تشفير المشفر انتهت أمس واحدة من القصص الجدلية حول ثالث أكبر مشروعات التنمية أسستها الحكومة بعد مشروع البترول الذي ذهب جله إلى الدولة المنفصلة، وسد مروي الذي وصل خيره الغرة أم خيراً جوة وبرة (الأبيض)، بالافتتاح الرسمي لمشروع سكر النيل الأبيض الذي صمم لإنتاج (450) ألف طن سكر بجانب منتجات مصاحبة أخرى، وقد تعذر افتتاحه في وقت سابق بسبب المقاطعة الاقتصادية الأمريكية على البلاد، التي حرمت البلاد من شفرة تشغيل المصنع، الأمر الذي حدا برئيس الجمهورية المشير عمر البشير لحظر الشركات والمؤسسات الأجنبية التي ترغب الاستثمارات بالبلاد التعامل مع أي شركة تقاطع دولتها السودان اقتصادياً، وإن كان ذلك باللفة أي (تشفير المشفر)، وهو توجيه له ما بعده. كنت واحداً من المشاركين في حفل وضع حجر الأساس للمصنع الذي شرفه رئيس الجمهورية في عام 2004م، وكنت أمس الأربعاء الموافق الحادي عشر من يوليو حضورا في حفل تدشين تشغيل مصنع سكر النيل الأبيض على الرغم من أنني لم أر بالعين المجردة سكراً ينزل من المصنع بجوالات مكتوب عليها سكر النيل الأبيض، ولا حتى نماذج منه في معرض، ولكني رأيت بأم عيني البقاس (مخلفات القصب المعصور) الذي تكوم في شكل جبل كبير إلى درجة أنه يتم التعامل معه بالآليات الثقيلة لإزاحته من المنطقة، كما رأيت القصب الذي تستجلبه الجرارات من الحقول، تفرغه في سير عملاق والذي يحمله إلى جوف المصنع ليحوله إلى سكر... وكما يقول العرب البعرة تدل على البعير والسير على المسير، فإن ما شاهدته دلالة على وجود السكر، رغم أن جميع المصورين الذين ذهبنا معهم لم يصوروا السكر وهو نازل من المصنع، كما يفعل في مثل هذه الافتتاحات. إن ما رأيته وسمعت عنه من أقوال المختصين في المجال هو محل إعزاز وافتخار، خاصة أن الذين نفذوه هم من خبراء وعلماء السودان، وهو ما يبشر بمواصلة المشوار مصانع سكر أخرى في بقاع السودان المختلفة، وبالفعل فقد شمرت شركة سكر كنانة المنفذة لمصنع سكر النيل الأبيض لتنفيذ مصنع سكر الرديس بطاقة تصميمية (500) ألف طن، وأنها خطت خطوات متقدمة بحسب رواية العضو المنتدب للشركة محمد المرضي التجاني، بجانب العمل في مصنع سكر الرماش الذي يسير العمل جنباً إلى جنب مع الرديس، وبذلك تطبق شركة سكر كنانة معنى الآية (فاذا فرغت فانصب). على الرغم من أن المناسبة هي مناسبة حبور وفرح، إلا أن تقييمي للاحتفال أن هناك شيئا من الفتور والملل والتوتر غير المبرر، ولا أدري لماذا جاءني هذا الإحساس خاصة وأن التنظيم للاحتفال في غاية الروعة والترتيب، فقط هناك ضعف في صوت مكبرات الصوت في احتفال جماهيري في جو خريفي، وجماهير متشوقة لسماع حديث أهل الإنجاز، ومن قيادة البلاد، لربما هي تأثيرات ذاك التأجيل المفاجئ للمصنع في الفترة الفائتة، أو لامر آخر لا ندري، وسألت بطريقة غير مباشرة ولم أجد الاجابة.