د. صبري محمد خليل/ استاذ الفلسفه بجامعه الخرطوم [email protected] تعددت المواقف من تجربه ثوره 23 يوليو1952 وقائدها جمال عبد الناصر، فهناك اولا موقف الرفض المطلق الذى لا يرى فى التجربه الا سلبياتها، وينكر اى ايجابيه لها، وهناك موقف القبول المطلق الذى لا يرى فى التجربه الا ايجابياتها، وينكر اى سلبيه لها، والذى يتعامل مع شخصيه جمال عبد الناصر بشىء من التقديس الذى يمكن اعتباره شكل من اشكال عباده الزعماء والابطال. والواقع من الامر ان كلا الموقفين (الرفض المطلق والقبول المطلق )هما من خصائص نمطى التفكيرالخرافى والاسطورى، وبالتالى فان التقييم العلمى والعقلانى لشخصيه جمال عبد الناصر وتجربه ثوره 23 يوليو1952 يجب ان يلتزم بالتالى: اولا: انه لايمكن تقييم تجربه ما بعزلها عن ظروفها الزمانيه والمكانيه والحضاريه(السياسيه والاقتصاديه الاجتماعيه...)،و تتمثل الظروف التى احاطت بتجربه ثوره 23 يوليو فى الاتى : • ان الظروف الاجتماعية والسياسية التي سادت مصر ما قبل ثورة 1952 كانت قد وفرت الشروط الموضوعية للتغيير والمتمثله فى السيطرة المطلقة لتحالف الاستعمار والإقطاع والرأسمالية على الشعب المصرى وثرواته ، ولكنها لم تسمح باكتمال نضج شروطه الذاتية متمثله فى ان هذه الظروف لم تسمح للممارسة الديموقراطية بان تتعمق وتنمو إلى الحد الذي تستطيع فيه الجماهير امتلاك المقدرة الشعبية على فرض إرادتها . إن تلك الأسباب التاريخية هى التى تفسر قيام الثورة بتنظيم وتدبير وفعل مجموعة من ضباط القوات المسلحة تحت قيادة عبد الناصر ( تنظيم الضباط الأحرار ) وليس بتنظيم وتدبير وفعل حزب جماهيري . وهكذا جاءت ثورة 23 يوليو 1952 مضادة في الاتجاه لمجتمع ما قبل الثورة ، وهذا ما كانت به ثورة تستهدف التغيير السياسي والاجتماعي وليس انقلاباً يستهدف مجرد الاستيلاء على السلطة ، ولكنها كانت مضادة له كما يضاد اتجاه رد الفعل اتجاه الفعل بدون ان يفقد صلته به أو نسبته إليه ، اى انها كانت يوم ان قامت " رد فعل ثوري " على مجتمع ما قبل 1952 أكثر مما كانت " فعلاً ثورياً " ضده . • ان ثورة 23 يوليو قامت لتحقيق الاهداف السته التى ظلت تدعو اليها القوى الوطنيه المصريه (التحررمن الاستعمار، والاقطاع ،واقامه ديمقراطيه سليمه،وبناء جيش وطنى...) غير ان عجز الثورة عن الالتزام بمضمون محدد لهذه الاهداف، وعجز المثقفين عن توقع مضمون محدد لها إلى خلاف كبير وصل الى حد المواجهة العدائية بين الثورة وبين كثير من المثقفين والقوى العقائدية ( الاخوان – المسلمون والماركسيين خاصة )، فى ذات الوقت الذى كانت معارك التحرر الوطنى القومي التى قادتها الثوره تسمح بالتقاء قوى مختلفة المنابع الفكرية والاتجاهات السياسية والمصالح الاقتصادية والوعي الفكري اذا التقت في موقف موحد ضد الاستعمار. • ان المرحلة التاريخية التي قادها عبد الناصر كانت تتميز أساساً بأنها مرحلة تحرر قومي من الاستعمار. ومنها استمد جمال عبد الناصر أوضح مميزاته . كان فيها قائد معارك التحرر العربي ضد الاستعمار القديم والجديد والاستيطاني و التبعية بكل أنواعها . وخلالها خسرت حركة التحرر القومي المعركة العسكرية عام 1956 ثم استردت كل ما خسرته إلا القليل . انهزمت هزيمة قاصمة عام 1967 ولكنها لم تنقصم بل صمدت ثم صعدت لتستأنف المعارك في حرب الاستنزاف . ولكنها ، في مقابل هذا ، كسبت معركة الجلاء عن مصر عام 1956 ومعركة تحرير الجزائر ومعركة تحرير العراق ومعركة تحرير اليمن... وأسهمت في كل معارك التحرير حتى خارج حدود الوطن العربي وكسبت حلفاء في معاركها التحررية من أطراف الأرض جميعاً ذادوا عن مصر فلم يجهز عليها العدو بالرغم من انها كانت مباحة بعد هزيمة 1967 ، وامدوها بما استطاعت به أن تصمد حتى تحقق من النصر ما تحقق في معركة 1973 . • ان ثوره 23 يوليو استخدمت اسلوب التجربه والخطاْ ، فقد بدأت ثورة 23 يوليو تجرب تحقق التحرر في إطار العزلة الاقليمية ، فلما اكتشفت الخطأ متجسداً في حلف بغداد بدت تدرك العلاقة الموضوعية بين تحرر الأمة ( العربية ) وتحرر جزء منها ( مصر ). وبدأت تعول في بناء الجيش الوطني الذي يحمي حرية مصر على السلاح يأتيها من الولاياتالمتحدةالأمريكية فلما اكتشفت الخطأ متجسداً في التبعية كشروط لتوريد السلاح الأمريكي بدات تدرك العلاقة الموضوعية بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والاستعمار الجديد. وبدات بإقامة التنمية على أسس رأسمالية فلما اكتشفت الخطأ متجسداً في نكوص الرأسمالية عن المساهمة في خطة التنمية بدات تدرك استحالة الرأسمالية بدون محركها الوحيد : الربح ... • ان شخصيه جمال عبد الناصرالتاريخيه هى محصله تفاعل عوامل موضوعيه وذاتيه معينه سادت فى مرحله تاريخيه معينه لذا لايمكن استنساخ هذه الشخصيه او تكرارها. ثانيا : ان التقييم الصحيح لاى تجربه هو التقييم الذى يتجاوز كل من موقفى القول المطلق والرفض المطلق إلي الموقف النقدى القائم على البحث عن أوجه الصواب وأوجه الخطأ في التجربه، وبناءا على هذا نقول ان فى تجربه ثوره 23 يوليو اوجه صواب(ايجابيات) واوجه خطا(سلبيات). من هذه الايجابيات انها اقليميا وعالميا حولت مصر الى القيادة الدولية لحركة عدم الانحياز، والمركز المرموق بين قادة التحرر العالمي، والثقل الاجتماعي والثقافي والسياسي العربى..كما انها داخليا اتخذت خطوات كبيره تجاه تحرير الفلاحين والعمال من الاستغلال، وتحرير الفقراء الكادحين من العوز، و الاستقلال الاقتصادي والتخطيط الشامل والتنمية مطردة التقدم ... ومن سلبيات التجربه المحاكم الاستثنائية وما اصدرته من احكام منها احكام بالاعدام ، و تحويل زنازين المخابرات العامة والبوليس الحربي إلى أماكن تعذيب وسجون، وهزيمه1967... وهكذا فان ما يمكن ان يستخلص من تجربه ثوره 23 يوليو 1952 انها استهدفت تحقيق جمله اهداف هى محل اتفاق بين القوى الوطنيه والقوميه، ولكن كانت الوسيله لتحقيق هذه الاهداف هى نقطه ضعفها، هذه الوسيله هى جهاز الدوله والبيروقرا طيين ،هؤلاء البيروقراطيين هم الذين لطخوا ثوب ثوره يوليو بما علق بها من نقاط سوداء ، وهم الذين ارتدو بها عن مسارها فى عهد الرئيس انور السادات فانتقلت الى خانه التبعيه الى الولاياتالمتحدهالامريكيه، والتطبيع مع العدو الصهيونى...