كان الداء العضال قد تمكن من ممدوح وأقعده عن الحركة والعمل ، صار ممدوح طريح الفراش وراح يرقب طفليه الصغيرين وزوجته بحسرة ويلوم نفسه الواهنة على عدم قدرته على القيام بواجبه تجاههم بينما ترن في ذهنه تلك العبارة الفلسفية القاسية (لو أن مشلولاً لم يصبح بطلاً للجري فهو الملام)! لم يكن هناك من يضاهي ممدوح في الصبر ، ولعل المرض الذي ابتلاه الله به قد كشف المزيد من أصالة معدنه ، فقد راح يلوك الصبر بينما يتساءل ذهنه المكدود في تعجب : ما أضعف الإنسان رغم طول لسانه؟! ما أقوى المرض رغم قوة التطور الطبي؟! كيف يتمكن المرض من منع الرجل القوى من الحركة بينما تمكن الصحة الطفل الصغير من الركض مثل غزلان البراري؟! راح ممدوح يتأمل ساقيه الممدودتين أمامه بلا حراك ، قبل ستة أشهر كان بمقدوره أن يتحرك ثلاث خطوات في فناء المنزل ، قبل ثلاثة أشهر كان بإمكانه أن يخطو خطوتين داخل الغرفة ، أما قبل شهر واحد فلم تعد ساقاه تحملانه إلى أي مكان، لم يعد باستطاعته التحرك ولو لنصف خطوة ، لقد أصبح حبيس الفراش وفقد القدرة على الحركة وكانت المفارقة الكبرى هي أنه فقد القدرة على المشي في الوقت الذي كان فيه طفله الثاني يحاول أن يتعلم المشي والجري في ذات الوقت! كان ممدوح يكن أنبل المشاعر لكل الأصدقاء الذين وقفوا إلى جواره عند بداية محنته وحتى حينما كفوا عن معاودته بعد تفاقم مرضه ، راح يلتمس لهم الأعذار ويهمهم في سره: لا ألوم أحداُ من أصدقائي فظروف الحياة قد تكون هي التي دفعتهم إلى الانقطاع غير العمدي عن معاودتي! راح لسان حال ممدوح يحكي : قبل فترة ، تفاقم المرض والألم ، وحينما فقدت الأمل في الشفاء قمت بشراء كفني استعداداً للرحيل ، فجأءة عاودني فتحي ذلك الصديق الذي لا يكف عن الهزل ، لقد صار يأتي كل يوم إلى منزلي ويقوم بمحاولة تعليمي المشي وسط جو من القفشات والتعليقات المرحة ، بعد كثير من المحاولات الفاشلة تمكنت ذات يوم من الوقوف متكئاً على كتف صديقي فتحي ، اليوم لا أحد يستطيع أن يصدق ما حدث ، لقد تمكنت أخيراً من المشي بحذر ثم انطلقت ساقاي في نهاية المطاف واستطعت رؤية الشارع بعد طول غياب، لقد اكتشفت في لحظة مذهلة أن الأمل، الإيمان والوفاء أكثر شفاءً من الجرعات والكبسولات والمراهم ، لقد استعدت قدرتي على المشي ثم على الحياة ثم على الضحك والابتسام وبعد فترة وجيزة عدت إلى مكتبي لأمارس عملي وكأن شيئاً لم يكن ، وهانذا أهمهم في سري: هذا الزمن ليس رديئاُ كما يتصور الكثيرون ، هذا الزمن ما زال بخير طالما أن هناك أصدقاء يستطيعون أن يجترحوا المعجزات وفي ذات الوقت يشعرونك بأنهم لم يقدموا لك أي شيء على الإطلاق! فيصل على سليمان الدابي/المحامي/الدوحة/قطر