ماذا قال دكتور جبريل إبراهيم عن مشاركته في مؤتمر مجموعة بنك التنمية الإسلامي بالرياض؟    دعم القوات المسلحة عبر المقاومة الشعبية وزيادة معسكرات تدريب المستنفرين.. البرهان يلتقى والى سنار المكلف    الصليب الأحمر الدولي يعلن مقتل اثنين من سائقيه وإصابة ثلاثة من موظفيه في السودان    انجاز حققته السباحة السودانية فى البطولة الافريقية للكبار فى انغولا – صور    والي الخرطوم يصدر أمر طواريء رقم (2) بتكوين الخلية الامنية    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    شاهد بالفيديو.. في مشهد خطف القلوب.. سيارة المواصلات الشهيرة في أم درمان (مريم الشجاعة) تباشر عملها وسط زفة كبيرة واحتفالات من المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء أثيوبية تخطف قلوب جمهور مواقع التواصل بالسودان بعد ظهورها وهي تستعرض جمالها مع إبنها على أنغام أغنية وردي (عمر الزهور عمر الغرام)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء أثيوبية تخطف قلوب جمهور مواقع التواصل بالسودان بعد ظهورها وهي تستعرض جمالها مع إبنها على أنغام أغنية وردي (عمر الزهور عمر الغرام)    في اليوم العالمي لكلمات المرور.. 5 نصائح لحماية بيانات شركتك    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    جبريل: ملاعبنا تحولت إلى مقابر ومعتقلات    موعد مباراة الهلال والنصر في نهائي كأس الملك !    مسؤول أميركي يدعو بكين وموسكو لسيطرة البشر على السلاح النووي    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    ستغادر للمغرب من جدة والقاهرة وبورتسودان الخميس والجمع    تحديد زمان ومكان مباراتي صقور الجديان في تصفيات كاس العالم    السوداني هاني مختار يصل لمائة مساهمة تهديفية    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    الحراك الطلابي الأمريكي    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جنوب كردفان .. من"الإحباط واليأ" إلى"الأمل والمُستقبل !! .. بقلم: بهرام عبد المنعم
نشر في سودانيل يوم 09 - 08 - 2010

يا إلهي !! كيف استطاعت الشراكة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية أن تتخطى الحواجز والعقبات "الكأداء" بولاية جنوب كردفان كطائر "النورس" الذي لا يهدأ له بال دون الوصول إلى غاياته ؟ وتجاوز الاختلافات والتنوعات البشرية والجغرافية وإشاعة الأمل والمستقبل في نفوس المواطنين البسطاء والعزم على إقامة مشاريع عملاقة بغض النظر عن وجهات النظر التي تتحدث عن سعي المؤتمر الوطني لإنجاز تلك المشاريع عبر صندوق دعم الوحدة في تلك المرحلة الفاصلة من تاريخ السودان لحسم وحدة السودان والمشورة الشعبية وانتخابات الولاية واستفتاء أبيي. والشراكة النموذجية" بالولاية وصلت مرحلة جعلت نائب الرئيس علي عثمان محمد يعلن ولأول مرة أن "الشراكة" في المركز إذا كانت تشبه "أنموذج" جنوب كردفان لوجدت مشاكل السودان في كافة نواحيه وأطرافه الحلول الناجعة.. وبالأحرى كنت حريص على رؤية الوالي أحمد هارون في جميع تحركاته بجانب نائب الرئيس.. فالرجل الذي يتأبط عصاة "يتوكأ" عليها أحيانا ويهش بها على أعدائه في أحايين كثيرة، ويبتسم ابتسامة عريضة "نصفها الأول ثقة بالنفس ونصفها الآخر سُخرية من الآخرين" – كما شبّه مدير تحرير الزميلة "الرأى العام" ضياء الدين بلال ابتسامة أمين عام الحركة الشعبية باقان أموم في إحدي مُقدمات حواراته النادرة- بدا واثقا من نفسه ويمشي بخطى واثقة "كغزلان ولايته" وكأن المذكرة "الحمراء" الصادرة من المحكمة الجنائية الدولية لا تعنيه في شئ. وكنت طوال الرحلة أسأل نفسي هل الشراكة بالولاية من صنع الأقدار والصدفة المحضة؟ أم بفضل التخطيط والانسجام بين الوالي أحمد هارون ونائبه عبد العزيز آدم الحلو؟ والولاية التي تحدها من الشمال ولاية شمال كردفان وولاية الوحدة، ومن جهة الجنوب ولاية أعالي النيل ومن الشمال الشرقي ولاية النيل الأبيض عانت ويلات الحروب و"التهميش" مما جعل معظم أبنائها الأشداء الأقوياء يحملون السلاح والانضمام إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان – الجيش الشعبي – لمواجهة الحكومة المركزية.. أتاحت لي مهنة الصحافة أو مهنة "المتاعب" كما هو معرف زيارة تاريخية بالنسبة إلى شخصي للوقوف على الولاية في ثوبها الجديد.. وليست المرة الأولى التي أزور فيها الولاية فزرتها مرات عديدة منذ توقيع اتفاقية السلام الشامل في العام 2005م ولكن الزيارة الحالية برفقة نائب رئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه وعدد من الوزراء الاتحاديين وقيادات صندوق دعم الوحدة جعلتني أقف على حقيقة أوضاع الولاية من جديد مع الأخذ في الاعتبار أن التنقل من منطقة إلى أخرى تم عبر الطائرات العمودية "الهيلوكوبتر".. فمن أعلى الطائرة حيث منظر الجبال الشامخة والسهول والهضاب والوديان والمساحات الشاسعة كنت أقول في نفسي يا للهول !! كيف استطاع أحمد هارون ونائبه عبد العزيز آدم الحلو إدارة هذا التنوع الإثني والديني والعرقي والثقافي دون الالتفات للخلافات التي تحدث في المركز وفي أعلى مؤسسات الدولية "مؤسسة الرئاسة" – يا للعجب!!- وتجاوز المقولة الشهيرة "إذا عطس المركز فإن العدوى ستصيب كافة الولايات" .. وفي تلك الرحلة إلى جنوب كردفان قررت أن أعمل بنصيحة رئيس تحرير تلك الصحيفة "الأحداث" الأستاذ عادل الباز "بالتسكع" في مكان الأحداث كإحدى أدوات العمل الصحفي لتجلية الحقائق وعدم التركيز على تصريحات السياسيين باعتبارها - وفقا لرؤيته- "خاوية وأفرغ من فؤاد أم موسى" ولا تفيد الصحفي في شئ، وطفقت أتسكع في سوق كادقلي أمام "ستات الشاى" مع الأمسيات بعد الفراغ من الزيارات الرسمية وأسأل عن أوضاع الولاية وواليها الجديد.. فعندما ذهبت لشراء بعض الأغراض الشخصية من أحد الأماكن وجدت صبيا لم يتجاوز عمره الخامسة عشرة عاما، وحرصت أن أفاصله في الأسعار ولكنه رفض الاستجابة للمفاصلة بابتسامة "رائعة".. فبادرته بالقول: "نحن نضيوفكم وأتينا لنشهد افتتاح عدد من المشاريع التنموية بالولاية وعلى رأسها الطرق".. لكنه ردّ باقتضاب بدارجية محببة "السياسيين في الولاية من زمان بعملوا الشوارع عشان المسؤولين الكبار الجايين من الخرطوم وبس" لكن بادرته بسؤال خبيث وقلت له: "يبدو أن مولانا غير الذي تقصدهم".. صمت الطفل برهة وحدّق في نظري طويلا وبعد أن أخذ نفسا طويلا قالي لي "مولانا تمام – يقصد أحمد هارون- واسترسل في الحديث "زمان الحرامية بفكوا البمبان في السوق وعندما يهرب التجار يسرقوا الأسواق .. لكن الآن المدينة كويسة وما فيها حرامية ومولانا ملاها بأفراد المباحث" نظرت في عينيه وقلت في نفسي إن الأطفال لا يكذبون في مثل تلك مواقف" وودعته وذهبت إلى غايتي. والولاية التي تبلغ مساحتها 79470 كلم ستشهد عهدا جديدا بفضل المشاريع الضخمة المتمثلة في الشوارع الداخلية والرابطة لولايات "التماذج".. والمشاريع التي وقفت عليها بأم عيني تشابه المشاريع كسد مروي ومشروعات المصاحبة التي أحدثت تحولا في الولاية الشمالية منذ أن خلق الله الأرض.
لا حديث لأهالي الولاية غير التنمية والمشاريع الجديدة وبالطبع القائد يوسف كوة مكي وأحمد هارون وعبد العزيز آدم الحلو وقلت في نفسي "ربما في زيارتي المقبلة سأجد عدد من التماثيل فوق الجبال لهؤلاء الرجال" الذين رسخّوا مبادئهم وصدقهم وعزمهم في تلك الولاية النادرة.. والشهيد يوسف كوة مكي ولد بجبال النوبة "ميرى غرب كادقلي" في العام 1945م وتلقى تعليمه بمدرسة ودمدني الإبتدائية - مدرسة ميرى الإبتدائية، والمتوسطة بسنكات الوسطى – الدفعة الثانية، والثانوية بالخرطوم التجارية الثانوية، ثم التحق بالكلية الحربية وفصل منها لأسباب سياسية حيث جلس لإمتحان الشهادة السودانية و تم قبوله بكلية الاقتصاد - جامعة الخرطوم عام 1975م وتخرج منها فى عام 1980م. ثم عمل بالتدريس بعد تخرجه بعدة مناطق منها وعمل بدارفور معلما لفترة سبع سنوات "الضعين- نيالا "، ومعلما بمدرسة كادقلي الثانوية العليا "تلو". وكان الناطق الرسمى باسم الجبهة الوطنية الأفريقية (A.N.F) بجامعة الخرطوم وأسّس جمعية الثقافة الأفريقية، وقام بتأسيس رابطة طلاب جنوب كردفان بجامعة الخرطوم، وأسس تنظم شباب جبال النوبة "كمولو" مع عدد من قيادات الحركة الشعبية "عبد العزيز آدم الحلو - دانيال كودى -عوض الكريم كوكو"، بالإضافة إلى ذلك أسس عدة تنظيمات سرية بمسميات مختلفة "الصخرة السوداء - الكتلة السوداء - نحن كادقلي - روابط أبناء جبال النوبة - حركة جبال النوبة التحريرية - تنظيم الزنوج الأحرار". تم إنتخابه فى مجلس الشعب الإقليمى بإقليم جنوب كردفان 1981 م، والتحق بالحركة الشعبية لتحرير السودان في 1984م، وتولى منصب قائد وحاكم إقليم جبال النوبة بالمناطق المحررة حتى وفاته حيث خلفه القائد عبد العزيز آدم الحلو، ثم تولى رئاسة اللجنة التحضيرية للمؤتمر العام الأول بشقدوم عام 1994م، وتم إنتخابه رئيسا لمجلس التحرير بالحركة الشعبية لتحرير السودان خلال المؤتمر العام الأول، كان عضو الوفد المفاوض فى مفاوضات أبوجا، وعضو مفاوض لوفد الحركة الشعبية فى مفاوضات الإيقاد بأديس أبابا 1998م، وشارك كنائب رئيس وفد الحركة الشعبية فى الجولة الثانية لمفاوضات السلام السودانية. وأخيرا أصيب بداء السرطان الذى أودى بحياته فى 31/ 3/2001م بالمملكة المتحدة "لندن" . ويعتبر أول من إخترق تقسيم القضية السودانية "شمال-جنوب" وأدخل الشمال السياسي دائرة الصراع المسلح بهدف إنتزاع الحقوق. وعندما وصلنا إلى منطقة "كاودا" – إحدي معاقل الحركة الشعبية - والتي كانت من المناطق "المقفولة" هالني استقبال الأهالي لنائب الرئيس علي عثمان محمد طه ووالي الولاية أحمد هارون وفي ذاكرتي طرد نائب الوالي الأسبق عيسى بشري في عهد ولايته ووفده المرافق وعدد من الصحفيين، ولا صور تعلو في المنطقة غير صور يوسف كوة وأحمد هارون وعبد العزيز الحلو.
وكما قلت حرصت في مدنية كادقلي على أخذ عينات استطلاعية عشوائية حول أوضاع الولاية وعن الحكومة وواليها ونائبه وقلت لأحد الجالسين أمامي في وسط السوق في انتظار شاى اللبن "المغلي" ذو النكهة المتفردة والطعم الخاص يبدو أن أحمد هارون يتمتع بالقوة الكافية لإدارة هذا التنوع بالولاية؟ فأجابني على الفور ودون تردد "لو لم يكن قويا لما طالبت به المحكمة الجنائية الدولية؟" وعجلته بسؤال خبيث ومفخخ وقلت له: "يقولون أن الرجل نظيف اليد" فأجاب بدون تردد أيضا "الرجل خفّض راتبه الحكومي".. فسألت سؤالا آخر وقلت "يبدو أن الرجل يتخذ من الحكمة المرونة مدخلا لإدارة ولايته" ابتسم مرافقي ابتسامة خبيثة ونظر في عيني لمدة وقال:" اسمع.. أحمد هارون لن تستيطع النظر إلى عينيه طويلا وإذا حاول أحدهم ذلك فإن جسمه سيرتجف وسيتصبب عرقا" واسترسل في الحديث وقال:" الرجل يستعمل العين الحمرا" لمواجهة المتطرفين وسرد لي قصة مؤتمر صلح في الولاية وقال: "عندما كان أحمد هارون يدير إحدى الاجتماعات اتضح لإحدى القبائل أن الصلح لن يصب في صالحهم" ورفعوا آياديهم إيذانا بالإنصراف.. ولكن الرجل أمرهم بلهجة قاطعة "ما في راجل بقوم من قدّامي وأنا جالس على المنصة" وعندها التزم الجميع بالجلوس. عندها أوقفت الأسئلة واستعديت لاحتساء شاى الحليب المغلي. وبحسب السيرة الذاتية فإن أحمد هارون درس القانون بجامعة القاهرة في مصر وتخرج العام 1987م، وعاد إلى السودان ليعمل في السلك القضائي قاضيا لفترة قبل أن يتم اختياره ليعمل وزيرا للشؤون الاجتماعية في ولاية جنوب كردفان. ويُعتبر أحمد هارون من العناصر الشبابية البارزة في الحركة الإسلامية التي دبّرت الانقلاب العسكري الذي قاد الرئيس عمر البشير إلى السلطة العام 1989م. وبرز أحمد هارون في مهمته كوزير موال للسلطة وجرت ترقيته إلى وظيفة أعلى، إذ تم تعيينه منسقا عاما للشرطة الشعبية، وهي قوة شبه عسكرية تتبع لوزارة الداخلية وتستعين بها في بسط الأمن. وبحسب "بروفايل" متماسك أعدّه زميلي الذي تضمنا صالة تحرير واحدة بصحيفة "الأحداث" خالد فتحي لصالح صحيفة "الحقيقة" بعد أن تمرد على صحيفتنا ورئيس تحريرها عادل الباز وعاد إليها مرة أخرى فإن أحمد هارون اشتهر بخوض المفاوضات الشاقة مع الحركة الشعبية التي أعقبت سحب الحركة لوزرائها، تلك الأزمة التي أفضت إلى اتفاق عرف ب"المصفوفة" قيل إن هارون كان أحد مهندسيها البارزين. وهنا تتبدى شخصية "المقاول" جليا وفي المقابل تتراجع شخصية "المقاتل"، وفي إحدى المرات ردّ على سخرية سلفاكير منه في احتفال حاشد في أبيي قبل أيام من إعلان نتيجة التحكيم الدولية المثيرة للجدل قائلا: "مالكم علينا ياناس"، ولاحقا ظهر الرجل بشكل مُفاجئ داخل حراسات القسم الأوسط أمدرمان يتوسط الأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم ونائبه ياسرعرمان، حيث وصل إلى مخفر الشرطة بصحبة والي النيل الأزرق مالك عقار، في وقت كان فيه القيادي بالمؤتمر الوطني كمال عبيد يصب جام غضبه على تظاهرات المعارضة التي نظمتها الحركة الشعبية أمام البرلمان، كأنه غلب مشاعر الصداقة على تعرجات السياسة وعرف عنه أنه كثير الظهور في الفعاليات التي تشكل فيها الحركة لاعبا محوريا، خاصة في النيل الأزرق وجنوب كردفان التي شغل هارون أخيرا مقعد الوالي فيها، ويقولون إنه يتوق إلى جعل الولايتين المتشابهتين في الخصوصية "المشورة الشعبية" نموذجا للتعايش، لكن "ديكتاتورية الجغرافيا" هل تسمح؟ فالجغرافيا أضحت كالتاريخ تأخذ بخناق الجميع في السودان، والمقصود هنا سطوة القبائل التي تحكم قواعد اللعبة في تلك المناطق القصية.
وفي منطقة "كاودا" وبعد انتهاء البرنامج توجهنا إلى المطار وسألت السائق عن سر الإعجاب من قبل المواطنين بالقائد عبد العزيز آدم الحلو وقال مبتسما " عبد العزيز أبوه من المساليت بدارفور وأمه من الجبال .. ويبدو أن الرجل انحاز لأخواله".. ومن المعروف أن القائد عبد العزيز آدم الحلو قد ولد ونشأ فى جبال النوبة وهو ثقافيا وعرقيا ذو جذور أصيلة بالمنطقة وأمثلة المنطقة في أن الولد خال تنطبق على شعب جبال النوبة فى الميراث والتقدم للزواج وغيرها. وقد نال الحلو أكبر مجموع فى مدرسة الدلنج الوسطى حينما جلس لامتحان الدخول للمرحلة الثانوية فى العام 1972م، وتزامن ذلك مع إنشاء مدرسة تلو الثانوية بكادقلي التى تخرج منها الكثيرين من القيادات على مستوى المنطقة وعلى مستوى السودان وخاصة منطقة أبيي، فكان التوزيع للمتفوقين أن يذهب أول الدفعة لكادقلي وثانيها "لخور طقت" وهكذا الثالث والرابع ..إلخ، وكان نصيب الحلو أن يكون أول طالب يقبل في "تلو" الثانوية، وبعهدها كان أول رئيس لإتحادها، وكان لحبه للمنطقة والاهتمام بقضايا منذ مطلع السبعينات سببا في أن يعدل تنظيم "كومولو" السري آنذاك في دستوره ولائحته الداخلية للاستفاده من خبراته، وكان للقائه بالشهيد القائد يوسف كوة مكى بجامعة الخرطوم حينما كان يدرس الاقتصاد إضافة حقيقية لرابطة طلاب جنوب كردفان التى كان يرأسها كوة وتسلم رئاستها لاحقا الحلو. ويقول أحد أبناء المنطقة في مقال صحفي: "وبعيدا عن الحلول والمساومات السياسية التي جرت ولا تزال تجري بين الشريكين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية بشأن العملية الانتخابية في ولاية جنوب كردفان وبعيدا عن المكاسب التي أجزلها المؤتمر الوطني للحركة في هذه المنطقة التي تعد إحدى أخطر المناطق التي تجابه الحركة الشعبية سواء من جانب كونها من الصعب أن تنقاد إلى الجنوب أو تلتحق بركبه وأبناءها يشاهدون حال الجنوب السوداني ومجاعاته وصراعاته القبلية الدامية، أو من جانب كونها لديها حساب خاص مع الحركة الشعبية بعد ما قاتل أبناءها من النوبة في صفوفها لعقدين ثم لم يحصدوا في خاتمة المطاف جراء قتالهم سوى الهشيم. بعيدا عن كل ذلك، فإن الحركة الشعبية في واقع الأمر تعاني أزمة من نوع فريد يمكن أن نصفها بأنها مهلكة في جنوب كردفان ولكنها تتستر وراء مبررات، ومطالبات تعلقها على رقبة شريكها المؤتمر الوطني. فالكل يعرف أن هنالك دائماً أزمة "مزمنة" بين قواعد الحركة الشعبية في الولاية وقادتها. حدث ذلك للواء دانيال كوري من قبل حين كان يترأس الحركة هناك ويتولى منصب نائب الوالي حيث قرر مجلس التحرير بالحركة إقالة اللواء كودي – لأسباب عديدة لا مجال هنا لتعدادها – وبالفعل أقيل كودي وذهب غاضبا إلى الجنوب وهو يضمر شرا لمن يعتقد أنهم كانوا وراء إقالته وقيل وقتها أن كودي وضع خطة لعرقلة مسيرة الحركة بالولاية وبدأ شديد الحنق على خلفه عبد العزيز الحلو. ويبدي عدد غير قليل من قادة الحركة بالولاية تشاؤمهم من إمكانية حل الحركة لمشاكلهم واستحالة حصولهم على حقوقهم واستحالة انضمامهم مستقبلا الى الجنوب السوداني سواء بقى ضمن إطار الدولة الموحدة أو انفصل وكون دولته المستقلة! ورغم الإشارات الموجبة والتفاؤل والأمل لكن عدد المراقبين يقولون دائما إنه في ظل الصراع الدموي بين قبيلتي المسيرية والرزيقات وتصاعد حمّى الخلافات بين الشركاء في ولاية جنوب كردفان يبدو أن اتفاق السلام الموقع عام 2005 لم يحمل سوى استقرار وهمي للولاية يتهدده الانهيار في أي لحظة. وتنذر الأوضاع المتفاقمة في ولاية جنوب كردفان على خلفية المعارك القبلية الدامية، بأزمة إنسانية جديدة مشابهة للأزمة المتواصلة التي يعاني منها إقليم دارفور. بسبب المواجهات الدامية بين مجموعتين من الرعاة في ولاية جنوب كردفان أدت إلى سقوط أكثر من (240) قتيلا في الفترة الماضية، وأن الولاية التي أنشئت بموجب اتفاقية السلام الموقعة في نيفاشا عام 2005م وكانت مسرحا رئيسياً للمعارك في حرب استمرت ل(22) عاما بين الشمال والجنوب السوداني، تكتسب أهميتها الاستراتيجية من كونها متاخمة لعدد من أكثر المناطق حساسية في السودان، بما في ذلك منطقة غرب دارفور وجنوب السودان وبلدة "أبيي" المتنازع عليها بين الشمال والجنوب، وهي تضم كذلك حقول نفط رئيسية، وتتعايش في الولاية التي تكافح لتتعافى من آثار الحرب المدمرة، مروحة واسعة من القبائل العربية، وفي مقدمتها قبائل المسيريّة والرزيقات والحوازمة مع القبائل الأفريقيّة المستوطنة، ولا سيّما قبائل النوبة، وغالبا ما تقع المعارك بين القبائل، وحتى في صفوف القبيلة الواحدة، وفي هذا الإطار، تخوض قبيلتا الرزيقات والمسيرية ذات الأصول العربية نزاعات متكررة تدور حول الأرض والمرعى والمياه. وما فاقم هذه الصراعات تردي الأوضاع المناخية في تلك المنطقة التي تعاني من الجفاف والتصحر، ما يحد من فرص تمدد القبائل في المناطق النائية لتجبر على التحول إلى الاستيلاء على أراضي قبائل أخرى بحثا عن "الماء والكلا" للأعداد الكبيرة من الماشية التي تنمو بسرعة، والتي تشتهر بتربيتها هذه القبائل، وتتخذ الصراعات طابعا دمويا، إذ تشتهر قبيلتا الرزيقات - يتركز معقلها في جنوب شرق دارفور قرب جنوب كردفان- والمسيرية - يتكثف وجودها في غرب ولاية جنوب كردفان ودارفور بامتلاكهما أسلحة متطورة. ويرجع البعض تسليح المسيرية والرزيقات إلى عام 1986م من حكومة الصادق المهدي بهدف مواجهة تمدد الحركة الشعبية لتحرير السودان. واستمر التسليح في عهد الرئيس عمر البشير، ما أسهم بصورة كبيرة في انفلات الأمن. ويتخوف كل من المسؤولين في الجنوب والعاملين في منظمات إنسانية من أن المعارك الجديدة تسيء إلى عملية السلام الهشة وتستنزف الموارد، ما يؤجج أيضا مشاعر الغضب، وخصوصا أن السلطات لم تستطع تحسين الظروف السياسية والأمنية والاقتصادية. لكن البعض يرى أن والي الولاية أحمد هارون الذي يتجول "بالعراقي والسروال" في المدينة استطاع أن يصل بسفينة الشراكة إلى بر الأمان ويذكرون له وصوله ووفد من حزب المؤتمر الوطني في الأشهر المنصرمة إلى جوبا للتباحث مع الحركة الشعبية بشأن كافة الترتيبات التي تخص الاجراءات الانتخابية ,لاسيما مقاطعة الحركة لها في جنوب كردفان. ونجد أن الأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم قال وقتها أن هارون حمل رسالة من الرئيس عمر البشير رئيس المؤتمر الوطني إلى رئيس المكتب السياسي للحركة تحمل مقترحات لتجاوز الأزمة. وفي الزياة إلى جنوب كردفان أراد نائب الرئيس علي عثمان محمد طه إيصال عدد من الرسائل السياسية حيث دعا نائب مواطني جنوب كردفان إلى عدم الالتفات "للشائعات" مهما بلغت درجة "شفقتهم وقلقهم" وعدم فتح آذانهم وقلوبهم للمُتشائمين الذين يروجون لفشل السلام وعدم القدرة على ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب وتأجيل إجراء الاستفتاء لحق تقرير المصير للجنوبيين وإمكانية العودة إلى مربع الحرب من جديد، وقطع بمواجهة كافة التحدّيات التي تواجه الشريكين ومواصلة مسيرة السلام والبناء والاستقرار والتنمية. وأعلن طه في خطاب جماهيري بمدينة "كاودا" بولاية جنوب كردفان بمناسبة افتتاحه عدد من المشاريع التنموية بالمنطقة ثقة المؤتمر الوطني والحركة الشعبية برئاسة الرئيس البشير وسلفاكير في استمرار الشراكة وإكمال مشوار السلام وحلحلة جميع التحدّيات وإزالة العقبات التي تواجهمها باعتبارها إرادة وطن و"دماء شهداء" بذلها أبناء الوطن من أجل بلادهم لبقاء السلام والمُضي في استمرار التنمية والرفاهية وبناء السودان الموحد الآمن والمستقر وأضاف:" أبشروا بالخير". وجدّد نائب الرئيس رغبتهم في عدم العودة إلى الحرب رغن القيل والقال وزاد:" ياما قالوا وقالوا منذ توقيع اتفاقية السلام الشامل في العام 2005م لكن شوفو نحن كُنّا وين وبقينا وين". وامتدح طه شراكة المؤتمر الوطني والحركة الشعبية بولاية جنوب كردفان بقيادة والي الولاية أحمد هارون ونائبه عبد العزيز آدم الحلو ووصفها "بالأنموذج" وقدوة للشريكين على مستوى المركز وطالب بضرورة تعميمها على بقية أنحاء السودان لمواجهة كافة العقبات والعراقيل التي تواجهمها، موضحا أن الشراكة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية حال تطبيقها "كالنموذج" الموجود بجنوب كردفان لتخلص السودان من كافة مشاكله وأزماته، لافتا إلى أن والي الولاية أحمد هارون ونائبه عبد العزيز آدم الحلو يذهبان إلى المركز في تناغم ويطرحان قضاياهما بانسجام تام دون طرح أي من الخلافات بينهما وأضاف:"لم يجونا في الخرطوم مُتشكلين" واعتبرهما "نموذج" في القيادة بولاية جنوب كردفان وزاد:"إذا استمرينا في نهج تلك الشراكة يا أحمد هارون شال كاودا ودّاها الخرطوم، ويا معتمد هيبان شال الخرطوم جابا كاودا، ويا الكورة تطلع درون ونطلع مُتعادلين". وفي محلية تلودي دعا نائب الرئيس المواطنين للمحافظة على السلام ووحدة السودان، والإنتاج والتكافل والرعاية والصلح والاهتمام بالمرأة والشباب والأطفال. من جهته حث والي ولاية جنوب كردفان أحمد هارون المواطنين على المحافظة على وحدة السودان، وأعلن نقل المدينة إلى الريف بربط كافة المحليات وولايات "التماذج" بالطرق وبسط التنمية والخدمات، وأكد بأن المشروعات التنموية تستهدف تعزيز السلام في الولاية وإزالة آثار الحرب، موضحا أن المشروعات التنموية بالولاية "ثمرة" للاستقرار السياسي وفقا للشراكة السياسية القوية بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية.

behram mustafa [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.