اذكر في نهايات عهد الرئيس الراحل جعفر النميري الله يرحمه ويغفر له هتف طلاب الجامعات والمدارس و عموم الشعب السوداني شعارات لن يحكمنا البنك الدولي ولن يحكمنا البيت الابيض داون داون يو اس ايه Down Down USA هتافات رنانة كانت ولكنها لم تكن بمستوى تسقط تسقط بس في ذاك الزمان كان بدايات ظاهرة السوق الأسود والمضاربة في العملات الأجنبية بعدد محدود من المتعاملين تجدهم في فرندات السوق الإفرنجي والعربي واغلب الذين كانوا يرتادون هم المغتربين والعلاج في الخارج وطلاب البعثات الدراسية والسواح القادمين للسودان حتى اصبح فيما بعد نشاطاً ضخما وتجارة رائجة ورابحة استقطبت العديد من تجار الشنطة والعاطلين عن العمل جراء السياسات الخاطئة من قبل الحكومات المتعاقبة من بعد عهد النميري وتوسعت النشاط اكثر واكبر تعاملا عددا وحجما في الداخل والخارج وخاصة بعد النقلة النوعية لتقنية المعلومات والاتصال السريع ودخلت كثير الشركات المحلية والأجنبية المقيمة تركت نشاطها الاساسي وعملت في تجارة العملة بما فيهم البنوك التجارية لتضخيم الفوائد مما ادى الي ان جزاء كبيرا من الكتلة النقدية للبلاد بالاضافة الي التزوير وإصدار وطباعة الجنيه دون تغطية اصبحت تبيع وتشتري العملة في حلقة غير ذات اهمية وجدوى للاقتصاد السوداني واستمر الحال في زيادة متتالية عبر السنوات حتى وصلت قيمة الدولار ما يقارب 70 جنيها عندما سقطت حكومة الإنقاذ . لا أتوقع ان احدا غيورا للوطن يتمنى ان تتدهور عملة وطنه احدى الركائز الاساسية ورمز السيادة الوطنية بهذه الطريقة الدراماتيكية المشينه ولكننا يجب ان نعترف بالحقيقة المرة ان تجار ة العملة المفرطة وتجار العملة في السودان وجدوا من رحم المعاناة جراء اخطاء سياسة الدولةوخاصة في فترة حكم الإنقاذ كان تجار العملة هم من يديرون السياسة النقدية وكان بنك السودان جهة متفرجة على الوضع وليس لها آية صلاحيات مطلقا لانها كانت غير مستقلة في اتخاذ القرارات وفي وضع العاجز لعدم وجود نقد اجنبي بالقدر الكافي لفرض سيطرتها ورسم السياسة النقدية باستخدام أدوات السيطرة المفقودة لذلك اصبح التجار هم من يقومون بتوفير مطلوبات العملة الأجنبية للدولة والرأسمالية لاستيراد وتوفير احتياجات السوق من السلعة الضرورية والوقود والأدوية ورغم الجشع الذي اصابهم والاستغلال السئ وتضخم ثرواتهم يجب ان نتحدث بكل شفافية ولا ننكر مساهمة تجار العملة في استمرار الحياة بكل متاعبها لانهم كانوا الوسيلة الوحيدة الموجودة لنقل تحويلات المغتربين في ظل انعدام تدفق النقد عبر النظام المصرفي خاصة في السنوات الاخيرة من عهد الإنقاذ بسبب استحكام الحصار على البلد وهذه حقيقة بكل ما حملت من مضمون وليس دفاعا عنهم . اما بعد الثورة فقد اصبحت الوضع في تدهور مستمر وظل الصراع السياسي محتدما بين مكونات الحكومة الانتقالية الاولى والخزينة فارغة وخاوية ولم تجد حكومةالثورة دعما يذكر من اي جهة ووصلت الازمات أوجها وضاقت الحال وبدات رحلة الصعود العظيم حتى وصل السعر قبل تشكيل الحكومة الانتقالية الثانية 370 جنيه للدولار الواحد . مشكلة السودان ليست فقط انخفاض العملة بالرغم من انها عامل اساسي لاستقرار. البلد الا انها مثلما هي مرتبطة بالاقتصاد فعدم استقرار السياسة تجعل البلد غير مرغوبا للتدفق النقدي والاستثمار الأجنبي اضف الي ذلك كان لايزال الحصار مضروبا علي البلد ورغم ان اسس بناء السلام ليس كما هو مطلوب ومتوقعا ولكن اغلب الشارع أرتضى بمضمون اتفاقية السلام على امل الاستقرار وكذلك ارتضى الشعب بثمن فاتورة الإزالة من قائمة الاٍرهاب الامريكي رغم الإجحاف والسذاجة لاجل الاستقرار. وكذلك اظهر الشارع التوافق بتشكيلة الحكومة الانتقالية الثانية رغم المحاصصة الواضحة في اختيار الوزراء وسكت الشارع لعلها تكوت بداية الانطلاقة نحو السلام الحقيقي وكذلك تغاضى الشارع السوداني لكل حفوات الأحزاب السياسية راجيا ان تحمل معها بوادر الانتقال لمرحلة الديمقراطية المرتقبة تشكلت الحكومة وكان القرار المفاجئ هو تعويم. العملة السودانية والتي ظهرت مؤشراتها إبان الحكومة الانتقالية الاولى عندما تم تحرير الخبز والوقود والتعويم تعريفه بمعناه البسيط ليس للبنك المركزي اي دور مباشر في تحديد سعر الصرف اصبح حرا يعتمد على العرض والطلب قد نقول ان القرار كان بحاجة الي إجراءات تساند فاعلية ونجاح القرار ولكننا لا ندري كما جاء القرار فجاة ولان ما كان في عهد النميري منبوذا صار اليوم مرغوبا املا وهدفا لا غنى من التعامل وبناء علاقات مع امريكا والموافقة على روشتات صندوق النقد بسبب المعاناة الشديدة والوضع المزري للحالة الاقتصادية والمعيشية يجعل الشارع المحتقن يتوقع ان اي مسار جديد قادم يمكن ان يخرج البلاد من عنق الزجاجة لعالم الاستقرار وتحسين احوال المعيشة ومع القناعة بان برنامج التعويم لم يكن الوقت المناسب حسب المعايير المتوفرة ولكننا نعتقد ونظن خيرا ان الحكومة لم تكن قد أخذت مثل هذا القرار الشجاع والصعب الا و قد أعدت واتخذت بعض التدابير اللازمة وتدبير مصادر النقد الأجنبي عن طريق الموسسات المالية وموافقات ووعود مؤكدة للدعم قبل الإعلان مع دول كنّا نسمع موافقتهم باحتفاظ وديعة دولارية وعلى الصعيد الداخلي من المفترض قد تم اتخاذ حزمة من الاجراءات والقرارات تساعد وتخفف اثار التعويم على اصحاب الدخل المحدود واعادة النظر في سلم الرواتب للقطاعات العمالية وان هنالك خطة اقتصادية جاهزة لتعزيز الصادر من خلال اعادة تمكين الشركات والمؤسسات الوطنية لاعادة تصدير المنتجات الوطنية التي تدر النقد الأجنبي مع تحسين بيئة الاستثمار الأجنبي واستقطاب شركات ضخمة لتعدين الذهب والبترول والمناجم ان كانت الحكومة عازمة وحازمة و تضع في حساباتها تلك الاحراءات وتزامن الوضع نوعا من الاستقرار السياسي وسكت فوهات جبهات القتال وجهزت المصارف بوابات الخدمة للعملاء بكل سهولة ويسر وإعلان حوافز للمغتربين للتحويل عبر المصاريف نتمنى ان نلتمس الجدية من كل الأطراف وعلى الشعب في الداخل والخارج ان يدعم التوجه الجديد اي التعويم والتفاؤل خيرا لان الرجوع الي الوراء بعد هذه القرارات الكبيرة سيؤثر البلد اقتصاديا وسياسيا واجتماعياً دكتور طاهر سيد ابراهيم عضو الأكاديمية العربية الكندية عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.