في بوادينا وخاصة بين مزارعي الامتداد النيلي، أو بالأحرى مزارعي الري الصناعي، تجد مصطلح ( إنبهلت) يستخدم عندما تتسرب المياه من قناة الري، وفجأة يتسع موقع التسرب، فيصعب السيطرة والتحكم عليه، الا بإيقاف ماكينة الري وتجفيف القناة. يقول البعض، إن التظاهرات التي تشهدها السودان منذ خمس ليالي، جاءت نتاج السياسات الاسعافية لردم الهوة الكبيرة في الميزانية وغلاء الاسعار، الا ان ذلك بلا شك رأي يجانبه الصواب. فالتظاهرات ستستمر حتى وان تراجعت الحكومة عن قراراتها الاقتصادية ( أي حتى وإن أوقفت ماكينة الري!). غير أن استمرار التظاهرات يحتاج الى دفع سياسي واعلامي مصاحب، حتى يشتد عودها، خاصة وان تلك التحركات الجماهيرية كانت نتاج تراكمات من الغبن السياسي والجهوي. وكل شعوب العالم الثالث، تجدها مترددة دائماً في كيفية الانتفاض على حكامها، بسبب الحيطة والسياج الفكري والأمني، التي تضربه تلك الأنظمة على شعوبها لتغييبهم، بما يضمن استمراريتها، فما إن تبدأ الجماهير تدريجياً في التحركات، حتى ينفرط عقد الخضوع للنظام. تتعدد أسباب كل واحد من الجماهير، ولكن تجمع بينهم جميعاً وتوحدهم الضائقة المعيشية، لتبدأ في إجترار الذكريات، وتبدأ أحلام الحرية تتدفق عليها، فتستمر لتحقيق الهدف الأكبر، وهو زوال النظام. اذاً نحن بالسودان، بدأ فعلياً عندنا التفاعل الايجابي مع تلك التراكمات من ظلم وتمكين لدولة الحزب، والتي صاحبت الانقاذ منذ انقلابها على الديمقراطية، وهذا التفاعل لن يتوقف بعد أن بدأ، وستكون نهايته بنهاية النظام. نأمل ألا تصاحب ذلك التحرك خطوات تكون خصماً على حلم أبناء السودان وعلى المستقبل ( فتنبهل! ) الدولة بكاملها وتفقد السيطرة على مكوناتها وتنوعها. wasila mustafa [[email protected]]
