سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    تجارة المعاداة للسامية    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    الانتفاضات الطلابية مجدداً    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    استجابة للسودان مجلس الأمن يعقد اجتماعا خاصا يوم الاثنين لمناقشة العدوان الإماراتي    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    بالفيزياء والرياضيات والقياسات العقلية، الجيش السوداني أسطورة عسكرية    جبريل يقود وفد السودان لاجتماعات مجموعة البنك الإسلامي بالرياض    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    أسامة عبد الماجد: مُفضِّل في روسيا.. (10) ملاحظات    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    مجلس الأمن يعبر عن قلقله إزاء هجوم وشيك في شمال دارفور    محمد صلاح تشاجر مع كلوب .. ليفربول يتعادل مع وست هام    السودان..البرهان يصدر قراراً    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا "أدروب" يوجه رسالة للسودانيين "الجنقو" الذين دخلوا مصر عن طريق التهريب (يا جماعة ما تعملوا العمائل البطالة دي وان شاء الله ترجعوا السودان)    محمد الطيب كبور يكتب: السيد المريخ سلام !!    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    ب 4 نقاط.. ريال مدريد يلامس اللقب 36    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أحمد السقا ينفي انفصاله عن زوجته مها الصغير: حياتنا مستقرة ولا يمكن ننفصل    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التجاني الطيب بابكر رائد صحافة التنوير والوعي .. إعداد: عادل إبراهيم عبد الله
نشر في سودانيل يوم 03 - 05 - 2012


اللجنة القومية لتخليد ذكرى التجاني الطيب بابكر
إعداد: عادل إبراهيم عبد الله(*)
(*) أعدَّت بتكليف من اللجنة التمهيدية لتخليد ذكرى التجاني الطيب بابكر لممثلي فرع الحزب الشيوعي بجريدة (الميدان) باللجنة، أبريل 2012م.
تصدير
لا مندوحة من القول، إن لم يكن من العسير أو من المتعذَّر بمكان تناول أيَّ تفاصيل، جزئياً أو كلياً، تتعلق بتجربة القائد الوطني والرمز التاريخي للصحافة السودانية الاستاذ التجاني الطيب بابكر رئيس تحرير صحيفة (الميدان) لسان حال الحزب الشيوعي السوداني؛ بمعزلٍ عن تاريخ الحركة الوطنية السودانية، لكون الراحل أحد الأركان الرئيسة، بما بذل ورسَّخ من قيمٍ وعبرٍ وتجاربٍ ومفاهيمْ، على كافة مفاصل جسد مشروع الدولة السودانية، ومماساتها الكونية (الأممية) عطاءاً مستحقاً، ولحظةً جديرة بالدرس والتحليل والتدبُّر.
ونؤكد بأن المحاولة الحالية، لمناقشة (لحظة التجاني الطيب في حيِّز الصحافة) واجبٌ عسير، وكبدٌ يستحق أن تنبري له جهود أجيال وأجيال، غير أن اللحظة الماثلة والتي ينعقد تحت لوائلها [جمعنا هذا!] تطرح ضمن معقولية الأسباب ما يحتم أن يجي جهدنا على هذا النحو من إختزال وتعميم دون أن ننكر بذخ المساهمات التي بذلت لإعداد هذه الورشة أو نصاعة المبادرات التي بذلت، كما نعترف بالقصور الذي قد يشي بعض مفاصلها، من طرفنا وآخرين "بضرورة القومية والحال!"، حتمته ظروف (الراهن) بكل إشكالاته، متمنين أن تنبذل خيوط مفاكرةٍ ذات نسيجٍ أكثر إتساعاً ورحابةً بما يليق ومهنية التجاني الطيب بابكر التي ألهم. في سبيل صحافة تليق بكذا بلاد.. ومن أجل وطنٍ يتسع لهذي المعاني: حريات صحفية، بما توجب من حرية نشر وتعبير، وإمتلاك وسائل إعلامٍ، وحقاً في الحصول والوصول إلى المعلومات، في "سوداننا الذي تبقى"! ولله قصد السبيل من قبل ومن بعد.
ونؤكد كذلك، بأننا لا نسعى من خلال هذه المساهمة في حصر تجربة التجاني الطيب بابكر في حيز الصحافة فقط، بقدر ما نحاول ان نطرح إطاراً عاماً لنقد مساهمته الفذَّة في مسيرة العمل الصحفي في الصحافة السودانية المعاصرة، بحثاً وتحليلاً على المستوى النظري والتطبيقي، إعترافاً بجلالة ما أسلف من عصارة جهد منقطع النظير، وتأكيداً على عمق المعاني التي طرح، فإن وفقنا، فبضل ما أعطى، وإن قصَّرنا فبما سوَّلت لنا أنفسنا، داعين الأجيال القادمة لتدارك ما أعتور أيدينا من قصور، لموضعة الراحل في مكانه الذي يستحق، ويليق، في كتاب تاريخ صحافة السودان (الحق) الذي نبتغي ونسعى.
الجذور الفكرية للتجاني الطيب
(هل يموتُ الذي كانَ يحيَا/ كأنَّ الحَياة أبدْ/ وكأنَّ الشَرابَ نفدْ/ وكأنَّ البنَات الجَميلات يَمشِينَ فوقَ الزَّبدْ/ عاشَ مُنتَصِباً، بينما/ يَنحنِي القلبُ يبحثُ عمَا فَقدْ)
أمل دنقل
إنطلاقاً من وجهة النظر الماركسية البحتة التي لا تعزل الظاهرة عند دراستها عن سياقها التاريخي والمجتمعي (والطبقي). نجد أن محاولة تأطير مفاهيم أولية _ كما تدعي هذه المساهمة _ تحتم تناول الجذور الفكرية والمعرفية "الأبستمولوجية" للأستاذ التجاني الطيب، بإعتبارها المهاد النظري لتحليل ونقد تجربته التي وهب في إطار العمل الصحفي بالبلاد، وعلى أساس أن فعل الكتابة ذو طابع (قصديٌ مُسبقْ) يقتضي تأهيلاً ومعرفة وقدرات في مسند المعرفة الفطرية أو المكتسبة، ونحاول أن ندرس تجربة التجاني الطيب في المنحى الفكري لكتابته الصحفية، إنطلاقاً من العديد من المحددات، نوردها كالآتي دون ترتيب:
(1) نفترض (للدقة العلمية) أن الراحل يمثل أحد أهم شواهد إتصال تاريخ التجربة الثورية في السودان، فعلاً مستمراً، وتراكماً متواتراً، فعلاوةً على كونه أحد أبناء أبرز ثوار ثورة 1924م (العم بابكر الطيب أو بابكر المتظاهر كما كان يكنَّى بمدينة شندي) على أهميتها في تاريخ السودان الحديث، نجده، وبخلاف الكثير من معاصريه من أرومة الشمال معتداً بهذه الثورة، ومفعلاً للمعاني العظيمة التي طرحت في سبيل بناء الدولة القومية بالبلاد، فهي الثورة التي وضعت (ألف باء) بناء وطن متعدد الأمشاج وثري التنوع وواسع التنوع، على (كراسة) الحداثة والحضارة والمدنية (مجدداً بعد نبتة وكوش ومروي)، بإعترافه بالفوارق الوطنية والتمايز الإجتماعي، وبجوهر الصراع الطبقي، كأسٍّ صميم للنزاع وحالة الإشتباك المتجددة التي تشهدها بلادنا، منذ عهد ليس بالقريب، على نحو لخَّصه الشهيد عبد الخالق محجوب في خطابه بمؤتمر المائدة المستديرة بأنَّه من (أحفاد الزبير باشا) تاجر الرقيق السوداني ذائع الصيت، غير أنَّهُ إستدرك قائلاً بما أثار تجاوب المؤتمرين، تصفيقاً وحماسة: "أحفاد الزبير تقدموا مع خطى الزمن لبناء السودان الجديد، ومؤسساته التقدمية من نقابات وأحزاب وإتحادات عمال ومزارعين وطلاب ونساء، ومن بينها الحزب الشيوعي السوداني. مشكلة جنوب السودان ترجع جذورها الى الفوارق الاثنية والجغرافية، كما هو الحال في بلدان أخرى. ومثل هذه المشكلات، على اي حال، لم تقف عائقاً في طريق تعايشهم في دولة واحدة تجسد تطلعاتهم ومصالحهم. والشرط الاساسي هو ان تنعقد روابطهم على ارضية صلدة للتفاهم واحترام كل مجموعة للحقوق المشروعة للمجموعات الاخرى"[1]. ويعترف التجاني بنفسه بهذه المعاني والقيم وبعد أكثر من وبعد أربعين عاماً حين وقف مدافعاً عن مبادئه أمام محاكم نظام مايو الدموي في 1982م حين قال: " ليست هذه أول مرة أواجه فيها القضاء، فأنا مناضلٌ منذ الصبا الباكر، أي قبل أكثر من أربعين عاماً، والفضل في ذلك يعود الى أبي ومعلمي الذي كان قائدا لثورة 1924 في شندي وظل وطنياً غيوراً حتى وفاته"[2].
(2) الراحل كان ضمن أحد الوجوه التي آمنت وعملت على ترسيخ مبدأ الكفاح والنضال المشترك مع الشعب المصري ضد الاستعمار البريطاني، بصورة باذخة في ظل مشهد تاريخي كان يعاني من إستقطاب حاد في أوساط الحركة الوطنية التي كانت تتأرجح بين شعاري "الإتحاد مع مصر تحت التاج البريطاني" الذي كان يقوده الحزب الإتحادي مسنوداً بثقل طائفة الختمية، و"السودان للسودانيين" الذي طرحه حزب الأمة مدفوعاً بقوة طائفة الأنصار، إنطلاقاً من سنى دراسته بمصر التي شهدت إنخراطه في الحلقات الماركسية الباكره هنالك ضمن رهط من الطلاب من الطلاب السودانيين الذين كانوا يتلقون دراستهم بأرض الكنانة ضمن بعثات السنهوري الشهيرة، عبد الخالق محجوب، عز الدين عامر، شاكر مرسال وغيرهم، وشهدت تلك الفترة مشاركته في مظاهرات الطلاب التي اندلعت عام 1946م بعد أحداث كبري عباس وهتافاتها الداوية ضد الاستعمار، ويقول التجاني الطيب: "أعتز بانني كنت من المبادرين والمنظمين البارزين لأول مظاهرة بعد 1924م وهي مظاهرة طلاب المدارس العليا في مارس 1946، وأعتز بأنني كطالب في مصر أديت نصيبي المتواضع في النضال المشترك مع الشعب المصري الشقيق ضد الاستعمار وحكومات السراي والباشوات ونلت معه نصيبي المتواضع من الاضطهاد بإعتقالي سنة وقطع دراستي" (التجاني:1982).
(3) تميَّز الراحل بالفهم العميق لأغوار المسألة السودانية في تجلياتها الشعبية ومعرفته العميقة لجوهر الصراع الاجتماعي والتمايز الطبقي بالبلاد (ضمن جيل ناصع من أبكار الشيوعيين) على النحو الذي عبَّر عنه الشهيد عبد الخالق محجوب في خطابه لدى مؤتمر المائدة المستديرة حين قال: (نعم نحن أحفاد الزبير باشا) ولكنَّه أستدرك موضحاً: "كم تمنينا لو شملت رياح التغيير بعض إخواتنا ممن يحبذون نعتنا (أحفاد الزبير باشا).. حسناً نحن احفاد الزبير باشا فإننا لا نتواري من تاريخنا، ولكننا ننتقده بموضوعية وبدون مرارات"[3].
(4) كان الراحل يرى إلى الصحافة السودانية، وبتركيز بالغ، كمؤسسة لصيانة النسيج المجتمعي، دوراً واجباً. في كافة المراحل التاريخية التي مرَّ بها، وبإلقاء نظرة نقدية لمؤسسة الصحافة السودانية في إهابها الحديث الذي تأسس في العام 1903م كما يتفق الكثير من المؤرخون لتاريخها وعلى رأسهم عميد الصحافة السودانية الأستاذ محجوب محمد صالح في سفره القيِّم والموسوم (الصحافة السودانية نصف قرن)، ونفترض _ في هذي المساهمة علو كعب كعب الصحافة في المشهد القومي والوطني ومعترفين قبلاً بعلاتها المزمنات _ قد لعبت دوراً مؤثراً في تأجيج المشاعر القومية، بدءاً بالدور الذي لعبته صحيفة (حضارة السودان) في العشرينيات، إبان ثورة اللواء الأبيض حين نشرت ضمن صفحاتها إساءات بالغة بحق الثائر الوطني علي عبد اللطيف وعبد الفضيل ألماظ ورهطهم الأماجد وبنعوت لا تليق بأعتبارهم من أعراق وضيعة ودنيئة (تيم نبلوك، صراع السلطة والثروة في السودان، ترجمة محمد علي جادين، مركز الدراسات السودانية)، وهو مبحث ينبغي على المهتمين الضرب فيه لخطورته المتبدية حالياً في صحيف (الإنتباهة) وخطاب الكراهية الذي تبث(!) ويشير محجوب محمد صالح إلى أن صحيفة الحضارة كانت تنبري للدفاع عن الحكومة البريطانية [4].
(5) كان الراحل ضمن الحلقة الضيِّقة من رواد الماركسييين الذين سعوا وما بخلو في إتجاه (سودنة) نسخة من الماركسية التي تتلاءم وثقافات الشعب السوداني، دون كللٍ أو تذمُّر!، دون قيدٍ حزبيٍ ضيق أو إدعاء بمثلما قال الراحل كامل محجوب في كتابه (تلك الأيام) أن دافعهم في تلك السنوات كان "الإلتزام الوطني والحرص على أن يمتلك الإنسان زمام أمر بنفسه بعيداً عن الإرتزاق والعمالة وأقفاص العقائدية المتحجرة"[5].
(6) إنفتاح (الزميل تجاني) على التجربة الإنسانية العالمية لم يكن وليد لحظةٍ، أو صدفة! بل كان في سياق تجربة معرفية ونضالية وصحفية إرتطبت به منذ سني دراسته ب"مصر المحروسة" طالباً يافعاً وكاتباً ومن ثم مؤسساً لصحافة الحزب الشيوعي السوداني (العلنية منها، والسرية كذلك!) وصولاً لتمثيله للحزب الشيوعي مندوباً بمجلة (قضايا السلم والإشتراكية) التي كانت تصدر من "براغ" في الفترة من 1966م إلى 1969م، وإنخراطه في الجهد العظيم الذي بذله (أنصار السلام) بالسودان، أوان الإستقطاب العالمي الحاد بين المعسكر الشيوعي شرقاً، والمعسكر الرأسمالي غرباً.
(7) عاصر الراحل تجربة العمل الوطني والأشغال الباذخة التي بذلها مؤتمر الخريجين وتجربة التعليم الأهلي وإنشاء المدارس الأهلية وصولاً ل"الأحفاد" مما عمَّق في شخصية التجاني الحس الوطني بأبعاده التربوية، مما أنعكس عليه لاحقاً في عمله الصحفي. ومن خلال نضاله (ضمن آخرين) من أجل بناء الدولة الوطنية في مرحلة ما بعد الكولونيالية، "تعميراً لا تحريراً فقط"، ويشير الكاتب تاج السر عثمان إلى إستحالة الحديث عن التيجاني بمعزل عن تاريخ الحزب الشيوعي السوداني الذي تأسس في أغسطس 1946م باسم "الحركة السودانية للتحرر الوطني"[6].
الصحافة مشعل من مشاعل التنوير
"قدمت الوعي، ما أستطعت"
عبد الخالق محجوب
إرتبطت تجربة الصحافة السودانية منذ بداياتها مطلع القرن العشرين، وبعد أن سمح المستعمر للسودانيين بإصدار الصحف والمجلات، لاحقاً. بالسياسة والتنوير، وك"الحضارة" و"النهضة" و"الفجر"، وإرتبطت بالكتابة فيها أسماء العديد من القادة الوطنيين عرفات محمد عبد الله، محمد أحمد محجوب، أحمد يوسف هاشم، عبد الله ومحمد عشري الصديق، توفيق صالح جبريل وغيرهم، بغية المساهمة في الحوار الذي كان يدور منذ مطلع العشرينيات حول قضايا كالهوية وخدمة الأمة السودانية[7]. ويقول الاستاذ التجاني الطيب أن الصحافة السودانية قد لعبت دوراً كبير في التنوير ونشر التعليم وفي الصراع ضد ضد العقليات التي تسعى لهضم حقوق الشعب السوداني. وذلك على خلاف المنظور الآخر الذي يرى إلى الصحافة بنظرة نقدية سالبة على النحو الذي أورده الراحل خضر حمد سكرتير عام الحزب الوطني الاتحادي في مذكراته :"ولست أتردد في ان أقول أنه ليس من بلدٍ في العالم أعطى الصحافة حريتها الكاملة وتغاضي عن كل هفواتها وحتى إساءاتها مثل ما أعطاها السودان لصحافته واستطيع أن أقول كذلك ما من بلد في العالم أساءت صحافته إستعمال هذه الحرية حتى أصبحت فوضى كما فعلت صحافة السودان. إن الصحافة قد أعطيت صفة المشرف والناقد والموجه وسميت السلطة الرابعة، وكنا ننتظر منها أن تساعد على البناء والهدم أيضاً، هدم الفاسد ونشر النقد النزيه الذي يرمي إلى إصلاح الفاسد وتقويم المعوج. ولكن صحافتنا أصبحت سوقاً يدخله كل فاشل ويساهم فيه كل جاهل"[8].
غير أن الحزب الشيوعي ظل، ولا يزال، يؤكد على الحق المطلق في حرية الصحافة دون تنازل عن دورها الوطني في البناء والتعمير، وبذر الوعي وتأسيس أخلاق للخلاق، وأحترام الآخر.على خلاف الصحافة البرجوازية والرأسمالية التي تنطلق بأهداف الكسب السريع والإثارة، وصولاً لصحافة الآيديولوجيا المعرقنة التي تنشط في إثارة خطاب الكراهية في الراهن القريب، وكان الراحل التجاني الطيب يكرر التأكيد في أكثر من محفل صحفي أن الأصل هو إباحة إصدار الصحف وأن تقوم المحاكم عبر القانون والعدالة لحسم أي نزاعات قد تنشأ فيما يتصل بقضايا النشر على نحو مدني، لأنه كان ينطلق من جزيرة فكرية تتعاطي والصحافة كجزء من حق المواطن في المشاركة في الحياة العامة والحصول على المعلومات ونشر الآراء والتعبير عنها، وشدد على أن الشيوعيين والديمقراطيين ليسوا راغبين في وجود قانون للصحافة حتى لا يقيد المهنة[9]. ويعود تجاني ليؤكد على ضرورة أن تكون الصحافة حرة مع التزامها بالقانون.
وكان الراحل يصر على أن القيود الكثيرة التي يضعها المجلس القومي للصحافة والمطبوعات الصحفية لا تساعد في تطوير الصحافة، من شروط قاسية تضع لرئاسة التحرير أو إمتلاك وتأسيس الصحف، وكان كثيراً ما يشير في هذا الصدد إلى تجربة صحيفة (الصراحة) التي أسسها ورأس تحرير الصحفي الراحل عبد الله رجب، حيث كان رجب من خارج دارة الخريجين، ومع ذلك في إستطاع بناء مؤسسة صحفية قوية وقيادتها، وقال التجاني أن (الصراحة) أول جريدة إعتنت بالمراسل الإقليمي وفيها تم نقل الحياة اليومية للقرية في المدينة عبر الصحافة "معاناة القرية" وكانت الصراحة بوابة عمل الأحزاب لبرنامجها الوطني.
وكان يصر على عدم جدوى ما يسمى ب(القيد الصحفي) بأعتباره تقليداً إستحدثته حكومة الإنقاذ، وكان يرى بأن الصحيح أن رئيس التحرير هو الجهة التي تحدد من الناحية الصحفية مهنية الصحفي، وكان يقول بأن السجل الصحفي في الديمقراطية الثالثة كان يتم على هذا النحو، أن يتدرب الصحفي بأحد الصحف لفترة محددة يتم من خلالها تأهيله على الخبرات وقواعد العمل الصحفي، بالتجوال على أقسام الصحيفة المختلفة، وبعد وقوف رئيس التحرير على عطاء الصحفي (الجديد!) يقوم بتقييم إذا ماكان صحفياً أم لا، وبعدها يقوم رئيس التحرير بمخاطبة نقابة الصحفيين لإعتماد هذا الصحفي ضمن سجل النقابة وتسديده للرسوم المطلوبة.
وكان الاستاذ التجاني الطيب يعتبر أن الرقابة الأمنية القبلية المفروضة على الصحف ليست مجرد نزوة أو رغبة أو مزاج عابر وإنما هي نتاج لمنهج معاد للديمقراطية. مؤكداً التزام الصحف بالقانون لكنه استدرك بالقول بان الميدان لم تقف أمام القضاء منذ صدورها في العام 1954م إلا في قضايا تعبر عن مواقف مبيناً أنهم لم يسيئوا لأحد ولم تثر فتنة. وأشار إلى أن جهاز الأمن الوطني والمخابرات رفع قضية ضد الصحيفة عقب أول صدور لها إبان الحكومة الحالية لكن المحكمة برأت ساحة الصحيفة[10].
تجربة الصحافة الحزبية(*)
(يا أصدقاء الراحل البعيد/ لا تسألوا: متى يعود/ لا تسألوا كثيراً/ بل اسألوا: متى يستيقظ الرجال؟)
محمود درويش
كتب الشهيد عبد الخالق محجوب في (إصلاح الخطأ في العمل بين الجماهير) "علينا أن لا نتناول مواضيع الأشخاص إلا بمقدار ما تؤدي أعمالهم إلى عرقلة تطور بلادنا ولا نلجأ إلى المهاترة، أو الألفاظ النابية أو إلى معالجة قضاياهم في إبتذال وإسفاف. إننا نناضل في سبيل دعوة سامية ونعرف دور الأفراد في التاريخ ولهذا يجب ألا نعطيهم جانباً أكثر مما يستحقون في صحافتنا وأن نتعفف عن الخوف في المسائل الفاضحة مستمدين هذا من سمو مُثُلنا الشيوعية ومن أخلاق شعبنا" [11]. والترجمة العملية للمعاني التي أشار إليها عبد الخالق، تتبدى في المقولة الناصعة التي قالها الراحل التجاني الطيب (لا حركة ثورية بدون صحيفة ثورية) وذلك في المحاضرة التي قدمها في (ورشة مراسلي الميدان) في 2007م، حيث أوضح بأن الحزب الشيوعي سعى منذ وقت مبكر لصناعة صحافة ثورة منذ (البيان)، وأورد مفارقة أن عمر سكرتير الحزب عند تأسيسه كان 22 عاماً وكان المطلوب لكل من يود أن يعمل صحفياً أن يكون عمره 30 عاماً. وقال بأن العمل الحزبي في مجال الصحافة كان مغامرة لعدم وجود جريدة خاصة بالحزب لذلك اهتموا بالكتابة في الصحف الأخرى، وكانت هذه فترة التنوير، بالتركيز على قضايا المؤتمر العام وجنوب السودان. كما تعاونوا مع عبد الله رجب بعد تأسيس (الصراحة). وأضاف بأنهم عندما كانوا يسعون لجمع إشتراكات لتأسيس صحيفة (الجهاد) في 1951م بأمدرمان على أن تكون جريدة إسبوعية بعنوان صحفي "إن الحياة عقيدة وجهاد" مع الاستمرار في التعاون مع (الصراحة).
وقال التجاني الطيب بأنهم إستفادوا كثيراً في عملهم الصحفي من تجربة جريدة (الصراحة) وإهتمامها بالمراسل الإقليمي، مشيراً إلى أنهم سعوا لتنظيم الحركة النقابية عقب قيام الحركة العمالية والحركة وسط المزارعين وكان هنالك مندوب لكل قطاع مثلاً القاش كان مندوبها (مراسلها الصحفي) الجزولي سعيد والشمالية طه أحمد والجزيرة والنيلين "الأبيض والأزرق" كامل محجوب، وكانت مراكز العمل في كوستي للنيل الأبيض والسوكي للنيل الأزرق وكان المسعى والعمل على تأسيس التحالف بين العمال والمزارعين، ونشر أخبار هذه الجهود الوطنية العظيمة، وأشار إلى أن الصحافة الحزبية عندما احتدام الصراع الدولي "فيتنام واندونيسيا" كانت تهتم بالأحزاب الشيوعية وحركة السلام العالمية وحركة النقابات. وقال أن جريدة (اللواء الأحمر) صدرت في نهاية عام 1949م وهي جريدة سرية وقراءتها تعرض قارئها للعقوبة من سلطات الاستعمار، كما تقرر الاستمرار في العمل السابق "الصراحة والجهاد" وهذا يثبت الاهتمام بالشعار (لا حركة ثورية بدون صحيفة ثورية) لأهميته. وأضاف أن (اللواء الأحمر) كانت حزبية صارخة تنظيمية، و(الجهاد) كانت الأقرب لحالة (الميدان) الآن(الحديث كان في العام 2007م)، وقال بأنهم كانوا يصرون على كون الجريدة يجب أولاً أن تكون جريدة ثم بعد ذلك تصبح حزبية. وأوضح بأنهم كانوا يقومون بتوزيع 4000 نسخة وكانت جريدة معادية للاستعمار، وكانت جريدة جميلة في شكلها وجاذبة وشهدت مولد انقلاب 23 يوليو 1952 وكانت منحازة للانقلاب إلى أن تم إعدام زملاء من العمال المصريين (أعدم الضباط الأحرار في 7 سبتمبر 1952م العامل محمد مصطفى خميس 19 سنة والعامل محمد عبد الرحمن البقري 17 سنة، بسجن الحضرة بالإسكندرية على خلفية إضرابات عمالية، المحرر) ومن ثم تم اتخاذ موقف معادي للانقلاب، وقال بأن صاحب الصحيفة (الجهاد) كان ذو إنتماء يتبع للحزب الإتحاد لذلك قام اتحادي لذلك قام بأخذ موقف ضدهم، وبعدها يقول التجاني بأن (الصراحة) و(اللواء الأحمر) هي ماتبقت لهم، وفي 2 سبتمبر 1952 صدرت جريدة (الميدان) وكانت نتاج تعاون مع الشيوعيين المصريين وصدرت أسبوعية ثم مرتين في الأسبوع وصدرت بإسم الجبهة المعادية للاستعمار بهيئة تحرير حسن الطاهر زروق، قاسم أمين، بابكر محمد علي، والمحررين: مأمون محمد الأمين، أحمد علي بقادي، وكان مكتب الجريدة غرفة واحدة في الحرمين وكان يوجد تلفون بالقرب من مكتب "محمود محمد طه" وكانت تصدر في 8 صفحات كمعظم الصحف بسعر قرشين، وأشار إلى أن عهد عبود شهد صدور صحيفة واحدة "حجم كبير" وكانت تباع بشعار "البرش بقرش".
وقال أن كلمة (الميدان) كانت تكتب بتوجيه من اللجنة المركزية وكانت هنالك مساعدات من حسن الطاهر زروق، عبد الخالق محجوب، عبد الرحمن الوسيلة، التجاني الطيب، وأوضح أن لائحة العمل ضمنت فيها "المصداقية وعدم الفجور مع الاهتمام بحركة الجماهير الكادحة". وأستطاعت (الميدان) الوصول للجماهير رغماً عن كونها لم تمتلك مطبعة في بداياتها ولا آلات تصوير وكان هنالك اجتماع أسبوعي للتقييم، وعموماً قال التجاني بأن الحزب كان بالجريدة. وأنتهى العمر الأول لها بإنقلاب عبود، الذي أوقف الصحف.
وقال أن (اللواء الأحمر) واصلت مع (الميدان) وانتهت عقب ثورة أكتوبر، وأضاف أن (الصراحة) بعد الانقلاب انحازت للحكومة "محمد سعيد معروف". وعقب ثورة أكتوبر صارت (الميدان) يومية وأصبح الحزب علنياً، وقام الشيوعيون بصراع لاسترداد الماكينة التي صودرت, أبان أنهم في فترة العلنية كنا يطبعون في مطبعة النصر، عقب حل الحزب تمت مصادرة الجريدة ورغم كسب الحزب الشيوعي للقضية التي رفعها تمت مصادرة المطبعة أيضاً. وقال أن (الميدان السرية) كانت تصدر عقب إنقلاب عبود شهرياً وتغيب فترة وكان التعويض بزيادة الصفحات ل12 صفحة، وقد صدر 80 عدد في فترة مايو واعتقد أنها ناقشت قضايا كثيرة وساعدت الحزب في كثير من القضايا.
ويعتبر الراحل التجاني الطيب في محاضرته عن الصحافة الحزبية أن (المراسل الصحفي) عنصر مهم، وذلك مهما يكن من أمر "شطارته"! لا بد من وجود مساعدين له. مؤكداً أهمية الاتصال المستمر مع المراسلين ولذا فعلى المراسل في البدء كسب ثقة جماهير منطقته، وعليه تسجيل نقاط في كل مرة للأمام، وكما أن المراسل يقوم بدور مهم في عملية التوزيع أيضاً مع المتابعة والمثابرة على أن تكون لديه مصادر أمينة "الكذب ضار" ومتابعة الصحف الأخرى لمعرفة ماذا عمل المراسلون في المجالات الأخرى، مع الاهتمام بالمراسل الإقليمي والولايات فإن الأخبار الصادقة تفيد عمل الحزب مع متابعة العمل الجماهيري بحسب عبارته.
(*) كان من الممكن إيراد ومناقشة دور الراحل في صحافة الحزب السرية، ولكن الظرف السياسي العام بالبلاد في العام الحالي 2012م وفي ظل الإستقطاب الحاد الذي تشهده لا تسمح، بتقدير حزبي بحت، بإيراد هذه التجربة لكونها تمس حياة أشخاص وأفراد وقد تضر بعمل الحزب الشيوعي السوداني، وهو أمر دونه المهج والأرواح، المحرر.
العمل الجبهوي والنقابي بحقل الصحافة والحريات
كان الراحل التجاني الطيب يولي أهمية فائقة للعمل الجبهوي الواسع والعريض في قضايا العمل الصحفي والنقابي، والدفاع عن الحريات، فهو ضمن جيل فذ عمل على الدفاع عن الحريات منذ تأسيس أول حركة لحقوق الإنسان في السودان (الهيئة الشعبية الدائمة للدفاع عن الحريات) في العام 1953م والتي إنتخبت الراحل د. عز الدين على عامر سكرتيراً لها، والتي عملت على إلغاء القانون رقم (22) لسنة 1953م أو "قانون قمع النشاط الهدام" كما يعرف، من داخل البرلمان، كما قدمت أول مذكرة بالاشتراك مع رؤوساء تحرير الصحف عن قانون الصحافة لمجلس الوزراء لدى أول حكومة وطنية.
وتظل كتابته في كلمة (الميدان) في 1985م عقب إضراب العاملين ب(الأيام) عن ضرورة "كنس آثار مايو" إحدى اللقيَّات والدرر الثمينة في تاريخ الصحافة السودانية، وتوضج بجلاءٍ لا مراء فيه، عن إيمانه العميق، بقيم التضامن والتكاتف من أجل الحريات الصحفية والنقابية, بجانب مشاركته في الصدور الأخير ل(الميدان) بالإشتراك مع (الأيام) و(أجراس الحرية) في رفع قضية دستورية ضد الرقابة القبلية التي يفرضها جهاز الأمن والمخابرات على الصحف، والتي أفتت (وللأسف) بدستورية الرقابة القبلية، الأمر الذي كشف عن مدى ما أصاب الجهاز القضائي والمؤسسات العدلية بالبلاد تحت ظلال حكم الإنقاذ.
ونهض الراحل بكل عزم وتأكيد ضمن آخرين على رعاية وصيانة شبكة الصحفيين السودانيين لا من واقع هيمنة أو إستغلال لرمزيته كأحد كبار رموز الصحافة بكل كان يصر على كونه (مجرد عضو بالشبكة) وكان يتابع ويشارك في أنشطتها، وكان يصر علىى المساهمة المالية مع شباب بالميدان (بكل صرامة! ويقول أنا مش عضو مفروض أساهم معاكم، فالله درك ياتجاني من رجل). وحتى أثناء ظروف مرضه الأخير بمستشفى سوبا الجامعي كان يسأل: "آها أخبار الشباب في الشبكة كيف؟ ماشين تمام؟". ويشهد الكثير من الرفاق والزملاء الصحفيين الذين عملوا ب(الميدان) في إهابها الأخير أو بفترة الديمقراطية الثالثة، أنهم كان يصر على جبهوية النضال الصحفي مع كافة الأطراف، دون تمييز، مترجماً حقيقة (أن لكلٍ حزبه والنقابة للجميع) وكان كثيراً ما يردد بإجتماعات التقييم الدورية التي تعقدها (الميدان): "دايماً إشتغلوا مع الناس والآخرين.. ما تعزلوا روحكم من أخوانكم وزملاكم أبداً.. البتقرروا الجماعة دايماً إلتزموا بيهو".
علاوة، على كونه كان عليماً ب"تاكتيكات" العمل النقابي، في حالات المد والجذر، والتفاوض، وتكفي الإشارة لإنتباهته الذكية عندما كان طرفاً من إجتماع جهاز الأمن والمخابرات الوطني مع جريدة (الميدان) بخصوص تسوية وتعويض خسائر مصادرة وحرق (15) ألف نسخة من الصحيفة، والتي إنتهت بتعويض (الميدان) مبلغ عشرة ملايين، وكي لا يستثمر "المغرضون!" في الأمر، أصرَّ الراحل على كتابة ونشر (محضر) الإجتماع بالعدد التالي من الصحيفة.
علاوة على ذلك، كان الراحل صاحب نهج تربوي، في حيِّز تدريب صغار الصحفيين والصحفيات، كيف لا! وهو (المعلم) و(التربوي) الذي عمل في الأربعينيات بحقل التعليم المتوسط في مدارس الأحفاد، حيث كان يرعى صغار المتدربين بأبوِّةٍ فذة، وحنو وعطف بالغين، وكان كثيراً ما يسأل، بعفوية بالغة :"الزملاء ديل [يقصد المتدربين] أكلوا؟" أو"الزملاء ديل قاعدين تدوهم قروش". "الأولاد ديل ياخ راعوا إنهم صغار"، بل كان يصر على أن يتناولوا "وجبة الغداء" المعروفة بالصحف بالنسبة للمتدربين في (مكتبه شخصياً) بتواضع منقطع النظير.
المراجع:
[1] خطاب سكرتير الحزب الشيوعي السوداني (الشهيد) عبد الخالق محجوب أمام مؤتمر المائدة المستديرة (الخرطوم 16/29 مارس 1965م، د. عبد الماجد بوب، جنوب السودان: جدل الوحدة والإنفصال، دار جامعة الخرطوم للنشر، 2009م.
[2] نص المرافعة التي قدمها المناضل الشيوعي التجاني الطيب بابكر امام محكمة أمن الدولة بالعهد المايوي، والتي قضت بالحكم عليه بالسجن عشر سنوات، إكتوبر 1982م. جريدة (الميدان).
[3] سابق، راجع [1].
[4] محجوب محمد صالح، الصحافة السودانية في نصف قرن (1903-1953)، مركز الدراسات السودانية، 1996م.
[5] كامل محجوب، تلك الأيام "الجزء الأول"، دار البلد للطباعة والنشر والتوزيع، 1999م.
[6] تاج السر عثمان، أجمل من رائحة النضال لم يشمّ رائحة.. وداعاً المناضل التيجاني الطيب (مقال)، الحوار المتمدن: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=285269
[7] د. قاسم عثمان نور، أوراق سودانية "الكتاب الأول"، مركز قاسم لخدمات المكتبات، 2007م.
[8] مذكرات خضر حمد: الحركة الوطنية السودانية.. الاستقلال وما بعده، مكتبة الشرق والغرب، الشارقة، 1980م.
[9] و[10] التجاني الطيب، ندوة شبكة الصحفيين السودانيين عن الحريات الصحفية، دار الأمة القومي، أم درمان، 2010م، جريدة الميدان.
[11] عبد الخالق محجوب، إصلاح الخطأ في العمل بين الجماهير، دار عزة للنشر والتوزيع، الخرطوم، 2004م.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.