تتصف الطبقة الوسطى بسمات عامة تميزها عن بقية الطبقات في السلم الإجتماعي. من أهم تلك المميزات أن أبناءها يميلون لاقتناء السلع المعمرة، فتلك السلع - أو إن شئت - المقتنيات فوق ما توفره لهم من وسائل الراحة والدعة ، فإنها تمثل حيز أمان لملاكها حال الحاجة اليها، ومن أهم تلك السلع أو المقتنيات العقارات والسيارات. لذلك فإن كثيرا من أبناء الطبقة الوسطى يجتهدون في تملك عقار او سيارة، وفي كثير من الأحيان يتداخل تملك تلك المقتنيات مع ضرورات المظهر الإجتماعي حيث يعمد العديد من أبناء هذه الطبقة على تعريف أنفسهم بمجموعة ما يملكونه من عقار و / أو سيارات أو حتى أثاثات منزلية. وهم في ذلك يتنافسون حتى مع ذواتهم وأهليهم بما يمكن أن يُعتمد نمطاً اجتماعياً مميزاً لأبناء هذه الطبقة التي تجهد كثيرا في مراكمة مثل هذه الثروات لينتزع أصحابها "اعترافاً" ما بحظوة اجتماعية في أوساط يتخيلون انها مخملية. فإقتناء سيارة على سبيل المثال في السودان، يحتل ركناً أساسياً في مخيلة وأحلام معظم أفراد الطبقة الوسطى رجالاً ونساءً. لذلك ازدهرت تجارة السيارات بالوارد من الخليج وكوريا واليابان وأوروبا وغيرها... ومع تزايد الطلب، تزايد العرض خاصةً تلك السيارات القادمة من غرب السودان مما عُرفت تجاوزاً بإسم سيارات البوكو حرام. وهي سيارات اقل كلفة من المعروض الوارد عبر الميناء الرئيس للبلاد. ومع تزايد الطلب العالي اخذت في التزايد بشكل كثيف، وبذلك أصبحت تجارة يمتهنها الكثير من التجار بعد مجازفات ليست بالقليلة ولا بالهينة. وقد عمدت الدولة الي تقنينها حال دخولها للبلاد بعد فحصها عن طريق الإنتربول وإعطاء الأوراق الرسمية بعد دفع الرسم الجمركي لها. لتُضاف لكم السيارات الواردة عبر المنافذ المختلفة. غير أنه مؤخرا انقلبت الحكومة على هذه السيارات وأصدرت قرارات مجحفة في حق أصحابها أن كانوا ملاك او تجار. وأمرت بمصادرتها وتحويلها لمصنع جياد للسيارات لصهرها دون تعويض مجزٍ لأصحابها. إن قرار مصادرة وصهر سيارات البوكو فوق أنه قرار مجحف ويتجافى مع أبسط حقوق الإنسان في التملك، فإنه يدين الحكومة أخلاقيا بسبب انها سمحت في الأصل بدخول هذه السيارات لتدخل عبر منافذ حدودية محمية بقوات نظامية أو "شبه نظامية" ويتم تحصيل بعض الرسوم المالية حال دخول السيارة للسودان، وهذا في حد ذاته بداية تقنين واعتراف بدخول السيارة الأراضي السودانية. وبالتالي يصبح وضع السيارة القانونى رهين بتكملة بقية الإجراءات. اما اذا كانت الحكومة تمنع دخول هذه السيارات لأي دواعٍ أمنية وهذا حقها بالطبع، فسيكون التصرف عندها مختلفٌ حيث يجب أن تتم مصادرة السيارة فوراً حال دخولها الأراضي السودانية. الواضح أن النزعة المدينية civility عند من اتخذ هذا القرار الجائر ضعيفة لحد العدم، وأنه لا يمتلك حساسية تجاه ما قد يترتب عليه هذا القرار خاصة لمعظم المتعاملين في تجارة هذه السيارات من أهالي دارفور الذين اخذت تشكل بالنسبة لهم مصدر دخل بديل لكثير من الممارسات التي شهدتها الفترة ما قبل ظاهرة تجارة سيارات البوكو وهي التهريب والنهب لذلك ربما تنشأ هذه الظواهر مرة أخرى وبدرجة أكثر حدة وضراوة. معلوم أن العدالة لا تتجزأ لا سيما وأن ثورة ديسمبر المجيدة هي إنتصار لحقوق الناس من خلال العدالة. ومما يثلج الصدر في هذا الاتجاه أن الحكومة تعمل بكل قوة وسط أنواء معارضة فلول النظام المباد بإرجاع حق الشعب السوداني مما تم سرقته وتحويله لملكية خاصة عبر التمكين من نافذين في النظام البائد، غير أن مصادرة عربات مواطنين عاديين يتطلعون لامتلاك سيارة او التجارة فيها مثلهم مثل بقية أبناء الطبقة الوسطى وصهرها يُعد مخالفة لمقتضيات العدالة وقيم الثورة. فالسيارة التي دخلت عبر ما يُعرف بالبوكو هي ملك لأفراد اقتنوها من حر مالهم وهي حصيلة عمر من المثابرة والتطلع لامتلاك سيارة لذلك فإن مصادرتها هي مصادرة لسنين شقاء وكد وعرق لا يتوافق والحس الإنساني السليم ولا قيم الثورة. فإذا كانت الحكومة ترغب في اتخاذ أي إجراء تجاه هذه السيارات عليها أن تتوخى العدالة في ارجاع حق هؤلاء إليهم إما بالتعويض، او فتح المنافذ الحدودية لتركها تخرج من حيث أتت أو لأي أسواق في دول الجوار يمكن أن تستوعبها طالما لم تكن السيارة قد أُستخدمت في جريمة أو لم تُسرق من أي شخص.