قبل بضعة ايام أجرت صحيفة الرأي العام مقابلة صحفية مع العميد صلاح كرار ، ولكرار ألف سبب تجعله يلزم بيته وينزوي عن الأنظار ، ولكنه الوحيد من بين أعضاء مجلس الانقلاب الذي يداوم على الظهور في لقاءات صحفية ، واذا كانت هناك ثمة حسنة واحدة لمثل هذه اللقاءات ، فهي ما توفره لنا من فرصة للتعرف على نموذج للعقليات التي قالت أنها جاءت لانقاذنا، ولا بد أن يكون الابتعاد عن مقعد السلطة قد أسهم في كشف حقيقة تلك العقول ، فصولجان المنصب يستر كثير من العيوب التي لا يمكن أن تدرك الاٌ بعد زوال المنصب (هل شاهدت صورة أحمد هارون ب"العراقي" في المقابلة التي اجريت معه بمنزله بعد الاعفاء المؤقت من منصبه الوزاري عقب صدور أمر أوكامبو باعتقاله!!) لا جديد يمكن أن يضاف في محيط سيرة كرار طوال مشوار تحوله من (ريس) لباخرة حربية الى عضو في مجلس قيادة دولة الانقاذ ، رغم أننا نسلٌم بأنه من العسير على المرء أن يقبل على نفسه عدم ذكر اسم الشهيد مجدي محجوب كلما ذكر اسم كرار، رغم أنه ينكر صلته باعدام مجدي تماماً، لا وايه، قال أنه لم يسمع باسم (مجدي) ولا الحُكم الذي انزل به الاٌ بعد تنفيذ حكم الأعدام (صحيفة آخر لحظة العدد 316 وكرر ذلك أيضاً في مقابلة تلفزيونية مع قناة "بوني") ، حيث ذكر أن المسئول عن اعدام مجدي هو رئيس القضاء جلال علي لطفي وحده لكونه قد رفع الحكم لرئيس الجمهورية للمصادقة عليه. للعميد صلاح كرار (وجهة نظر) جديرة بالاعتبار في تفسير ما أصاب البلاد من بلاء ، فبحسب تقديره وتعبيره فان تعيين الوزراء في حكومة الانقاذ من )الساسة) هو الذي اضر بالبلاد ، فبحسب وجهة نظره "كان ينبغي أن يكون كل الوزراء من التكنوقراط المتخصصين وذوي الكفاءة " ، ومثل هذا القول كان لا بد أن يقابله الصحفي فتح الرحمن الشبارقة الذي أجرى المقابلة بما يستحقه، حيث عقٌب عليه بالسؤال : "ولكنك تقلدت مواقع وزارية ومراكز رفيعة بالدولة ولم يكن ذلك بمعيار الكفاءة وانما بسبب عضويتك في مجلس قيادة (الثورة) !! فأجاب كرار: "أنا جيت بكفاءتي لأني مهندس وعندي دبلوم من الهند وماجستير من كلية القادة والأركان"، وهي المؤهلات التي (نتف) ريشها بيديه حين قال في الفقرة التالية من المقابلة : "الأخطاء التي أرتكبناها في الانقاذ كثيرة جداً جداً لأنه نحن عندما جئنا كنا ناس بلا خبرة وتعلمنا في الشعب السوداني لكن ما في حاجة دخلت جيوبنا" . في كتابه الشهير "مشيناها خطى" كتب القيادي في تنظيم الجبهة القومية الاسلامية أحمد سليمان المحامي في احد فصوله انه قرر أن يضع الى جانب (جرس) الباب في منزله الذي قام بتشييده بالمنشية ، كشف حساب يوضح المصادر المالية التي مكٌنته من تشييد المنزل درءاً للشبهات ، وهو قرار صفٌق له كثير من الناس ، ولكنه قرار لم ير النور (كان الأجدر تضمين كشف الحساب بالكتاب نفسه لا مجرد التنويه عنه) ومثل هذه الحيل يمكن أن تنطلي على الجيل من قراء السبعينات الذين كانوا ينظرون باعجاب للذين رفعوا شعار (الاسلام هو الحل) وهو ترجمة مصرية في تلك المرحلة لمشروع (هي لله) الذي طرح فيما بعد ، فما بال العميد كرار يريد لنا أن نشتري مثل هذه البضاعة الخاسرة بعد كل الذي رأيناه !! قال كرار وهو يسير في خطى سلفه أحمد سليمان : " أنا قلت سأكون أول من أُقدم نفسي لهيئة مستقلة، رشحت لها الرجل الوطني الصادق الشامي (الله يرحمه)، ومصطفى عبد القادر، وقلت يعيّن في هذه اللجنة إثنان من أجهزتنا القضائية ويختاروا شخص يرأس هذه اللجنة، وقلت بأنى سأكون أول من أُقدم نفسي علناً كنموذج لأوضّح من أين لى هذا" . " من أين له هذا" يقصد بها منزله العامر الذي انتقل اليه مؤخراً من سكنه العتيق ب "العزوزاب" ، ومشكلة كرار أنه أفصح عن دفاعه قبل أن يوجه اليه الاتهام حين قال: " اشتريت المنزل من حصيلة اغترابي بالأمارات لثلاث سنوات من 77 الى 1980 وعملي كسفير بالبحرين ، واذا كان لنا ثمة مأخذ على تكوين هذه اللجنة التي لا ندري السند الذي يجعل أمر تشكيلها بيد من يخضع لها ، فهو عدم وجود من بين القضاة من استوفى ما يستطيع أن يوضح به في نفسه من (أين له هذا) ، وفق شروط القانون الذي يُلزم القضاة بتجديد اقرار الذمة سنوياً وبضوابط محددة. (كرار قلب الأسد) حكى عن الدورالذي قام به ليلة تنفيذ الانقلاب العسكري، وكأن خيبتنا ناقصة ، فيقول : "كلفت بقيادة منطقة الخرطوم التي تشمل تغطية الجسور ومصنع الذخيرة والمدرعات بالشجرة ليلة الانقلاب لأن الضابط الذي كلف بها (هرب) الى الأمارات، واعتذر عنها عدد من القيادات أعلى مني رتبة،اثنان منهم برتبة عميد، وآخر دفعتي برتبة عقيد. وكذلك قمت بتنفيذ مهمة اعتقال مدير الاستخبارات العسكرية ليلة التنفيذ التي كان من المفترض أن يقوم بها ضابط آخر لكنه (هرب)، توليت أنا مكانه. كذلك الضابط المكلف بتأمين المطار (هرب) ، أيضاً الضابط المكلف باعتقال القائد العام (هرب) وتوليت أنا مهمة اعتقاله". في مقابلة سابقة مع كشف صلاح كرار عن الأسباب الحقيقية التي تجعل شخصاً مثله يشعر بالمرارة دون أن يلازمه الشعور بالندم على ما فعل ، يقول كرار: "منذ أن تركت الإنقاذ ليس لديّ حرس، أو (سواق)، الدولة لم تعطني (سواق) والدولة تعطي لرتبة (الفريق) فما فوق، لأنني أُحلت للمعاش برتبة (عميد).. ولا أستطيع أن أدخل نادي الضباط بسيارة، لأن لائحة نادي ضباط القوات المُسلحة تقول إن المسموح لهم دخول النادي بسياراتهم من رتبة (اللواء) فما فوق.. كنا نترك سياراتنا بالخارج وندخل إلى النادي .. أنا أسكن بمنزلي ومعي شاب إثيوبي، منذ الصباح الباكر أصلي الفجر في المسجد بالقرب من منزلي، أذهب راجلاً حاملاً (عُكاز سلم) جلبته من (البلد) لوجود كلاب ضالة كثيرة، وأخاف أن يعضني كلب وتصير (فضيحة) في آخر عمري، لكنك اذهب وشاهد الحراسة أمام منازل كبار المسؤولين، حراسة بالعشرات، نحن منازلنا غير محروسة بالجنود، ولا نخاف إلا من الله سبحانه وتعالى(صحيفة الأهرام اليوم 21 مايو 2011). ونختم (وجهة نظر) كرار بالرسالة التي توجه بها – عبر الصحيفة – للرئيس وفيها يقول: "رسالة أرسلها إلى (أخونا) عمر البشير عبركم، وأقول له لن يحمي هذه الثورة، ويحميك، ويخلص لك، إلا إخوانك الذين ثبتوا معك في ليلة الثلاثين من يونيو ". نواصل - الحلقة الأولى في سيرة "في سيرةالفتية الذين قيل أنهم آمنوا بربهم "