الدب.. حميدتي لعبة الوداعة والمكر    ⛔ قبل أن تحضر الفيديو أريد منك تقرأ هذا الكلام وتفكر فيه    إلي اين نسير    منشآت المريخ..!    كيف واجه القطاع المصرفي في السودان تحديات الحرب خلال 2025    صلوحة: إذا استشهد معاوية فإن السودان سينجب كل يوم ألف معاوية    إبراهيم شقلاوي يكتب: وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    كامل إدريس في نيويورك ... عندما يتفوق الشكل ع المحتوى    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    إجتماع بسفارة السودان بالمغرب لدعم المنتخب الوطني في بطولة الأمم الإفريقية    بولس : توافق سعودي أمريكي للعمل علي إنهاء الحرب في السودان    البرهان وأردوغان يجريان مباحثات مشتركة    شاهد بالفيديو.. الفنانة ميادة قمر الدين تعبر عن إعجابها بعريس رقص في حفل أحيته على طريقة "العرضة": (العريس الفرفوش سمح.. العرضة سمحة وعواليق نخليها والرجفة نخليها)    شاهد بالفيديو.. أسرة الطالب الذي رقص أمام معلمه تقدم إعتذار رسمي للشعب السوداني: (مراهق ولم نقصر في واجبنا تجاهه وما قام به ساتي غير مرضي)    بالصورة.. مدير أعمال الفنانة إيمان الشريف يرد على أخبار خلافه مع المطربة وإنفصاله عنها    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    بعثه الأهلي شندي تغادر إلى مدينة دنقلا    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قانونُ الصَّحَافَة: شَرْعِيَّةُ السُّلْطَةِ أَمْ بَلْطَجَتُهَا!! .. بقلم: كمال الجزولي
نشر في سودانيل يوم 25 - 09 - 2011

في بعض أمثال مستعربي السُّودان الحكيمة أن "من خبر لدغة الثعبان خاف من مجرُّ الحبل"! وبالحقِّ لم يعُد الإنسان، منذ أزمان سحيقة، يحتاج، في كل مرة، للمس النار بيده، كي يدرك أنها .. تحرق! على خلفية هذه الخبرة الإنسانية البسيطة، والعُشرة مع قوانين الصَّحافة التي ما انفكَّ يصدرها نظام (الإنقاذ)، مستنداً، فحسب، إلى رأي الأجهزة الأمنية، وغير عابئ، البتة، بالرأي العام المهني، هبَّت جموع من الصَّحفيين، مؤخراً، تبدي "مخاوفها"، باكراً، من مجرد الإعلان عن اعتزام النظام إصدار قانون جديد للصَّحافة. غير أن للأستاذ فتح الرحمن شيلا، رئيس لجنة الثقافة والإعلام البرلمانيَّة، رأياً آخر، في ما يبدو بجلاء، حيث هبَّ "يستغرب" استباق مشروع القانون، حتى "قبل وضعه"، بمثل تلك "المخاوف"، فذلك، عنده، محض "سوء ظن بالبرلمان كمؤسَّسة تشريعيّة ورقابيَّة!"، أو كما قال (الأخبار، 15/8/2011م).
(1)
الحقُّ ليس مع شيلا، البتة، في "استغرابه"، فجملة خبرات الصَّحفيين الأليمة تشير بأكثر من إصبع إلى أن "سوء ظنهم" في محله، وأن "مخاوفهم" ليست، على أيَّة حال، بلا أساس، إذ ما زالوا يعانون الأمرَّين من قانون 2009م، مع أنه، على ما يتسم به من سوء، صادر ب "مشاركة!" أحزاب المعارضة، بصرف النظر عن صوريَّة تلك المشاركة؛ فما بالك بقانون جديد يصدر عن سلطة تشريعيَّة خالصة، تماماً، للمؤتمر الوطني وأجهزته الأمنيَّة؟! ولكم أجادت الصَّحفيَّة شمائل النور التعبير عن هذه الوضعيَّة، حين كتبت تقول: "طالما أن القانون عماده دروع حماية الحكومة فلا بُدَّ من (سوء الظن)، و(سوء الظن) من حسن الفطن، لا سيما في وضع يتطلب منا رفع سقف توقعاتنا السَّيِّئة!" (التيار، 16/8/2011م).
سعى شيلا لتبيان أوجه السُّوء في قانون 2009م، ربَّما من باب الرغبة في تبديد "مخاوف" الصَّحفيين؛ غير أن الله لم يفتح عليه سوى ببضع همهمات كان أكثرها إبانة أن هذا القانون لا ينظم المهنة عبر "نصوصه"، وإنما عبر "اللوائح" (الأخبار، 15/8/2011م).
سبقت نقد شيلا هذا، بأيَّام، مؤشِّرات أكثر وضوحاً لنوايا السُّلطة تجاه الصَّحافة والصَّحفيين، من خلال تضجُّر المكتب القيادي للمؤتمر الوطني، مطالع أغسطس 2011م، إزاء تناول الصَّحافة الورقيَّة والإليكترونيَّة لأداء قيادات ورموز النظام.
غير أن تصريحات السَّيِّدة الأمازونيَّة سناء حمد، وزيرة الدولة بوزارة الإعلام، والتي أعقبت ذينك التضجُّر والنقد، شكلت، وحدها، كالعادة، أكثف حزم الإضاءة لنوايا النظام القمعيَّة من وراء تغيير قانون 2009م، على سوئه، حيث كشفت في كلمتها أمام الدَّورة التدريبيَّة لتطوير أداء الأجهزة الإعلاميَّة، والتي نظمها مركز دراسات المستقبل بالتعاون مع المستشاريَّة الإعلاميَّة لرئاسة الجُّمهوريَّة بتاريخ 18/8/2011م، ما يُفهم منه اعتزام السُّلطة ممارسة شكل من (البلطجة التشريعيَّة) يضمن لها وضع الصحافة تحت إبطها، ومن ذلك تشديد "العقوبات" في "جرائم" النشر، وتقليم أظافر "الصَّحافة الإليكترونيَّة"، وتفعيل "الرَّقابة الذاتيَّة" تحت مسمَّى "ميثاق الشَّرف الصَّحفي"، واشتراط مبالغ تعجيزيَّة "للتصديق بصدور الصَّحيفة"، فضلاً عن "إعادة السِّجل الصَّحفي للمجلس القومي"، بحيث يقتصر دور اتحاد الصَّحفيين على الجانب الخدمي، فحسب، بعد أن كان قانون 2009م قد أحال إليه سلطة الإشراف على هذا السِّجل، وهي إحالة مرغوب فيها بصرف النظر عن نوعيَّة واتجاهات القائمين على أمر الاتحاد؛ كما ولم تستبعد الوزيرة، من جهة أخرى، إرجاع "الرقابة القبْليَّة" على الصُّحف، قانونياً، بعد أن رجعت، فعلياً، منذ حين، إلى جانب أشكال أخرى مختلفة من "الرَّقابة" التي، وإن تكن ليست "قبْليَّة"، ولكنها كفيلة بترتيب خسائر لا قبل لأيَّة صحيفة بها، كمصادرة عدد لاحق، مثلاً، عقاباً على مادة "غير مرغوب" فيها ضمن عدد سابق! ضف إلى ذلك ملاحقة وتشريد بعض الصحفيين عن طريق الضغط على أيَّما صحيفة تحاول استخدامهم أو استكتابهم، فضلاً عن سحب تراخيص بعض الصُّحف بحُجَّة أن مالكيها (الجَّنوبيين) أصبحوا، بانفصال الجنوب، أجانب .. وهلمجرَّا!
(2)
موقف السُّلطة، عموماً، من حريَّة الصَّحافة جعل الكثير من الصَّحفيين يلاحظون أنها إنما تريد الانفراد ب "تشكيل الرأي العام"، على حدِّ تعبير الأستاذة رشان أوشان مثلاً (التيَّار، 12//9/2011م). أما الترتيبات المحدَّدة التي كشفت عنها الوزيرة فقد أغضبت حتى بعض القيادات الصَّحفية المصنفة، على نحو أو آخر، في خانة الموالاة للنظام، حيث كتب الأستاذ الهندي عز الدين "أن أي حديث عن عودة الرقابة القبْليَّة يكشف عن خيبة سياسيَّة وعجز حكومي تحاول بعض الجِّهات الرَّسميَّة والسِّياسيَّة تحميله للصَّحافة .. يريدون أن يعيدوا البلاد إلى فترة ظلاميَّة، في وقت يتوجَّه فيه كلُّ العالم نحو الحريَّات، وتنتفض فيه الشّعوب على حكوماتها في ثورات عارمة أطاحت بعروش العديد من الأنظمة في المنطقة العربيَّة" (الأهرام اليوم، 19/8/2011م). أما الأستاذ عبد الباقي الظافر، مدير تحرير (التيَّار)، فقد عزا الأمر، صراحة، إلى "هجمة انتقاميَّة ضدَّ الصَّحافة"، بسبب إقدامها على فضح بعض أوجه الفساد الحكومي، مثل "التقاوي الفاسدة، والمبيدات غير الفعَّالة، والأتاوات والرُّسوم المسيئة التي تفرض على حُجَّاج بيت الله الحرام" (التيَّار، 12/9/2011م).
(3)
على كثرة ما يمكن قوله في باب المطالبة المشروعة بقانون للصَّحافة يحترم المهنة، ويحترم عقول القرَّاء، ويُكسبنا احترام العالم، إلا أن ثمَّة مسائل أساسيَّة جديرة بأن ينعقد حولها أوسع رأي عام مهني؛ وقد سبق للفيف من الصَّحفيين والكتاب والمحامين والأكاديميين، من مختلف الأجيال، والاتجاهات السِّياسيَّة، والمدارس الفكريَّة، أن لخصوا هذه المسائل في مذكرة طرحوها على نوَّاب البرلمان، بتاريخ أبريل 2009م، يوم كان القانون الحالي محض مشروع قيد التداول، وأنابوا عنهم في التوقيع عليها قامات جديرة بالتوقير، كالأساتذة محجوب محمد صالح، وأمين مكي مدني، والطيب زين العابدين، وفيصل محمد صالح، والحاج وراق، وهادية حسب الله، ومرتضى الغالي، وآمال عباس، وعثمان ميرغني، ورباح الصادق، وعالم عباس، ومعز حضرة، ورشا عوض، وشمس الدين ضو البيت، وقمر دلمان وغيرهم. تراوحت تلك المسائل بين الحريَّات الصَّحفيَّة، وحقوق وحصانات الصَّحفي وواجباته، ومهام مجلس الصَّحافة، وإجراءات التصديق والترخيص للصُّحف والصَّحفيين ورؤساء التحرير، ونقد مواد الجَّزاءات والعقوبات، وذلك على النحو الآتي:
في المسألة الأولى:
(1) انتقدت المذكرة التعريف الإنشائي الفضفاض لوظيفة الصَّحافة، وركزته في الإعلام بالأخبار والمعلومات، ومراقبة أداء أجهزة الدولة، ونقدها، وعرض حال الناس وطموحاتهم وتطلعاتهم وشكاواهم، والتأكيد على ممارسة الصحافة لهذه الوظيفة بكامل حرِّيتها واستقلاليتها، مع مراعاة حقوق الغير.
(2) كما انتقدت إضافة عبارة ".. إلا في الحالات التي يحدِّدها القانون" في ذيل المواد التي تمنع "حظر" الصُّحف، أو "مصادرتها"، أو "إغلاق" مقارِّها، أو "حبس" أو "اعتقال" الصَّحفي أو الناشر، باعتبار ذلك نوعاً من (الانتهاك التشريعي) الفظ والمكشوف للحريَّات، كون هذه الإضافة تسلب باليسار ما يعطى النصُّ باليمين، فيصبح المعنى، بمفهوم المخالفة، إباحة هذه القيود إذا نصَّ عليها القانون! بينما ينحو الاتجاه الحديث في التشريع لاستخدام عبارة منضبطة اصطلاحياً، ومتسقة مع الدُّستور والمعايير الدوليَّة، وقمينة، لهذا، بتحصين النصِّ من إساءة التأويل، وهي عبارة "وفق التدابير القانونيَّة السَّليمة Due Process of Law".
في المسألة الثانية:
(1) انتقدت المذكرة، أيضاً، استخدام نفس عبارة "إلا في الحالات .." كقيد على حقوق الصحفي، وشددت على ضرورة استخدام العبارة المنضبطة البديلة "وفق التدابير .."، حتى لا تسهل مساءلة الصحفي على نقله للمعلومات أو تعبيره عن رأيه!
(2) وانتقدت، كذلك، جعل إتاحة المعلومات للصحفي سلطة "تقديرية" للموظف العام، مما يعتبر تراجعاً حتى عن قانون 2004م الذي نصَّ على "وجوب" إتاحة الموظف العام المعلومات للصحفي، ما لم يكن نشرها غير جائز "بموجب القانون وحده".
(3) كما انتقدت:
أ/ حصر المشروع مصدر المعلومات عن القوات النظامية في "ناطقها الرَّسمي"، حيث للحقيقة أكثر من وجه، أحدها، فقط، هو "الناطق الرَّسمي"؛
ب/ وحظره التعليق على "التحرِّيات" بنفس مستوى حظره التعليق على "المحاكمات"، رغم أن الأولى من أعمال الحكومة، والأخرى من أعمال القضاء؛
ج/ ومساواته في (القداسة) بين "الأديان وكريم المعتقدات" وبين "الأعراف" و"العلم"، رغم أن "الأعراف" تشمل البالي الذي يستلزم النقد، وأن (العلم) لا يكون (علماً) إلا لكونه عُرضة للمراجعة والنقض باستمرار!
(4) وانتقدت، من جهة أخرى، إباحة القبض على الصَّحفي بمجرد (إخطار) رئيس الاتحاد، وشدَّدت على حصانة الصَّحفي، ليس فقط بإخطار رئيس الاتحاد، بل بطلب إذنه المسبق بما يتيح له التأكد من سلامة الإجراءات وعدم التعسُّف.
في المسألة الثالثة:
(1) انتقدت المذكرة مجلس الصحافة كجهاز حكومي يتبع لرئيس السُّلطة التنفيذيَّة، ومع ذلك يملك سلطات الترخيص للصُّحف والمطابع، ولرؤساء التحرير والصَّحفيين؛ ويملك، أيضاً، من السُّلطات العقابيَّة ما يصل حدَّ الإيقاف، وسحب الترخيص، والحرمان من مزاولة المهنة، رغم أن هذا المجلس ليس جزءاً من الجهاز القضائي؛ كما يملك سلطة الإشراف على أداء الصحف، رغم أن معظمها مستقل، بل وبعضها مملوك لأحزاب معارضة!
(2) رأت المذكرة، بالمقابل، تكوين المجلس من ممثلين للمجتمع المدني ليكون مستقلاً، ذاتي التنظيم والضبط، مهمَّته الأساسيَّة دعم حريَّة الصَّحافة وتعزيز استقلالها؛
(3) كما رأت تقليص سلطاته وصلاحياته بنصوص منضبطة لا تسمح بتدخله، مثلاً، في اختيار رؤساء التحرير أو المحرِّرين، كمَّاً أو كيفاً.
في المسألة الرابعة:
أبدت المذكرة ثلاث ملاحظات أساسيَّة رأت أن يجري العمل في ضوئها كالآتي:
(1) المواثيق والخبرة الدَّوليَّة تعتبر أن شرط (الترخيص) للصَّحيفة بالصُّدور هو، في الأصل، نوع من الانتهاك لحريَّة الصَّحافة والتعبير، ولذا تخلت دول كثيرة عنه، واكتفت ب (الإخطار) بالصُّدور.
(2) الامتحان والشَّهادة وسنوات الخبرة ليست معياراً صائباً لتقييم الصَّحفي أو رئيس التحرير. الجهة الأصلح لهذا هي المؤسَّسة الصَّحفية نفسها التي تتحمل المسئوليَّة، في النهاية، أمام القارئ.
(3) نقابة الصَّحفيين (الاتحاد) كانت، أصلاً، هي المالكة لسلطة القيد الصَّحفي، بالاستناد إلى تقارير المؤسَّسات الصَّحفيَّة، فقط، دون أي تدخُّل، مِمَّا يتسق مع المعايير الدَّوليَّة.
في المسألة الخامسة:
(1) لاحظت المذكرة:
أ/ أن جزاءات المجلس المعنويَّة، كالتأنيب والإلزام بالاعتذار، والماديَّة، كالإيقاف وإلغاء الترخيص، فضلاً عن عقوبات المحاكم التي تشمل الغرامة الباهظة، والإيقاف، وإلغاء الترخيص، ومصادرة المطابع والمطبوعات، بل والسِّجن، ضغثاً على إبالة، إنما تمثل، في حقيقتها، سيفاً مسلطاً على عنق المهنة وأعناق الصَّحفيين!
ب/ أن دولاً كثيرة أسقطت عقوبة السِّجن في قضايا النشر، وقصرت العقوبة على الغرامة غير المبالغ فيها مع التعويض المالي المعقول. كما وأن ثمَّة دولاً أخرى لا تعامل هذه القضايا، أصلاً، كقضايا جنائيَّة. أما الإيقاف، وسحب الترخيص، والمصادرة، واعتبار رئيس التحرير فاعلاً أصليَّاً، فعقوبات جماعيَّة. وأما المغالاة في العقوبة المالية فمؤشِّر على الرَّغبة في تكميم أفواه الصُّحف والصَّحفيين.
(2) لذا رأت المذكرة:
أ/ إلغاء الحبس السَّابق على المحاكمة في قضايا النشر؛
ب/ إلغاء عقوبة السِّجن في قضايا النشر، نهائيَّاً، حال إضافة مواد من القانون الجَّنائي لسنة 1991م، مع الإبقاء على عقوبة الغرامة شريطة ألا تتجاوز مبلغاً رمزياً يمثل معنى الإدانة، وإتاحة الفرصة للشاكي للمطالبة بالتعويض أمام القضاء المدني؛
ج/ إلغاء عقوبة سحب الترخيص ومصادرة المطابع باعتبارها عقوبة جماعيَّة تشمل شخصيَّات اعتبارية، كما تشمل حتى جمهور القرَّاء؛
د/ إلغاء سلطة المجلس في توقيع أيَّة (عقوبات ماديَّة)، كالإيقاف وإلغاء الترخيص، وحصر هذه السلطة في (الجزاءات الأدبيَّة) فقط، كالإنذار ولفت النظر.
(4)
بدلاً من إخضاع قانون 2009م للإصلاح، تلبية لإلحاف الصَّحفيين في المطالبة بذلك، ها هو الحزب الحاكم يتجه، الآن، لإصدار قانون جديد أبسط ما يمكن توقعه فيه هو أن يجئ أكثر سوءاً، وأقل مقبوليَّة!
لقد اكتشف النظام وحزبه، بعد كلِّ الذي شرَّعا وفعلا لأجل إحكام السَّيطرة على الصَّحافة، أنها لا تزال عصيَّة على الإخضاع، بل ولم تعُد متاعبهما السُّلطويَّة تقتصر على الصَّحافة الورقيَّة، وإنما طفح الكيل بالصَّحافة الإليكترونيَّة، أيضاً! فصار لا بُدَّ للسُّلطة من قانون جديد يحقق قهر الأولى، ويُحكِم وضع الأخرى تحت الكفِّ الثقيلة، فكان أن تكونت، لأجل هذا، لجنة شيلا!
إن أكثر ما يستبعد، مسبقاً، أي "حسن ظنٍّ" بالقانون الجَّديد، وأكثر ما يغلِّب، على العكس، "سوء الظنِّ" به، من حيث اتجاهه لسلب قانون 2009م حتى النذر اليسير من المواد "المضيئة" كي يعم "الظلام"، حسب ملاحظات الأستاذ فيصل محمد صالح السَّديدة، هو هذا الانكباب العجول على إصداره، مع وجود قوانين إعلام أخرى مغرقة في الشُّموليَّة، ولا تقلُّ أثراً وخطراً، ولذا تحتاج للإصلاح، كأولوية، في ما لو كانت تلك هي بغية الحكومة وحزبها، كقانون الهيئة القوميَّة للإذاعة والتليفزيون، وقانون البثِّ الإذاعي والتليفزيوني، وقانون وكالة سونا، واستحداث قانون حريَّة الاطلاع على المعلومات. لكن السُّلطة لا تواجه، في الحقيقة، مشكلة على صعيد هذه المؤسَّسات، بمثل ما تواجه على صعيد الصَّحافة (الأخبار، 8/9/2011م).
المعركة، إذن، على أشدِّها، تكاد لا تهدأ، بل تزداد سخونة يوماً عن يوم، بين نظام لا يكفُّ عن التشبُّث بسلطويَّته وأسلحته الاستتباعيَّة، وعلى رأسها القانون، وبين جسم صحفي ما تنفك دائرته الوطنيَّة الدِّيموقراطيَّة تتسع شاملة لناشرين، وصحفيين عاملين، وكتاب، من شتى الانتماءات الحزبية، والاتجاهات السِّياسيَّة، والمدارس الفكريَّة، الجامع الأساسي بينهم، على اختلافهم، هو استمساكهم القوي بأعمِّ مبادئ الكلمة، وشرف الكتابة، وصمودهم الباسل في مجابهة محاولات الاسترهاب ب "السُّجون"، و"التعذيب"، و"التشريد"، و"الملاحقة"، و"المصادرة"، و"الضريبة"، و"الإعلان"!
(5)
ثمَّة فرق كبير بين قدرة السُّلطة في الغرب على التعايش مع (حريَّة الصَّحافة)، وإن كانت تعاني من نقدها المرِّ، وفضحها، في كثير من الأحيان، لأوضاع قد ترغب هذه السُّلطة في الإبقاء عليها طيَّ الكتمان، وبين عدم قدرة السُّلطة في بلداننا على تحمُّل مثقال ذرَّة من ذلك النقد، دَعْ الفضح، فتلجأ لقمع الصَّحافة والصَّحفيين، ومن ثمَّ تبدأ تراجيديا المهنة، جنباً إلى جنب مع عزلة السُّلطة نفسها عن وسطها المحيط، جماهير ومؤسَّسات وقيم!
بهذه الكيفيَّة يمثل الموقف من حريَّة الصَّحافة مسألة وثيقة الصِّلة ب (شرعيَّة السُّلطة) نفسها، والتي تختلف، جوهريَّاً، عن كونها محض مبحث (قانوني) أو حتى (دستوري). إنها حالة من (الانسجام الدَّاخلي) الذي يتبلور من خلال (تشذيب) أشكال الصِّراع السِّياسي والاجتماعي، وجعلها أكثر مدنيَّة وتحضراً، طالما أن من المستحيل تفادي هذا الصِّراع، أو ثنائيَّة (الحكم والمعارضة) الطبقيَّة في الدولة المعيَّنة.
(شرعيَّة السُّلطة)، إذن، بمعيار فلسفة السِّياسة، أوسع بما لا يقاس من مجرد القبول ب (الحكم) أو (معارضته). إنها قيمة نسبية نقيضة ل (البلطجة) التي تظهر في سلوك (السُّلطة) باتجاه تأبيد وجودها في البلدان المتخلفة؛ قيمة ذات أهميَّة حاسمة للحكام قبل المحكومين؛ إذ بدونها، حسب ماكس فيبر، يصعب على أيِّ حاكم إدارة الصِّراع بالدَّرجة اللازمة لأي حكم (مستقر). إنها، بعبارة أخرى، حالة من (الاستقرار) النسبي المطلوب لعلاقات الحكم. وأكثر ما تتمظهر هذه الحالة في البلدان الصِّناعية المتقدِّمة التي تتخذ سمتها السِّياسي والاجتماعي من واقع أوضاع حضاريَّة تبلورت، تاريخيَّاً، عبر شبكة جدليَّات لا تلغي عمليَّة (التغيير)، بقدر ما تجعل منها عملاً سلساً يجري بصورة أقرب إلى التلقائيَّة، وأهمُّ معاييره (حريَّة الصَّحافة)؛ على العكس مِمَّا يحدث في البلدان المتخلفة، المحكومة بأنظمة متخلفة، حيث تفتقر (السُّلطة) إلى مثل هذه (الشَّرعيَّة) النسبيَّة، فيتخذ الصِّراع طابعاً وحشياً تكون الصَّحافة أوَّل ضحاياه، ويبحث (التغيير) لنفسه عن (شرعيَّة مغايرة)، ليصبح جراحة جدَّ مؤلمة، يموت، خلالها، خلق كثيرون، ويُذرف دم ودمع غزيران!
Kamal El Din Elgizouli [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.