رغم ظروف الحرب…. بدر للطيران تضم طائرة جديدة لأسطولها    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    المتّهم الخطير اعترف..السلطات في السودان تكشف خيوط الجريمة الغامضة    أنباء عن اغتيال ناظر في السودان    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    إسرائيل تستهدف القدرات العسكرية لإيران بدقة شديدة    "خطوة برقو" تفجّر الأوضاع في دارفور    الصادق الرزيقي يكتب: الدعم السريع وشهية الحروب التي فُتحت في الإقليم    الترجي يسقط أمام فلامنغو في مونديال الأندية    افتتاح المرحلة النهائية للدوري التأهيلي للممتاز عصر اليوم باستاد الدامر.    فيكم من يحفظ (السر)؟    الحلقة رقم (3) من سلسلة إتصالاتي مع اللواء الركن متمرد مهدي الأمين كبة    في السودان :كيف تتم حماية بلادنا من اختراق المخابرات الإسرائيلية للوسط الصحفي    من الجزيرة إلى كرب التوم..هل دخل الجنجويد مدينة أو قرية واستمرت فيها الحياة طبيعية؟    التقى بروفيسور مبارك محمد علي مجذوب.. كامل ادريس يثمن دور الخبراء الوطنيين في مختلف المجالات واسهاماتهم في القضايا الوطنية    هيمنة العليقي على ملفات الهلال    نشاط مكثف لرئيس الوزراء قبل تشكيل الحكومة المرتقبة    الحرب الايرانية – الاسرائيلية: بعيدا عن التكتيات العسكرية    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    شاهد بالصور والفيديو.. الفنان حسين الصادق ينزع "الطاقية" من رأس زميله "ود راوة" ويرتديها أثناء تقديم الأخير وصلة غنائية في حفل حاشد بالسعودية وساخرون: (إنصاف مدني النسخة الرجالية)    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    شاهد بالصورة والفيديو.. وسط ضحكات المتابعين.. ناشط سوداني يوثق فشل نقل تجربة "الشربوت" السوداني للمواطن المصري    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    على طريقة البليهي.. "مشادة قوية" بين ياسر إبراهيم وميسي    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    من حق إيران وأي دولة أخري أن تحصل علي قنبلة نووية    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    ضربة إيرانية مباشرة في ريشون ليتسيون تثير صدمة في إسرائيل    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    رئيس مجلس الوزراء يقدم تهاني عيد الاضحي المبارك لشرطة ولاية البحر الاحمر    وفاة حاجة من ولاية البحر الأحمر بمكة    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعض الجوانب القانونية لانفصال جنوب السودان .. بقلم: دكتور فيصل عبدالرحمن علي طه
نشر في سودانيل يوم 23 - 10 - 2010


الجزء الثاني
ذكرنا في الجزء الأول من هذا المقال أن انفصال الجنوب سيثير مسائل صعبة. ومن هذه المسائل خلافة الدول في الجنسية والممتلكات والمحفوظات والديون والمعاهدات وعضوية المنظمات الدولية والحقوق الخاصة والمكتسبة. وقد عرضنا في الجزء الأول لمسألة الجنسية. وسنبدأ في مستهل هذا الفصل بتناول مسائل الخلافة في ممتلكات الدولة السلف Property ومحفوظاتها Archives ودينها العام Debt .State وفي هذا السياق نعيد ما سبق أن قلناه من أن الأساس في مسائل خلافة الدول هو التفاوض بين الدول المعنية بالخلافة للوصول إلى تسوية منصفة للمسائل التي تطرحها مسائل الخلافة. ولها أن تستصحب في ذلك ممارسات الدول والمنظمات الدولية والقانون الدولي العرفي والاتفاقيات الدولية ذات الصلة.
2- الخلافة في ممتلكات Property الدولة السلف (دولة الشمال)
بموجب المادة 8 من اتفاقية عام 1983 بشأن خلافة الدول في الممتلكات والمحفوظات والديون (من بعد اتفاقية عام 1983)، فإن ممتلكات الدولة السلف تعني الممتلكات والحقوق Rights والمنافع Interests التي تكون في تاريخ خلافة الدول ووفقاً للقانون الداخلي للدولة السلف، ملكاً لتلك الدولة.
أهم ما يُلاحظ في هذه المادة أنها أحالت للقانون الداخلي للدولة السلف (دولة الشمال) تحديد ما يعتبر ملكاً لها. وفي تعليقها على مشروع المادة 8 قالت لجنة القانون الدولي إن التعبير «ممتلكات وحقوق ومنافع» يعني الحقوق والمنافع ذات الطبيعة القانونية فقط.
ومن الأحكام العامة التي وردت في الاتفاقية أن انتقال ممتلكات الدولة السلف (دولة الشمال) إلى الدولة الخلف (دولة الجنوب) يكون بلا تعويض إلا إذا اتُفق على خلاف ذلك (المادة 11». كما أن الاتفاقية تلزم الدولة السلف (دولة الشمال) بأن تتخذ كافة الإجراءات لمنع التلف أو الضرر للممتلكات التي تنتقل إلى الدولة الخلف (المادة 13).
طبقاً للمادة (a) 1/17 من الاتفاقية فإن الممتلكات غير المنقولة property immovable للدولة السلف (دولة الشمال) وموجودة في إقليم الدولة الخلف (دولة الجنوب) تنتقل إلى تلك الدولة (أي دولة الجنوب). ويعتبر حكم هذه المادة تدويناً لعرف دولي ثابت. في الرأي رقم (14) أفتت مفوضية التحكيم الخاصة بيوغسلافيا السابقة بأن الممتلكات غير المنقولة الموجودة في إقليم الدولة الخلف تنتقل حصرياً إلى تلك الدولة بغض النظر عن مصدر تمويل تلك الممتلكات أو أي قروض أو مساهمات قدمت من أجلها.
أما الممتلكات المنقولة فقد نصت المادة (b) 1/17 على أنه ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك، فإن ممتلكات الدولة السلف (دولة الشمال) المنقولة Property Movable المرتبطة بنشاط الدولة السلف في الإقليم موضوع الخلافة تنقل إلى الدولة الخلف (دولة الجنوب). ولكن الفقرة (c) 1 من نفس المادة نصت على أن ممتلكات الدولة السلف (دولة الشمال) التي لم تذكر في الفقرة الفرعية (b) تنتقل إلى الدولة الخلف (دولة الجنوب) بنسبة منصفة. يفهم من هذا أن ممتلكات الدولة السلف المنقوله (دولة الشمال) غير المرتبطة بنشاط الدولة السلف في الإقليم محل الخلافة - كأن تكون خارج الإقليم محل الخلافة مثلاً - تنقل بنسبة منصفة إلى الدولة الخلف. وقد اعتبرت هذه الفقرة الفرعية مثيره للجدل لأنها عدلت مبدأ الإقليمية Principle Territorial السائد في الخلافة في ممتلكات الدول.
لم يرد في اتفاقية عام 1983 نص يحكم ممتلكات الدولة السلف (دولة الشمال) غير المنقولة الموجودة خارج إقليم الدولتين السلف والخلف. يبدو أن الممارسة تفترض أن هذه الممتلكات تظل مع الدولة السلف. ولكن الأمر يختلف في حالة تفكك الدولة السلف أو زوالها. فقد نصت المادة (b) 1/18 على أن مثل هذه الممتلكات تؤول للدول الخلف بنسب منصفة وقد حدث هذا في حالة تفكك يوغسلافيا السابقة. فبمقتضى المادة 2 من الملحق B لاتفاقية مسائل الخلافة المتعلقة بيوغسلافيا السابقة المبرمة في 29 يونيو 2001 أُتفق في إطار ترتيبات معينة على توزيع المقار الديبلوماسية والقنصلية ليوغسلافيا السابقة في الخارج بين الدول الخمس الخلف.
3- الخلافة في محفوظات Archives الدولة السلف (دولة الشمال)
عرّفت اتفاقية عام 1983 في المادة 20 محفوظات الدولة السلف بأنها كل الوثائق من أي نوع أو تاريخ التي انتجتها الدولة السلف أو تلقتها في ممارستها لمهامها وتكون في تاريخ خلافة الدول مملوكة لها بموجب قانونها الداخلي ومحفوظة من قبلها مباشرة أو تحت سيطرتها كمحفوظات لأي غرض كان. ويكون انتقال المحفوظات للدولة الخلف بلا تعويض، إلا اذا اتفقت الدول المعنية على خلاف ذلك أو قررته هيئة دولية مناسبة (المادة 23). والدولة السلف (دولة الشمال) ملزمة بأن تتخد كافة الاجراءات لمنع الضرر أو التلف للمحفوظات المنقولة للدولة الخلف (المادة 26) ويترتب على انتقال المحفوظات إنقضاء حقوق الدولة السلف فيها ونشوء حقوق الدولة الخلف (المادة 21).
تشمل المحفوظات التي تنتقل من الدولة السلف (دولة الشمال) إلى الدولة الخلف (دولة الجنوب)، ضمن أمور أخرى ما يلي:
- ذلك الجزء من محفوظات الدولة السلف الذي يجب أن يكون تحت تصرف الدولة الخلف (دولة الجنوب) لغرض الإدارة العادية للإقليم موضوع الخلافة.
- ذلك الجزء من محفوظات الدولة السلف الذي يخص حصرياً أو بصفة رئيسة الإقليم موضوع الخلافة.
- المحفوظات التي توفر للدولة الخلف (دولة الجنوب) أفضل الأدلة المتاحة التي تتصل بسند حقها title في الإقليم المنقول وحدوده.
- أي نسخ مناسبة من المحفوظات المرتبطة بمصالح الإقليم المنقول التي تطلبها الدولة الخلف ويكون ذلك على نفقتها (المادة 27).
4- الخلافة في الدين العام Debt State للدولة السلف (دولة الشمال)
يعني دين الدولة وفقاً للمادة 33 من اتفاقية عام 1983 أي التزام مالي لدولة سلف ينشأ وفقاً للقانون الدولي تجاه دولة أخرى أو منظمة دولية أو أي شخص آخر من أشخاص القانون الدولي. وبمقتضى المادة 36 فإن خلافة الدول لا تؤثر على حقوق والتزامات الدائنين.
يقسم القانون الدولي الديون إلى ثلاث فئات وهي: دين تقترضه الحكومة الوطنية أو المركزية للدولة للصالح العام ويعرف بالدين الوطني Debt National، ودين تقترضه الحكومة الوطنية لمشروع محدد في منطقة جغرافية معينة ويعرف بالدين الإقليمي Debt Territorial أو Debt Localized، ودين تقترضه سلطة محلية أو كيان محلي يتمتع باستقلال مالي ويعرف بالدين المحلي Debt Local. وفقاً للقانون الدولي العرفي وتطبيقاً لمبدأ الإقليمية Principle Territorial، فإن الدينين الإقليمي والمحلي ينتقلان إلى الدولة الخلف.
بمطالعة ممارسة البنك الدولي في خلافة الدول في حالتي انفصال، نجد أنه قد فرق بين الدين الوطني Debt National والدين الإقليمي Debt Territorial. فعند انفصال سنغافورة من اتحاد ماليزيا في عام 1965، تحملت سنغافورة التزامات ناشئة من اتفاقية ضمان أبرمها اتحاد ماليزيا مع البنك الدولي بشأن قرض تمويل مشروع مياه في سنغافوره. وبذلك أُخليت ماليزيا من أي التزامات بمقتضى اتفاقية الضمان.
وعندما انفصلت بنغلاديش عن باكستان في عام 1971، أقنع البنك الدولي بنغلاديش بتحمل التزامات قروض لتمويل مشاريع واقعة كلية في إقليم بنغلاديش. ولكن البنك لم يوفق في اقناع بنغلاديش بقبول حسابه لحصة باكستان المنصفة في الدين الوطني لفترة ما قبل الانفصال. لذلك ابلغ البنك باكستان بأنه سيستمر في اعتبارها مسؤولة عن كل الدين الوطني. وقد قبلت باكستان هذا الترتيب.
وحتى يكون القارئ على بينة من الأمر، نورد هنا أنه وفقاً لتقرير أعدته لجنة ثلاثية من بنك السودان ووزارة المالية وصندوق النقد الدولي، فإن دين السودان الخارجي قد بلغ حتى 31 ديسمبر 2009م: 35 مليار و 687 مليون دولار أمريكي. علماً بأن أصل الدين هو 15 مليار و 407 مليون دولار وأما باقي المبلغ فهو عبارة عن فوائد وجزاءات. ويعد صندوق النقد الدولي والبنك الدولي المقرضين الأساسيين للسودان ضمن المقرضين الدوليين.
أفردت اتفاقية عام 1983 المادة 40 لمسألة الخلافة في ديون الدولة في حالة الانفصال. فقد نصت على أنه عندما ينفصل جزء من إقليم دولة ويكوّن دولة، فإنه ومالم يتفق الطرفان المعنيان على خلاف ذلك، ينتقل دين الدولة السلف إلى الدولة الخلف بنسبة منصفة مع الأخذ في الاعتبار بوجه خاص الممتلكات والحقوق والمنافع التي تنتقل إلى الدولة الخلف بالنسبة لدين الدولة.
نلاحظ في هذه المادة أنه لحساب النسبه المنصفة من الدين التي تنتقل للدولة الخلف (دولة الجنوب) هناك تركيز على التناسب بين دين الدولة السلف والأصول Assets التي تنقل إلى الدولة الخلف. ونجد توضيحاً للطريقة التي صيغت بها المادة 40 في تعليق لجنة القانون الدولي على مشروع المادة 35 (2) المشابهة للمادة 40 وتتعلق بانتقال الديون في حالة انتقال جزء من إقليم دولة إلى دولة أخرى. فقد قالت اللجنة إن المادة 35 قد صيغت بطريقة تغطي كل ديون الدولة سواء كانت عامة أو إقليمية Localized. وأضافت أنه يمكن أن يُرى بيسر في الفقرة 2 أن الديون الإقليمية Localized ستنتقل إلى الدولة الخلف بنسبة منصفة مع الأخذ في الإعتبار «الممتلكات والحقوق والمنافع» التي تنقل إلى الدولة الخلف بالنسبة لديون الدولة الإقليمية.
5- الخلافة في عضوية المنظمات الدولية في حالة الانفصال
إن العضوية في المنظمات الدولية لا يمكن اكتسابها بالخلافة في حالة الانفصال مادامت الدولة السلف (دولة الشمال) لا تزال قائمة وتتمتع بشخصيتها الدولية. لذا فإنه يتعين على الإقليم المنفصل - الجنوب مثلاً إذا تم الانفصال - أن يتقدم بطلب عضوية للمنظمة المعنية. وقد حددت الأمم المتحدة موقفها من هذه المسألة منذ عام1947 عندما رفضت إدعاء باكستان بأنها خلف مشارك Co-Successor للهند وتستحق عضوية الأمم التحدة تلقائياً، وقررت أن باكستان دولة جديدة وينبغي عليها التقدم بطلب عضوية.
إبان الأزمنة اليوغسلافية ثار جدل حول ما إذا كان قد حدث يعد انفصالاً أو تفككاً. إذ ادعت جمهورية يوغسلافيا الاتحادية (صربيا والجبل الأسود) أن الجمهوريات التي أعلنت استقلالها قد انفصلت عن الاتحاد، وأنها هي - أي جمهورية يوغسلافيا الاتحادية - الدولة الخلف لاتحاد الجمهوريات اليوغسلافية الاشتراكية. ولكن مفوضية التحكيم أفتت في الرأي رقم (1) بأن الاتحاد يمر بمرحلة تفكك. وفي الرأي رقم (8) أفتت بأن عملية التفكك قد اكتملت وأن اتحاد الجمهوريات اليوغسلافية الاشتراكية لم تعد له شخصية قانونية الأمر الذي يرتب نتائج خطيرة في القانون الدولي. وأفتت في الرأي رقم (10) بأن جمهورية يوغسلافيا الاتحادية دولة جديدة وليست مواصلة ليوغسلافيا السابقة.
وبالقرار رقم 777 بتاريخ 19 سبتمبر 1992 قرر مجلس الأمن أن جمهورية يوغسلافيا الاتحادية (صربيا والجبل الأسود) لا يمكن أن تواصل بطريقة تلقائية عضوية يوغسلافيا السابقة في الأمم المتحدة. وأوصى المجلس بأن تقرر الجمعية العامة أنه علي جمهورية يوغسلافيا الاتحادية أن تتقدم بطلب للعضوية في الأمم المتحدة وألا تشارك في أعمال الجمعية العامة.
إذن فإن الدولة التي قد تنشأ في إقليم جنوب السودان ستعتبر دولة جديدة. وبهذه الصفة يتعين عليها أن تتقدم بطلب عضوية.
ويبدو من ممارسات البنك الدولي أن الدولة التي تفقد جزءً من اقليمها بالانفصال لا تفقد عضويتها في البنك أو حقها في الحصص التي اكتتبت فيها. وبالمقابل فإن على الإقليم المنفصل أن يتقدم بطلب عضوية، وعند قبوله يكتتب في حصص البنك غير المخصصة. حدث هذا في حالة انفصال باكستان وسنغافورة وبنغلاديش. وتجري نفس الممارسة في صندوق النقد الدولي.
في ضوء ما تقدم فإن عضوية السودان في البنك وفي الصندوق وكذلك اكتتاباته لن تتأثر بانفصال الجنوب. وسيكون بمقدور الجنوب الحصول على عضوية البنك الدولي والصندوق عبر الاجراءات العادية ويكتتب في حصص المؤسستين غير المخصصة.
6- الخلافة في معاهدات الدولة السلف
(1) إن مفاوضات شريكي نيفاشا بشأن الخلافة في المعاهدات التي أبرمتها الدولة السلف (دولة الشمال) لابد لها أن تسترشد باتفاقية فيينا لخلافة الدول في المعاهدات لعام 1978، وما استقر من قواعد القانون الدولي العرفي، وممارسات دول شرق ووسط أوربا خلال العقدين السابقين.
(2) إن معاهدة عام 1978 لم تدخل حيز النفاذ إلا في عام 1996 ولعدد قليل من الدول، ولن تكون واجبة التطبيق إلا على خلافة الدول التي تنشأ بعد بدء نفاذها.
(3) إن معاهدة عام 1978 لا تعكس القانون الدولي العرفي. فغالب أحكامها يندرج تحت باب التطوير المطرد للقانون الدولي Development Progressive. فهي لا تجسد القانون الدولي العرفي إلا في حالات محددة أهمها حالة الخلافة في نظم الحدود (المادة 11) والنظم الإقليمية الأخرى مثل حقوق المياه والملاحة في الأنهار (المادة 12). ومعلوم أن هذه النظم تدمغ الإقليم بوضع دائم لا يتأثر بالتغييرات التي تطرأ على شخصية الدولية التي تمارس السيادة على الإقليم.
(4) أخذت اتفاقية عام 1978 بمبدأ الصحيفة البيضاء Slate Clean في حالة الدولة التي استقلت حديثاً وعرّفتها بأنها دولة خلف كان إقليمها قبل تاريخ الخلافة مباشرة إقليماً تابعاً تتولى الدولة السلف مسؤولية علاقاته الدولية. ومؤدى نظرية الصحيفة البيضاء أن الدولة حديثة الاستقلال (الدولة الخلف) غير ملزمة بالمعاهدات التي أبرمتها الدولة السلف. ولم تستثن معاهدة عام 1978 من ذلك سوى معاهدات الحدود والمعاهدات المنشئة لنظم إقليمية أخرى كما سبقت الإشارة. وحري بالذكر أن سنغافورة عندما انفصلت من اتحاد ماليزيا في عام 1965 اختارت أن تتصرف كدولة حديثة الاستقلال مع أنها لم تكن كذلك. إذ أعلنت أنها غير ملزمة بالإلتزامات التعاهدية للدولة السلف إلا إذا وافقت هي عليها.
(5) إن قاعدة الخلافة التلقائية Succession Automatic ليست من قواعد القانون الدولي العرفي. ولم تقطع محكمة العدل الدولية برأي حول هذا الموضوع في قضيتين نظرتهما مؤخراً. غير أن المادة 34 من اتفاقية عام 1978 أخذت بقاعدة الخلافة التلقائية في حالة انفصال أجزاء من دولة وظلت الدولة السلف قائمة. بموجب هذه المادة فإن معاهدات الدولة السلف تظل تلقائياً نافذة على الدولة الخلف إلا إذا اتفقت الدول المعنية على غير ذلك، أو ظهر من المعاهدة بأن تطبيقها على الدولة الخلف يتنافى مع موضوع المعاهدة وغرضها، أو يحدث تغييراً جذرياً في ظروف تنفيذها.
(6) إن الدولة الخلف (دولة الجنوب) ستكون ملزمة بالإتفاقيات والصكوك التي تحدد نطاق إقليمها. ولكنها لن تكون ملزمة بالإتفاقيات الشخصية أو السياسية التي أبرمتها دولة الشمال وهي الاتفاقيات التي يكون موضوعها مرتبطاً ارتباط وثيقاً بعلاقات الدولة السلف (دولة الشمال) بدولة أو دول أخرى. ومن أمثلة ذلك اتفاقيات الصداقة أو التحالف أو الدفاع.
(7) في حالة الإتفاقيات الثنائية نرى أنه من الأصوب أن تبرم الدولتان السلف والخلف (الشمال والجنوب) اتفاقية ايلولة Agreement Devolution لنقل الحقوق والالتزامات المنصوص عليها في هذه الاتفاقيات من الدولة السلف (دولة الشمال) إلى الدولة الخلف (دولة الجنوب). وهذه الاتفاقية لا تلزم الدول الاخرى أي الأطراف الثالثة في الاتفاقيات مع الدولة السلف (دولة الشمال). ولكن تكمن أهميتها في أنها تبرز التوجه العام للدولة الخلف (دولة الجنوب) إزاء اتفاقيات الدولة السلف. بعد ذلك يكون من الميسور للدولة الخلف (دولة الجنوب) أن تدخل في ترتيبات خلافة معاهدات مع الاطراف الثالثة.
(8) لا توجد خلافة تلقائية في المعاهدات متعددة الأطراف، فالدولة الخلف مثل دولة الجنوب تستطيع الانضمام لها بإشعارات تُقدم وفقاً للأصول المرعية للمنظمة أو الدولة الوديع للإتفاقية أو الاتفاقيات. ولكن هناك نفر من الشراح يرى أن الخلافة تكون تلقائية في حالة الاتفاقيات الشارعة مثل اتفاقيات حقوق الانسان واتفاقيات القانون الدولي الانساني. بينما يرى نفر آخر أن إلزامية الحقوق والحريات التي كفلتها هذه الاتفاقيات يعود إلى أن أحكامها قد أصبحت عرفاً دولياً، أو حقوقاً مكتسبة لسكان الاقليم محل الخلافة وليس إلى خلافة تلقائية في المعاهدات.
في الجزء الثالث والأخير من هذه الحلقات سنتناول مسألة الخلافة في اتفاقيتي مياه النيل لعامي 1929 و1959 ونبدي بعض الملاحظات الختامية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.