(وينشئ ناشئ الفتيان منا على ماكان عوده أبوه) كنت دوماً أتساءل عن ماهية المشروع الحضارى الذى يقصده هؤلاء القوم الذين يحكمون السودان منذ أكثر من عقدين , بحثت كثيراً فى إجاباتهم ونظرياتهم عن إجابة هذا السؤال, ومرة أخرى عادت ذات العبارة المطاطية تطل برأسها بعد إنفصال الجنوب وذات الوجوه تبشر وتتوعد ألا تراجع عن تطبيق المشروع الحضارى الذى لا يعرف المواطنون كنهه..... أحياناً يرمزون لعبارة المشروع الحضارى برمزية آخرى وهى (تطبيق شرع الله) دون أدنى تفسير أو شرح لذلك الشرع الذى يرغبون فى تطبيقه..... يكفى فقط إيراد أى عبارة أو لفظ وربطه بالذات الإلهية والتشريعات السماوية لكى يخر المواطنون ساجدين فتنعدم حينئذ أوجه المقاومة. سادتى .. راعى الضأن فى الخلاء يعلم أن شرع الله يعنى دولة العدل وتخفيف الظلم كمعنى عام, ومن خلال هذا المعنى العام تنبثق القيم الأخلاقية والتى تشمل ولاتنحصر فى إعلاء الوازع الأخلاقى وسلامة تطبيق القانون ومحاربة جميع أوجه الفساد والشر وبث الطمأنينة ومجادلة المخالفين بالحجة الحسنة وبنفس وقرت فيها السلامة والأمان، ولكن هؤلاء القوم لا يفسرون الأمر كذلك بل يلتفون حول معانيه كى لا يكون حجة عليهم ... إذا هى كلمة حق أريد بها باطل وهو تمكين فئة دون الآخرى من زمام البلاد, وفى الأيام الفائتات أوردت لنا الصحف اليومية نقلاً عن صحيفة التيار أن والى الخرطوم وبينما هو يخاطب أعضاء الإتحاد الوطنى للشباب فإذا برئيس الإتحاد ينقل للشباب خبر وفاة الفنان/ زيدان إبراهيم ... هل لكم أن تصدقوا سادتى الأفاضل أن ذلك الحشد قابل الخبر بالتصفيق والصفير العالى !!!! ماذا فعل زيدان إبراهيم للجبهة الإسلامية؟ هل قاتلها فى غابات الجنوب وجبال النوبة؟ هل حمل سلاحاً ويمم وجهه شرقاً؟ هل جمع الناس وزعم ألا تطبيق لشرع الله بعد اليوم؟ كلا وأيم الله الحق .... بل كان فتى رقيق القلب والوجدان .. كل الذى إقترفه من جرم أنه أشاع الفرحة فى نفوس الناس وأدخل فى أذانهم نغماً صداحاً وشعراً عذباً وأغانى تتهادى مع الزمن محاربة من تلقاء ذاتها كل هابط من فحش القول...... دعونا نتمهل قليلاً ونفترض أن زيدان كان وبالاً وحرباً على الدولة وعلى الدين نفسه ، أو تجوز الشماتة فى الموت؟ اليوم فقط عرفت وأدركت ما هو المشروع الحضارى بل وأستوعبته تماماً .. أنه مشروع هدم القيم الأخلاقية والجمالية والإجتماعية والدينية لهذا الشعب وهذه الأمة أنه مشروع متكامل يسعى إلى تحطيم المواطن نفسياً ومعنوياً حين يتم إيهامه بأن الدين ينحصر فى أداء الصلوات وحج البيت وصيام رمضان وحمل المسابح وأنه لا توجد ثم رابط بين الدين ومكارم الأخلاق..... هذا هو المشروع الحضارى الذى يتبناه هؤلاء المشوهون ... بل وهذه حصيلتهم حين يجاهر أبنائهم بكل قبيح وصلف بفرحتهم العميقة من وفاة الفنان زيدان.. لطالما إحترت كيف يمكن أن يعلم الأب إبنه سوء الخلق ولكنى أفقت من تلك الحيرة فى تجربة عملية تتشابه تماماً مع تجربة هؤلاء القوم .. ففى قضية كنت أمثل فيها الدفاع فإذا بالشاكى- وأنا أعلم تماماً أنه كاذب- إذا به يدفع بإبنه الذى لم يكمل التاسعة عشر من عمره ليكون شاهده فى تلك الدعوى .. كان الفتى يبدو مرغماً على أداء الشهادة وتخبطت إجاباته فأنكشف المستور وكان القاضى يكثر من نظرات الرثاء على الإبن والإحتقار نحو أبيه .. الغريب فى الأمر أن الرجل الشاكى صارح القاضى أنه لا يستطيع أن يقول له (مولانا) لأن هذا اللفظ مقصور على الذات الألهية وسيكتفى بلفظ (سيادتك) ! أولم أقل لكم يا أحباب أن هذا الرجل وإبنه يتطابقون وصفاً ولفظاً مع (هؤلاء القوم) وعلى ذات النسق, لو كنا نماثلهم فى سوء الأدب والمنقلب والتطاول على حرمات الموتى, لضحكنا ملء شدقينا حين نعى لنا الناعى ذلك (الحاج) النحيل الذى إشتهر بإتيانه لممارسات (ضد الطبيعة) مما حدا بكبيرهم (أنذاك) أن يقول ما معناه: (إنما هو روح طاهرة حلت بجسد فاسد) وذلك بعدما حاصره القوم بأن خبر الرجل قد شاع وعم القرى والحضر. ولكننا أناس جبلنا على (الستر) وإظهار (المحاسن) وترك البغضاء والنميمة (وهتك أعراض الناس) . أوليس هذا بعض مفهوم المشروع الحضارى؟؟؟؟؟!!!!! خاتمة أملتها الضرورة نقلت لنا صحيفة السودانى يوم السبت 1/أكتوبر/2011م على صفحتها الأولى : (إنهيار بناية من طابقين تقوم وزارة الداخلية بتشيدها بنادى الشرطة ببرى). وأن الناطق الرسمى بإسم الشرطة (الفريق أحمد إمام التهامى) نفى (بشدة) أن يكون الإنهيار نتاجاً لخطأ فنى!!! التعليق هل الفريق شرطة (التهامى) يحمل مؤهل هندسى ليقرر ذلك؟ أما كان من الأولى أن تكون (شدة) (الفريق) موجهة نحو تشكيل (فريق) للتحرى حول الأمر للتأكد من وجود خطأ فنى من عدمه؟ على الرغم من ذلك لازلنا نؤمن بأن (الشرطة) فى خدمة (الشعب) لسبب بسيط أن (أفراد) الشرطة هم من (عامة) الشعب . نتمنى ألا تكون (حليمة) التى بدأت الإنهيارات العمرانية فى زمانها لازالت تتدخل فى (قديمها). ولله الأمر من قبل ومن بعد Mahmoud Elsheikh [[email protected]]