مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    بولس : توافق سعودي أمريكي للعمل علي إنهاء الحرب في السودان    إجتماع بسفارة السودان بالمغرب لدعم المنتخب الوطني في بطولة الأمم الإفريقية    عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    البرهان وأردوغان يجريان مباحثات مشتركة    شاهد بالصورة.. الطالب "ساتي" يعتذر ويُقبل رأس معلمه ويكسب تعاطف الآلاف    شاهد بالفيديو.. الفنانة ميادة قمر الدين تعبر عن إعجابها بعريس رقص في حفل أحيته على طريقة "العرضة": (العريس الفرفوش سمح.. العرضة سمحة وعواليق نخليها والرجفة نخليها)    شاهد بالفيديو.. أسرة الطالب الذي رقص أمام معلمه تقدم إعتذار رسمي للشعب السوداني: (مراهق ولم نقصر في واجبنا تجاهه وما قام به ساتي غير مرضي)    بالصورة.. مدير أعمال الفنانة إيمان الشريف يرد على أخبار خلافه مع المطربة وإنفصاله عنها    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    بعثه الأهلي شندي تغادر إلى مدينة دنقلا    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    الخارجية ترحب بالبيان الصحفي لجامعة الدول العربية    ألمانيا تدعو لتحرك عاجل: السودان يعيش أسوأ أزمة إنسانية    الفوارق الفنية وراء الخسارة بثلاثية جزائرية    نادي القوز ابوحمد يعلن الانسحاب ويُشكّل لجنة قانونية لاسترداد الحقوق    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حول أصول سكان السودان -11- .. بقلم: د. أحمد الياس حسين
نشر في سودانيل يوم 14 - 08 - 2011

من هم سكان السودان قبل ظهور المسميات القبلية الحالية
[email protected]
قبيلة الحلنقة
قبيلة الحلنقة من قبائل الداخل الكبرى التي ورد عنها قليلٌ من المعلومات في المصادر العربية شأنها في ذلك شأن باقي قبائل الداخل. وردت الاشارة إلى قبيلة الحلنقة في المصادر العربية مرة واحدة عند النويري (ت 732 ه / 1332 م) بصورة مباشرة، ومرة أخرى عند ابن عبد الظاهر (ت 692 ه / 1292 م) بصورة غير مباشر.
نبدأ بنص ابن عبد الظاهر في كتابه "تشريف الأيام والعصور بسيرة الملك المنصور قلاون ص 197". ويتعلق النص بالسفارة التي أرسلها السلطان المملوكي الملك المنصورقلاون إلى حكام السودان.وتاريخ هذه السفارة 685 ه / 1286م يشير إلى بداية تطور العلاقات بين المماليك حكام مصر وبين السودان. فقد ارسل المماليك حملة بحرية في عام 664 ه / 1265 م إلى ميناء سواكن وتمكنوا من إنشاء مملكتهم عليها. ثم أغار ملك المقرة 674 ه / على ميناء عيذاب وعلى منطقة أسوان مما أدى إلى بداية الصراع الذي نشب بين مملكة المقرة والمماليك والذي انتهي باعتلاء أمير مقُري مسلم عرش مملكة المقرة.
كان السودان في تلك الفترة تحت حكم مملكتين كبرريتين هما مملكة المَقُرّة وعاصمتها دنقلة ومملكة علوة وعاصمتها سوبة. ويبدو أنه كانت هنالك الكثير من الوحدات الادارية تحت إدارة حكام أو ملوك مستقلين توجهت إليهم سفارة السلطان المملوكي في العشرين من ذو القعدةعام 685 ه /1286 م . وقد ذكر ابن عبد الظاهر تسعة من أولئك الحكام وهم: "1. أدر ملك الأبواب 2. صاحب بارة 3. صاحب التاكة 4. صاحب كدروا 5. صاحب دَنْفوا 6. صاحب أري 7. صاحب بِفال 8. صاحب الأنج 9. صاحب كرسة."
وقد حاول الكثير من الباحثين التعرف على المناطق الواردة في هذا النص منهم على سبيل المثال الدكتور أحمد المعتصم الشيخ في بحثه القيم عن "زمن العنج" والذي قدمه إلى معهد الدراسات الافريقية والآسيوية وفي بحثه لدرجة الدكتورة عن منطقة التكاكي [أبو حمد] في الفترة الواقعة بين اسلام ملوك مملكة المقرة وسقوط مملكة علوة، ومنهم الدكتور مصطفى محمد مسعد وبخاصة في تعليقاته على النصوص في كتابه المكتبة السودانية العربية ومنهم كروفورد في كتابه The Fung Kingdom of Sennar.
والذي نود التوقف معه هنا هو أن أغلب المؤرخين رجحوا أن المناطق التي ذهبت إليها سفارة السلطان المملوكي تقع في ديار البجة الحالية. وليس هنالك غرابة في ذلك لأن منطقة البجة كانت معروفة للمسلمين لِما بها من المعادن والسلع التجارية الأخرى التي تأتي من مناطق الداخل، ثم لأن اتصال المماليك بالسودان كان أكثره عبر بلاد البجة نسبة للقيود التي كانت تفرضها مملكة المقرة على دخول التجار لأراضيها. والدليل على قوة الصلة بين المسلين ومناطق البجة ما ذكر ابن حوقل في القرن الرابع الهجري (10 م) من وجود مملكة اسلامية ملكها مسلم يتكلم العربية في منطقة خور القاش.
فإذا استثينا ملك الأبواب وملك كرسة فإن باقي كل الحكام الذين إرسلت إليهم السفارة يرجح وجودهم في مناطق البجة الداخلة وهي المناطق من أرقام 2 إلى رقم 7 في النص، إلى جانب صاحب العنج كما يرى الدكتور أحمد المعتصم الشيخ. وليس هذا موضع تتبع ذلك، لكنني اريد الاشارة إلى صاحب التاكة وصاحب العنج لارتباطهما بقبيلة الحلنقة. ويقودنا ذلك إلى التوجه إلى النص الثاني المباشر عن الخاسة والذي أورده النويري عندما تناول الحملة التي أرسلها السلطان المملوكي الناصر محمد لمطاردة بعض العربان في الصحراء الشرقية.
وكان سبب إرسال الحملة هو أن حاكم قوص بصعيد مصر اعتقل أحد زعماء الأعراب في صحراء عيذاب، فقطع هؤلاء الأعراب الطريق على مبعوث حاكم اليمن إلى السلطان المملوكي في طريقه من عيذاب إلى القاهرة وأخذوا ما كان معه ومن رافقه من غلمان التجار. فأمر السلطان والي قوص بتجريد حملة لمطاردة هؤلاء العربان.
تحركت الحملة المكونة من نحو خمسمائة فارس من مدينة قوص ومعها فياض زعيم العربان الذين أغاروا على مبعوث حاكم اليمن في العشر الأُول من المحرم عام 717 ه /1317م. وصلت الحملة ميناء عيذاب بعد خمسة عشر يوماً وأقامت بها إثنتا عشرة يوماً، ثم تحركت إلى سواكن ووصلتها في إثنتي عشرة يوماً. مكثت الحملة ستة أيام بسواكن ثم خرجت لمطارة العربان.
وصف الحملة
ويصف النويري في كاتبه نهاية الأرب (ص 230 - 233) تحت عنوان: "ذكر تجريد العسكر إلى العرب ببرية عيذاب ودخوله إلى بلاد هلنكة وغيرها وعوده" نلخص ما ذكره في الآتي:
"فساروا سبعة عشر يوماً، وفي أثناء سيرها ظفروا بطوائف من السودان بقرب المياه في أودية هناك، فقتل العسكر منهم وسبى ... وانتهوا إلى وادي إيتريب في اليوم السابع عشر وأقاموا يومين ... ثم ساروا إلى أن وصلوا إلى أزبينات وهو جبل صغير على شاطئ نهر أتبرا ... فأقاموا يوماً واحداً، ثم توجهوا يتبعون آثار العربان وهم يسيرون على شاطئ ذلك النهر ثلاثة أيام النهر على يمين العسكر. ثم فوزوا ودخلوا البرية إلى أرض التاكة فانتهوا في اليوم الثالث من يوم دخولهم المفازة إلى جبل كسلان [جبل كسلا] ... في أرض صفراء ... كثيرة الأشجار من السنط وأم غَيلان [شجر الطلح] وشجر الإهليلَج والأبنوس والعقر والحر وهو الذي يطرح التمرهندي، إذ طلع عليهم غبار أمامهم فندبوا من يكشف الخبر ، فعاد الكشافة وأخبروهم أن طائفة من السودان تسمى هلنكة قد اجتمعوا لقتال العسكر وهم خلق كثير. فتقدم العسكر إليهم وقد عبوا طلابهم ولبسوا لامة حربهم."
ويواصل النويري:
"واجتمع العسكر في أرض خالية من الأشجار ، وهي من طرق السيل وقد صارت مثل البركة، ولها فجة، فدخل العسكر فيها وتبعهم الأثقال، فسدت جمال أثقالهم تلك الفجة، وهلنكة من أعلا البركة والعسكر أسفل منهم، وبأيدي هلنكة الحراب والمزاريق والسيوف ومع بعضهم النبل. فوقف العسكر وأرسل إليهم إنا لم نأت لقتالكم وإنما جئنا في طلب طائفة من العرب أفسدوا وعصوا وقطعوا السبيل، وأمنوهم. فردوا الأمان وأبوا إلا القتال، فقاتلهم العسكر ورموهم رشقاً واحداً بالسهام، فقتل من هلنكة أربعمائة وستون نفراً وجرح منهم خلقاً كثير. ولم يتمكن العسكر من أسرهم ، فإنهم كانوا يرون القتل أحب إليهم من الأسر. وقتل منهم اثنان من ملوكهم على ما حكاه من اجتمع بهم من غلمان العسكر. وكان سبب اجتماعهم بهم أنهم وسلامتهم منهم، أنهم كانوا انقطعوا وراء العسكر وناموا فلحقتهم كشافة هلنكة فمسكوهم وأتوا بهم إلى أكابرهم، فسألوهم من أين أنتم؟ وكان فيهم من يعرف لغة القوم، فقالوا: نحن تجار أغار علينا هذا العسكر ونهبونا وأخذوا أموالنا وأسرونا، فلما قاتلتموهم هربنا منهم، فرقوا إليهم وأطلقوهم."
ويواصل النويري:
"ولما انهزمت هذه الطائفة من هلنكة تحصنوا بالأشجار وتركوا أحمالهم، فأخذ العسكر منها ما قدروا على حمله من الذرة ، وليس لهم طعام غيرها، وحملوا حاجتهم من الماء ورجعوا من هناك من يومهم على آثارهم وذلك في سادس شهر ربيع الأول سنة سبع عشرة. وعادوا حتى انتهوا إلى أربيباب، ولم يمكنهم الرجوع على الطريق الذي دخلوا منه لقلة المياه والأقوات والعلوقات فعدلوا إلى جهة الأبواب من بلاد النوبة، وأخذوا على نهر أتبرة فساروا على شاطئه عشرين يوماً، وكانت دوابهم ترعى من الحلف، ثم انتهوا إلى قبالة الأبواب." انتهى ملخص النص.
لاحظ أن اسم الجبل الصغيرعلى نهر عطبرة كتب في المرة الأولى في النص "أزبينات" وفي المرة الثانية "أربيباب" والأبواب هي منطقة أبي حمد. وربما لوحظت أيضاً بعض المآخذ على النص، على سبيل المثال: عبرت الحملة كل أراضي البجة من الشمال إلى الجنوب في نحو ثلاثة أشهر مرت خلالها بمناطق خوري بركة والقاش وضفاف نهر عطبرة ولم يصادفه في كل هذا التجوال سوى بعض البجة ثم قبيلة الحلنقة وهذا يتعارض مع ما وصفت به هذه المنطقة من وفرة الموارد المائية والنباتية ووجود عدد كبير من القبائل كما تعرضنا إليها فيما سبق تحت عنوان قبائل الداخل.
كما لم يوضح النص العدد الكامل لأفراد الحملة بل أشار فقط إلى عدد قوة الفرسان "نحو خمسمائة فارس"، وليس من المعقول أن تتوغل حملة في كل تلك المناطق وقوامها نحو خمسمائة فارس، فلابد ان يكون هنالك بعض القوات الأخرى إلى جانب الفرسان لم يُشر إليها النص. وقد اشار الكاتب إلى إنضمام بعض الأعراق للحملة عندما خرجت من سواكن.
ويلاحظ أيضاً انه ليس من المعقول ان يقتل من الحلنقة في يومٍ واحد 360 فرد إلى جانب عدد من الجرحى بما فيهم إثنين من ملوكهم ويحدث كل ذلك رشقاً بالسهام فقط. ولو حدث ذلك بالسلاح الناري لكان معقولاً في الوقت الذي لم يذكر فيه اي قتلى او جرحى من جنود الحملة. فإذا وضعنا في الإعتبار ان مؤلف الكتاب كان يتولى وظيفة ناظر الجيش في حكومة المماليك وهو منصب يمكنه من معرفة كل ما يتعلق بالحملات العسكرية ادركنا انه لم يكن مهتماً في كتابه بالأخبار الكاملة للحملة، بل اورد ملخصاً عاماً ركز إهتمامه فيه على ما يتعلق بأخبار الحملة فقط دون الإهتمام بغيرها. ورغم ذلك فيعتبر ما كتبه النويري من أقدم النصوص عن قبيلة الحلنقة.
إرتباط قبيلة الحلنقة بالتاكة وكسلا
وارتبط اسم الحلنقة في هذا النص بأرض التاكة ومدينة كسلا، وتبدو بلاد التاكة في النص ممتدة بصورة كبيرة، فالحملة بعد ان غادرت نهر عطبرة سارت في ارض التاكة ثلاثة ايام إلى ان وصلت جبل كسلان. وكسلان هنا المراد بها كسلا. وقد ورد أيضاً إسم كسلا في وثيقة عربية في الحبشة يعود تاريخها إلى القرن الرابع عشر كما ذكر كروفورد.
وربما إرتبط إسم كسلا كما جاء في كتاب "كسلا: التاريخ والحضارة" للأستاذ الدكتور سيد أحمد العراقي بالأمير الحبشي (الأمهري) كاسا الذي غادر بلاده لخلاف نشب بين أفراد اسرته ووجد هذه المنطقة الخصبة فاستقر عليها. فكلمة "لا" في اللغة الأمهرية تعني الأرض الخصبة، فإندمجت كلمة "لا" مع إسم الأمير كاسا فأصبحت علماً على المكان "كاسا-لا، كسلا".
فكسلا إذاً كلمة غير عربية فوجود الإسم سابق لدخول اللغة العربية في المنطقة. ولذلك نستبعد بعض الروايات التي ربطت إسم كسلا بكلمة الكسل. وقد ظهر اسم كسلا قبل ذلك في الوثائق الأكسومية التي تعود إلى فترة ما بين القرنين السابع والثامن عشر الميلاديين، إذ ورد ان بعض جماعات من كسلا أغاروا على قبيلة الباريا. وإسم مدينة كسلا قد يرجع إلى ما قبل القرن السابع الميلادي، أي قبل قرون كثيرة من عصر الحكم التركي الذي ربط به البعض ظهور إسم كسلا.
وكما إرتبط إسم الحلنقة بكسلا إرتبط كذلك بإسم التاكة كما رود في النص، فالنص يوضح ان كسلا تقع في أرض التاكة. وكلمة التاكة بجاوية الأصل تعني شجرة الدوم، وهي شجرة واضحة الوجود في المنطقة. وإلى جانب إستخدام المصادر العربية لكلمة التاكة إستخدمت أيضاً كلمة "دُجْن او دُكْن" وتعني دلتا القاش. يقول ابن حوقل في كتابه صورة الأرض ص74 "والنهر المعروف بالدُجْن ياتي من بلاد الحبشة فينقطع في اعمال دُجْن ومزارعها." ويصف دُجْن (ص71) بأنها "أرض مزارع أحواف يجري إليها ماء النيل"
والمقصود بالنيل هنا هو نهر القاش، فقد إتفق المؤرخون مثل كروفورد (ص107) ومصطفى محمد مسعد "المكتبة السودانية العربية ص 70" على ان دُجْن هي أرض التاكة. وقد نقل كروفورد عن بوركهارت في القرن التاسع عشر ان سكان منطقة دلتا القاش يطلقون على "دلتا القاش" بلاد التاكة. واورد كروفورد أيضاً ان الرحالة الفارز في القرن السابع عشر ذكر ان نهر دُجن (القاش) يُسمى التاكة، وان كلمة تاكة تعني او تصف المياه المنسابة في الدلتا. فقبيلة الحلنقة إذاً إرتبطت بكسلا والتاكة او بالدُجْن ونهر القاش.
وقد أدى موقع بلاد الحلنقة "التاكة" داخل المثلث الواقع بين وادي النيل والبحر الأحمر وبلاد الحبشة إلى القيام بدور هام في تاريخ المنطقة. فوفرة الموارد الزراعية والحيوانية والبحرية في المنطقة وسهولة الإتصال مع أضلاع المثلث الثلاثة أدت إلى تطور مؤسسات السكان الإجتماعية والإقتصادية والسياسية التي يمكن ملاحظتها في ما توفر من القليل من المعلومات عن سكان المنطقة القدماء. فقد وردت الإشارات إلى سكان منطقة التاكة في الآثار والمصادر القديمة والمصادر العربية المبكرة كما رأينا عندما تحدثنا عن سكان قبائل البجة في الداخل.
فسكان التاكة القدماء هم الذين أشارت إليهم الوثائق الأكسومية في القرن الرابع قبل الميلاد. فقد نقل كروفورد (ص 86 - 87) عن روزيني وكارتير وبدج أن منطقة التاكة ربما كانت موطناً للسكان الذين ورد اسمهم في المصادرالقديمة المتت m-tt-t أو m-t-t في القرن الرابع قبل الميلاد. وربط كروفورد بين المتت والماثيتي Mathetae الذين ذكرهم بليني في القرن الأول الميلادي، ورأى كروفورد أن اسمهم لا يزال يعيش في اسم محطة السكة حديد متتيب mitatib شمال اروما.
,وفي القرن الرابع الميلادي دون ملك أكسوم في نقشه المشهر أسماء بعض الشعوب التي كانت تسكن علي الحدود الغربية من مملكته في منطقة التاكة ونهر عطبرة وهم كما في كتاب آركل (ٍٍِِِِِِِِِA History of the Sudan p 172 ): مَنجُرتو والباريا والخاسة، وذكر أنهم كانوا يتعرضون لغارات النوبا من مملكة مروي. وربما هذه هي المرة الأولى التي يذكرفيها اسم الخاسة في المصادر المبكرة.
وهكذا ثبت بالدليل القاطع وجود قبيلة الحلنقة بهذا الاسم منذ القرن الرابع المسلادي. فقبيلة الحلنقة تمثل واحدة من أقدم السلالات في المنطقة ربما يعود تراثها إلى ما قبل القرن الرابع قبل الميلاد. ولم أعثر فيما اطلعت عليه من مصادر على اسم الحلنقة قبل القرن نهاية القرن الثالث عشر الميلادي،ولكن ورد ما يوضح أن المنطقة كانت مأهولة بالسكان مما يشير إلى أن قبيلة الحلنقة ظلت متواجدة في المنطقة.
ويبدو معقولاً أن تكون قبيلة الحلنقة هي التي قامت بالحملة التي خرجت من كسلا وأغارت على قبيلة الباريا بين القرنين السابع والثاني عشر الميلاديين كما ورد في الوثائق الأكسومية. لأن قبيلة الخاسة هي القبيلة القوية التي كانت تحكم منطقة التاكة ويظهر ذلك من وصول سفارة اللماليك إلى صاحب التاكة حيث قامت مملكة الحلنقة. وقد وضح النص المتعلق بحملة المماليك أن المقاومة الوحيدة التى واجهتها حملة المماليك على أرض التاكة أتت من قبيلة الحلنقة التي خاضت الحرب وقتل اثنين من ملوكها فى أرض المعركة.
مملكة قطعة جنوب بلاد البجة
ولو رجعنا إلى ممالك البجة التي ذكرها اليعقوبي في القرن العاشر الميلادي لأمكن ترجيح الربط بين مملكة قطعة وبين الحلنقة خلافاً لما ذهب إليه كروفورد بربط مملكة قطعة بقبيلة الخاسة، لأن مناطق قبيلة الخاسة في الشمال وحول سواكن كما ذكرت المصادر العربية. فقد وضع اليعقوبي مملكة قطعة آخر ممالك البجة في الجنوب بجوار الحبشة،وهذا الموقع يتفق مع موقع مملكة الخاسة في بلاد التاكة جنوب بلاد البجة ومجاورة للحبشة.
ووصف اليعقوبي في كتابه تاريخ اليعقوبي ص23 مملكة قَطعة بأنها "وهي آخر مملك البجة ومملكتهم واسعة من حد موضع يقال له باضع إلى موضع يقال له فيْكون، ولهم حد شديد وشوكة صعبة، ولهم دار مقاتلة يقال لها دار السوا، فيها أحداث شباب جلد مستعدون للحرب والقتال".
ورغم ان اليعقوبي حدد موقع المملكة ما بين باضع على الساحل وفيْكون التي ذكر كروفورد انه لم يتمكن من التعرف على موقعها، وقد يبدو هذا الموقع بعيداً بعض الشيء من دلتا القاش حيث عاش شعب التاكة، إلا ان تحديد اليعقوبي ليس بالضرورة ان يكون دقيقاً. فاليعقوبي في ذلك الوقت المبكر (القرن 10م) جمع رواياته من التجار وربما لم تكن معلومات مخبره دقيقة، فهي على كل حال معلومات رواة معرضة إلى عدم الدقة.
ومن ناحية أخرى فقط ربط الدكتور أحمد المعتصم الشيخ (زمن العنج ص 11) بين إسمي الحلنقة والعنج نلخصه فيما يلي: ورد في تراث البجة أن القسم النوبى من الحلنقة كانوا دائما يحملون سوطاً فأطلق عليهم عليهم الحبش "ألنجا" ويعني السوط في لغتهم، وكلمة ألنجا الأمهرية قد تكون هي نفس كلمة أنج العربية الي إطلقوها على الشعب المعروف باسم العنج وهو الأسم الذي اشتهربه السوط "سوط العنج" وافترض الدكتور أحمد المعتصم الشيخ أن الحلنقة والعنج يمثلان كياناً واحداً. وسنتعرض لهذا الموضوع عند الحديث عن سكان مملكة علوة الذين اشتهر ارتباط اسم العنج بهم.
أما ماورد في تراث الحلنقة وتناقلته المراجع العربية والأجنبية عن قبيلة هوازن العربية وعبورها البحر الأحمر لبلاد البجة فسنتناوله عندما نأتي للحديث عن السكان بعد القرن الخامس عشر.
خاتمة:
وفي نهاية إستعراضنا لقبائل شرق السودان يمكننا القول ان تلك القبائل إمتدت قبل دخول الإسلام في إفريقيا على مساحات واسعة بين الهضبة الأثيوبية جنوباً وحتى الصحراء الشرقية في صعيد مصر شمالاً ومن النيل شرقاً حتى البحر الأحمر غرباً وكان لها وجود لبعضها وجود واضح ومؤثر على مناطق نهر النيل ما بين حلفا جنوباً حتى الأقصر شمالاً وكانوا حكاماً لبعض تلك المناطق. وقد عُرف اولئك السكان في الحضارات القديمة وعند الكتاب اليونانيين والرومان باسماء مختلفة لعل اشهرها الأسماء الثلاث التي تناولناها وهي المِجا او المِجاباري والترجلودايت والبليميين.
ثم ظهر اسم البجة للدلالة على سكان المنطقة في نقش عيزانا في القرن الرابع الميلادي، وساد استخدام اسم البجة بعد ذلك في المصادر العربية للدلالة على كل قبائل البجة التي تعرفوا عليها والتي جاءت اسماؤها في كتاباتهم مختلفة عن أسماء قبائل البجة الحالية فيما عدا القليل منها.
وقد إقتصرت الحلقات السابقة على تتبع قبائل شرق السودان حتي القرن الخامس عشر اعتماداً على المصادر العربية أي قبل ظهور أسماء القبائل الحالية وهو واضح من عنوان الدراسة. وتعتبر هذه الحلقات مدخل او مقدمة لتاريخ قبائل البجة قبل القرن الخامس عشر الميلادي، فهي كفاتحة الشهية للباحثين: مؤرخين وآثاريين وأنثربولوجيين للمساهمة في دراسة السكان في هذه الفترة الهامة التي تمثل تأصيلاً لسكان اليوم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.