لك التحيات وخالص الود ... مشفوعاً بتهانينا بالعام الجديد .. والذي ونعشم أن يكو فيه شئ من خير للوطن، ونأمل فيه صلاح حال البلد الإنقسم جزئين أو يكاد .. ودوننا التاسع من يناير الجاري موعداً ... وكل التوقعات – حكومة وأهالي – تنحو تجاه الإجماع بأن الإنفصال أصبح مسألة استيفاء شكليات قانونية ، أكثر منه مسألة إحصاء أعداد المتفاضلين بين خياري الوحدة والإنفصال . طالعت مقالك الشيَّق في صحيفة سودانايل الإسفيرية بتاريخ 2/1/2011 ، والذي أشاركك فيه الإعجاب بالرائعتين .. نسرين سوركتي وروضة الحاج .. واستوقفني فيه تساؤلك عن موقع الشاعرة الرقيقة والمبدعة بحق روضة الحاج ، من المواقف والقضايا الإنسانية ومن معاناة أهالينا في دارفور ، الذين تطالعنا الأخبار على نحو يكاد يكون يومي بمآسيهم من عطش نتاج تجفيف وردم الآبار أو تسميمها بإلقاء جثث الأهالي فيها ، مروراً باحراق القرى وهتك الأعراض وانتهاب الممتلكات ، وكل تفاصيل ما حوته لائحة الإتهام من عناصر جرائم الحروب والإبادة الجماعية ... الوالغة فيها حكومتنا السنية وأذرعتها من عصابات قطاع الطرق التي تحارب بالوكالة عنها وبتسليح منها وقصف جوي للقرى، في مقابل إنتهاب الأموال والإستيلاء على أراضي مواطنين يفترض تساويهم معهم في الحقوق ومنها الحق في حماية الدولة. ومن المؤسف يا أخ هلال أن الإجابة على تساؤلك هذا تكمن في أن شاعرتنا الرقيقة المبدعة ، هي من أولئك الفنانين والشعراء الذين اصطفوا في موكب السلطة ، وارتبطوا معها بمصالح ، جعلتهم يضربون صفحاً عن المعاناة والحالات الإنسانية القمينة بهز كل وجدان سويّ . لذلك قام تساؤلك المشروع عن غياب شاعريتهم من أن تهتز وتمتد للتعبير عما ذكرت من حالات. وحالة المعاناة في دارفور حالة ربما تقاطع فيها السياسي مع الإنساني مما يوجد الحرج في تعبير روضة وأمثالها عن مواقفهم الإنسانية تجاهها – فنحن لا نملك حق تجريدهم من اتصافهم بالحس الإنساني – وإنما لنا الحق في مساءلتهم عن التغييب المتعمد لحسهم الإنساني - الذي لمست وشهدت رقته - عن الإنفعال والتفاعل مع هكذا حالات. كما أن الموقف المستنكر لحالة الفتاة التي ضج الفضاء الإسفيري بنقل صورة جلدها ، واهتز الضمير الإنساني على اتساع ارجاء العمورة استنكارا للبربرية والهمجية التي اتصف بها ذلك الفعل ، لن يكون محل جدال لكل ذي حس ووجدان سليم .إلا أن التعبير عن هكذا موقف يستبعد صدوره من شاعرتنا الرقيقة كما أسلفت... وأخالك أخي هلال قد استوقفتك شاعرتنا المبدعة في مرحلة متأخرة من مسيرة ابداعها التي تابعناها منذ مطلع التسعينات .. ولها قصائد درر ، غاية في الرقة ... تنضح بشاعرية حقة كما ذكرت .. لكن منذ اصطفافها في موكب الإنقاذ فقد تغير الحال ... فقد شاركت شاعرتنا في الحملات الإعلامية الرامية للتغرير بالأيفاع من شباب هذا الوطن، الذين عمدت سلطة الإنقاذ إلى اختطاف بعضهم من الطرقات ، وغسل أدمغة البعض في الجامعات وتجييشهم في المعسكرات والزج بهم في أتون حروبها الصليبية في جنوبنا الحبيب الذي شارف الإنفصال.... فانضمت شاعرتنا إلى جوقات التطبيل لشهادة واستشهاد ذاك النفر الفتَّي من شبابنا... في قصائدها عن الميل أربعين وغيره .. تمجيداً لبطولات قتال الإخوة إخوتهم .. شهادة تجرأ شيخ غالبته السذاجة فافتى بأنها (فطيسي / وليست شهادة )، ليُجبر على ابتلاع فتواه تلك ويستبدلها بفتوى نقيض .. إلى أن انقلب الإنقاذيون على عرّاب ثورتهم ، فقام الشيخ العرّاب برفع الستار وفضح المهزلة ، لتتضاعف حسرتنا على فتية استدرجوا من صفوف الدراسة إلى مستنقع الجهاد الخدعة (الإنقلاب الخدعة ، سجنة الشيخ الخدعة ، وخدع كثر أخريات ).. جهاداً القموه وقودا ً شبابٌ غض ، متعدد الأديان والإثنيات في جانبيه شمالاً وجنوباً ..!!! دونما وازع من دين أو ضمير ... فلحقوا بالكثير مما تم تبديده من ثروات ومقدرات الوطن . وقد صدمت أخي من موقف شاعرتنا في قصائدها تلك ، ولا أخالني في موقف يمكنني إدعاء التقييم الفني على نحو من (فعولن فعولن فعولن فاعلاتن إلخ) لتلك القصائد ، إلا أن ما أسميته (نظماً) قد يكون الطابع الغالب فيها ... وفيها شئ من خواء لا يفوت كل من له ذائقة شعرية . فالرقة والشفاف الذي اتسم به شعر روضة يعتريه شرخ حينما يصار بوقاً إعلامياً يدبج في المناسبات تعبيراً عن برامج وسياسات الإنقاذ .. ويغيب عنه العمق الإنساني الذي عهدناه فيه من قبل ... غير أنها ما زالت قادرة على الإدهاش عندما تبتعد عن (النوتة) الرسمية ، وتنصرف للتعبير عن الإنفعال الإنساني الصادق ...وليتك تابعت مشاركتها في مسابقة شاعر المليون بقناة أبو ظبي في العام 2009.... فقد قارعت الشعراء الفحول القوافي ونافستهم في بدائع الأخيلة والصور الشعرية بتميز واقتدار ...غير أن منظمي الجائزة ما كانوا على استعداد لمفارقتها ، وفاز بها شاعر لا يتجاوز جمهوره (الدولة) من الناطقين بالعربية سكان إحدى العباسيات أوحارة من إمتدادات البقعة ... فيبدو أن أمام الشفافية مشوار طويل برسم الإنجاز قبل أن يكون لها مستقر في هذا الجزء من العالم .. غير أن صدمتنا من الموقف السياسي لشاعرتنا ، لا ينهض مبرراً لإنكار تموقعها المتميز على رابية الشعر ... فلنا في النهاية أخ هلال أن نقر للشاعرة روضة بتميزها الشعري ... ولنا الحق في تحفظنا على السياسي منه .. كما أن فيما ذكرت ما يتيح لنا فهم أسباب صمتها عن الإنفعال بأحداث إنسانية آنيَّة وملحة تستدعي الإنفعال بها ومعها ... وهذه حالة ليست بالفريدة في دنيا الأدب والفن بصفة عامة ... فالموقف من أوسكار وايلد أخلاقياً لا يمنع من الإقرار بفرادة عبقريته الأدبية ... وهكذا موقف عبر عنه خليفة المهدي حينما استظرف حديث ذاك المخنث الحصيف ، فلم يتوان عندها عن إبداء موقف صريح مستقبحاً لفعال تلك الفئة من الناس ... أوتذكر أخ هلال ، مدح ذاك الشاعر الراحل لعمر البشير من منبر قاعة الصداقة .. لا أظن أنه تجاوز تلك السقطة حتى مات .. وبالرغم من من العطاء المتميز الذي قدمه عبر إذاعة أمدرمان لعقود من الزمان ... فقد بهتت سيرته وخمد ذكره من يومها .. نسأل الله له الرحمة والمغفرة .. ولا يسعني في النهاية إلا أن انهي وقفتي هذه بموقف طريف لا يخرج عن السياق كثيرا ً ... فعند عودة الأستاذة فاطمة أحمد ابراهيم للوطن .. بعد غيبة طالت .. أقيم لها ذاك المهرجان الصاخب بدار الرياضة بامدرمان .. والذي هبت له العباسيات والموردات والعاصمة بأطيافها السياسية والإجتماعية المختلفة ... وشدا ليلتها محجوب شريف بسهله الممتنع المشهور... وتتالى بعدها على المسرح المغنين منشدين / سيف الجامعة / عبد القادر سالم ووووووووو سامية التوم . ..والأخيرة من الأصوات التي استوقفتني صوتاً وأداءاً .. فعبرت لأحد الأصدقاء بجانبي مشيداً بالمذكورة .....ثم صدحت الشابة بايقاع حماسي استثار الجموع المبتهجة ومنهم المحتفى بها وصديقاتها ... وعلى أيقاع أغنية ( المك نمر ) الحماسية تجاوبت الجماهير مع الفنانة ...فراحت البِنيَّة (وبسذاجة سياسية) بارتجال مقطع (يا عمر البشييييييييير!!!!) ... وهنا النار ولَّعت .... ولم ينقذ الفنانة من فتك الرفيقات بها سوى تدخل بعض المتفهمين من منظمي المهرجان، فخرجوا بها لبر الأمان ...وهنا إلتفت لي صديقي شامتاً من فنانتي التي امتدحتها له منذ حين ... وبالتحقيق حول (نظرية المؤامرة الأمنية) وكيفية وصول المذكورة ومشاركتها في الحفل ، اتضح أنها كانت بدار الفنانين ممن لم يكن لهم ارتباط فني ليلتها... وصدف أن كان محمد وردي من ضمن المفترض مشاركتهم في مهرجان الإحتفال بالأستاذة فاطمة أحمد ... ولوعكة صحية طارئة اضطر للإعتذار ، وطلب من الفنان عبد القادر سالم أن يشارك بدلاً عنه بالمهرجان ... وهنا تطوعت فنانتنا بمرافقة الفنانين المشاركين في المهرجان والمشاركة معهم .. ليه لا .!!!! .. غير أن حسن النية وغياب الحس السياسي أوقعها في الورطة إياها. وهنا قلت لصديقي الشامت .. أنني قد زكَّيت المذكورة وأشدت بصوتها وحسن أداءها الفني ... أما حسها السياسي وحصافتها لتدرك في أي مقام تغني فهذا لم يكن مدار تقديري .. أخوك / الكجور آدم علي Elkujoor Adam Ali [[email protected]]