانتاج في الوقت الذي يضعضع المرض قواهم ويضعف انعدام المهارات وقلة التعليم انتاجيتهم.
ويعتبر مساهمة الاقتصادي الهندي أمارتي سين علامة أخرى بارزة في التحول في مفهوم التنمية. فقد أولىَ سين اهمية للاستحقاقات والقدرات والتشاركية والحرية، مركزا على عوامل الحرمان من المهارات الشخصية وضعف التأثير السياسي للطبقات المهمشة على استمرار الفقر والاستغلال.
وبالطبع فإن زبدة كل هذه الرؤى أن حزمة الاجراءات التي تتضمن النمو السريع للدخل القومي، وتوفير الوظائف، وسياسات الاقتصاد الكلي الرشيدة، والتغيرات الهيكلية الاقتصادية أو السياسية، والانفاق على الصحة والتعليم، وعموم بناء القدرات والمشاركة السياسية، وتمليك الاصول، وتوفير التمويل، كلها تعمل على الحد من الفقر ومن اعادة توزيع الدخل.
وجدير بالذكر أن النظرية الماركسية تمردت على النيوكلاسيكية والليبرالية المتطرفة متفردة بتحليل اقتصادي- سياسي - ديالكتيكي لمسببات الفقر ربطته بعلاقات الانتاج وتوازن القوي السياسية والايدولوجية والامنية. فملكية وسائل الانتاج هي التي تحدد استخلاص الفائض الاقتصادي ومن ثم توزيع القوى السياسية ،أي، أن توزيع الثروة هو نتاج التراكم الرأسمالي. فالذين يتحصلون على دخل عالي كما عن طريق الوراثة أو العلاقات الاجتماعية أو الفساد يمكنهم أن يفرضوا سلطانا على بقية الشعب. وهم يسيطرون على النظام المصرفي وقادرون على تحمل مخاطر الاستثمار ما يعمق من الفروقات الطبقية. دلالة ذلك التحليل استنباط أن الفقر هو نتيجة لعمليات الدفع لتراكم رأس المال الذي يصاحبه صراع طبقي يسنده التمكن السياسي والأيديولوجي.
تدابير النمو الاقتصادي والتصدي للفقر وتحسين توزيع الدخل: واقع الحال أننا نعيش في اطار انظمة مختلطة الاقتصاد تجمع بين آلية السوق ودور مهم تنموي كما رقابي وإشرافي- توجيهي للدولة قد يمتد للإنتاج المباشر. نظريا تختلط في السياسة الاقتصادية الاهداف بين سعي لتعظيم الانتاج، وتراكم رأس المال، وتوسع الطاقات الانتاجية – من جانب، وتوزيع الدخل وتحقيق المساواة في الدخل القومي والتوزيع الاقليمي وازالة الفقر – من جانب آخر. أدوات السياسة الاقتصادية المتاحة تشمل (1) تشجيع الانتاج والاستثمار والتصدير كعوامل لنمو الناتج المحلي. تقع هذه الحزمة من الاجراءات تحت تبرير الرشح وتناثر الفائدة للجميع. وكذلك (2) استخدام الضرائب والانفاق الحكومي في إعادة توزيع الدخل والحد من الفقر تماما كما تشجيع النمو الاقتصادي. وايضا (3) تبني سياسات الدخل وتوفير العمالة و تحديد مستويات الاجور وشروط الخدمة ذات الاهداف المتعددة تقود لمحاربة العطالة ولتقوية نسبة الدخل للعاملين وتمكين المرأة واعطاء نسب توظيفية للمناطق المهمشة. و(4) وفي الآونة الأخيرة بدأ الميل يتزايد للتمويل الأصغر وللدعم النقدي المباشر لدخول للفقراء بالإضافة لإجراءات الضمان والتأمين والحماية الاجتماعية الأخرى .
واذا ما بدأنا بالحزمة الثانية من السياسات اللازمة لخفض الفقر نجد أن كلا من فئات وتركيبة الضرائب من جانب ومكونات الانفاق لها مدلولات مهمة على نمط توزيع الدخل وعلى محاربة الفقر؛ فالضرائب خاصة التصاعدية ظلت وسيلة مهمة لإعادة توزيع الدخل لارتباطها ايجابيا مع مستوى الدخل. وبالطبع فأن موضوع تحديد فئات الضرائب يخضع لاعتبارات التأثير على الحوافز وعلى الاستثمار. ويتوجب أن يكون النظام الضرائبي مرنا متصاعدا مع زيادة الدخل ومنخفضا مع نقصه. كما أن حجم المتحصل من الضرائب في نطاق توازن المالية العامة له صلة بسياسات استقرار الاقتصاد الكلي من محاربة للتضخم أو الانكماش في الانتاج. اي أن من شروط فرض الضرائب أن يراعى اعتبارات أنها أداة لتحقيق توازن في الاقتصاد الكلي، وأن تتصف بالمرونة، والملاءمة الادارية والتحفيز، بالإضافة، لدورها في تحقيق العدالة، وإعادة توزيع الدخل. وواضح أن هذه الاهداف قد تتناقض مع بعضها البعض بما يتطلب حصافة كبيرة وقدرات في ادارتها.
ويمثل الانفاق الحكومي اداة رئيسية عن طريقها يتحقق إعادة توزيع الدخل ومحاربة الفقر وتمكين الطبقات الضعيفة، بالإضافة لتشييد البنية التحتية الاقتصادية والبنية التحتية الاجتماعية. ففيما تعدى الصرف على الادارة والامن والقضاء والبنية التحتية الاقتصادية وأجهزة المراقبة والمؤسسات الدستورية يوزع الصرف الحكومي على قطاعات الصحة والتعليم وصحة البيئة والدعم المباشر للفقراء مما يترك أثره على الفقر. فالتعليم مثلا يتيح بناء القدرات اللازمة لتمكين منافسة الفقراء في مجالات أسواق الانتاج ولزيادة انتاجيتهم وهو السبيل لبناء ميزات تساعد في اقتصاد المعرفة وفي نقل التكنولوجيا. أما الانفاق على صحة وسلامة البيئة فمن شأنه أن يسمح بالحيوية اللازمة للعمل وللتمتع بالحياة. عموما يترك الانفاق الحكومي بصماته على توزيع الدخل والعدالة الاجتماعية مكملا تأثير حشد الموارد الحكومية من ضرائب وزكاة.
ويدعو كثير من الاقتصاديين والمنظمات الدولية لخيار الدعم المباشر لدخل الفقراء. وبالرغم من حجج النجاعة والكفاءة التي يقدمها دعاة هذا الخيار إلا أنه من الممكن أن يكون من الأفضل دعم الانتاج وتشجيع الزراع الصغار من دعم مباشر للدخل لأن هذا يعود بفوائد أعظم وضمانات أحسن في دول في حالة السودان الذي تنقصه المعلومات الكافية عن حالة الفقر وينعدم فيه الادارة الكفؤة والنزيهة.
شركاء التنمية والفقر: وبعكس ما يراه حفنة من النقاد في السودان فإني أعتقد أن المجتمع الدولي حاليا لا يود تفاوتا كبيرا في توزيع الدخل في الدول الفقيرة بحكم المخاطر الانسانية والاقتصادية وغير ذلك. يتضح ذلك في أن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي يقودان الدفع بالحكومات لتبني استراتيجية لمحاربة الفقر بل ويصران عليها كشرط للمساعدة في تخفيض الديون. وقد تغير موقف هاتين المؤسستين والقوى الدولية التي تسندهم من الفكرة القديمة التي لا ترى أن النمو الاقتصادي السريع ممكنا مع المساواة في توزيع الدخل. بل وأصبح الجميع يدرك أن تحسين توزيع الدخل يرجع بأثر ايجابي على النمو بسبب تحسن رأس المال البشري أو بسبب زيادة الطلب المحلي للاستهلاك.
تجدر الإشارة إلى أنه في يوم 17 اكتوبر من العام الجاري احتفلت منظمة الامم المتحدة باليوم العالمي للتصدي للفقر. وقد أشار مكتوب للمنظمة أنه من المعيب أخلاقيا أن يظل الفقر في العالم ينتشر وسط ملايين البشر بالرغم من التقدم الغير مسبوق في الانتاج العالمي وفي التكنلوجيا ووفرة الموارد المالية. يؤكد المكتوب أن الرؤى المتجددة عن تعريف التنمية كلها تشير الى أن شعار "الانسان هو هدف التنمية الاقتصادية" يعني في الاساس أن التنمية هي الإزالة الكلية لظاهرة الفقر وسوء توزيع الدخل. ويقول تقرير آخر أن: "التنمية هي توسع الخيارات، وفي غنى الحياة".
وقد قادت الامم المتحدة في عام 2000 ما يسمى بشركاء التنمية الدوليين لتبني مبادرة "الاهداف الالفية للتنمية" التي تضمنت سبع (7) أهداف حُثَت الدول الفقيرة على تحقيقها في اطار زمني محدد محفزين بمساعدات خارجية. شملت تلك الاهداف تخفيف حدة الفقر، والقضاء على الجوع، ومحاربة الامراض الوبائية، وزيادة التعليم، والاهتمام بصحة المرأة والطفل. وفي عام 2015 تبنى المجتمع الدولي مبادرة "أهداف التنمية المستدامة" والتي بلغت 17 هدفا شملت مسائل الفقر والجندر والخدمات الاجتماعية واستدامة التنمية وازالة الفقر والقضاء على المجاعات، وتحسين الصحة، وزيادة الرفاهية العامة، والارتقاء بالتعليم، وتوفير المياه النظيفة، و تنمية الطاقة النظيفة، والاسراع بالنمو، وتوفير فرص العمل، و تشجيع الصناعة والابتكار، وتشييد البنية التحتية، وتقليل التفاوت الحاد في مستويات المعيشة، وتحسين احوال المدن، والتقيد بالإنفاق الرشيد، والحماية من التغيرات المناخية السلبية، والمحافظة على الحياة البرية والمائية، وارساء دعائم السلام الاجتماعي والعدالة والمؤسسية، وتنسيق الجهود الدولية المشتركة لتحقيق هذه الاهداف.
وتعمل منظمات تطوعية في مساعدة معسكرات اللاجئين ومناطق مهمشة. أفراد كثر من هذه المنظمات يبدون همة كبيرة ويعملون بتجرد تحت ظروف صعبة بفضل مساعدات محسنين أجانب واقليميين. وقد تنامت الموارد التي خصصتها هيئات خيرية لأعمال محاربة الفقر والمرض عالميا مثل مؤسسة بيل - وميلندا غيت التي تملك أصولا تفوق 46 بليون دولار. ونحن نعلم أن الثراء يجلب تلك الرغبة القوية في الاحسان بدوافع تحتاج لتبرير السيكولوجيين أكثر من المتشككين. لا يعنى ذلك أن ليس هناك مصالحا وأغراضا مستترة للبعض. لكن في تقديري أن مجموعات كبيرة من المتطوعين والمحسنين وأصحاب الاوقاف تدفعهم حسن النوايا أو الحس الانساني أو الشعور الديني أو مشاعر الأخوة البشرية.
مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية: أدي الفهم الجديد للتنمية بالتوسع في استخراج الاحصائيات لمجموع مؤشرات – لن نتمكن من عرضها كلها في هذا المقال. أهم من سعى لتطوير هذه المؤشرات هما برنامج الأمم المتحدة الانمائي الذي يصدر تقريرا سنويا عن التنمية البشرية و البنك الدولي الذي يصدر التقرير الدولي للتنمية. "تقرير التنمية البشرية" احتوي على دليل للتنمية البشرية وشمل أداء الدول في متوسط العمر المتوقع عند الولادة، ومتوسط عدد سنين التعليم، ومتوسط الدخل، ومقاييس مؤشرات المساواة. ويتضمن التقرير مؤشر للمساواة في الدخل يقدر باحتساب معامل جيني الذي يعرفه التقرير بأنه "قياس الفارق في توزيع الدخل بين الافراد أو الأسر المعيشية (العائلات) في بلد معين نسبةً إلى التوزيع المتساوي التام. والنقطة صفر تشير إلى المساواة التامة، والنقطة 100 إلى انعدام المساواة". وقد شمل "تقرير التنمية البشرية" أيضا في سنواته التالية معدلات ومقاييس المساواة بين الجنسين والذي يشمل نسبة وفيات الأمهات، ومعدل الولادات للمراهقات، والمقاعد في المجالس النيابية، والتعليم الثانوية ومعدل المشاركة في القوى العامل.
أما التقرير الدولي للتنمية فقد شمل معدلات الفقر وكل مؤشرات برنامج "أهداف التنمية المستديمة" زيادة على احصائيات عن النشاط الاقتصادي والتجارة الخارجية والمساعدات التنموية والتمويل. ويتضمن أيضا معلومات عن النشاط الاقتصادي ومعدلات التضخم والميزان التجاري والاستثمار ونسبة الانفاق الاستثماري والاستهلاك الخاص والدخل القومي والتركيبة القطاعية. ويتيح البنك الدولي للجميع الاطلاع على تلك الاحصائيات في مواقعه الالكترونية.
منظمات كثر أخرى تتبع للأمم المتحدة أو منفصلة عنها ظلت تصدر احصائيات عن التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. فلصندوق النقد الدولي تغطيته الضافية في جوانب من النشاط الاقتصادي مثل ميزان المدفوعات والتجارة والمالية العامة وغيرهم. وبالرغم من أن الصندوق أصبح يؤيد سياسات التنمية البشرية وحماية الفقراء الا أنه يختص بالمؤشرات الضرورية للنمو الاقتصادي واستقرار الاقتصاد الكلي. أما منظمة التعاون الدولي فلا تحصر نفسها في النمو بل تشمل كل مؤشرات التنمية وتعمل على تطوير الغطاء النظري للمفهوم المتوسع للتنمية. وفي ذلك فهي جزءً من حركة عامة للاهتمام بالإنسان كهدف للتنمية. لذلك لا غرو أن ظهرت محاولات لتطوير مؤشرات عن سعادة المواطنين. فقد تولت شبكة حلول التنمية المستدامة للأمم المتحدة اصدار "التقرير الدولي للسعادة" الذي يقارن حالات الشعور بالسعادة بين سكان الدول.
ويمكن من خلال الشبكة العنقودية الحصول مجانيا على نسخ اليكترونية لكل من التقارير المشار إليها اعلاه، بعضها مترجم للعربية، وكلها باللغة الانجليزية.
ويقف كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وغيرهما وراء تحضير وثيقة "استراتيجية الحد من الفقر" التي يشكل اعتمادها والعمل على تحقيق أهدافها شرطا أساسيا للموافقة على إعفاءات الديون في إطار مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون المعروفة بإسم "الهيبك". والوثيقة انعكاس للفهم الجديد لمفهوم التنمية ومؤشراتها.
الدلالات على الفترة الانتقالية في السودان:
أولا: الرسالة التي نود أن ننقلها بعد هذا العرض – هي ضرورة التميز بين الهدفين المرتبطين عن النمو الاقتصادي و والتنمية الاجتماعية. والسؤال الاستراتيجي النظري الاكبر هو كيفية تحقيق التوازن المقبول بين تحقيق أقصى درجات النمو - من جانب وتحقيق مستوى من المساواة تتفق عليه الامة - من جانب آخر، مع تحقيق تعاضد وفوائد مجتمعة ومكملة بينهما. وبما أن سياسات محاربة الفقر وتسهيل النمو ستحكمهما وثيقة "استراتيجية الحد من الفقر" فإنه من المفيد أن نعرف الجدل الذي صاحب تطوير الفكر الاقتصادي بشان هذين الهدفين.
ثانيا: نضيف هنا أن هدفين فرعين لكن اساسين يجب أن يكونا محور اهتمام الفترة الانتقالية لدورهما في تسهيل الوصول لكل من الهدفين الكبيرين هما: (1) استقرار (وتثبيت) الاقتصاد الكلي و(2) الاختيار المناسب لنمط النمو الاقتصادي.
ثالثا: ونكرر أن النمو الاقتصادي للناتج الاجمالي ضروريا جدا وأساسيا لإزالة الفقر. وكما حاجج شينيري فإن التركيز على الحد من الفقر لا يعني اهمال متطلبات النمو. ومن أجمل التصوير لهذه الحجة التشبيه بأن أي مجتمع يحتاج لكيكة أكبر عند تقسيمها يستحوذ كل فرد على نصيب مقنع. كما أن النمو يسهل إدراك حيز مالي (فائض لميزانية للدولة) للإنفاق على تقوية المقدرات الفردية للمواطن ولتقديم الخدمات الاجتماعية فوق الحاجيات الاساسية
رابعا: أما فيما يتعلق بنمط النمو وطرق تَرشُح فوائده فمن المتطلبات الأولى الاتجاه نحو النمو الذي يكثر من توفيرا فرص العمالة، وكذلك تمكين المزارعين الصغار من استخدام طاقاتهم الكامنة والرعاة في تحديث انتاجهم والعمالة الهامشية في المدن من تأمين سبل معيشتها. أما العمالة في القطاع الرسمية فيتوجب أن يزيد الانتاج لرفع الاجور ومستويات معيشه.
خامسا: يمكن الاختيار المناسب بين سياسات متعددة للحد من الفقر ولتوزيع الدخل والتي من أهمها: (1) توفير فرص العمل، و(2) اتاحة التعليم وسبل الصحة للفقراء لبناء القدرات، و(3) الاهتمام بعموم الصحة و الغذاء ومحاربة الأمراض وتوفير العلاج. و(4) التوزيع العادل للأرض. (5) الاهتمام بقضايا التمويل ومدخلات الزراعة والتسويق والبحوث الزراعية والحيوانية لتحسين التقاوي والسلالات. و(6) تجنب استغلال صغار المنتجين بالضرائب وأنظمة الاسعار (الأسعار الادارية أو سعر الصرف) والتسويق وما إليه عن طريق انظمة الدولة ولن يكون في مقدور الفقراء المشاركة في الرفاهية دون توفر فرص عمل كمستأجرين أو مستقلين. كما أن التعليم واكتساب المهارات ضروري لبناء القدرات، ويساعد التمويل الاصغر في تمكين الطبقات الفقيرة والمرأة من كسر حواجز ملكية أدوات الانتاج وزيادة الانتاجية؛
تتسب سياسات سعر الصرف الجائرة والضرائب غير العادلة والتحكم في التسويق في ظلم فادح يقع على المزارعين. وفي السودان ذو الاقتصاد المختلط يتعرض صغار المزارعين والرعاة احيانا لاستغلال عن طريق التشوهات في سعر صرف العملة المحلية وعدم كفاءة وعدالة انظمة التجارة والتمويل. ويساعد الدعم السلعي وتسلط العسكر على المؤسسات الانتاجية في تعضيد منافع سكان المدن والطبقة الوسطي والفئات العسكرية. وينعكس عجز الجهاز التنفيذي في الفشل في محاربة تهريب السلع والتهرب من الضرائب. وبالطبع فإن الاطار السياسي وتوازن القوى لا يسمح بعد بالميل لمعالجة كاملة للفقر. ولن يكون ذلك إلا بالتشاركية في اتخاذ القرارات والتمكين السياسي والفكري والاقتصادي للفئات الضعيفة خاصة من سكان الريف.
وبالرغم من أن اللغط حول موضوع اعادة توزيع ملكيات الاراضي قد خبا بعد لجوء دول للإصلاح الزراعي كما في أمريكا الجنوبية ومصر وآسيا فإن الصراع لا زال مشتدا في جنوب افريقيا وزمبابوي. ويقود الصراع حول ملكيات الارض في السودان قرويون أهملت الدول استحقاقاتهم ومصالحهم عند التصديق لاستثمارات شركات كبيرة وطنية كانت أم اجنبية تعدت على ملكياتهم وامتدادات قراهم. بينما يعيش اقليم دارفور صراعا قبليا محوره استخدام الارض بين الزراعة والرعاة بسبب التغيرات الديمغرافية والاقتصادية وفي المناخ.
أمر مختلف أن تساوم نقابات العمل مع رأس المال (والمستخدمين) في الاجور وفي امتيازات الخدمة ورفاهية العاملين وفي الاجراءات القانونية والادارية على أن يعمل الطرفان للحفاظ على التنافسية ومقابلة تكاليف الانتاج. فالعولمة والتغيرات الجوهرية في وسائل الانتاج شكلت عامل ضغط عكسي لقوة النقابات والمساومة الجماعية للعمال. ذلك أن ظروف العولمة والانفتاح التجاري زاد من أهمية اكتساب تنافسية لا تساعدها الاجور المرتفعة التي لا تنتج من تحسن في الانتاجية. وفي الدول التي تبنت سياسة تعظيم التصدير وتشجيع الاستثمار الأجنبي فإن الضغط على الطبقة العاملة قد اشتد. ومن جانب آخر قد بدل التقدم غير المسبوق في التقنيات – خاصة تكنولوجيا المعلومات – تفاصيل عمليات الانتاج وتوليفة عناصر الانتاج وظهور اقتصاد المعرفة والبحوث. وقد ظهرت طبقة تكنوقراط مهنيين يملك أفرادها سلاح المعرفة الفنية المتخصصة. وصاحب ذلك في نفس الوقت زيادة العمالة في قطاعات الخدمات.
سادسا: نحض على استيعاب وانخراط الجميع في اتخاذ القرار الاقتصادي. ولذلك يتوجب تمكين الفئات المستضعفة (مثل النساء) والمهمشة اقليميا واثنيا للمشاركة السياسية والمجتمعية حتى تتوحد القوي وتتحقق العدالة ويمكن تجنب الصراعات الداخلية. فمن الممكن كما ذكرنا من فبل اختيار سياسات لتعظيم الهدفين (أي النمو الاقتصادي والحد من الفقر والفوارق الاجتماعية) بالرغم من التناقض أحيانا في وسائل تحقيق كل منها.
سابعا: تحقيق العدالة الاجتماعية يسهل تحقيقها في وجود مؤسسات قادرة على الانجاز وانظمة سياسية تشاركية تُؤمِن للمهمشين سماع آرائهم وخدمة مصالحهم.
ثامنا: يجب تقبل العمل مع شركاء التنمية بثقة والعمل على الاستفادة من التجربة الانسانية الثرة في دول أخرى مع الاعتماد على الدراسات المبنية على الدليل الاحصائي و العملي.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.