[email protected] قرأت نعي الشاعر الصديق عالم عباس لصديق أحمد البشير فطافت بي الذكريات "فاشر أبو زكريا أب تنباكن مر" وتلك الأيام من شبابي أيام الفاشر الثانوية الخالدة التي علمتني وقومت عودي وثقفتني ووقادتني لطريق النضال من أجل الناس البسطاء، ولم يكن كل ذلك ممكنا إلا بصديق أحمد البشير ومكتبته "مكتبة الجماهير" منارة المعرفة في مدينة الفاشر التي أدارها صديق بإبتسامة لا تفارق شفتيه وكلمات ترحيب ينثرها تحت أقدام كل من يدخلها صغيرا أو كبيرا يجد فيها الزاد الفكري الذي يبحث عنها من حسن البنا وسيد قطب ومحمد قطب وحتى ماركس وأنجلز ولينين وسارتر، من المهاتما غاندي ونهرو ونكروما وحتى كتب القومية العربية، من شعر التجاني يوسف البشير وصلاح أحمد إبراهيم وكجراي (وقد تعرفت على ديوانه الصمت والرماد في تلك المكتبة وأغتنيت طبعته الأولى) وحتى صلاح عبد الصبور ونازك الملائكة وعبدالوهاب البياتي، ومن روايا نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وقصص يوسف إدريس ومسرحيات نعمان عاشور وترجمات دار الآداب لسيمون دي بوفوار ولروائع الأدب الحديث ولمجلات الهلال والكاتب والمصور وصباح الخير ومجلات الأطفال كسمير! تذكرت صديق وهو يقف كالطود الشامخ في أول إحتفال بعيد الإستقلال بعد أكتوبر والديمقراطية السمحة تنشر ظلالها الوريفة على كل أرجاء البلاد متحدثا ولأول مرة في تاريخ دارفور كلها باسم الحزب الشيوعي السوداني. تذكرت صديق وهو يعرفني على التجاني الطيب بعد إطلاق سراحه من سجن الفاشر في منزل الخليفة عمر أحمد حامد، وتذكرته وهو يعرفني في مكتبته على المرحوم خليفة كرار الذي أصبح فيما بعد من أشهر ضباط أمن نميري وشتان بين معرفة الإثنين ولكن صديق الشيوعي الفذ كان يجمع النسيج الإجتماعي للفاشر ويعبر عن وجهها الصبوح المرحب بالجميع أفندية وطلاب وضباط جيش وعمال ومهندسين وتجار وفقراء مدن! لله دره! وكان سجن الخير خنقة منفى للشيوعيين المحاكمين وكان صديق ينظم لهم وصول الجرائد والكتب واحتياجاتهم الشخصية ومراسلاتهم مع عائلاتهم. وأعنتقل صديق بعد يوليو بشالا فكان دليل المعتقلين للعالم الخارجي وصلتهم الآمنة به وعندما نقلنا لشالا من كوبر وجدناه ورفاقه من معتقلي الفاشر ونيالا صامدا رغم سوء الأحوال في شالا حينها فزادنا صمودهم صمودا وتصميما على المقاومة. وفي تقديري يا صديقي عالم عباس أن صديقا بدر ما هوى، ما دام من نهل من المعارف التي نشرها يمشي بين الناس وينشر تلك المعارف، ما دمت أنت تبدع وتنشر شعرا، ما دامت الكتب التي جلبها صديق للناس من مصر ولبنان وسوريا ومن أصقاع الأرض يتداولها الناس بينهم وعليها ذلك الختم الحبيب " مكتبة الجماهير الثقافية". وما دامت جماهير دارفور قد نهضت لتنال حقوقها التي كان صديق من رواد العاملين لأجلها. سأل نميري عبد الخالق عما قدمه للناس فأجاب عبدالخالق "الوعي قدر ما أستطعت" وقد فعل صديق مثله، فلننهض لإقامة متبة عامة أو مركز ثقافي يحمل اسم صديق والجماهير معا.