أختلف مع الصحفى المحترم فى رؤيته التى دعى فيها الى مشاركة الأحزاب المغدور بها فى حكومه عريضه وهذا غاية ما يتمناه المؤتمر الوطنى ويسعى اليه هذه الأيام، حتى لو انكر صقوره هذه الأمنيات وادلوا بتصريحات عدوانيه واستفزازيه، وسوف تصبح هذه المشاركه خطأ جديد يضاف للأخطاء العديده التى وقعت فيها تلك الأحزاب التقليديه من قبل والتى الخصها فى سماحها للمؤتمر الوطنى بان ينفرد بالحوار نيابة عن الشمال بكامله وهو صاحب فكر مرفوض من اهل الشمال وتوقيعه على اتفاقية نيفاشا بصورتها الناقصه والقاصره والتى تحمل فى داخلها ما يؤدى الى عدم استقرار البلاد والى انفصال الجنوب وزيادة الأحساس بالغبن لدى المهمشين الآخرين مثل أهل دارفور، فبحسب قسمه السلطه والثروه التى قررتها تلك الأتفاقيه ما كان من الممكن ان ينال اهل دارفور حقوقهم العادله وما يرضيهم وهم لا يقلون عددا عن اهل الجنوب وأقليمهم لا يقل حجما من الأقليم الجنوبى، اضافة الى ذلك فقد كانت هنالك نواقص أخرى فى الأتفاقيه تمثلت فى عدم تحديد واضح لهوية السودان وتمثلت فى عدم حسم علاقة الدين بالدوله وهذا اهم بند ظل المؤتمر الوطنى ومن خلفه الأعلآم العربى يعتم عليه ويتجاهله وينفى بأنه من مهددات وحدة السودان. والواجب كان يستدعى حسم هذه المساله بشجاعه وبما يحقق مصلحة الوطن ووحدته وتماسكه، بنص يقرر أن السودان دولة ديمقراطيه مدنيه اساسها المواطنه تحترم فيها كافة الأديان وكريم المعتقدات، فظروف السودان وتعدد ثقافاته ودياناته يحتم هذا الأمر حتى لا يصبح المواطن المسيحى وحده مواطنا من الدرجة الثانيه ، بل حتى لا يصبح المواطن المسلم نفسه الذى يريد أن يعيش مع ابناء وطنه الأخرين متساويا ومتسامحا وأمنا، كذلك مواطنا من الدرجة الثانيه أو مفروض عليه فكر غريب ووافد ودخيل على وطنه الذى تشكل على اساس تعددى منذ الأزل! وكان الواجب يحتم على قيادات تلك الأحزاب خاصة (الأمه) و(الأتحادى) حتى توافق على اتفاقية نيفاشا وأن تحمل اسم اتفاقية السلام الشامل ان تنص تلك الأتفاقية على حل الحكومه القائمه وتشكيل حكومه قوميه تسبق الأنتخابات بفترة كافيه لا تقل عن ثلاثة اشهر، حيث لم يشهد التاريخ السياسى الحديث فى العالم الثالث بالذات أن تخلى نظام انقلابى عن سلطته التى وصل اليها عن طريق القوه، طائعا مختارا لنظام بديل عن طريق ديمقراطيه حقيقيه غير مزيفه، يمكن ان تحاكمه على ذلك الخروج السافر. وجميع الأنظمه الدكتاتوريه والشموليه مستخدمه الآله الأعلاميه ومستغله موت ضمير بعض المثقفين والتكنوقراط دائما ما تزور الواقع وتدعى بأن الشعب يؤيدها ويساندها وجميعها تتحدث عن تنميه فى البنيه التحتيه وتغيير احدثته فى المجتمع، ثم تكتشتف الحقيقه المحزنه بعد زوال تلك الأنظمه وذهابها للشارع وكمثال لذلك نظام مايو وما حدث لقادته بعد انتفاضة ابريل 1985. الشاهد فى الأمر أن مشاركة الأحزاب المغدور بها على النحو المهين والمذل بالطريقه التى اقترحها الصحفى المحترم التى زورت فيها الأنتخابات بصورة لم تحدث فى جمهوريات الموز، يعنى انتحار سياسى لهذه الأحزاب وسقوط لا قيام بعده ولن تفيد هذه المشاركه الوطن شيئا. فاذا كان الأمر كذلك فما هو الحل وكيف يمكن أن ننقذ الوطن بعد أن ادخله المؤتمر الوطنى فى وحل، وورط نفسه بهذه النتيجه المخجله التى خرجت بها الأنتخابات وجعلت الحال لا يسر المنتصر بصورة تفوق غبن المغدور به أو الطرف الخاسر بحسب رأى من يسيرون بالوطن نحو نفق مظلم؟ الحل هو دون مجامله أو (تزويق) ان يتعامل شرفاء السودان من احزاب وحركات ومثقفين ومنظمات مجتمع مدنى مع الحكومه القادمه بأعتبارها حكومة امر واقع أو أمتداد لنظام الأنقاذ الأنقلابى الذى أجهض الديمقراطيه واستلم السلطه فى يونيو 1989، وأن تحدد فترة زمنيه لبقاء هذه الحكومه وأن تعتبر هذه الأنتخابات الزائفه كأنها لم تكن والا يعترف بها، وأن ينظر لها كتمرين فاشل لمباراة مصيريه أو بروفه غير مكتمله لمسرحية عبثيه، وأن تطالب تلك الجهات الوطنيه بالأعداد لأنتخابات حقيقيه يعاد التسجيل فيها من الأول وأن يشمل كافة السودانيين فى المهجر وأن تحل المفوضيه غير الديمقراطيه وغير المحائده القائمة الآن، وأن تشكل مفوضيه جديده من قضاة مشهود لهم بالنزاهة وطهارة اليد لم يعملوا فى نظام الأنقاذ أو مايو، فكما هو واضح ان الكوادر المايويه قد تسربت داخل جسد الأنقاذ وذابت وأنصهرت فيه، لما لا وقد ثأرت لهم الأنقاذ من الأحزاب الديمقراطيه التى انتفضت عليهم من قبل وازالت نظامهم الذى ذهب الى مزبلة التاريخ. وأن تعلن حكومة الأمر الواقع استقالتها قبل ثلاثة اشهر من الدخول فى الأنتخابات الجديده، وعن طريق التسجيل الجديد العادل الذى اقترحناه يمكن ان يحدث التحول الديمقراطى الحقيقى المنشود الذى ينتظره أهل السودان وأن يأتى برئيس ونظام قادر على حل مشكلة دارفور وعلى جعل الوحدة بين الشمال والجنوب ممكنه. فالشعب السودانى الحر غير المسلوب الأرادة غير مهيأ نفسيا للتعامل مع نظام الأنقاذ بسبب ماشهده من ظلم واضطهاد وتفرقه واهانة واذلال على يد هذا النظام، حتى اصبح المواطن السودانى المنتمى للنظام نفسه والذى يعمل ضمن اجهزته حينما يخرج عن ارض الوطن يشكو ويردد لسانه رغما عنه عبارات مثل (الجماعه ديل ضيعوا البلد)، حتى تستغرب وتستعجب كيف يشكو (ديل) من (ديل) ومن هم الجماعه الذين يعنيهم محدثك المنغمس فى النظام؟! ومن يلوم الأحزاب الخاسره على عجزها وتقصيرها وعدم تنظيمها، هو واحد من اثنين اما شخص غير متابع بصورة جيده لما يدور داخل السودان وكيف ان تلك الأحزاب اخترقت وقسمت بعمل مدبر من المؤتمر الوطنى حتى اصبح القيادى فى حزب من الأحزاب يجد أحد كوادره قد اسس حزبا جديدا يحمل اسم الحزب القديم الذى خرج عليه وفى ذات الوقت ينفذ اجندة المؤتمر الوطنى بصورة أكبر مما يريد منه قادة المؤتمر الوطنى الذين البوه على حزبه. أو هو شخص فاقد للأمانه والنزاهه، فقيادات الأحزاب وكوادرها ظلت خلال العشرين سنه الماضيه مطارده ومبعده ومضيق عليها وأموالها وممتلكاتها مصادره وغير مسموح لها بالدخول فى اعمال تجاريه تحقق لها مكاسب وموارد ماليه حتى تصرف على احتياجات الحزب وحركته وما لا يعلمه البعض أن نظام الأنقاذ اباح للمؤسسات الحكوميه غير المسموح لها بالعمل فى التجاره بأن تعمل فى ذلك المجال وأن تنافس وتحقق الأرباح مثل الشركات العامه والخاصه! والأمانه تقتضى ان نقول حتى لو حقق المؤتمر الوطنى انتصاره الذى يتباهى به الآن بصورة نزيهة ودون تزوير، فهذا لا يعنى انه قد كان نزيها وكان همه مصلحة الوطن، فابسط مقومات العداله وما يؤدى الى التحول الديمقراطى ان تكون كل الظروف والأمكانات الماديه متساويه بين كافة الفرقاء وأن تتعامل الوسائط الأعلاميه بحياديه مع الجميع حتى ينبثق من هذا السلوك الحضارى تنوع وتعدد فكري وسياسي يثرى البرلمان والحياة السياسيه كلها لا أن يستاثر حزب واحد بكل شئ ويجعل طريق الأنتصار ممهدا لمرشحيه وحدهم من خلال وضع القوانين واللوائح ومن خلال اشارات حمراء تخيف المواطن وتجعله يشعر باليأس والأحباط وبأستحالة أى تغيير يمكن ان يحدث، وأنه لن يجد الأهتمام والرعايه والأمن من الدوله اذا صوت لغير النظام القابض على السلطه والثروه. ومن اعجب ما افرزته هذه الأنتخابات المزوره انها جعلت من المستحيل بروز زعيم للمعارضه داخل قبة البرلمان الا اذا تم تنصيبه من بين اعضاء الحزب الحاكم ، أو أن تصبح الحركه الشعبيه شريكا فى الحكم وفى ذات الوقت يكون احد نوابها زعيما للمعارضه! من المؤكد ان النظام لن يهمه كلما سقناه ولن يعمل به ولن يضع يده مع الجميع ويوافق على أن هذه الأنتخابات كانت فاشله ومزوره ومزيفه لأرادة المواطن السودانى وتم تفصيلها على مقاس المؤتمر الوطنى تماما، لذلك فالحل هو ان يتضامن كافة السودانيين الذين يؤمنون بالديمقراطيه وبالعداله والمساواة وبوطن سودانى يسع الجميع على اختلاف ثقافاتهم ودياناتهم، فى كيان عريض وأن يواصلوا النضال السلمى من أجل تحول ديمقراطى حقيقى مهما طال امده، وحينما يتحقق هذا الحلم لا نتمنى للأنقاذيين ان يعيشوا حياة المنافى والمهاجر والأغتراب واللجوء والتشرد والموت على الأسلاك الشائكه بين حدود الدول، وهذا ما ارغموا عليه كافة الشرفاء من اهل السودان، بل نتمنى ان يقتنعوا وقتها بحق الآخرين فى ان يعيشوا مثلهم متساويين فى الحقوق والواجبات وأن يكون القانون سيد الجميع. وأكثر ما اخشاه وأحذر منه ان يضطر النظام من كانوا يؤمنون بالحوار العقلانى وبالحلول السلميه ويقاومون بالفكر والقلم طيلة هذه الفتره أن يصيبهم اليأس والأحباط وان يستبدلوا تلك الأدوات بالسلاح ويومها سوف لن يبقى وطنا اسمه السودان.