كتب لي منذ نحو 30 عاماً بروف محمد عمر بشير)والله على ما أقوله شهيد يا سقط اليسار) وأنا بالولايات المتحدة موجوعاً من دولة النميري لأنه يرى أن الذي بناه جيله يتهدم. ومتى نظرنا إلى تفرق الوطن يوم أمس الأول رسمياً صارت كلمة البروف مما يعرف بالإنجليزية ك " understatement". فقد تهدم له بناء في حين مات لجيلي الوحدوي أمل نميناه في جوانحنا. ولا أراك الله مثل موت الأمل. والعين تدمع والقلب يجزع ولا نقول إلا ما يرضي الرب. لقد نشطت الصفوة على ضفة الحكم والمعارضة "تغفلت" تفرق الوطن في التلاوم. وليس بينهم فرقة ناجية . . . أو رشيد. وتلاومهم هو بعض حيلهما المعتادة في تضييع الأثر في الماء. فتَحت الصفوة بكاء اللوم واللوم المضاد في وقت رنا الناس إلى عزيمة أخرى للم شعث ما تبقي من البلد في "الجمهورية الثانية". وجهلوا فقه فتح البكاء في أعراف عامة الناس. حكى شاموق عن رجل جاءه خبر. فجمع من حوله مرأة راجل وقال لهم لا أسمع نأمة. ووزع الواجبات عليهم لاستقبال المعزين. ثم لما اكتمل كل ذلك قال: "افتحوا البكا" وركب الصائح ينادي: الحي الله والدائم الله. ولكن صفوتنا تقطعت أوصالها من روح الشعب، كما قال شنو اشيبي، ورباطة جأشه في الملمات. لا استثني احداً في تفرق الوطن. ليس الحركة الشعبية على الأخص. وقطاعها الشمالي بالذات الذي بذل الأمل بل اليقين بسودان موحد جديد ولما جاء وقت التسليم لم نجد الوطن ذاته ناهيك عن جدته. ماسورة. ولكنني صدمت جداً حين رأيت الرئيس لا يتقبل بتقسيم الوطن عادي زي الزبادي فقط بل يرمي بسهمه في هرج التلاوم. فمهما كِلنا بمكيال اللوم فأعذرنا من أعذرنا وأنذرنا من أنذرنا سيبقي من الرئيس للتاريخ أنه الذي انفصل الوطن في عهده. وودت لو تناصرت علاقات الرئاسة العامة على أن تبدله حديثاً غير حديثه المذاع الذي خلا من التنزل عند التبعة الشخصية التاريخية بحزن جليل. وددت لو داخلت نبرته غصة المحارب الذي بذل، كضابط بالقوات المسلحة، فوق أكثرنا ليظل البلد واحدا. وكانت صفته تلك هي التي أوحت لي كلمة قديمة (1990) نشرتها في "الإرهاق الخلاق" (.2001). فقلت إنني أعلق عليه إدارة مبادرة للصلح الوطني في الشمال. فمع استنكاري للانقلاب كخطة سياسية قلت إنني اتفهم قيامه به "كضابط بقوات الشعب المسلحة . . . أدار بكثافة عمليات للنصر والنزاع والهزيمة في مفصل أزمة جنوب السودان. ولابد أن عقله وفؤاده اعتلج بفكرة أو أخرى من افكار الخلاص الوطني تساور كل مشغول بمحنة بلده". وأردت بذلك أن أثبته في الولاية طالما تدرعها لا يلقي المعاذير على الإسلاميين حين ذاع أنه مجرد صورة لأصل خفي. استعاض الرئيس عن "أكل ناره" بالانفصال بما يشبه تنفس الصعداء للخروج الجنوبي عن ولايته لتخلص للشمال هويته العربية الإسلامية. كرر ذلك كثيراً. وأحزنني أنه نسب خيار الجنوب الانفصالي إلى مسألة سياسية قديمة لم تبدأ مع الإنقاذ ولم تكن الشريعة وراءها. ومهما يكن من أمر فلا أدري إن لم تكن عشرين عاملة كفيلة باجتراح الرئيس معجزة حلحلة كل عسير بما في ذلك جلب لبن الطير لشفاء الوطن. قال لي رفيق مرة أنه لما جرى اعتقاله بعد فشل انقلاب 19 يوليو اعتزله الناس سوى طفل صاح فيه وهو على كومر الشرطة: يا أبو شنب (كما كان يناديه). وقال إن عبارة الطفل كانت عزاءه الكبير. أما عزائي وأنا في مركبة الانفصال فهو تصويت مركز الساحة الشعبية بالديوم الشرقية 172 للوحدة و140 للانفصال. حتوحشونا