المشهد: في هذا اليوم، السبت/04 يوليو 2009م اضطرِرتُ إلي الخروج من المنزل/أبو سعد – أم درمان، في منتصف النهار، للذهاب إلي المكتب بالخرطوم/ العمارات، لإحضار وصلة الكهرباء الخاصة بجهاز الحاسوب المنقول، وكنت قد نسيته بالمكتب.. ذهبتُ، وعند عودتي إلي أم درمان اعترض طريقي شرطي الرقابة علي العربات الحكومية عند مدخل/ مخرج كبري النيل الأبيض من ناحية أم درمان، وطلب مني الوقوف جانباً وعلمت أنهم ناس الرقابة علي العربات الحكومية وقد أوقفوا عدداً كبيراً من العربات الحكومية ذات اللوحة الصفراء، وأنا أحد الذين يستخدمون تلك العربات سيئة السمعة، وعلمت أن هذا الفريق جديد وليس منهم أحد الشباب الطيبين الذين ظلوا يُسهِلون مهمتي كلما وجدتهم وتعرّفوا علي هويتي في غاية اللُطف، فتوجست منهم خِيفةً.. حضر إلي حيث مكثت داخل سيارتي أحد أفراد الفريق، وطلب منِي جُملة أشياء منها: إذن (التقريش) والرخصة ورخصة التظليل.. الخ، أخرجت له ما توفَّر لدي من المطلوبات وهي: رخصة القيادة الخاصة بي، آخر إذن التقريش (منتهي المدة لأن قروش التسيير لم تنزل بعد)، فضلاً عن بطاقتي الشخصية المبيّن عليها وظيفتي (الرفيعة نسبياً) لعلها تشفع لي ما لم يتوفر من الأوراق المطلوبة، علي أن ذلك الشاب أخذ أوراقي وذهب بها إلي مكتبهم(السيارة) وتأخر ولم يعِرنِي الاهتمام المطلوب، فنزلت وذهبتُ صوبَ سيارتهم وحييتهم وطلبت منهم أن يسهلوا مُهمتي، فقال لي مسئول المجموعة: التقريش مدته منتهية، ورخصة القيادة الخاصة بك ملاكي ونحن نريد رخصة حكومية، والتظليل لم تبرز لنا رخصته.. فسألته: ما هو الحل إذاً ؟ فأجاب أن أحرر لك صكاً بحجزِ العربة، ونقوم بحجزها لحين استيفاء المطلوب!! انتابني غضبٌ كاد يتفجَّر، وكان الشارع حينه ممتلئ بالمارَّة والسيارات العامة والخاصة والجميع يتفرج بشماتة علي الذين ضُبِطُوا متلبسين من موظفِي الحكومة، فآثرت الهرب بجلدي من هذا المشهد السخيف، فطلبت منه أن يتسلَّم فوراً العربة بما حوت وهي (مُدوِرة) ولم آخذ منها غيرة الوصلة التي خرجت أساساً لإحضارها وجريدتين اشتريتهما في الطريق. أبلغت السيد نائب الأمين العام للسلطة الانتقالية الإقليمية لدارفور ليتولَّى إدارة الأزمة مع الجماعة لأنه القادر علي ذلك طبعا، وهو ذو صفتين الأولي: إنه ضابط بوليس كبير، والثاني إنه نافذ في الحكومة وكلمته مسموعة، وليس مثلنا حيث يستطيع أي عسكري (نفر) أن يرسلنا إلي ما وراء الشمس.. ذهبت إلي المنزل وتناسيت الأمر رغم مرارته وخُلوِه من الذوق، وأكرمني الله أن أرسل لي أحد الإخوة وقت الموقف السخيف فقام بتوصيلي. تحرك الأخ العزيز/ نائب الأمين العام بسرعة وفاعلية تجاه هذا التصرف غير اللائق وذهب إلي موقع الحدث ووجد فريق الرقابة وقد اقتادوا السيارة إلي مكان ما، وبتتبعه للأمر، تم الاتصال به لاحقاً من فريق الرقابة يبلغونه أنهم تعرضوا لحادث حركة بالسيارة وتم إصابتها بعطب كبير ومؤثر وإنهم بصدد البحث عن مخرج مما حدث لهم، علماً بأنني وبرخصتي الملاكي الذي عابوه ظللت أقود هذه السيارة لأكثر من عامين دون أن أتورط في أي حادث تصادم أو مجرد احتكاك طفيف، رُخصتي الملاكي الذي أباه بناءو الرقابة أصبح حجر الزاوية.. العبرة بالرخصة وليس بكونها حكومية أو شعبية، بينما فريق الرقابة برخصتها الحكومية استطاعت تدمير سيارتي في أول خمس دقائق من نزعها مِنِّي، ولست أدري ما سيحدث لمقتنياتي التي تركتها، من فرط غضبي وغيظي، داخل السيارة، ناهيك عن المدة التي ستمضي حتى أتمكن من استرداد السيارة صالحة للاستخدام. هذا هو المشهد، فإلي التعليق: التعليق علي المشهد أعلاه: 1- من أسوأ المظاهر، مشهد توقيف العربات الحكومية في الشارع العام لتفتيش استيفائها شروط إدارية،يجمُل معالجتها في دواوين الحكومة وليس في عُرض الشارع العام، والسوء يأتي من كونِ أنَّ، ليس كل الذين يقودون العربات الحكومية يستحقون هذا التوقيف في الشارع العام، لأسباب وظيفية وأخري تأمينية، وهل في الوظيفة الحكومية شئ يغري غير الترتيب الوظيفي والتوقير المُتبادل؟ ماذا يفعل الناس بالوظيفة إذا كان بوسع أصغر موظف رقابة علي عربات حكومية أن يتربص بموظف كبير تحت أي كبري من الكباري ليقلع منه السيارة الحكومية، ليس لخطأ شخصي من جانب الموظف ولكن لقصور إداري ليس هو طرفاً فيه، مثل (إذن التقريش) أو رخصة القيادة الحكومية، التي أزعم أن من الموظفين الكبار من هو ليس بحاجة إليها، لأنه، ليس سائقاً محترفاً وأنه برخصته الملاكي يستطيع أن يحافظ علي العربة التي في عهدته، فانا مثلاً حافظت علي العربة الحكومية لثلاثين شهراً متتالية، برخصتي الملاكي، دون صدمة واحدة، بينما الذي نزعها مني قسراً من جماعة الرقابة، هشمَّ عظمها بحادثة طائشة في أول خمسة دقائق من نزعها مِنِّي!! فالذي يجب أن يُثبَّت هو عدم التعسف في تطبيق القانون، ولا أري سبباً لنزع العربة في الشارع العام من موظف بدرجة رفيعة يجب علي الجميع توقيره وإعانته علي أداء المهام الموكلة له في مناخ ملائم. 3- (التقريش) هو إجراء غريب مفاده أن تكون العربة في حوزة الموظف ومقابل ذلك تدفع الوحدة الحكومية مبالغ شهرية ل(التقريش)، وأري أن العكس هو الصواب، أن تُدفَع الحكومة للموظفين الحائزين لأنهم يقومون بتحريز العربات والحفاظ عليها وصونها سنين عدداً دون خدش أو صِدام، ويجب تُحفّيز الوحدات والأجهزة الحكومية علي تحريزها وحفاظها وصونها للمال العام من خلال إجراءات وجهود ذاتية لمنسوبيها، او علي الأقل إكرامهم بعد ترصُّدِهم وقطع الطريق عليهم أسفل الكباري، وجعلهم فُرجة للناس.. بدلاً من ذلك ينشط جهاز الرقابة في إلزام الأجهزة الحكومية علي دفع مبالغ طائلة بلا مقابل، نحن نصون المال العام من أمثلة سيارتي التي حافظت عليها سليمة مصونة لثلاثين شهراً كاملة، لينهض بتدميرها موظف الرقابة بعد خمسة دقائق من نزعها مني في الشارع العام في مشهد لا يليق بي ولا بأجهزة الدولة فيما بينها!! 4- والذي يبعث علي الأسى أن هذه المعاملة الغريبة والترصُّد غير المُبرر ليست ظاهرة عامة يخضع له الجميع، وليس مقصوداً منها السائقين الذين يستغلون العربات الحكومية في أعمال خاصة، هذا العمل يتم انتقائيا ولا يُعمم علي الجميع، فهناك فئات لا يجرؤ العاملين في الجهاز الرقابي علي مجرد توقيفهم في الشارع، ليظل السودان دولة اختلال المعايير والمحسوبية والمحاباة ما دامت السماوات والأرض، وليتجرأ أصغر موظف في جهاز الرقابة علي العربات الحكومية التجاسر علي أرفع الموظفين في أجهزة حكومية(Vulnerable) أو مُعرَّضة دوماً لنزق أجهزة أخري، وليعلم الذين قاموا بهذا العمل أنني كنت أستطيع وقفه بكل سهولة، بعمل أكثر منه سلبية، ولكنني آثرت أن يتم حل المشكلة حلاً شاملاً من خلال أتباع الوسائل القانونية السليمة ومعالجتها إعلامياً بُغية إيجاد حلول ناجعة بوضعها في قائمة الأجندة السياسية، ويحتاج ذلك إلي إعلام حر ومسئول يحلل المواقف ويقترح الحلول والمعالجات.. وأخيراً، أقول وا أسفي علي سيارتي الجميلة، ولكن لن تبيضّ عينَّي من الحًزن عليها كما حدث لنبي الله يعقوب علي ابنه يوسف وأخيه، ويبقي السؤال: أين أنتِ الآن يا سيارتي الجميلة وكم تجدين من ألم جراء ما أصابك من تهشيم بفعل طيش ذلك الشخص الذي لا يعرف رعايتك وصونك، وحمايتك من عدوان الآخرين وتهورهم.