لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    بحضور عقار.. رئيس مجلس السيادة يعتمد نتيجة امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة للعام 2023م    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    احتجز معتقلين في حاويات.. تقرير أممي يدين "انتهاكات مروعة" للجيش السوداني    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين مقالين: استلاب جيل (3 - 3) ... بقلم: الخاتم محمد المهدي
نشر في سودانيل يوم 29 - 06 - 2009


تفضّل، يا خفيف الضُل
...
وبيع من غير تشاوِر زول...
تواريخ دمّك الفاير
وتفرُش فى الضُحَى الأعلى..
تبيع سأم العُمُر كيمان
ولا لافتات
ولا أوزان
لا أتْمَان
. عمر الطيب الدوش
تذكرة:
في الحلقتين الماضيتين تحدثنا عما أسميناه استلاب الجيل الراهن من شباب السودان وكهوله. وعرّفنا المراحل العمرية التي نقصد بقولنا (شاب- كهل- شيخ- هرم)، وعرضنا في الجزء الأول إلى مظاهر ومرجعيات الاستلاب. وأفضينا إلى بعض النتائج التي حسبنا أنها ذات خطر وتأثير قريبين في الواقع، وإن كان أكثرها مستتراً في تقديرنا. وانتهينا في ختام الجزء الثاني إلى ان الاستلاب والتغريب أفضيا بسحابة هذا الجيل (جيلي أنا) إلى منافي ومغتربات بعضها عربي، وأكثرها غربي.
وكنت أحسب أني أطنبت في هذا المنحى حتى لات حين مزيد. على أن بعض إفادات أدلى بهن غازي صلاح الدين مستشار الرئيس السوداني في لقاء جماهيري في فيرجينيا بالولايات المتحدة، وبعض مماحكات من الحضور معه، حملنني على التفكير في بعض المناحي التي أهملتها، وفي تقديري ان المقال في صدد استلاب هذا الجيل، لن يكتمل إلا بهن.
ليلة آرلينغتون
الندوة حالها حال سائر ندوات القيادات الحاكمة مع السودانيين في المهجر، لم تخل من جهد واضح لتسويق الذات والصفات، ولم تفارقها بالضرورة المماحكات مع ومن الحضور. ولولا مداخلات دكتور بكري سعيد في مفتتح اللقاء وقبيل تعقيبات غازي صلاح الدين ، إذن لنعمنا بطقس فكري وسياسي عميق بعيد عن "التهاتر" والمشاددات الطفولية.
على أن غازي صلاح الدين تحدث مطولاً عن ازمات السودان، وقيّد طرحه في محاور خمس، وجاء كلامه مخبوزاً بكل سلاسة السياسي المجرب. ويقول بريمة محمد عن هذا اللقاء إن غازي صلاح الدين تحدث فيه:
حديث إنسان ملم إلمام تام بنفسيتنا فى المهجر .. وملم أكثر بخلفية وضعية الحكومة الحساسة التى ربما لا تحتمل مزيدا من صب الزيت على النارالسياسية التى تؤجهها ضدهم جالية واشنطن .. جاء دكتور غازى وكأنه يحمل أجندة إستقطابية لصالح المؤتمر الوطنى وليس الحكومة بشقيها .. كما إنه يحمل خطاب فى ظاهره الرحمة بتغير الوضع السياسى وينبئ بخطورة وحساسية المرحلة ويدعوا الجميع لتجاوز التحديات وتحويل الطاقات من طاقات سالبة إلى شيئ إيجابى يخدم المصلحة الوطنية بغض النظر عن المواقف الشخصية.مع كل ذلك لم يتراجع عن موقفهم من الأنقلاب على السلطة الديمقراطية المنتخبة حينها .. ودعى إلى ترك الخلفية التأريخية والتوجه إلى إستغلال اللحظة التأريخية الحاضرة فى الانتخابات القادمة للأتيان بما يخدم المصلحة وأجاب على سؤال بأنهم ليس لديهم شرعية .. قائلا آن الحركة الشعبية ليس لديها شرعية آيضا ..
ومع أن المستشار الرئاسي استلف شيئاً من حدة مغلفة بالنعومة في رده على أكثر من معقب- وذا من قبيل مداخلاتهم المحروسة بنار الغربة- لكنه كرر أكثر من مرة أنه هو "الذي وقع على اتفاق مشاكوس" بيده، فلا يزايدن عليه مزايد في شأن وعيه بصرامة الخيارات التي تنتظر السودان عند الانتخابات القادمة وفي معيتها الاستفتاء المستبطن حق تقرير المصير لجنوب السودان.
وغازي صلاح الدين ووفده، ونظيره في الحركة الشعبية يتفاوضون برعاية أميركية على تذليل عقبات الخلاف بين الحكومة والحركة على بنود عدة في صدد تطبيق اتفاق السلام الشامل، على رأسها التعداد السكاني. وهذا الأخير هو مدخلنا للحديث عن مظهر أخير للاستلاب الذي تحدثنا عنه في الحلقتين السابقتين من هذا المقال.
على أن ما استوقفني في حديث غازي صلاح الدين عبارتين كانتا أقرب إلى جرس الإنذار. قال المستشار الرئاسي إنه سعيد بالحديث إلى هذا العدد المقدر من السودانيين في ضاحية العاصمة الأمريكية، وعقب بعدها أنه قد يجيئنا زمان يكون لنا فيه (لوبي سوداني) في ظل الكابيتول، أو كما قال.
ففي طيات حديث غازي صلاح الدين، وفي بطون التعقيبات التي انهالت عليه، تلمع حقيقة تنمي بأصلها إلى شيء من قمة خلاف الحكومة والحركة، أي على التعداد السكاني.
وبحسب النتائج الأساسية لتعداد سكان السودان عام 2008 ، فإن عدد السودانيين بالإجمال هو 39, 154, 490 نسمة، من بينهم 5,845,991 دون سن الأربعين. وهي الفئة العمرية الأعلى من بين نتائج الاحصاء. وغني عن التكرار إعادة ما أفضنا فيه في الاجزاء السابقة بشأن آلام هؤلاء وأحلامهم الموؤدة، لكن مناط حديثنا ينعقد على أنهم يجب أن يكونوا هم الجيل الأنشط والأكثر فاعلية بين شرائح المجتمع الراهنة- افتراضاً. وينعقد كذلك على واقع أنهم الأكثر خمولاً وبعداً عن تحريك مشارع الحياة واستئناس تحديات المستقبل، للأسباب السالف ذكرها.
فشل من لدن فشل
وبالنظرة العجلى- أو المتأنية، لا فرق- إلى واقع هذه الفئة العمرية، أو الجيل بالأحرى، نجدها أقرب وشيجة وألصق صفة ب "الفشل". نقولها بحسرة وتصميم. الفشل. نحن في جيل فاشل بكل المقاييس. ومظاهر الاستلاب التي عددناها في الجزئين السابقين ليست هي جماع أزمتنا. فنحن جيل فاشل، لأننا نقطن دولة فاشلة بامتياز حسب التوصيف العالمي، ووفقاً لقائمة الدول الفاشلة التي تنشرها مجلة "السياسة الخارجية" الأمريكية.
وبعيداً عن اللغط الكثير الذي صاحب نشر تلك القائمة ومعاييرها، دعونا نسرد بعض الوقائع:
السودان كان في المرتبة الأولى لعام 2006، ثم صعد إلى المرتبة الثانية سحابة عامي 2007 و2008، ليعلو درجة ثالثة في عامنا هذا ليحتل المرتبة الثالثة، مترفعاً على زيمبابوي! والتصنيف الذي تقلص عدد الدول التي يشملها من سبع وسبعين دولة بعد المئة في العام 2008 إلى نحو ستين دولة فقط هذا العام، جعل الصومال في المرتبة الأولى من حيث الفشل، يليه السودان في المرتبة الثانية.
ومن سخرية الواقع المؤسية أن دولة مأزومة حقاً وصدقاً مثل العراق نالت المرتبة الخامسة، بينما جاء لبنان بكل مشاكله وأزماته في المرتبة الثامنة عشرة، فيما تلكأ اليمن عند الرتبة الحادية والعشرين، وسورية عند الدرجة الخامسة والثلاثين وتصاعدت مصر عند المرتبة الأربعين. ويلزم أن نشير إلى أن الترتيب في هذه القائمة تنازلي، أي الأكثر فشلاً في الأعلى، وهكذا نزولاً.
واعتمد تصنيف القائمة على عدد من المؤشرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تتلخص- باختصار غير مخل- في: تزايد الضغوط و التغيرات الديموغرافية، حالات اللجوء و النزوح الداخلي الواسعة، تراث الإنتقام والمظالم والإرهاب (الجماعية)، النزوح الجماعي الحاد وهروب للأدمغة و الكفاءات و نشوء الجاليات في المنفي، ثم عدم المساواة في التنمية الإقتصادي، ويليه التدهور الإقتصادي، وتآكل شرعية الدولة، ومن بعده تدهور الخدمة العامة، ويتبعه معيار إنتهاكات حقوق الإنسان، ويتلوه تضخم الأجهزة الأمنية، ثم النخب المتخاصمة، وأخيراً التدخلات الأجنبية.
وأولى الاعتبارات هي الضغوط الديموغرافية (السكانية) وحظ السودان فيها لم يقل في أي عام من أعوام القائمة عن تسع درجات من عشرة، أي ثاني أعلى تقدير بعد الصومال. وللسودان حظ غير منقوص من سائر المعايير المار بنا ذكرها (تسعة درجات في أغلبها)، على أن أوجعها مضرباً هو الرابع. فبعيداً عن النزوح الجماعي، فإن نزيف الأدمغة الذي تعاني منه القارة بأكملها، هو أثخن عندنا. فتلك الأدمغة نهلت من خير البلاد حين كان فيها خير، لكنه تبعت لمعان المغتربات فراراً من عكرة السودان وغباره، فتركت مهمة ترقية وتعليم من تلاها من أجيال إلى من هم أقل إعداداً وعدة منهم. والحال أبين من نستزيد فيه. ولعل في المعيار ذاته ما يرجعنا إلى حديث غازي صلاح الدين. فنشوء الجاليات في المنفى، على علاته، يعني وجود ثقل ثقيل من المنتسبين إلى السودان لكنهم فاعلين في خارجه. ومن هنا يتفاءل غازي صلاح الدين ب "لوبي سوداني" ذات يوم في باطن المستقبل، فتأمل! وفي ذلك يصح أشهر أقوال إبراهام مازلو، عالم النفس الأميركي، من أنه "لو كانت المطرقة هي الأداة الوحيدة التي تملكها، إذن لرأيت كل مشكلة مسماراً"!
استلاف النجاح
وقرأت في سودانيز أونلاين خيطاً كتبه مكي ابراهيم مكي عن مؤتمر للقيادات الشابة في ولاية كولورادو الأميركية. كتب مكي أن : معهد السلام المستدام الامريكي اقام في الفتره من 29 مايو إلى 7يونيو 2009 مؤتمرا لقيادة سودانية شابة، تحت شعار “قيادة نحو مستقبل مستدام". ويضيف مكي ان المؤتمر شاركت فيه نخبة من القيادات السودانيه (الشابة)- الأقواس من عندنا- المقيمة في الولايات المتحده الامريكية، وفي المانيا، علاوة على مشاركين قدموا من السودان. وبحسب مكي فقد اقيمت العديد من ورش العمل علي مدار الأيام التسعة, لتطوير وصقل مقدرات هذه (القيادات الشابة) ودفعها في عملية التغير والمساهمة في البناء . ومن خلال هذه الورش تعرف المشاركون علي المتغيرات العالمية (التي تفرض تحولا في حياة الانسان والمؤسسات). الأقواس والتنصيص من عندنا.
ويسرد مكي من ضمن ما تعرف إليه المشاركون في المؤتمر مواداً من قيمة:
ووجدتني أتمتم بيني وبين شاشة الحاسوب: الكترابة! كل ذلك في تسعة أيام فقط؟
فعلى حد علمي أن "إدارة الأزمات" تخصص عال يدرس في مساق أكاديمي فوق الجامعي- إن صحت معلوماتي. وهي:
"إحدى أحد الفروع الحديثة نسبياً في مجال الإدارة، وتتضمن العديد من الأنشطة، يأتي على رأسها التنبؤ بالأزمات المحتملة، والتخطيط للتعامل معها والخروج منها بأقل الخسائر الممكنة (...) وتقدم إدارة الأزمات وعيا عاليا بطبيعة التغير والتقلب اللذين أصبحا السمة الغالبة لمعظم بيئات العمل على مستوى العالم بأسره".
وأحسب أنها دراسة تمتد الشهور الطوال (لثلاث سنين مثلاً) تنال بها درجات حسان من طراز الماجستير أو الدكتوراة لمن استطاع إليها سبيلاً. والحال كذلك، فلابد أن المشاركين في المؤتمر أعلاه تلقوا جرعة لا تزيد في مقدارها عن المضمضة.
وبدا لي أن بعضاً مما كتبه مكي من ضمن الخيط لهو منقول بحذفاره وأغلاطه الإملائية من تنوير ما للجنة الشعبية للحوار في كادوقلي- إن كانت هناك واحدة بهذا الإسم أصلاً!
فمكي يقول:
وجسد المؤتمر روح الاخاء ووحدة قيادات شباب الهامش السوداني من الجنوب ودارفور ,, جبال النوبه ,, الشمال ,, وشرق السودان . والنيل الازرق وقد زالت كل الحواجز والفوارق المصطنعه بين ابناء الوطن الواحد . ومهد الطريق لعقد لقاءات ومؤتمرات وورش عمل مماثله وبشكل اوسع .. لمختلف شرائح وفئات المجتمع السوداني التي تجمعها وحدة المصير . والوصول لهدف مشترك يساعد في حللة المشاكل والقضايا المتعلقه بالوطن السودان.
ويضيف:
وامن المشاركين علي بلورة الافكار والتصورات من اجل البناء ودفع عملية السلام بين ابناء الوطن الواحد .. ومواكبة التغيرات وتوحيد رؤاهم وصقل قدارتهم في سبيل تحقيق هذه الاهداف والغايات .
والأكثر من ذلك أنه:
وفي ختام المؤتمر خلص المؤتمرين بعدة توصيات واعداد دراسات لمعالجة الكثيرمن القضايا التي تهم السودان. وتم تكوين لجان فرعية لمواصلة العمل وبلورة الافكار وصياغتها .. واصطحاب التوصيات ...
وذلك من شاكلة ما عهدناه من أدبيات الانقاذ ومشايعيها في تلخيص نشاطهم المدني بين الناس. وفي ذلك أفكار لكتابة تطول، قد نعود إليها إن تيسر في العمر بقية.
وبحسب ما نقله مكي فإن تقديم اوارق المؤتمر وورش العمل طيلة الأيام التسعة، شارك فيها الكثير من الدبلوماسين، واستاذة الجامعات الاميريكية، وفيهم المحامي راندال باتلر مدير معهد السلام المستدام الاميركي، وآدا إدواردز رئيسة مكتب عمدة هيستون- تكساس. ذلك فضلاً عن جون ماري- وزير الخارجية البورندي السابق والاستاذ حاليا باحدي جامعات تكساس، و السيناتور روبرت كروغر السفير الأميركي السابق في بورندي. ومن دونهم أيضاً بحسب ما أورده مكي مصطفى تاميز Mustafa Tameez وهو باكستاني الاصل، يعمل مستشاراً سياسياً واعلامياً وشارك في تنظيم الكثير من الحملات الانتخابيه لمرشحي الرئاسة في أميركا.
ومن بين كل تلك القيادات السامقة لم المح إسماً سودانياً واحداً. بل الأنكى أنه ليس من بين هؤلاء ذي خبرة وصلة مباشرة بأي من أزمات السودان السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية. ولما كان المعهد المذكور متخصصاً في تسويق حلول أزمات المناطق التعسة، وأولها السودان والعراق، فأحسب أن اهله والقائمين على برامجه نثروا أعواد متخصصيهم، وعجموهم باسنان قوارض، وتخيروا من كنانتهم الأسماء المسرودة بعاليه. ولا املك سوى القفز من المعطيات الحالية إلى استنتاج أحسبه واضحاً قريباً: أجندة الحل والتدريب المطروحة مبنية على نماذج مخبورة في دول ومناطق أخرى، يراد لها أن تتلبس الحالة السودانية فلا يضيق لها كم ولا "زيق" ولا يعتريها زيغ.
ومن ثمّ، يجوز لنا أن نقول إن كان ثمة نجاح قد يصادف مثل هذه المجاهدات في استثمار علم غيرنا لحل مشاكلنا، فهو نجاح "مستلف" على أبعد الحظوظ. مستلف لأنه يقايس واقعنا المعقد على معايير تصح في غيره، وقد لا تلائمه. وهو مستلف لأن نجاحه أو فشله معقودان بأصلهما إلى عامل خارجي، يحق له أن يمدد ساقه ويتجشأ بحبور ومتعة أن أدمغة تقطن بنواحي الروكي طوت البحار والوهاد لحل مشكل متأزم في مضارب النوبة وجبالهم. وهو نجاح مستصعب لأن تلك القيادات الشابة تنتظرها أزمة جلل: أن تتجاوز القيادات المشيخية لمجتمعها، وأن تقنعهم بجدوى عتادها المستجلب لحل الأزمة الراهنة، التي هي من صميم إنجازات جيل المشايخ.
وإن صح لنا هنا إعادة الاستشهاد بشهير مقالة علي كرم الله وجهه: "لا تقسروا أبناءكم على آدابكم؛ فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم"، يصح لنا أن نعلن في وجه جيل المشايخ مقولة العبقري آلبرت آينشتيان من إنه "لا يمكننا حل المشاكل بطريقة التفكير ذاتها التي استخدمناها في خلق تلك المشاكل".
النار والرماد:
وإن كان في الأمر ثمة عزاء، فهو أن فشل جيلنا الراهن، وفي بلدنا الحالي، وبموقعه المعاصر، هو من ضمن حالة تمرد تنتظم سائر الجيرة الثقافية للسودان في محيطه العربي. فيكفي أن توجه متصفحك إلى أعجوبة العصر محرك البحث غوغل وتكتب في خانة البحث كلمتي: جيل فاشل لتأتيك النتائج من فورك بما يشده فاهك على مصراعيه.
على أن أبلغ شهادة تجيء فقط من صميم جيل المشايخ.
... من تتلمذ بالمدارس والجامعات حتى أعلى المستويات في الخمسينات والستينات. اشتمل هذا الجيل على نفر من أكثر الناس علماً ومعرفة وطاقة وإصراراً. بحماس الشباب، لم يكن في نظرنا ما لا يمكن تحقيقه، واحتمال الفشل لم يكن في الحسبان. نظرنا إلى المستقبل وكأنه في يدنا واعتقدنا أننا نستطيع تحقيق رفعة العالم العربي إلى أعلى درجات التنمية البشرية في وقت قريب.
وإلى أن يتيسر من يعترف بالمشكل أولاً، ويقر بالمسؤولية فيه، ثم يعمد إلى معاضدتنا في حله ثانياً، لنا سخطنا، وقلقنا، وتخيرنا المنافي، عوضاً عن الوطن. وليس مقصدي من هذه المقالة، بأجزاءها الثلاث، النعي على مشايخنا، والتبكيت على كهولنا، وتيئيس شبابنا. ولست أعمد إلى استصدار أحكام صمدية، لا يأتيها الجدل من وراءها، ويتقاصر النقاش من قدامها، تقطع بفشل جيلي فشلاً لا معقب لنجاح من وراءه. بل الصحيح أنها شهادة حق على نفسي وجيلي، قبل أن يتصرم يومه، ويأتيه من بعده من يمرغ به التراب، إن بقى لنا تراب نتمرغ به. ذلك لئلا أن يصدق علينا مثلٌ من فصيح عاميتنا، من عيار: “سرارة اللعوت تتلاقى يوم الموت". والسرارة هي القرابة. يقول المثل إن قرابتكم كقرابة شجر اللعوت ما تلتقي أعواده إلا عند حرقها بعد قطعها، كذلك انتم لا تلتقون إلا عند وفاة أحدكم في الصلاة عليه. ويضرب في المبالغة في الجفا، نعوذ بالله منه ومن سفره.
قال الوسيم القسيم عمر الطيب الدوش، رحمه الله الرحمة الحقة:
تفضّل ..
يا خفيف الضُل
ورشْرِش صبرَك الباير
وارفَع صوتَك الحنضل
وألعن ما يهمّك زول..
أبوك يا سوق ، سليل الغم
أبو الطوريَّهْ والمنجَل
وخال الرّجْلَهْ عم الدنيا جِد الفِجْلَهْ والفِلْفِل
وشَكْل القُفَهْ والكرتونَهْ والجردَل
والعَن ما يفوتَك زول
من الشارين من البايعين
وجِنْس البِرضَى والبزَعَل
واشْتُم ياخى إيه فضّل؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.