من المفترض عقلاً أن ينطلق الرئيس ونائبه من مشكاة واحدة فكراً وسياسة وتدابيرا لعدة اعتبارات منها لطول بقائهما معاً في سدة الحكم وتعاونهما الوثيق في الإطاحة بالحركة الإسلامية التي حملتهما إلي دست السلطة وقد فهم الكثيرون أن بقاء هذا التقارب الثنائي هو ضمانة قوية لاستمرار الحكم رغم بعض ما يرشح من وقت لأخر من الإخبار التي تحمل في طياتها خلافاً بل تنافساً محموماً بين الرجلين ، ولكن الأعجب وفي ظل بداية الجمهورية الثانية هذه العبارة التي أطلقها نائب الرئيس ولم نر بعد المعطيات وحتى ملامح هذه الجمهورية ولكن خطابين للرجلين حملا تباينا فاضحاً في الرؤى والتدابير ، نحن نفهم أن خطاب النائب في هذه الفترة علي الأقل يظل خطابا مداهنا للرئيس وفيه بصبصة لا سيما أن تسريبات صحفية تشير إلي احتمال مغادرة النائب للسلطة التنفيذية في الحكومة القادمة , هذا وبطبيعة الحال يقض مضجع النائب ولكن أن يتجاوز الخطاب وسوسة النفوس المحبة للسلطة إلي المفارقة في البرامج والمناهج هذا هو الذي يحير أولوا الألباب ، ففي خطابين للرجلين في يوم واحد ظهر مفارقة غريبة , رئيس الجمهورية وفي خطاب له أمام اجتماع اللجنة المركزية للحزب الاتحادي الديمقراطي إتسم بالموضوعية والتهدئة بقوله أن حكومته سعت لفترة تعددية حزبية راشدة مبينا أن البلاد ستعاني من غياب الاستقرار السياسي وعن دولة الجنوب قال أن حكومته ستقدم مساعدات للدولة الجديدة وعلي خلق علاقات جوار ممتازة وعن علاقات طبيعية مع أمريكا وأوربا وعدم السعي لأى عداء مع أية جهة مع الاحتفاظ بحرية القرار والاستقلال مجمل كلام الرئيس يصب في خانة تهدئة الأمور في الداخل والتصالح مع كل مكونات الشعب وكذلك التعاون المرن مع الدولة الجديدة أو علي الأقل التعامل بالمثل ومد حبال التواصل مع العالم الخارجي ، وفي المقابل خطاب نائب الرئيس في مخاطبته لجماهير ولاية الجزيرة من مسيد الشيخ الطيب بالهلالية والذي قال فيه أن كل من يتطاول علي المنهج والشعب والرئيس عمر البشير سيواجه بالقطع بالسيف ، باقي الخطاب يتناسب مع المكان والزمان فالرجل يتحدث في مسيد والرمضان يطرق الأبواب وبالتالي فأن الحديث عن التمسك بالشريعة الإسلامية وتوحيد الصف والتنمية هو حديث مقبول وقد درج المسئولون علي ذلك من دون أن يرى الناس واقعا ملموسا فمثل هذا الحديث للاستهلاك فحسب والمفارقة الغريبة أيضا تاكيده بأن برنامج الحكومة في عهد الجمهورية الثانية سيقوم علي أحكام مستمدة من الشريعة الإسلامية وأحكامها وهذا القول يعني فيما يعني أن هذه الأحكام التي طبقت في الفترة السابقة ما كانت مستمدة من الشريعة الإسلامية ! مؤكدا في الوقت ذاته ومشددا علي أنهم في الحكم يريدون إقامة الشريعة في أنفسهم مستهدين بنور القران داعيا السكان إلي الالتزام بالشريعة والتعاهد بين الحكومة والمجتمع في شهر رمضان المعظم علي تطبيقها حتى تقوم في الدولة نظم تشريعات وعدالة وقانون وأمن ودعم للفقراء والمساكين ( ياليتهم يفعلون عشر ما يقولون) وتوعد السيد النائب بهزيمة مكر المعادين للسودان والرد عليهم وقال نحن نسمع بمكرهم وتدبيرهم وفي تصريحاتهم !! ومضي السيد / النائب في القول بمراجعة مسيرة الحكومة لتصحيح المسار أن وجد؟! كثيرة هي الفتوق في هذا الخطاب ولكن الشاذ والجديد هو تهديده باستعمال السيف لكل من يتطاول علي المنهج والشعب والرئيس عمر البشير وكان علي السيد النائب أن يستوضح قوله بتفاصيل أكثر , ما معني التطاول علي المنهج وأي منهج هذا ..... هل منهج الحكم ومسيرته ؟ يحسب كثيرون أن الحكومة القائمة فاقدة للوجهة تضرب في أمر الشأن العام بغير هدي كمن يمشي مكبا علي وجهه والحديث عن هذا لا يعد تطاولا بأية حال من الأحوال ، وأن القضايا والمشاكل التي تموج في المجتمع خير دليل علي أعوجاج منهج الحكومة في التصدي للقضايا أم أن المقصود بالمنهج هو الإسلام دين غالب أهل السودان فان تطاول أحد علي المقدسات والثوابت فذلك يعني مخالفة للقوانين القائمة في البلاد فيقع المتطاول تحت طائلة القانون وربما يصل الأمر إلي استعمال السيف في قطع الرؤؤس !! أما المباح في الإسلام فذلك مجال واسع للاجتهاد فيه وتباين الأراء وأختلاف المذاهب مما لا يعد خروجا علي منهج الإسلام ولا يستوجب السيف أما إطلاق القول هكذا بالمنهج المبهم !! وأن مخالفه يستحق أن يرفع السيف في وجهه فهذا تجاوز للحدود لا يليق برجل الدولة وزعيم الحركة الإسلامية !! أما التطاول علي الشعب فكيف يكون ذلك وهل هذا الكلام موجه للخارج أم الداخل !! أيعد من التطاول علي الشعب تحريضه علي تغيير النظام مثلاً . أو تحريضه علي تحرير أرضه في حلايب وفشقة مثلا ... أما التطاول علي الرئيس البشير فهذا هو بيت القصيد !! كيف يكون التطاول عليه هل بمطالبته بالاستقالة والاعتذار للشعب عن فشله في المحافظة علي وحدة هذا البلاد ؟؟؟ كل برامجه الانتخابية ووعوده كان يشدد ويحلف اليمين المغلظة بالحفاظ علي وحدة هذه البلاد كما أسسها الإباء والأجداد الأقدمون ، ففي بلاد العالم الحر حيث ينتخب الحكام علي برنامج فأن فشلوا في إنزال برامجهم في أرض الواقع يقدمون علي الاستقالة وهي سنة حميدة نحن أحق بالاتباع من العلوج !! وكيف تكون هذه المطالبة تطاولاً علي مقامه السامي فهو مجرد خادم للأمة التي تملك الحق في إقالته!! وهل من التطاول المطالبة بمحاكمته علي الجرائم المدعي بارتكابه في دارفور .... جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية ، وهل من التطاول مطالبته بمحاسبة مرؤوسيه ومحاكمتهم علي الجرائم المرتكبة , الفساد المالي والإبتزاز وأهدار المال العام ، وهل من التطاول علي مقامه السامي مطالبته بمحاربة العنصرية التي تعشعش في دواوين الحكومة وتلقي بظلالها علي اللحمة الوطنية في هذه البلاد .... كثيرة هي القضايا التي تقع عبئها علي كاهله تحملاً للمسئولية الدينية والدستورية تجاه الشعب ، ومن الذي يملك الحق في استعمال السيف في قطع الرؤوس التي أينعت ؟! أما أن لكم أن تتحدثوا عن ما ينفع الناس بعد أن تطاولتم في الحكم المطلق وهي مفسدة مطلقة , أن تترجلوا وتدعوا غيركم يقود هذا الشعب فقيادتكم السابقة أوردتنا الهلاك الأنفصال والأقتتال في دارفور وفي جنوب كردفان ...... وبؤس في حياة الناس ، ضاقت المعيشة بالناس رغم الخيرات التي تذخر بها بلادنا ، أفتقرتم إلي القدوة الحسنة فذهبت أخلاق الناس فلا الأمانة بقت ولا طهارة اليد , ولا الرحمة والشفقة بالرعية أبقيتم .... لا حول ولا قوة إلاّ بالله أبعد هذا تبشرون الشعب بالجمهورية الثانية بأنها جمهورية السيف وقطع الرؤؤس . أثبتهم للداني والقاصي أنكم لا تجيدون وضع الأمور في مواضعها لا الحكمة موضعها ولا السيف موضعه الأمر هرج ومرج وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.... Barood Ragab [[email protected]]