دولة إفريقية تصدر "أحدث عملة في العالم"    والي الخرطوم يدشن استئناف البنك الزراعي    الناطق الرسمي بإسم القوات المسلحة السودانية: نحن في الشدة بأس يتجلى!    السودان: بريطانيا شريكةٌ في المسؤولية عن الفظائع التي ترتكبها المليشيا الإرهابية وراعيتها    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    البطولة المختلطة للفئات السنية إعادة الحياة للملاعب الخضراء..الاتحاد أقدم على خطوة جريئة لإعادة النشاط للمواهب الواعدة    شاهد بالفيديو.. "معتوه" سوداني يتسبب في انقلاب ركشة (توك توك) في الشارع العام بطريقة غريبة    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تقدم فواصل من الرقص المثير مع الفنان عثمان بشة خلال حفل بالقاهرة    شاهد بالفيديو.. وسط رقصات الحاضرين وسخرية وغضب المتابعين.. نجم السوشيال ميديا رشدي الجلابي يغني داخل "كافيه" بالقاهرة وفتيات سودانيات يشعلن السجائر أثناء الحفل    شاهد بالصورة.. الفنانة مروة الدولية تعود لخطف الأضواء على السوشيال ميديا بلقطة رومانسية جديدة مع عريسها الضابط الشاب    بعد اتهام أطباء بوفاته.. تقرير طبي يفجر مفاجأة عن مارادونا    موظفة في "أمازون" تعثر على قطة في أحد الطرود    "غريم حميدتي".. هل يؤثر انحياز زعيم المحاميد للجيش على مسار حرب السودان؟    الحراك الطلابي الأمريكي    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    معمل (استاك) يبدأ عمله بولاية الخرطوم بمستشفيات ام درمان    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    انتدابات الهلال لون رمادي    المريخ يواصل تدريباته وتجدد إصابة كردمان    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    القلق سيد الموقف..قطر تكشف موقفها تجاه السودان    السودان..مساعد البرهان في غرف العمليات    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دفاع عن التعصب ؟ (3-3) .... بقلم: خليفه دسوقي الجبرتي
نشر في سودانيل يوم 16 - 07 - 2010

تعقيب على مقال الدكتور النور حمد " لماذا يصحو مارد الهضبة ويغفو مارد السهل
لا أملك إلا ملاحظة أن نهج “الدكتور النور حمد" ، نهج تبسيطي إن لم يكن نهجا ساذجاً في ما يخص إيثيوبيا وتاريخها. وفي ظني أن المشكل عند الدكتور، هو ذلك الخلط المعتاد الذي يقع فيه الكثيرون حين يحسبون أن الأسماء أكسوم، والحبشة، وإيثيوبيا أسماء مترادفة لمسمى واحد، وهذا خطأ كبير ومربك. فمن بين الأقاليم الثلاثة عشر التي تتكون منها إيثيوبيا الحاليه فإن ثلاثة أقاليم ، في الشمال الغربي لإثيوبيا الحالية بالإضافة للهضبة الإريترية، هي الحبشة وهذه لا تشكل إلاّ أقل من عشرون في المائه من المساحة الكليه لإيثيوبيا بما فيها ذللك الجزء من إريتريا.
وإلى جانب هذه الصعوبة فإن التعامل المعرفي مع التاريخ الإيثيوبي يتميز بوعورة مسالكه ودروبه، وذلك نظراً للتداخل المكثف لمختلف العناصر المتصارعة بوجوه مختلفة في ازمنتها المختلفة المتتابعة ، فترى تداخل الشأن السياسي مع العرقي العنصري ومع الديني تداخلاً ملتوياً يصعب معه الوصول للحقيقه بخط مستقيم، كما يحاول الدكتور الكريم أن يفعل.
ولتفكيك الضبابية الناتجة من ناحية عدم تطابق إسميّ الحبشة و إيثيوبيا، فإنه لا بد من التذكير أن الأحباش هم المتحدثون بأحدي اللغتين، التجرينية في شمال البلاد في تيجراي و مرتفعات إريتريا، والأمهرية عند مرتفعات الأمهرا وجوجام وبيجمدر وجزء من شوا، فقط.
من هنا نرى أن الجزء الأكبر من إيثيوبيا ليس الحبشة، وأن الغالبيه العظمى من السكان الإيثيوبيين ليسوا من الأحباش، بل إن الأحباش الساميين لا يشكلون إلا أقلية متواضعة إذا ما قورنوا بالبقية الباقية من شعوب إيثيوببا ،فهم لا يساوون من حيث التعداد حتى شعب الأورومو الكوشيين الذين يشكلون الأغلبية من سكان إيثيوبيا الحالية.
ومن المكونات القوميه والعرقية لإثيوبيا الحاليه إلى جانب العنصر الحبشي، هناك الساهو الكوشيين في محيط منطقة تجراي ، وهناك أيضاً العفر من سكان منطقة منخفض الدناكل، وهناك سكان هرر والأوجادين من الجالا، والصوماليين، وهناك في السهول الغربية التي تلي مرتفعات الحبشة السكان من العناصر الزنجية والعناصر الأخرى الغير حبشية مثل البني شنغول وغيرهم . وما هذا إلا جزء من الشعوب الإيثيوبيه يتبقى الكثير بعد هذا للحصر.
وعند الحديث عن إيثيوبيا، أصبحت العادة هي مساواتها بالحبشة، ربما لأن الهيمنة والسيادة على كامل إيثيوبيا كانت وما زالت للأحباش المتكلمين بالتجرينية أوالأمهريه، فهم الأبرز وهم الواجهة والوجه واللّب . وفي الحقيقة فإن إيثيوبيا في تاريخها وبشكلها الحالي لم يحكمها سوى المتحدثون باللغة التجرينية والأمهرية، كل على حدة ( ورغم أنف الآخر في أحيان كثيرة كما هي الحال الآن ) أو بالتحالف في ما بينهما ، فالحكم والسيادة كانت دوماً وما زالت حكراً عليهم فهم المركز وغيرهم الهامش والمُهمَل . ومن هذا الموقف وغيره يمكن فهم حساسية العناصر الحبشية الحاكمة، وعدم إقرارها بتسمية بلادها بالإسم الذي عرفت به قديماً ولفترة طويلة، وهو اسم الحبشة، وذلك حتى يتسنّى لها نسْب نفسها لمملكة إيثيوبيا القديمة التي كانت تشمل المساحة بين النيل والبحر الأحمر ممتده من حدود مصر الجنوبية شاملة السودان حتى جنوب مدينة الخرطوم ، في بعض المصادر، أو حتى خط الإستواء كما في ذهب إليه كتاب تاريخ الحبشة والنوبه ل " واليس بادْج Wallis Budge". لكن المؤكد هو أن مملكة إيثيوبيا القديمة لم تشمل الحبشه الحقيقيه (Abyssinia Proper ) أبداً، ولم يحدث أن كان أي جنس من الأجناس السامية من مركبات تكوين تلك المملكة ذات الحضارة العظيمة مما يستبعد الأحباش ويستثنيهم منها كشعب من الجنس السامي. وفي حسبان الإيثيوبيون، الآن، حين يطلقون اسم إيثيوبيا على بلادهم الحبشة زوراً، أنهم يضفون عليها نسباً عريقاً وشريفاً، يمنحهم شرعية تبعد عنهم تهمة تسلّط العنصر الحبشي الأمهري والتجريني على غيرهم من العناصر.
وفي الحقيقة ، فأنه إذا حدث وأن وُجِد أنه كانت ثمة علاقه بين هذه الأقاليم الحبشية (Abyssinia proper) ومملكة إيثيوبيا القديمة فإنه يستحيل عقلاً إلا أن تكون تلك العلاقة بين هذه المملكة(إيثيوبيا القديمة) وشعوب البجة الكوشيين الذين استوطنوا هذه البلاد قبل عبور السبأيين الساميين البحر الأحمر من جهات اليمن، واستيطانهم تلك الأرض، ودفع البجة نحو المنخفضات كما فعل هؤلاء أنفسهم بمن سبقهم من العناصر الزنجية التي تحتل الأن الأجزاء الجنوبية والجنوبية الغربية من إيثيوبيا الحالية. والسبب في استحالة وجود علاقة بين الحبشة الحقيقية وإيثيوبيا القديمة، هو أن صعود أكسوم وسقوط إيثيوبيا كان متزامناً تزامناً عجيباً ، فعندما غزا ملك أكسوم " إزانا " تلك المملكة العظيمة فإن غزوته تلك لم تكن سوى إجهاز على محتضر(coup de grace ) أثخنته جراح روما القاتلة .
كتب االمستشرق اليوناني شمس الدين ميجالوماتيس Megalommatisفي موقعه على شبكة الإنترنت Buzzle.com :
" كانت كلمة " الحبشة " هي الإسم الرسمي للبلاد حتي منتصف الثلاثينيات من القرن العشرين و حتى عصر هيلي سلاسي. وكان من المحتمل أن يبقى الحال كذلك لولا غَلَبة المستشرقين (الإنجليز والفرنسيين بصفة خاصه) على الملك الشاب ليختار اسم إيثيوبيا. ولم يكن هذا عليه عسيراً ، فشعار عرشه كان هو المزمور 68:31 ، الذي ينص على : " وتخرج الوفود من مصر وتبسط إيثيوبيا يديها تضرعاً لله".
وأما السر في إصرار القوى المناوئه لإيطاليا لمطالبتها الحبشة بتبديل اسمها، فإنه موضوع بحث واسع ومطول، إلا أن هذا لا يمنع ملا حظة عدم الدقة في تسمية الممالك الحبشية الصغيرة في تجراي وأمهرا حول مدينتي "مقلي" و" جوندر" باسم المملكة القديمة "إيثيوبيا " . وحقاً فإن كل شيئ هوحصيلة التصديق الذي تمنحه لدعاويه، فيوهانس الرابع ذلك الطاغية البربري والذي حارب المهدية، كان يدعو نفسه " ملك ملوك إيثيوبيا " في سنة 1872، وكانت عيناه حينذاك على أقاليم في السودان. ويضيف الأستاذ ميجالوماتيس ساخراً : " ولكنه كان يلقِّب نفسه، "ملك صهيون " أيضاً، فهل لنا أن نعتبره ملك إسرائيل في المنفى وفي العصر العثماني.؟"
ويمضي الأستاذ ميجالوماتيس في موضع آخر من نفس موقعه:
"تعتمد الممارسات الشموليه في شرق إفريقيا إعتمادا شديداً على تزييف التاريخ وترويج الخطط الإستعماريه والخلط والإرباك التعليمي- الثقافي – التاريخي والجهل. وفي حالة إيثيوبيا فأن العقيدة الأساسية للدوله الشمولية تتعلّق بمفصل مهترئ و هو فعل الإغتصاب المشين لإسم " إيثيوبيا " والذي كان إسماً "لكوش" و " مروي "
"وفي الحقيقه فإن تبديل اسم الحبشه لإيثيوبيا أمر غريب، لأنه لم يحدث وفي أي مرحلة من مراحل تاريخ مملكة إييثيوبيا القديمة – كوش – أن سيطرت على أي جزء مما يعرف الآن بإقليم الحبشة ، وإضافة على ذلك فإن تاريخ كوش ( إيثيوبيا القديمة) لم يتضمن أي شعب من الشعوب السامية.
وشره الأحباش لالتهام وتمثل اسم إيثيوبيا أمر قديم جدا يعود للعصر الذي غزا فيه ملك أكسوم ُ "إزانا" Ezana مملكة إيثيوبيا القديمة (مروي ) في القرن الرابع الميلادي وأسقط ما كان قد تبقى منها بعد هزيمة إيثيوبيا على يد الرومان، ولم يبقى احتلاله ذلك أكثر من خمسون عاماً.
وأخذاً بالتقاليد القديمة للغزو، وكغيره من الكثيرين من الغزاة الذين يسمون أنفسهم في أثارهم أنهم ملوك بلادهم وأيضاً ملوك الأراضي التي فتحوها ، نرى الملك إزانا وقد أصبح في أثاره إضافة لملك أكسوم ملكاً لسبأ وصالحين وذي ريدان ومروي (إثيوبيا). وفي الحقيقة فإن هذا الملك لم يحتل كل مساحة مملكة مروي بل إنه لم يحتل إلا خمسها, فهل يعقل انطلاقاً من هذا أن نعيد تسمية إنجلترا ونطلق عليها الآن اسم " الهند " لأنها كانت قد احتلّت وسيطرت على الهند لمئات السنين وليست خمسوناً منها فقط ؟
إيثيوبيا الحديثة إذن، كما القِدم، بلد متعدد القوميات و الأعراق والثقافات والحضارات، ولكن السُلطة ونظام الحكم فيها ومنذ بداية قيام الدوله الحبشيه الحديثة، في عام 1270، حكراً على فئة واحدة هي فئة الأحباش في المركز دون الآخرين من القوميات والأعراق، أصحاب الهامش، الذين فرضت عليهم اللغة والتبعية وفي كثير من الأحوال العقائد الحبشية. ومن الممكن القول باطمئنان أن كل الحروب التي دارت في إيثيوبيا حتى الآن هي في حقيقة أمرها حرب واحده طويلة، تشتعل آناً وتخبو آناً لتشتعل من جديد، حرب بين النخبة القابضة على موجِّهات السلطة والثروة في المركز وبين الهامش المحروم الذي يحاول التملص دائماً من قبضة القهر والإستغلال والإستبعاد. وما يجعل المرء لا يرى أن هذه الحروب ما هي في حقيقتها، حرب طويلة واحدة امتدت لقرون ، هو طول تلك الحرب ذاتها فهو الذي يفرض تغير وجهها في كل مرة تشتعل فيها بعد خمود. و في كل مرة يعلو لهيبها فإنه يعلو معبراً عن نفسه بمفردات الروح السائده في كل فترة من فترات اشتعال تلك الحرب، فحروب القرن السادس عشر كانت في ظاهرها حرب بين المسيحية الحبشية و الإسلام ولكن الحقيقة هي، كما شخصها المستشرق الإيطالي كونتي روسيني( Conti Rossini) وكثيرون غيره ، أنها لم تكن سوى حرب هيمنه وتسلط و جباية ثم حرب مضادة لها متمنعة ومقاِومة. و لكن الجباية و الرغبة في التوسع لم تكن بالضرورة في نفس الإتجاه المطلق الذي يحب الدكتور " النور حمد " رسمه بل إن الشواهد والدلائل التي لا يمكن ضحدها تشير لعكس هذا الإتجاه في الغالب الأعم. ففي كتاب الإسلام في إيثيوبيا يقول مؤلفه :
"إن الصراع الذي تفجر بين الممالك الإسلامية ومملكة الحبشة، لم يكن صراعاً دينياً ، بل صراعاً من أجل الهيمنة السياسيه، والتوسع للسلطة الأمهرية لصالح ظهور إمبراطورية عظيمة وكان هذا نتيجة الإستجابة لتحول مجتمعات القبائل الوثينيه للإسلام والذي نتج عنه سعي الحبشة للسيطرة والهيمنه على هذه المجتمعات."(صفحة 56).
ولكن سلسلة الحروب الواحدة هذه ما كانت لتعبِّر عن نفسها وتصفها في خطابها السياسي إلا بالمفردات التي سادت في وقتها وما كان لها أن تعبِّر بمفردات كمفردات القومية، مثلاً ، لأن فكرة القومية ذاتها لم تكن قد ظهرت في تلك الأيام حتى في أوروبا نفسها ، وما كان لها أن تعبر عن نفسها بمفردات التحرر القومي (كما يمكن أن يتمنى ّ الدكتور النور أيضاً) الذي لم يكن قد طرق أبواب الفكر السياسي حتى في أوروبا. ثم الم تكن الحرب مشتعلة في تلك العصور بين القوتين البحريتين العظميين، البرتغال والعثمانيون ولأسباب اقتصادية نفعية بحته، حتى وكلتاهما تعليان وترفعان رموز عقائد لايمكن لمن يؤمن بأي من تلك العقائد أن يفعل ماكانت هاتين القوتين تفعلانه باسم الصليب والهلال من تدمير لبلاد وثغور لا ناقة لها في صراعهما ولا جمل . ولكن هذا لا يمنع من التروي قبل الحكم على أي منهما لمجرد أنهما قد لجآ إلى التعبير عن نفسيهما بالمفرادت المفهومة والسائدة في ذلك العصر وليس بمفردات عصر الدكتور النور حمد، كما يتمنّى أن نفهم. وإذا كان الدكتور الكريم يرى في هذا الرأي خطلاً فليحدِّثنا اليوم بمدركات ومفردات المستقبل القريب ، عشرون سنة من هذا اليوم مثلاً ، ولكنّنا لا نعده بالفهم وعليه الاّ يطالبنا بذلك! أليس هذا عدلاً؟
وبالرغم من أن مؤلِّف كتاب " الإسلام في إيثيوبيا " قد نطق بالحق في الفقرة الوارده اعلاه ، فإنه لم يتورّع أن يكشف عن موضع عطفه دون حرج أو حياء، يستر به زيف ما يدّعيه من علمية وموضوعية، لا تعير الهوى اهتماماً. فهو في فقرته تلك يصرح لقرّائه، دون مواربة، أن تحول القبائل الوثنيه لدين آخر يستوجب ويبرر الغزو الحبشي للسيطرة والهيمنة وإنشاء الإمبراطوريات.
وفي الحقيقه فإن من يقرء في كتب تاريخ ملوك إيثيوبيا يمكن أن يرى بوضوح رجحان ما يذهب إليه هذا الكاتب من أن حروب الحبشة منذ ظهور أكسوم وحتى يومنا هذا لم تكن إلاّ حرباً واحدة ، حرب هيمنة وسيطرة وتسلط فئة استيطانية وافدة على من جاورها وسبقها في المُقام. ألم تكن أكسوم عند نشأتها إلا مستوطنة محاربة وفدت من جنوب الجزيرة العربيه، وحلّت محلّ من كان قبلها من الشعوب فدفعت بهم جنوباً وغرباً . أليس حقاً أنه وحتى عند بلوغ قوة أكسوم الذروة فإنها لم تكن إلا سوط عذاب على جيرانها تسلّطه روما عليهم عند الحاجة.( راجع هذا في كتاب تاريخ السودان لمكي شبيكة)، ألم تكن روما هي التي زوّدت الحبشة بالقوارب التي حملت جيش ملك أكسوم " كاليب " لغزو اليمن لاستئصال شأفة النفوذ الفارسي لمصلحة روما في سنة 520 ميلادية (راجع كتاب سقوط واضمحلال الإمبراطورية الرومانيه لإدوارد جيبون).
لم تكن أكسوم إذن إلا ملحق وجيب من جيوب روما، ولا يمكن الظن في أنها أكثر من مشروع حضارة، أجهضت، كما قال عنها المؤرِّخ البريطاني الشهير " أرنولد توينبي". وربما كان الفضل في إضافته لها على قائمة الحضارات (ولوكانت ضمن المُجهَضة ) يرجع لمسلات أكسوم المصمتة الخرساء والتي لا كتابة عليها أو نقش تقول به عن نفسها شيئاً، بل إنها لا ترقى من الناحية الفنية والقيمة الجمالية لكنيسة لا ليبيلا، المنحوته من قطعة واحدة من الصخر، ، والتي بناها ملك من ملوك "آل زاجوي" الأجو الكوشيين بعد ما يقل عن قرن من الزمان على اضمحلال أكسوم وتحررهم منها. وهكذا وبعد قول ما قيل عن أكسوم، هل هناك من يظن في قائله الشطط؟ وإن كان الدكتور" النور حمد" أوغيره،يظُّنون ذلك، فليأتونا بأي عنصر أو مكون أصيل من مكونات الحضارة ساهمت به أكسوم، ويشيرون إليه ويخبرونا به ويعينونا فيقولون أين فن تلك الحضارة أين موسيقاها وآدابها أين أشعارها وعلومها ودياناتها وفلسفاتها وفنونها وكتبها وأقوال حكمائها ومغامريها . أين كل هذا؟
ومما يعضدد مايذهب إليه هذا الكاتب هو سقوط أكسوم وطريقة سقوطها، فهي لم تسقط نتيجة ضغط عسكري أو غزو من أحد ، بل سقطت اضمحلالا بعد زمن وجيز من انقطاع الحبل السُّري الذي كان يربطها بالعالم الروماني إثرسقوط مصر للغزو العربي في القرن السابع الميلادي فخلف مُلكها وورثه " آل زاجوي " من قبائل (الأجو) الكوشيه المحلية والأقدم وجوداً من شعب أكسوم ذاته.
إن الحروب التي بدءت بعد سقوط " آل زاجوي" في 1270 وبعد صعود الأسرة السليمانية ، التي كان هيلي سلاسي آخر ملوكها، ليست في حقيقتها إلاّ استمراراً لحرب التوسع و السيطرة على الآخرين وهو نفس منهج أكسوم في البقاء. ومن المعقول غاية المعقوليه مقارنة أكسوم ب"سبارطة" في اليونان القديمة. صحيح إن أكسوم كانت تقل في الوزن كثيراعن "سبارطة " اليونانية بل ومن المستحيل مقارنتها بها من حيث استقلالها وتنظيمها العسكري وتمدْينها وعقيدتها ونظمها القانونيه والإجتماعية إلا أن ذلك لايمنع أنها كانت نسخة همجية من نفس تلك الدولة العدوانية التي كانت عالة على بلاد اليونان. ولقد تحدث المؤرخ والفيلسوف الأمريكي " ويل ديورانت" في كتابه " قصة الحضارة (Will Durant: The Story of Civilization ) عن سقوط اسبارطة، حديثا ربما كان جديراً أن يكتب على شاهد قبر الحضارة المزعومة لأكسوم، مع بعض التعديل وبعد وضع كلمة أكسوم محل كلمة اسبارطة:
" لقد استحوذت عليها النزعة العسكرية وجعلتها أداة تعذيب لجيرانها بعد أن كانت في مكان الشرف منها، ولما أن سقطت، عجبت الأمم كلها من سقوطها ، ولكن ما من أمة حزنت لها. ولا نكاد اليوم نجد بين الأنقاض القليلة الباقية من هذه العاصمة القديمة نقشاً واحداً أو عموداً واحداً ملقىً على الأرض يعلن للعالم أن اليونان كانوا في يوم من الأيام يسكنون هذا المكان" (Volume II part I p. 161)
إن من يرغب في رحلة داخل التاريخ الحبشي يجب أن يعدّ نفسه للملل القاتل وهو يقرء تاريخ ملوك إيثيوبيا، مللا،ً ربما كان سببه الرتابه والتكرارالعجيب ، تكرارا،ً يكاد أن يقترب من الحرْفية ، فقصة وسبب عظمة هذا الملك هي نفس قصة ذلك الملك، وهي قصة الهبوط نحو الجنوب والجنوب الشرقي لهذا الملك وذاك ومن بعده مرة بعد أخرى، ثم يتبعه قتل وحرق ونهب وتدمير وقسوة. و تتكرر هذه الرواية مرة بعد مرة وبعد تتويج كل ملك من ملوكها.
ففي كتاب السير واليس بادج " تاريخ الحبشة و النوبة ( A History of Ethiopia: Nubia and Abyssinia. ) ينقل المؤلف (ص246) من النقوش التي اكتشفها المستشرق عالم الآثار الألماني إينّو ليتمان(Enno Littman) :
" تقدم الملك لمناطق إلى الجنوب و الجنوب الشرقي لأكسوم وحين أقام معسكره في منطقة " أبالكايو" جاءه ملك "أجوزات" حاملاً هدايا كثيرة. ثم واصل الملك حملته في بلاد "أتاجاو" وجمع الجمال وبهائم أخرى وأخذ منهم مؤونة عشرون يوماً من الطعام " . وفي حملته التالية كان "أزانا" ينفذ حملة تأديبية ويبدو أن من يُعْرفون بالساراني ، هي قبيلة متوحشة ، والتي كانت تعيش في منطقة تعرف ب" آفان " . ولا يعرف موقع آفان هذه اليوم، ولكن من المؤكد أنها كانت على درجة من البعد عن أكسوم يتيح لها اقتراف جرائمها التي استحقت غضب الملك عليها . ثم أن الملك هاجم أربعة من حلفاء "آفان " ودخل في معركة كبري مع السارائي قتل فيها المئات من الرجال والنساء ومئات أخري من الأسرى. وفي نهاية الأمر فإن أزانا حمل معه غنائم حربه أكثر من إثنين وثلاثين ألف من الماشية وثمانمائه من الجمال والبغال (أو حيوانات الحمل كما يسميها بادج)
ولو أتيح لك أيها القارئ العزيز أن تقرء في حوليات الملك " عمدصيون" أو تاريخ الملك "يكونو أملاك" أوحوليات الملك "زرء يعقوب " ونزولاً حتى يوهانس الأول وتيودروس وربما " منليك الثاني" فإنك ستقرء نفس هذه الفقرة في المعنى بتكرار ممل بامبراطور مختلف في كل مرّه، وكنت سترى الإمبراطور، سيد الحبشة، الذي لا بد وأن يكون من أحد القبيلتين الساميتين والذي يجب وأن يكون مسيحيا أرثوذكسيا يتبع الكنيسة الحبشية، وكل هذا مشروط بكونه إضافة على ذلك من نسل سبأ والملك سليمان، ترى كل امبراطور آخذاً في الهبوط من هضبته تصحبه جحافل جيشه الذي لا يحمل مئونته معه بل يعتمد على القرى والنجوع التي ينزل بها لمدة تكفي لبث الخراب والفقر فيها لزمن طويل.
وفي السهل وبدءاً من أسفل الهضبة وقاعدتها يبدء في القتل والنهب والخطف من أجل الإسترقاق وترى العواصم والمدن تحرق والاموال تنهب وكل ذلك كان يحدث تحت راية الصليب فيقاومه الآخر بشعار الهلال وتصبح الحرب وكأنها حرب دينيه وهو توصيف وتفسيرللتاريخ تفضله النخبة الحاكمة من الأمهرا والتجراي وأعوانهم والمتعاطفين من الأجانب فتظهر الحبشة كالمحاصَرة وهي تحاصر و تهيمن وتتحكم ويصبح تحديها وتحدي طغيانها وكأنه تحد للمسيحية والحرب عليها حرب على مسيحيتها. إن القصة يمكن اختصارها في المشهد الإيثيوبي الحقيقي وهو مشهد حرب ناشبة منذ القِدم، ما تزال تدور رحاها بين مركز مهيمن سياسيا ومسيطر اقتصاديا ومتسلط افتصاديا وهامش محروم من حقوقه الإنسانية والسياسية والإقتصادية لمدة ثمانمائة عام أو تزيد.
وحروب القرن السادس عشر التي أشار لها الدكتور الكريم لايمكن رؤيتها إلاّ ضمن الصراع التاريخي الطويل بين المركز المستبد وكان مسيحياً عرضاً وبين المحيط أو الهامش الذي كان مسلما عرضاً ، أيضاً، لأن الحرب لم تكن بسبب أن الأول مسيحياً والثاني مسلماً بل لأن الأول أو المركز كان يهيمن على الآخر في الهامش، ولا يمكن رؤية حروب الإمام وغزوه الهضبة إلا ضمن هذا السياق. فانتصاراته التي حققها لم تكن إلا انقضاض الهامش على المركز. ولم يكن لهذا الصراع أن يُعبِّر عن نفسه إلاً بلغة عصره وروحه وكان العصر عصر الفتوحات البرتغالية التي كانت ترفع راية الصليب وكان العصر عصر الصراع بين القوى المسيحية الناشئة والإمبراطورية العثمانية، فهل كان من الممكن في حبشة ذلك الزمان، التعبير عن صراعاتها خارج هذا السياق الكوني كما يتمنّى الدكتور النور حمد، أم أن حديثه عن السياق التاريخي وال context يستثني هذا السياق ؟
ولا يمكن طبعاً نكران حدوث حروب أخرى متعاصرة مع الحرب الطويلة الكبرى أوحتى داخل تلك الحرب نفسها فلقد أورد الدكتور " إبراهيم أبو الريش " مترجِماً عن آلان مورهيد وصفاً تقشعرُ له الأبدان للحياة في الحبشة في الربع الأخير من القرن الثامن عشر:
" وكانت الأحوال في إيثيوبيا تسير في غرابة أشبه بالحلم المزعج، وكما قال بروس في كتابه الذي وضعه عن هذه الرحلة – أن ما يجري من أحداث لم يكن بينها أي انسجام أو أي شئ من المنطق – فقد كان ذلك العصر هو عصر المآسي الكبرى التي اشتهرت بها العصور الوسطى ، عندما كانت القسوة تنصب اثر القسوة في غير رحمة أولين، والذعر يأتي فوق الذعر في غير هوادة أو مهادنة ، حتى لينصهر كل شيئ في بوتقة واحدة من الوحشية العارمة وسفك الدماء البريئة دون تمييز. ويصف لنا بروس كلّ ذلك في دقة ووضوح ، فجيوش زاحفة لتلتحم بجيوش زاحفة في اتجاهها ( وكلها جيوش قليلة العدد هزيلة العتاد )، وحروب هنا وهناك ، والولائم الهمجية ، والغدر والخيانه والتأنق الخطابي. "
والآن في عصرنا هذا الحاضر، مازالت الحبشة تعاني وتقاسي تلك الحرب التي ما انقطعت في حقيقة أمرها ولو لحظة واحدة منذ نشئة مملكة الحبشة الحديثة في سنة 1270 . فالحكم الآن في المركز يهيمن عليه الأحباش الناطقون بالتجرينية ويستأثرون بالسلطة والثروة رغم أنف إخوتهم الأحباش الناطقون بالأمهرية الذين فقدوا السيطرة على آلة الحكم بعد الثورة الكبرى في سنة 1974 وسقوط هيلي سيلاسي، ويحكم الناطقون بالتجرينية ويسيطرون كذلك على الهامش، ويمسكون بمقدّرات 75 قومية وأعراق مختلفة أخرى رغما عنها. فالأورومو الذين يشكلون الأغلبية من السكان محكوم عليهم بالإقصاء غير مسموح لهم بالطموح حتى لحكم أنفسهم ناهيك عن حكم كامل إيثيوبيا. وكذلك هو قدر الصوماليين الإيثيوبيين والعناصر الزنجية. وحتى إريتريا التي قاتلت زمناً لإحراز استقلالها عن إيثيوبيا سقطت هي أيضاً في معضلة صراع المركز والهامش، فالديكتاتوريه الحاكمة هي ديكتاتورية الأحباش المتكلمين بالتجرينيه مشكِّلين المركز، على هامش مكون من ثمان من الأعراق والأمم والأمم الأخرى. ولقد حدث مؤخراً في نهايات القرن العشرين وبداية هذا القرن ما يشبه جديداً وهو في حقيقته قديم ، ذلكم هو بيت التجرينة الذي انقسم على نفسه وأحدث فاجعة الحرب في صحراء " بادمي " على الحدود بين إريتريا وإيثيوبيا وراح ضحيتها مائة ألف قتيل جُلّّهُم من أهل الهامش الذين لا ناقة لهم ولا جمل في صراع الأخوين، أصحاب المركز، في أديس أبابا و أسمرة.
أية إيثيوبيا هي إذن تلك التي يبشّر بها الدكتور " النور حمد " متحمساً ويمجدها ويرى أن لا بد وأنها قد تقسّمت وتشظت عن حضارة عظمى واحدة في منطقة وادي النيل؟
أهي تلك التي كانت، وما زالت، المركز، أم هي الهامش المهزوم الذي لن يظل كذلك إلى الأبد؟ في أي منها يقع هوى الدكتور الكريم ؟ نعم، يقال هواه ،فهو القائل بالمنهج التأويلي بل ويطبق منهجه، متجاهلاً ،أن في شريعة التأويل مايُلزم استخدام ذلك المنهج في غياب الشواهد والأدلة فقط ، وليس بالرغم منها. أليس ما يتحول إليه هذا المنهج هوالهوى بعينه، إذن ، إن كان تمامه لمقارعة تلك الشواهد وحجب الأدلة؟ إن كاتب هذه السطور لا يرى الصواب في معرفة تعلو على معارف العقل في ميدان لا يمكن أن يفصل فيه إلاّ العقل، بعيداً عن الهوى و التمني و الرغبة، ومن هنا أيضا فأنه يبدو لهذا الكاتب أنه إن أريد للتاريخ أن يكون علماً، فأقتدائه بالعلوم الطبيعية أجدى والتمثل بها أنفع . أما كتابته باستعمال مناهج التأويل، الذي ربما صح استخدامها في مجالات أخرى، مثل مجالات الفنون، إلا أنه في ميدان المعرفة العلميه لا تخرح عن كونها خطرفة محموم ، و معرفة ذاتية لا قيمة لها في تفسيرالتاريخ تفسيراً يقارب الحق أو حتى ما يشبه الحق، وربما كان أصلح وصف للذين يصرون على استخدام هذا المنهج في غير محله هو المريدون والدروايش وفرق بين هذا وذاك. ولا يستطيع كاتب هذه السطورهنا إلا الإمتثال لإغراء إيراد مثال لما يقوله فها هو لهذا يسوق هنا، قصة تلك المسرحية العظيمة التي كتبها أحد المسرحيين الإنجليز منذ أكثر من ربع قرن ومُثِّلت على مسارح عالمية. وقصة المسرحية تصور الإمبراطور ثيودروس الثاني الذي حكم إيثيوبيا في الربع الأخير من القرن العشرين، أثناء الحملة الإنجليزيه عليه وتبرزه وكأنه بطل من أبطال الملاحم اليونانية أو كأنه "هملت " جديد فبدا فالرجل، كما يصوّره مؤلّف المسرحية، وهو يحاول ويجاهد طيلة حياته في تجاوز الأحداث والأشياء والتفوق على الآخرين وعلى نفسه، وقضت الظروف في نهاية الأمرأن أن مطلبه وهم مستحيل، وأن هناك من الأشياء والمواضع ما لايستطيع بلوغها، وأن هناك في أفق المجهول من يتفوق عليه دائماً وفي أي مجال وبغض النظر عن إرادته القاهرة الصلبة، وعند بلوغه جدار الإستحقاق هذا فضل وضع حد لحياته وهلك انتحارا.
حديث المسرحية رائع جميل ولكنه لا يتعدّى كونه فناً ، وفن فقط ، وكتابة التأريخ منه واعتماداً عليه شطط وأي شطط ، ومن أجل ذلك فإنه وإن كانت لهذه المسرحية قيمتها في ميزان الفن، وربما الفلسفة فإنها من الناحية التاريخية إفك على الأرجح، وخاصة إن أُخذت وكأنها مصدر للحقيقة التاريخية.
وكان كاتب هذه السطور يود في هذا المقام أن يقارع الدكتور الكريم، ومن موقع التلميذ طبعاً ، في فهمه لمعنيي الحضارة والمدنية، الذي يعتوره ، في ظن هذا الكاتب ، خلط بين معنييهما، بحسبانه لهما شئأً واحداً، وهما في الحقيقة مختلفان، وهذا مما يؤدي لاستنتاجات خاطئة، وجلّ من لا يخطيئ. وفي نفس الوقت فإن هذا الكاتب كان يود التساؤل والمناقشة في ما يجعل الدكتور "النور حمد" يظن في نفسه الجدارة ليشخص ويطلق نصيحته التي تنطق بالتعالي(Condesend) على الإيثيوبيين والإريتريين عند قوله:
"والإثيوبيون، والاريتريون بحاجة للانفلات من أطر فكر حقبة الحداثة the modernist paradigm، التي جعلت منا مجرد موضوعات للهيمنة الغربية، ولسيطرة الرأسمال."
ولكن الكاتب يرى منعاً للإطالة والملل تأجيل هذه المناقشات لوقت آخر في مقالة أخرى يستكمل بها الرد على ما تبقى من مقالة الدكتور الكريم وإن كان ذلك الرد سوف يأتي تحت تسمية وعنوان جديدين.
شكراً على القراءة.
Khalifa Desouki [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.