إلقاء اللوم على الأنظمة في كل ما يقع على المواطنين من عنتٍ، من أبجديات العمل المُعارض عند العديد ممن لا ينتسبون لهذه الأنظمة ولا يطيقونها، وهي سُنّةٌ موجودة في جميع البلدان الديمقراطية منها والشمولية، ومحاولة التنصُّل من المسؤولية عن ذلك العنت أيضاً سبيلٌ مطروقٌ عند الحكامِ. ومع ظهور أدوات عصر التكنولوجيا وتعدُّد استخداماتها، راج الانترنت كوسيلةٍ ناجعةٍ للمعارضين ومنه انطلقت الاحتجاجات في دولٍ عربية عديدة نجح بعضها في التخلص من السلطة القابضة، وبعضها مازال يُكابدُ عبر صراع تنوّع بين المُسلّح والسِلمي. هناك بعض المواقع السودانية على شبكة الانترنت، يصولُ فيها ويجولُ بعض منتسبي النظام وكذلك من يخلطون ماء النظام بزيت المعارضة، وأقلية ممن يتصيدون للمعارضة أخطاءها ويجعلون منها سانحة للتندُّر والتهكُّم، ولكن الصوت العالي للمناوئين في هذه المواقع جعلها تُصنّف في خانة المُعارضة ولا نريد هنا أن نذكُر اسماء لمواقعٍ بعينها. بعض المناوئين للنظام يُصرّون على أن ما تواجهه مواقع الانترنت من تهكيرٍ وعبث إلكتروني هذه الأيام هو من صُنع النظام نفسه ويستشهدون على ذلك بما حدث للمواقع الإلكترونية في بواكير ثورات الربيع العربي في السودان وفي بعض الدول العربية الأخرى ومنها مصر، التي يواجه فيها بعض المُتنفذين ممن كانوا في النظام السابق تُهماً يتعلق بعضها بتعطيل خدمات الهاتف والانترنت أثناء الاحتجاجات في يناير وفبراير الماضي. في السودان تقوم هيئة الاتصالات السودانية بحجب بعض المواقع - ربما- بحُجّة أن فيها شُبهة المواقع الإباحية أو فعلاً هي كذلك وذلك بوضع عبارة هذا الموقع تم حجبه(this site has been blocked)، ولكن هذه الهيئة تحجُب بعض المواقع التي لا صلة لها بالمواقع الإباحية أو "اللاخلاقية"، وبذلك يجوز أن نقول أن حجب المواقع خاضع للمزاج السياسي والسقف الأخلاقي والإجتماعي لمن يقومون بالحجب، هذا على الرغم من أن الحجب الذي تقوم به هيئة الإتصالات ينهار عند أول محاولة للدخول عبر مواقع فكّ التشفير الإلكتروني، التي أصبحت مُتاحة للجميع بنقرةٍ واحدةٍ على ماكينة البحث قوقل (Google). لم يكن الحجب أو المنع رادعاً ناجعاً في يوم من الأيام، لا على مستوى تعطيل الفعل السياسي أو في ما يخص الأمور الإجتماعية، فالسياسيون يبتكرون أساليب مُختلفة لتفادي المنع وينجحون بشكلٍ كبيرٍ في ذلك، بل قد يكون الحديث عن المنع وسيلة دعاية لإظهار عجز النُظم، وسانحةِ تأليب بدعوى استخدام المنع والحجب والتقيّيد، كمحاولة لإخفاء عيوب الحكومات. أما على المستوى الإجتماعي فهُناك أمثلة عديدة على أن المنع لم يكن رادعاً بأي حالٍ من الأحوال، بل كان سبباً في بعض الحالات في تحويل بعض النشاطات إلى ما لا يُحمد عُقباه، ودونك عزيزي القارئ قرار منع الشيّشة الذي أتى لأسباب نظُنُّها غير منطقية، في ظل وجود سلعٍ أخرى لها نفس مضار الشيّشة، ولكنها تُصدّر وتُستورد، وتُباع وتُشترى، وتُؤخذ منها الضريبة دون أن يطالها المنع. فالشيّشة مُنعت من المقاهي والمحلات المُخصصة لها ولكنها تحولت للجلسات الخاصة وداخل البنايات الأسمنتية وفي غرف البيوت، هذا خلاف أنها أصبحت ستاراً، بحق، لنشاطات أخرى والسلطات عاجزة عن أن تصل إليها. أما كان أجدى لو كان تعاطي الشيّشة يتم تحت سمع وبصر المجتمع وبمتابعة منه وبشروط وقوانين خاصة به، مع عمل إعلامي مُكثّف يوضح مضارها. موقع سودانيزاونلاين الذائع الصيت ممنوعٌ لأيامٍ بأمرٍ من بعض الهكر "Hackers"، وقد تم إحتلاله وتحويل نطاقه "domain"، لصالة نكات مُقرفة وألفاظ بذيئة، ولكن إدارته نجحت في تفادي المنع والإحتلال، بفتح روابط أخرى تسمح لزائريه بالوصول إليه رغم أنف الهكر، عبر هذا الموقع يتجه بعض الأعضاء لإتهام ما يُسمى (شُعبة الجهاد الإلكتروني) بالوقوف وراء هذا التهكير، ويزيد بعضهم بأن هذه الشُعبة استقدمت متخصصين "هنود" للقيام بهذا التهكير، وإن صحّت هذه الإتهامات أم لم تصِحْ، فإن الهكر نجح فقط في تقليل عدد الزائرين للموقع لبعض الوقت وفي إحداث بعض الخسائر الإقتصادية، ولكنه فشل بالتأكيد في إغلاقه والمواقع المشابهة إلى ما لا نهاية، وهذا بدل أن يكون ضربة لأصحاب هذه المواقع، قد يكون ضربة أخرى في صِدغ من يحاولون إخراس الأصوات التي لا تُعجبهم، أما المستفيدون من مثل هذه المواقع، فطالما هناك وصلة انترنت، فالحلول متوفرة شاء البعض أم أبى. nazeer ebrahim [[email protected]]